تحدَّ ذاتك..تحقق نجاحك.
* رتشارد براتسون/ ترجمة: سميح أبو فارس.
ليكن طموحك عالياً
جرب أشياء جديدة
حاول دائماً
تحدَّ ذاتك
يحتاج كل شخص شيئاً يطمح إلى تحقيقه. يمكنك أن تسميه تحدياً، أو هدفاً. هذا ما يجعلنا بشراً. إنّ التحديات هي التي حولتنا من أهل الكهوف إلى السعي لبلوغ النجوم. إذا تحديت ذاتك، فإنك سوف تنمو وتتغير حياتك. سيكون استشرافك إيجابياً. ليس من السهل دائماً بلوغ أهدافك ولكن هذا ليس مبرراً للتوقف. لا تقل أبداً: أنا انتهيت. وإنما قل لنفسك: "يمكنني فعله وسأظل أحاول إلى أن أفوز".
في رأيي، هناك نوعان من التحدي. أحدهما هو أن أبذل أقصى ما أستطيع في العمل. والثاني هو أن أبحث عن مغامرة. أحاول أن أفعل كليهما. أحاول أمتد إلى أقصى حد. أنا مندفع. أحب تحدي البحث عن أشياء جديدة وأفكار جديدة، بالنسبة لي، البحث متعة.
واجهت أوّل تحدّ كبير عندما كنت في الرابعة أو الخامسة من عمري حين ذهبنا في أحد فصول الصيف إلى ديفون لمدة أسبوعين بصحبة عماتي وأحد أعمامي. عندما وصلنا إلى هناك، ركضت على الشاطئ وحملقت في البحر. لم أكن أستطيع السباحة وراهنتني عمتي جويس (Joyce) بمبلغ عشرة شلنات بأنني لن أتمكن من تعلم السباحة بحلول نهاية العطلة. قبلت الرهان واثقاً من أنني سأربحه. كان البحر في معظم الأيام هائجاً وكانت الأمواج عالية، ولكنني حاولت لساعات. وكنت يوماً تلو الآخر أتخبط في الماء وإحدى قدمي في القعر. أصبح جسمي أزرق من البرد وابتلعت كمية كبيرة من ماء البحر ولكن لم أستطع السباحة رغم ذلك.
قالت عمتي جويس بلطف: "لا تهتم، ريكي. هناك دائماً السنة التالية".
لقد خسرت الرهان وكنت متأكداً من أنها سوف تنسى الأمر في السنة القادمة. وفي رحلة العودة إلى بيتنا في السيارة، حملقت خارج النافذة. كم كنت أرغب في تعلم السباحة. كرهت أن أخسر الرهان، كان يوماً حاراً وفي خمسينيات القرن العشرين كانت الطرق ضيقة جدّاً. لم نكن نسير بسرعة كبيرة حين رأيت نهراً. لم نكن قد عدنا إلى منزلنا وبالتالي ما زلنا حقاً في عطلة، عرفت أنها آخر فرصة لي للفوز.
صرخت قائلاً: "اوقفوا السيارة!" كان والداي على علم بالرهان وعلى الرغم من أنهما من الواضح لم يكونا ليفعلا ما قلته حين كنت في ذلك العمر، فكرت في أن والدي عرفت ما أريد وكم كان الأمر يعني لي. فانحرف إلى حافة الطريق وتوقف وسألني: "ما الأمر؟"قالت أُمّي: "يريد ريكي أن يحاول مرّة أخرى الفوز بعشرة شلنات". قفزت خارج السيارة ونزعت ملابسي وركضت عبر حقل إلى النهر. وحين وصلت إلى حافة النهر، شعرت بالخوف. كان النهر يبدو عميقاً وسريع الجريان فوق صخور. كان هناك جزء موحل تشرب الأبقار منه. كان من السهل الوصول إلى الماء من هناك. أدرت رأسي ورأيت الجميع واقفين يراقبونني.
