ازرع المعروف تحصُد.
د. سمير يونس.
........
يُروى أن رجلاً كان يتناول الطعام مع زوجته،و على المائدة دجاجتان،فطرق الباب مسكين،فنهره الرجل،و ردَّه ردّاً سيِّئاً،و لم يعطه ما يسد به جوعته،و استاءت الزوجة لتصرف زوجها..و دارت الأيّام دورتها،و افتقر الرجل،و طلّق زوجته،فتزوجت زوجته برجل آخر..و ذات يوم كانت تتناول الطعام مع زوجها..و كان أمامها دجاجتان،و طرق الباب مسكين،فأمر الزوج زوجته بإعطاء المسكين إحدى الدجاجتين،ففعلت،و عادت و هي تبكي !!
فسألها عن سبب بكائها؟
فقالت: أتدري مَنْ السائل؟ إنّه زوجي الأوّل !!
فقال لها: أتدرين مَنْ أنا؟ أنا السائل الأوّل؟
....................
و يُروى أيضاً أن فلاحاً أسكتلندياً فقيراً كان – ذات يوم – يسعى لتحصيل رزقه و قوت أسرته، و بينما هو كذلك،إذا به يسمع استغاثة طفل تأتي من مستنقع قريب !!
ترك الفلاح حقله و أدوات عمله و جرى نحو المستنقع؛فوجد صبياً قد سيطر عليه الخوف،و قد غاص في وَحْلِ المستنقع،و كان يستجمع قواه و يكافح،محاولاً إنقاذ نفسه،فأسرع الفلاح نحو الطفل،و أنقذه من هلاك محقق.
في اليوم التالي،كان الفلاح في بيته،و إذا بسيارة فارهة فخمة،تأتي و تقف أمام بيت الفلاح الفقير،و خرج من السيارة رجل أنيق،و طرق باب الفلاح و سلم عليه،و قدّم نفسه للفلاح،و عرَّفه بأنّه والد الطفل الذي أنقذه الفلاح أمس،و أنّه جاء ليشكره على حُسن صنيعه و شهامته في إنقاذ ابنه.
و بينما كان الرجل الأنيق و الفلاح يتحاوران إذا بابن الفلاح يخرج من البيت،و يقف على باب الكوخ الذي يسكنه الفلاح و أسرته،فسأل الرجل الأنيق الفلاح: هل هذا ابنك؟
فأجابه الفلاح بفخر و اعتزاز: نعم،إنّه ابني.
فقال الرجل الأنيق: أرغب أن أعقد معك اتفاقاً،هل تسمح لي؟ فأجابه الفلاح نعم،تفضل يا سيدي.
فقال الرجل: أرغب في أن أكافئك على معروفك،و أقترح أن أقدم لإبنك الخدمة التعليمية التي أقدمها لإبني،و أرجو أن تلبي رغبتي و تحقق مجلبي،فوافق الفلاح.
تبنى الرجل الأنيق رعاية ابنه و ابن الفلاح،و قدم لهما تعليماً متميّزاً في مدارس متميّزة،و ظل يرعاهما،إلى أن تخرج ابن الفلاح من مدرسة الطب بمستشفى "سانت ماري" في لندن!!
هل تعرف – عزيزي القارئ – ابن الفلاح؟
إنّه مكتشف "البنسلين" "ألكسندر فلمنج" الطبيب المشهور!!
و لا تزال للقصة بقية..فبعد سنوات أصيب ابن الرجل الأنيق بالتهاب رئوي،فكان الطبيب ابن الفلاح "ألكسندر فلمنج" هو المنقذ له،و ذلك باختراع "البنسلين"،و لم يكن الطبيب "فلمنج" منقذاً لإبن الرجل الأنيق فحسب،بل أنقذ باختراعه (البنسلين) ملايين البشر فيما بعد!!
و لكن..هل تعرف – عزيزي القارئ – مَنْ هذا الرجل الأنيق؟
إنّه "راندولف تشرشل"،و قد كان رئيس وزراء بريطانيا الذي أنقذ بريطانيا من الهلاك و الدمار في الحرب العالمية.
هل تعرف – عزيزي القارئ – مَنْ ابنه الذي أنقذه الفلاح من الوحل و أنقذه ابن الفلاح من المرض؟ إنه السير "وينستون تشرشل".