ابتسمت أُمّي ولوحت لي بيدها وقالت بصوتٍ عالٍ "يمكنك فعله يا ريكي!".
مشيت عبر الوحل وخضت في الماء. وما إن وصلت وسط الماء حتى علقت في التيار. غطست إلى الأسفل واختنقت. صعدت وجرفني التيار باتجاه مجرى النهر. أخذت نفساً عميقاً واسترخيت. علمت أن بوسعي فعله. وضعت إحدى قدميّ على صخرة واندفعت، وسرعان ما كنت أسبح. سبحت في دائرة صعبة ولكنني ربحت الرهان. سمعت العائلة تهلل فرحاً على حافة النهر. وعندما زحفت خارج النهر كنت منهكاً ولكنني فخور جدّاً. زحفت عبر الوحل ونبات القريص اللادغ لأصل إلى عمتي جويس التي كانت تلوح بالشلنات العشرة، قائلة: "أحسنت يا ريكي".
قالت أُمّي: "عرفت أن باستطاعتك أن تفعلها". وهكذا فعلتها، ولم أكن مستعداً للإستسلام إلى أن برهنتها.
كانت القراءة أحد الأشياء التي لم أكن أجيدها؛ إذا كنت أجد الدروس دائماً صعبة في المدرسة لأنني كنت أعاني من صعوبة قليلة في القراءة والكتابة. كرهت أن أعترف بالهزيمة ولكن مهما حاولت جاهداً، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الناس، فقد كنت أجد صعوبة في القراءة والكتابة، مما جعلني لسبب ما أريد أن أكون مراسلاً، وهو عمل يحتاج دائماً للقراءة والكتابة. حين عرفت أن مدرستي كانت تقيم مسابقة في موضوع أدبي، اشتركت فيها وكانت الدهشة حين فزت. فقد كنت الصبي الذي غالباً ما عوقب بضربة خيزران بسبب رسوبه في الإمتحانات. ولكنني ربحت مسابقة سهلة، وأحسست ببهجة عارمة.
حين أخبرت أُمّي، قالت: "عرفت أن بإمكانك الفوز، يا ريكي". أُمّي من ذلك النوع من الأشخاص الذين لا يقولون أبداً: "لا أستطيع" إذ تعتقد أن كل شيء ممكن إذا حاولت. ومنذ ذلك الحين فصاعداً، تحسن أدائي المدرسي. وتعلمت أن أركز على الكلمات الصعبة وتحسن لفظي. أعتقد أن هذا يوضح أنّه يمكنك تحقيق كل شيء تقريباً. وإنما عليك بذل الجهد. لم أتوقف عن تحدي نفسي، وانتقلت من الفوز بجائزة تلك المقالة إلى البدء في مجلة (Student). أعتقد أنني أردت أن أبرهن على أنّ الصبي الذي كان يضرب بالخيزرانة لعدم تمكنه من القراءة أو الكتابة بشكل جيِّد جدّاً يمكنه أن يفعلها. وقد فعلتها.
وعندما كبرت، واجهت تحديات أكبر. بدا وكأنني أتحرك بطاقة عالية. كنت أريد المغامرة وكأنّ الخطر يغويني. سبق أن سجلت رقماً قياسياً لكوني الأوّل في عبوري المحيط الأطلسي بمنطاد مع بيير. وثانياً، قررت عبور المحيط الهادئ من اليابان إلى الويالات المتحدة الأمريكية. وكانت مغامرة أشد خطورة بكثير عبر ثمانية آلاف ميل من عرض البحر ولم يكن أحد قد فعلها قبلاً. كنت أعرف مدى خطورتها؛ لأن منافسي كان قد مات للتوفي محاولة، فقد تمزق منطاده وهبط في بحر متجمد وكان الجو هائجاً للغاية ولم يمكن إنقاذه في الوقت المناسب ومات من شدة البرد.