إنّ المعروف لا يضيع أبداً،و إن ضاع عند البشر فلن يضيع عند رب البشر،و إنّ النظرة الإيجابية البعيدة للأمور هي الرصيد الحقيقي للإنسان..ذلك الإنسان الذي يستثمر أية فرصة تسنح له لصُنع المعروف و تقديمه لمن يعرف و لمن لا يعرف.
و صدق رسولنا الكريم (صلى الله عليه و سلم) إذ يقول: "اصنع المعروف في أهله و في غير أهله،فإن صادف أهله فهو أهله،و إن لم يصادف أهله فأنت أهله".
و ما أعذب قول الشاعر في إسداء المعروف و ثمراته:
ازرع جميلاً و لو طال في غير موضعه **** فلن يضيع جميل أينما زرعا
إنّ الجميل و إن طال الزمان به **** فليس يحصده إلا الذي زرعا
إنّ إسداء المعروف يعبر عن صفات حميدة عظيمة يتصف بها صاحبه،و هي قيم تصنع الرجال،و تهدي الأجيال،و ترتقي بهم إلى مدارج الرقي و الكرم و السخاء،سواء قُدِّم المعروف لأهله أم لغير أهله.
إنّ إسداء المعروف يؤلف القلوب،و يجعل الناس يعيشون في سعادة و وئام و سلام،و هو من سمات أُمّة أُخرجت للناس،و أوضح أن تقديم المعروف هو من أعظم المؤهلات التي استحقت بها هذه الخيرية،قال تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...) (آل عمران/ 110).
......................
- تصحيح مفهوم:
بعض الناس يسأل نفسه قبل أن يقدم المعروف لإنسان: هل هذا الإنسان يستحق المعروف لأقدمه إليه؟ فإن كان يستحق قدّمه له،و إن رآه لا يستحق امتنع عن تقديم هذا المعروف،و الكريم لا يزهد في الخير بسبب جحود مستحقيه،و لا يعمل بقول الشاعر:
و زهدني في كل خير صنعته **** إلى الناس ما جرَّبْتُ مِنْ قلة الشكر.
فالحق أنّ الخير في تقديم المعروف،هذا هو هدي الإسلام،و تلك أخلاق رسول الإسلام،فإن قدمت المعروف لمن يستحق فهو أهل لمعروفك،و إن قدمته لشخص لا يستحق فأنت أهل للثواب الذي أعده لك ربك سبحانه و تعالى.
نسمع كثيراً في الأمثال: "اعمل المعروف و ارْمِهِ البحر"،لكنك في الواقع لا ترميه بالبحر،لأن ما يرمى بالبحر لا تُنتظر عودته،و هذا على عكس المعروف الذي تقدمه،لأن أجره سيعود عليك بإذن الله،مادمت أخلصت به النية لله عزّ و جلّ.
و مما أُثر عن ابن عباس (رضي الله عنه) قوله: "المعروف أمْيَزُ زَرْعٍ و أفضل كَنْز".و قال بعضهم: "لا يُزهدنك في المعروف كفرُ من كَفَرَه،فإنّه يشكرك عليه مَنْ لا تصنعه إليه".
و المعنى: لا يصرفك عن فعل المعروف جحود مَنْ تُقدم إليه معروفك.
و قيل أيضاً: "لا يُزهدنك في اصطناع المعروف دمامة من تسديه إليه،و لا من ينبو بصرُك عنه،فإن حاجتك في شكره و وقائه لا في منظره".
و لم أَرَ كالمعروف أما مذاقه **** فحُلوٌ و أمَّا وجهه فجميل.
و ما أروع قول الشاعر في زراعة الخير و المعروف:
مَنْ يزرع الخيرَ يحصد ما يُسَرُّ به **** و زارعُ الشرِّ منكوسٌ على الرأسِ.
و قال ابن المبارك:
يدُ المعروف غُنْمٌ حيث كانتْ **** تحملها شكور أو كفور
ففي شكر الشكور لها جزاء **** و عند الله ما كفر الكفور.
و أنشد ابنُ دريد:
و ما هذه الأيام إلا معادة **** فما استطعت من معروفها فتزود
فإنك لا تدري بأية بلدة **** تموتُ و لا ما يُحدثُ الله في غَد.
و قال بزرجمهر: "خير أيام المرء ما أغاثَ فيه المضطر،و ارتهن فيه الشكر، و استرق فيه الحُرّ".