لم تكن جوان تريد مني الذهاب في هذه الرحلة، ويجب أن أعترف أنني كنت خائفاً. ولكنني كنت قد وعدت بالذهاب، وكنا جاهزين للقيام بالمحاولة ولم يكن بوسعي الإنسحاب لذلك استسلمت للقدر. كان رأسي يطلب مني التوقف، ولكن قلبي طلب مني الذهاب. أياً كان الخطر، لن أستسلم وأعتقد أن جوان فهمت.
عرفت أنها ستكون رحلة غريبة، كنت لاعباً جماعياً أبحث دائماً عن فضل الأشياء في الناس بينما كان بيير محباً للإنفراد يبحث دائماً عن الأسوأ. كنت آمل أن يوازن أحدهما الآخر.
كانت سنة 1990 وقبل أن نغادر، أمضيت عطلة عيد الميلاد على جزيرة صغيرة قرب اليابان مع عائلتي وأصدقائي. كانت الجزيرة رائعة وهادئة جدّاً. شهدت الناس يصطادون الأسماك بطيور داجنة. وبدت حياتهم هادئة وساكنة. تساءلت: لم يفكرون بعجالتي الدائمة؟ وكنت أعرف فقط أنّ التحديات هي حافزي.
كانت خطتنا تقضي بعبور المحيط على أحد التيارات المتدفقة التي تدور حول الأرض على إرتفاع يتراوح بين 20 ألف و40 ألف قدم. وهي تجري بسرعة نهر في فيضان عارم. وأسفل ذلك، كانت الرياح أقل سرعة. وكانت مشكلتنا هي إرتفاع منطادنا الهائل الحجم من أعلاه إلى قاع الكبسولة في الأسفل. وكانت المسافة أكثر من 300 قدم. وعند إختراقنا التيار المتدفق، فإنّ النصف العلوي من المنطاد والقاع سوف يقطعان المسافة بسرعات مختلفة ويمكن أن يحدث أي شيء.
داخل الكبسولة، وضعنا مظلتينا وثبتنا أنفسنا بطوافات النجاة كي لا نهدر وقتاً ثميناً في فعل ذلك لاحقاً في حال حدث أي مكروه. ثمّ أشعلنا الحراقات. وعندما أخذنا نرتفع، صدمت قمة المنطاد قاع التيار المتدفق، وكان ذلك أشبه بالإرتطام بسقف زجاجي. حرقنا مزيداً من الوقود في محاولة لنرتفع ولكن الرياح كانت من القوة بمكان بحيث ظلت تدفعنا إلى الأسفل. حرقنا مزيداً من الوقود – وأخيراً اخترق المنطاد التيار. وقد أمسك التيار السريع قمة المنطاد انطلق مثل صاروخ، وأخذ يطير بزاوية جنونية بسرعة 115 ميل في الساعة. كانت الكبسولة التي كنّا بداخلها لا تزال تسير بسرعة 25 ميلاً في الساعة. أحسست وكأن آلاف الأحصنة تجرنا بعيداً. خشينا أن ينفلق المنطاد إلى نصفين وأن تندفع الكبسولة الثقيلة آلاف الأقدام إلى الأسفل وتهوي في البحر.
ولكن في اللحظة الأخيرة اندفعت الكبسولة عبر السقف الزجاجي واتخذ المنطاد وضعه الطبيعي.
قال بيير "ما من أحد فعل مثل هذا قط".
طرنا بسرعة كبيرة، أسرع مما كنت تعتقد أنّه ممكن. وبعد سبع ساعات، حان الوقت لنتخلص من أوّل خزان وقود فارغ. بدا لنا أنّه من الأسلم أن نهبط خارج التيار المتدفق لفعل ذلك. أوقفنا الحراقات وهبطنا إلى منطقة أقل سرعة. وعلى الفور، عملت الكبسولة بمثابة فرملة ولكن ظل المنطاد يندفع بعنف وسرعة. كان بإمكاننا رؤية البحر الرمادي الثائر على مسافة 25 ألف قدم أسفل منا، وتساءلت إن كنا سوف ننتهي في أعماقه.