................
- و في المعروف سعادة للطرفين:
يقول زيد ابن علي: "ما شيءٌ أفضل من المعروف إلا ثوابه،و ليس كل مَنْ يرغب فيه يقدر عليه،و لا كلُّ مَنْ قدرَ عليه يؤذن له فيه؛فإذا اجتمعت الرغبة و القدرة و الإذن تمت السعادة للطالب و المطلوب منه".
.........
- و في المعروف علاجٌ و دواءٌ:
من هدي القرآن الكريم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة/ 103).
ففي هذه الآية تأكيد للتأثير العلاجي الإيجابي؛حيث تُطهر الصدقة نفوس الأغنياء من البخل و الشح،كما تُطهر قلوب الفقراء و صدورهم من الحقد و الحسد.
و يرى بعضهم أن مَنْ لا يداويه المعروف ليس له دواء إلا العقاب،و من هذا المعنى يقول عبدُ مناف: "دواءُ مَنْ لا يصلحه الإكرام الهوان".
و في المعنى ذاته أنشد الشاعر:
مَنْ لم يُؤدبْه الجميل **** ففي عقوبته صلاحه.
و من هدي رسولنا الكريم (صلى الله عليه و على آله و صحبه):" كل معروف صدقة".
...........
- أفضل المعروف:
و أفضل معروف ما أخفاه العبد من أعين البشر،و دفعه إليه إخلاصه لله،و طلبُ الأجر من ربه،لذا فقد روي أنّ الحجاج بن يوسف الثقفي كان يستحمّ و كاد أن يغرق،فرآه أحد المسلمين فأنقذه، و عندما حمله إلى البر قال له الحجاج: اطلب ما تشاء؛فطلبك مجاب،فقال الرجل: و مَنْ أنت حتى تجيب لي أي طلب؟
قال: أنا الحجاج الثقفي،فقال الرجل:
طلبي الوحيد أني أسألك بالله ألا تخبر أحداً أني أنقذتك !.
إنّنا بالمعروف نبني الرجال و الأوطان و الأخلاق،و نوجد الأمن و الأمان،و الطمأنينة و السلام،و الحب و الوئام.
.........
موقع البلاغ.
د. سمير يونس.
........
يُروى أن رجلاً كان يتناول الطعام مع زوجته،و على المائدة دجاجتان،فطرق الباب مسكين،فنهره الرجل،و ردَّه ردّاً سيِّئاً،و لم يعطه ما يسد به جوعته،و استاءت الزوجة لتصرف زوجها..و دارت الأيّام دورتها،و افتقر الرجل،و طلّق زوجته،فتزوجت زوجته برجل آخر..و ذات يوم كانت تتناول الطعام مع زوجها..و كان أمامها دجاجتان،و طرق الباب مسكين،فأمر الزوج زوجته بإعطاء المسكين إحدى الدجاجتين،ففعلت،و عادت و هي تبكي !!
فسألها عن سبب بكائها؟
فقالت: أتدري مَنْ السائل؟ إنّه زوجي الأوّل !!
فقال لها: أتدرين مَنْ أنا؟ أنا السائل الأوّل؟
....................
و يُروى أيضاً أن فلاحاً أسكتلندياً فقيراً كان – ذات يوم – يسعى لتحصيل رزقه و قوت أسرته، و بينما هو كذلك،إذا به يسمع استغاثة طفل تأتي من مستنقع قريب !!
ترك الفلاح حقله و أدوات عمله و جرى نحو المستنقع؛فوجد صبياً قد سيطر عليه الخوف،و قد غاص في وَحْلِ المستنقع،و كان يستجمع قواه و يكافح،محاولاً إنقاذ نفسه،فأسرع الفلاح نحو الطفل،و أنقذه من هلاك محقق.
في اليوم التالي،كان الفلاح في بيته،و إذا بسيارة فارهة فخمة،تأتي و تقف أمام بيت الفلاح الفقير،و خرج من السيارة رجل أنيق،و طرق باب الفلاح و سلم عليه،و قدّم نفسه للفلاح،و عرَّفه بأنّه والد الطفل الذي أنقذه الفلاح أمس،و أنّه جاء ليشكره على حُسن صنيعه و شهامته في إنقاذ ابنه.
و بينما كان الرجل الأنيق و الفلاح يتحاوران إذا بابن الفلاح يخرج من البيت،و يقف على باب الكوخ الذي يسكنه الفلاح و أسرته،فسأل الرجل الأنيق الفلاح: هل هذا ابنك؟
فأجابه الفلاح بفخر و اعتزاز: نعم،إنّه ابني.
فقال الرجل الأنيق: أرغب أن أعقد معك اتفاقاً،هل تسمح لي؟ فأجابه الفلاح نعم،تفضل يا سيدي.
فقال الرجل: أرغب في أن أكافئك على معروفك،و أقترح أن أقدم لإبنك الخدمة التعليمية التي أقدمها لإبني،و أرجو أن تلبي رغبتي و تحقق مجلبي،فوافق الفلاح.
تبنى الرجل الأنيق رعاية ابنه و ابن الفلاح،و قدم لهما تعليماً متميّزاً في مدارس متميّزة،و ظل يرعاهما،إلى أن تخرج ابن الفلاح من مدرسة الطب بمستشفى "سانت ماري" في لندن!!
هل تعرف – عزيزي القارئ – ابن الفلاح؟
إنّه مكتشف "البنسلين" "ألكسندر فلمنج" الطبيب المشهور!!
و لا تزال للقصة بقية..فبعد سنوات أصيب ابن الرجل الأنيق بالتهاب رئوي،فكان الطبيب ابن الفلاح "ألكسندر فلمنج" هو المنقذ له،و ذلك باختراع "البنسلين"،و لم يكن الطبيب "فلمنج" منقذاً لإبن الرجل الأنيق فحسب،بل أنقذ باختراعه (البنسلين) ملايين البشر فيما بعد!!
و لكن..هل تعرف – عزيزي القارئ – مَنْ هذا الرجل الأنيق؟
إنّه "راندولف تشرشل"،و قد كان رئيس وزراء بريطانيا الذي أنقذ بريطانيا من الهلاك و الدمار في الحرب العالمية.
هل تعرف – عزيزي القارئ – مَنْ ابنه الذي أنقذه الفلاح من الوحل و أنقذه ابن الفلاح من المرض؟ إنه السير "وينستون تشرشل".
إنّ المعروف لا يضيع أبداً،و إن ضاع عند البشر فلن يضيع عند رب البشر،و إنّ النظرة الإيجابية البعيدة للأمور هي الرصيد الحقيقي للإنسان..ذلك الإنسان الذي يستثمر أية فرصة تسنح له لصُنع المعروف و تقديمه لمن يعرف و لمن لا يعرف.
و صدق رسولنا الكريم (صلى الله عليه و سلم) إذ يقول: "اصنع المعروف في أهله و في غير أهله،فإن صادف أهله فهو أهله،و إن لم يصادف أهله فأنت أهله".
و ما أعذب قول الشاعر في إسداء المعروف و ثمراته:
ازرع جميلاً و لو طال في غير موضعه **** فلن يضيع جميل أينما زرعا
إنّ الجميل و إن طال الزمان به **** فليس يحصده إلا الذي زرعا
إنّ إسداء المعروف يعبر عن صفات حميدة عظيمة يتصف بها صاحبه،و هي قيم تصنع الرجال،و تهدي الأجيال،و ترتقي بهم إلى مدارج الرقي و الكرم و السخاء،سواء قُدِّم المعروف لأهله أم لغير أهله.
إنّ إسداء المعروف يؤلف القلوب،و يجعل الناس يعيشون في سعادة و وئام و سلام،و هو من سمات أُمّة أُخرجت للناس،و أوضح أن تقديم المعروف هو من أعظم المؤهلات التي استحقت بها هذه الخيرية،قال تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...) (آل عمران/ 110).
......................
- تصحيح مفهوم:
بعض الناس يسأل نفسه قبل أن يقدم المعروف لإنسان: هل هذا الإنسان يستحق المعروف لأقدمه إليه؟ فإن كان يستحق قدّمه له،و إن رآه لا يستحق امتنع عن تقديم هذا المعروف،و الكريم لا يزهد في الخير بسبب جحود مستحقيه،و لا يعمل بقول الشاعر:
و زهدني في كل خير صنعته **** إلى الناس ما جرَّبْتُ مِنْ قلة الشكر.