ضغط بير على الزر لتحرير خزان الوقود الفارغ. وعلى الفور تمايلت الكبسولة جانباً وانحرفت الأرضية وسقطت على بيير. وقد انتابنا الهول حين وجدنا أن خزانين مليئين إضافة إلى الخزان الفارغ قد سقطا إلى جهة واحدة. وكان وزن كل منهما طناً واحداً. لم تكن الخزانات مائلة إلى جانب واحد وغير متوازنة فحسب، وإنّما لم يبق لدينا ما يكفي من الوقود للتحكم بارتفاعنا والعثور على نمط الرياح الصحيح وبالتالي لن نستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة. وبما أنّ المنطاد أصبح أخف بمقدار ثلاثة أطنان، فقد انطلق إلى الأعلى بسرعة وقد ارتطمنا بالتيار المتدفق بسرعة بالغة لدرجة أن إختراقنا للسقف الزجاجي كان أشبه بالرصاصة وواصلنا الإرتفاع. حرر بيير بعض الهواء من المنطاد ولكن مع ذلك بقينا نطير أعلى فاعلى.
كان قد تم تحذيرنا بأنّ القبة الزجاجية لكبسولتنا قد تنفجر عند إرتفاع 43 ألف قدم وأن رئتينا ومقلتينا سوف تسقط من جسدينا. وقد دخلنا عالم المجهول عندما أصبحنا على إرتفاع 41 ألف قدم، وبلغنا إرتفاعاً مخيفاً قدرة 42500 قدم. كنّا أعلى من أي إرتفاع بلغته أيّة طائرة، بإستثناء طائرة الكونكورد. وأخيراً، توقفنا عن الإرتفاع. وبرد المنطاد وبدأنا بالسقوط سريعاً. لم نكن نريد حرق وقود إضافي ولكن كنا مضطرين لفعل ذلك من أجل أن نتوقف عن السقوط.
لم نكن لنهبط في البحر حيث لم يكن هناك أحد لينقذنا. وكان علينا أن نستمر لمدة ثلاثين ساعة أخرى دون وقود تقريباً. ومن أجل بلوغ اليابسة، كان علينا أن نطير أسرع من أي منطاد طار قبل ذلك مما يعني بقاءنا مباشرة في وسط التيار المتدفق، وهي مسافة يبلغ عرضها مائة ياردة فقط. بدا الأمر مستحيلاً.
وكانت آخر قشة عندما فقدنا الإتصال اللاسلكي. مضت علينا ساعات ونحن نطير وكان بيير منهك القوى. واستلقى وراح لوهلة في سبات عميق. بقيت بمفردي. أنا لا أؤمن بالله ولكن في ذلك اليوم أحسست وكأن ملاكاً حارساً قد دخل الكبسولة وكان يساعدنا طوال الوقت. من الأقراص المدرّجة شاهدت أن سرعتنا أخذت تزداد أكثر فأكثر. ظننت أنني أحلم وصفعت وجهي للتأكيد من أنني مستيقظ. زادت سرعتنا من 80 ميلاً في الساعة إلى 180، ثمّ إلى 200 ثمّ إلى 240 ميل في الساعة. كان هذا غير مألوف وبدا وكأنّه معجزة.
كنت متعباً حتى العظم أحسست وكأنني في الفضاء الخارجي. عندما شاهدت أنواراً غريبة تتلألأ في القبة الزجاجية، ظننت أنها أرواح. وأخذت أراقبها وكأنني في حلم إلى أن أدركت أن كتلاً محترقة من الغاز كانت تتساقط في جميع الإتجاهات. كانت الحرارة في الخارج 70 درجة. لو ارتطمت كرة نارية بالقبة الزجاجية، فإنّها سوف تنفجر.