فالحق أنّ الخير في تقديم المعروف،هذا هو هدي الإسلام،و تلك أخلاق رسول الإسلام،فإن قدمت المعروف لمن يستحق فهو أهل لمعروفك،و إن قدمته لشخص لا يستحق فأنت أهل للثواب الذي أعده لك ربك سبحانه و تعالى.
نسمع كثيراً في الأمثال: "اعمل المعروف و ارْمِهِ البحر"،لكنك في الواقع لا ترميه بالبحر،لأن ما يرمى بالبحر لا تُنتظر عودته،و هذا على عكس المعروف الذي تقدمه،لأن أجره سيعود عليك بإذن الله،مادمت أخلصت به النية لله عزّ و جلّ.
و مما أُثر عن ابن عباس (رضي الله عنه) قوله: "المعروف أمْيَزُ زَرْعٍ و أفضل كَنْز".و قال بعضهم: "لا يُزهدنك في المعروف كفرُ من كَفَرَه،فإنّه يشكرك عليه مَنْ لا تصنعه إليه".
و المعنى: لا يصرفك عن فعل المعروف جحود مَنْ تُقدم إليه معروفك.
و قيل أيضاً: "لا يُزهدنك في اصطناع المعروف دمامة من تسديه إليه،و لا من ينبو بصرُك عنه،فإن حاجتك في شكره و وقائه لا في منظره".
و لم أَرَ كالمعروف أما مذاقه **** فحُلوٌ و أمَّا وجهه فجميل.
و ما أروع قول الشاعر في زراعة الخير و المعروف:
مَنْ يزرع الخيرَ يحصد ما يُسَرُّ به **** و زارعُ الشرِّ منكوسٌ على الرأسِ.
و قال ابن المبارك:
يدُ المعروف غُنْمٌ حيث كانتْ **** تحملها شكور أو كفور
ففي شكر الشكور لها جزاء **** و عند الله ما كفر الكفور.
و أنشد ابنُ دريد:
و ما هذه الأيام إلا معادة **** فما استطعت من معروفها فتزود
فإنك لا تدري بأية بلدة **** تموتُ و لا ما يُحدثُ الله في غَد.
و قال بزرجمهر: "خير أيام المرء ما أغاثَ فيه المضطر،و ارتهن فيه الشكر، و استرق فيه الحُرّ".
................
- و في المعروف سعادة للطرفين:
يقول زيد ابن علي: "ما شيءٌ أفضل من المعروف إلا ثوابه،و ليس كل مَنْ يرغب فيه يقدر عليه،و لا كلُّ مَنْ قدرَ عليه يؤذن له فيه؛فإذا اجتمعت الرغبة و القدرة و الإذن تمت السعادة للطالب و المطلوب منه".
.........
- و في المعروف علاجٌ و دواءٌ:
من هدي القرآن الكريم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة/ 103).
ففي هذه الآية تأكيد للتأثير العلاجي الإيجابي؛حيث تُطهر الصدقة نفوس الأغنياء من البخل و الشح،كما تُطهر قلوب الفقراء و صدورهم من الحقد و الحسد.
و يرى بعضهم أن مَنْ لا يداويه المعروف ليس له دواء إلا العقاب،و من هذا المعنى يقول عبدُ مناف: "دواءُ مَنْ لا يصلحه الإكرام الهوان".
و في المعنى ذاته أنشد الشاعر:
مَنْ لم يُؤدبْه الجميل **** ففي عقوبته صلاحه.
و من هدي رسولنا الكريم (صلى الله عليه و على آله و صحبه):" كل معروف صدقة".
...........
- أفضل المعروف:
و أفضل معروف ما أخفاه العبد من أعين البشر،و دفعه إليه إخلاصه لله،و طلبُ الأجر من ربه،لذا فقد روي أنّ الحجاج بن يوسف الثقفي كان يستحمّ و كاد أن يغرق،فرآه أحد المسلمين فأنقذه، و عندما حمله إلى البر قال له الحجاج: اطلب ما تشاء؛فطلبك مجاب،فقال الرجل: و مَنْ أنت حتى تجيب لي أي طلب؟
قال: أنا الحجاج الثقفي،فقال الرجل:
طلبي الوحيد أني أسألك بالله ألا تخبر أحداً أني أنقذتك !.
إنّنا بالمعروف نبني الرجال و الأوطان و الأخلاق،و نوجد الأمن و الأمان،و الطمأنينة و السلام،و الحب و الوئام.
.........
موقع البلاغ.