صرخت: "بيير. استيقظْ. إننا نحترق".
استيقظَ بيير بسرعة. وعرف على الفور ما يجب فعله. قال: اصعدْ بالمنطاد لغاية أربعين ألف قدم، حيث لا يوجد أوكسجين، وعندئذ سوف تنطفئ الحريق. على إرتفاع أقل بقليل من 43 ألف قدم انطفأت ألسنة النار وبدأنا الهبوط، ولكننا فقدنا وقوداً ثميناً. ثمّ عاود جهاز الراديو العمل. وقال صوت: لقد اندلعت الحرب في الخليج والأمريكيون يقصفون بغداد. بدا غريباً أنّه بينما كنّا بمفردنا تقريباً على حافة الفضاء، بدأت للتو حرب على الأرض.
أخبرنا طاقمنا الأرضي أن تيارنا المتدفق قد دار وأنّه سوف يعيدنا إلى اليابان. كان علينا أن نهبط فوراً داخل تيار متدفق أدنى، تيار يأخذنا إلى القطب الشمالي. هبطنا إلى مسافة 30 ألف قدم وطرنا ساعة تلو الساعة بسرعة تزيد على 200 ميل في الساعة في كبسولة منكفئة مائلة إلى جنب.
وهبطنا أخيراً وسط عاصفة ثلجية على بحيرة متجمدة في أقصى شمال كندا في منطقة قفراء يبلغ حجمها 200 ضعف حجم بريطانيا. كنا في غاية البعد عن الأماكن المطروقة بحيث إنّه قد احتاج إنقاذنا إلى ثماني ساعات. وبحلول ذلك الوقت كنّا قد تشققت أناملنا من شدة البرد.
قال بيير "في المرّة القادمة. سوف نطير حول العالم".
ضحكت ولكن عرفت أن ليس بوسعي رفض تحدّ. قمنا بالمحاولة بعد سنتين ولكن كان شخص ما قد سبقنا. خطتي الآن السفر إلى الفضاء مع مجرة فيرجن. قبل مغادرتنا لعبور المحيط الهادي، أرسلت لي ابنتي هوللي فاكساً كتبت فيه: "آمل ألا تهبط في الماء وتعاني من هبوط مزعج. آمل أن تهبط هبوطاً جيِّداً على أرض جافة".
بدا لي ذلك تعبيراً مجازياً رائعاً لحياتي. كنت محظوظاً. لغاية الآن، هبطت دائماً تقريباً على أرض جافة. أعتقد أنّ المؤلف ومتسلق الجبال جيمس أولمان (James Ullman) أوجز ذلك بالكامل حين قال كلمات أشبه بما يأتي: "التحدي هو القلب النابض الرئيس لجميع الأفعال البشرية". إذا كان هناك محيط، فإننا نعبره، إذا كان هناك مرض فإنّنا نشفيه. إذا كان هناك خطأ فإننا نصححه. إذا كان هناك رقم قياسي فإننا نحطمه، وإذا كان هناك جبل فإنّنا نتسلقه. أوافق تماماً وأعتقد جازماً أنّه ينبغي لنا الإستمرار في تحدي أنفسنا.
المصدر: الإقتحام (دروس في الحياة).
.......
موقع البلاغ.
* رتشارد براتسون/ ترجمة: سميح أبو فارس.
ليكن طموحك عالياً
جرب أشياء جديدة
حاول دائماً
تحدَّ ذاتك
يحتاج كل شخص شيئاً يطمح إلى تحقيقه. يمكنك أن تسميه تحدياً، أو هدفاً. هذا ما يجعلنا بشراً. إنّ التحديات هي التي حولتنا من أهل الكهوف إلى السعي لبلوغ النجوم. إذا تحديت ذاتك، فإنك سوف تنمو وتتغير حياتك. سيكون استشرافك إيجابياً. ليس من السهل دائماً بلوغ أهدافك ولكن هذا ليس مبرراً للتوقف. لا تقل أبداً: أنا انتهيت. وإنما قل لنفسك: "يمكنني فعله وسأظل أحاول إلى أن أفوز".
في رأيي، هناك نوعان من التحدي. أحدهما هو أن أبذل أقصى ما أستطيع في العمل. والثاني هو أن أبحث عن مغامرة. أحاول أن أفعل كليهما. أحاول أمتد إلى أقصى حد. أنا مندفع. أحب تحدي البحث عن أشياء جديدة وأفكار جديدة، بالنسبة لي، البحث متعة.
واجهت أوّل تحدّ كبير عندما كنت في الرابعة أو الخامسة من عمري حين ذهبنا في أحد فصول الصيف إلى ديفون لمدة أسبوعين بصحبة عماتي وأحد أعمامي. عندما وصلنا إلى هناك، ركضت على الشاطئ وحملقت في البحر. لم أكن أستطيع السباحة وراهنتني عمتي جويس (Joyce) بمبلغ عشرة شلنات بأنني لن أتمكن من تعلم السباحة بحلول نهاية العطلة. قبلت الرهان واثقاً من أنني سأربحه. كان البحر في معظم الأيام هائجاً وكانت الأمواج عالية، ولكنني حاولت لساعات. وكنت يوماً تلو الآخر أتخبط في الماء وإحدى قدمي في القعر. أصبح جسمي أزرق من البرد وابتلعت كمية كبيرة من ماء البحر ولكن لم أستطع السباحة رغم ذلك.
قالت عمتي جويس بلطف: "لا تهتم، ريكي. هناك دائماً السنة التالية".
لقد خسرت الرهان وكنت متأكداً من أنها سوف تنسى الأمر في السنة القادمة. وفي رحلة العودة إلى بيتنا في السيارة، حملقت خارج النافذة. كم كنت أرغب في تعلم السباحة. كرهت أن أخسر الرهان، كان يوماً حاراً وفي خمسينيات القرن العشرين كانت الطرق ضيقة جدّاً. لم نكن نسير بسرعة كبيرة حين رأيت نهراً. لم نكن قد عدنا إلى منزلنا وبالتالي ما زلنا حقاً في عطلة، عرفت أنها آخر فرصة لي للفوز.
صرخت قائلاً: "اوقفوا السيارة!" كان والداي على علم بالرهان وعلى الرغم من أنهما من الواضح لم يكونا ليفعلا ما قلته حين كنت في ذلك العمر، فكرت في أن والدي عرفت ما أريد وكم كان الأمر يعني لي. فانحرف إلى حافة الطريق وتوقف وسألني: "ما الأمر؟"قالت أُمّي: "يريد ريكي أن يحاول مرّة أخرى الفوز بعشرة شلنات". قفزت خارج السيارة ونزعت ملابسي وركضت عبر حقل إلى النهر. وحين وصلت إلى حافة النهر، شعرت بالخوف. كان النهر يبدو عميقاً وسريع الجريان فوق صخور. كان هناك جزء موحل تشرب الأبقار منه. كان من السهل الوصول إلى الماء من هناك. أدرت رأسي ورأيت الجميع واقفين يراقبونني.
ابتسمت أُمّي ولوحت لي بيدها وقالت بصوتٍ عالٍ "يمكنك فعله يا ريكي!".
مشيت عبر الوحل وخضت في الماء. وما إن وصلت وسط الماء حتى علقت في التيار. غطست إلى الأسفل واختنقت. صعدت وجرفني التيار باتجاه مجرى النهر. أخذت نفساً عميقاً واسترخيت. علمت أن بوسعي فعله. وضعت إحدى قدميّ على صخرة واندفعت، وسرعان ما كنت أسبح. سبحت في دائرة صعبة ولكنني ربحت الرهان. سمعت العائلة تهلل فرحاً على حافة النهر. وعندما زحفت خارج النهر كنت منهكاً ولكنني فخور جدّاً. زحفت عبر الوحل ونبات القريص اللادغ لأصل إلى عمتي جويس التي كانت تلوح بالشلنات العشرة، قائلة: "أحسنت يا ريكي".
قالت أُمّي: "عرفت أن باستطاعتك أن تفعلها". وهكذا فعلتها، ولم أكن مستعداً للإستسلام إلى أن برهنتها.
كانت القراءة أحد الأشياء التي لم أكن أجيدها؛ إذا كنت أجد الدروس دائماً صعبة في المدرسة لأنني كنت أعاني من صعوبة قليلة في القراءة والكتابة. كرهت أن أعترف بالهزيمة ولكن مهما حاولت جاهداً، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الناس، فقد كنت أجد صعوبة في القراءة والكتابة، مما جعلني لسبب ما أريد أن أكون مراسلاً، وهو عمل يحتاج دائماً للقراءة والكتابة. حين عرفت أن مدرستي كانت تقيم مسابقة في موضوع أدبي، اشتركت فيها وكانت الدهشة حين فزت. فقد كنت الصبي الذي غالباً ما عوقب بضربة خيزران بسبب رسوبه في الإمتحانات. ولكنني ربحت مسابقة سهلة، وأحسست ببهجة عارمة.
حين أخبرت أُمّي، قالت: "عرفت أن بإمكانك الفوز، يا ريكي". أُمّي من ذلك النوع من الأشخاص الذين لا يقولون أبداً: "لا أستطيع" إذ تعتقد أن كل شيء ممكن إذا حاولت. ومنذ ذلك الحين فصاعداً، تحسن أدائي المدرسي. وتعلمت أن أركز على الكلمات الصعبة وتحسن لفظي. أعتقد أن هذا يوضح أنّه يمكنك تحقيق كل شيء تقريباً. وإنما عليك بذل الجهد. لم أتوقف عن تحدي نفسي، وانتقلت من الفوز بجائزة تلك المقالة إلى البدء في مجلة (Student). أعتقد أنني أردت أن أبرهن على أنّ الصبي الذي كان يضرب بالخيزرانة لعدم تمكنه من القراءة أو الكتابة بشكل جيِّد جدّاً يمكنه أن يفعلها. وقد فعلتها.
وعندما كبرت، واجهت تحديات أكبر. بدا وكأنني أتحرك بطاقة عالية. كنت أريد المغامرة وكأنّ الخطر يغويني. سبق أن سجلت رقماً قياسياً لكوني الأوّل في عبوري المحيط الأطلسي بمنطاد مع بيير. وثانياً، قررت عبور المحيط الهادئ من اليابان إلى الويالات المتحدة الأمريكية. وكانت مغامرة أشد خطورة بكثير عبر ثمانية آلاف ميل من عرض البحر ولم يكن أحد قد فعلها قبلاً. كنت أعرف مدى خطورتها؛ لأن منافسي كان قد مات للتوفي محاولة، فقد تمزق منطاده وهبط في بحر متجمد وكان الجو هائجاً للغاية ولم يمكن إنقاذه في الوقت المناسب ومات من شدة البرد.
لم تكن جوان تريد مني الذهاب في هذه الرحلة، ويجب أن أعترف أنني كنت خائفاً. ولكنني كنت قد وعدت بالذهاب، وكنا جاهزين للقيام بالمحاولة ولم يكن بوسعي الإنسحاب لذلك استسلمت للقدر. كان رأسي يطلب مني التوقف، ولكن قلبي طلب مني الذهاب. أياً كان الخطر، لن أستسلم وأعتقد أن جوان فهمت.
عرفت أنها ستكون رحلة غريبة، كنت لاعباً جماعياً أبحث دائماً عن فضل الأشياء في الناس بينما كان بيير محباً للإنفراد يبحث دائماً عن الأسوأ. كنت آمل أن يوازن أحدهما الآخر.
كانت سنة 1990 وقبل أن نغادر، أمضيت عطلة عيد الميلاد على جزيرة صغيرة قرب اليابان مع عائلتي وأصدقائي. كانت الجزيرة رائعة وهادئة جدّاً. شهدت الناس يصطادون الأسماك بطيور داجنة. وبدت حياتهم هادئة وساكنة. تساءلت: لم يفكرون بعجالتي الدائمة؟ وكنت أعرف فقط أنّ التحديات هي حافزي.
كانت خطتنا تقضي بعبور المحيط على أحد التيارات المتدفقة التي تدور حول الأرض على إرتفاع يتراوح بين 20 ألف و40 ألف قدم. وهي تجري بسرعة نهر في فيضان عارم. وأسفل ذلك، كانت الرياح أقل سرعة. وكانت مشكلتنا هي إرتفاع منطادنا الهائل الحجم من أعلاه إلى قاع الكبسولة في الأسفل. وكانت المسافة أكثر من 300 قدم. وعند إختراقنا التيار المتدفق، فإنّ النصف العلوي من المنطاد والقاع سوف يقطعان المسافة بسرعات مختلفة ويمكن أن يحدث أي شيء.
داخل الكبسولة، وضعنا مظلتينا وثبتنا أنفسنا بطوافات النجاة كي لا نهدر وقتاً ثميناً في فعل ذلك لاحقاً في حال حدث أي مكروه. ثمّ أشعلنا الحراقات. وعندما أخذنا نرتفع، صدمت قمة المنطاد قاع التيار المتدفق، وكان ذلك أشبه بالإرتطام بسقف زجاجي. حرقنا مزيداً من الوقود في محاولة لنرتفع ولكن الرياح كانت من القوة بمكان بحيث ظلت تدفعنا إلى الأسفل. حرقنا مزيداً من الوقود – وأخيراً اخترق المنطاد التيار. وقد أمسك التيار السريع قمة المنطاد انطلق مثل صاروخ، وأخذ يطير بزاوية جنونية بسرعة 115 ميل في الساعة. كانت الكبسولة التي كنّا بداخلها لا تزال تسير بسرعة 25 ميلاً في الساعة. أحسست وكأن آلاف الأحصنة تجرنا بعيداً. خشينا أن ينفلق المنطاد إلى نصفين وأن تندفع الكبسولة الثقيلة آلاف الأقدام إلى الأسفل وتهوي في البحر.
ولكن في اللحظة الأخيرة اندفعت الكبسولة عبر السقف الزجاجي واتخذ المنطاد وضعه الطبيعي.
قال بيير "ما من أحد فعل مثل هذا قط".
طرنا بسرعة كبيرة، أسرع مما كنت تعتقد أنّه ممكن. وبعد سبع ساعات، حان الوقت لنتخلص من أوّل خزان وقود فارغ. بدا لنا أنّه من الأسلم أن نهبط خارج التيار المتدفق لفعل ذلك. أوقفنا الحراقات وهبطنا إلى منطقة أقل سرعة. وعلى الفور، عملت الكبسولة بمثابة فرملة ولكن ظل المنطاد يندفع بعنف وسرعة. كان بإمكاننا رؤية البحر الرمادي الثائر على مسافة 25 ألف قدم أسفل منا، وتساءلت إن كنا سوف ننتهي في أعماقه.
ضغط بير على الزر لتحرير خزان الوقود الفارغ. وعلى الفور تمايلت الكبسولة جانباً وانحرفت الأرضية وسقطت على بيير. وقد انتابنا الهول حين وجدنا أن خزانين مليئين إضافة إلى الخزان الفارغ قد سقطا إلى جهة واحدة. وكان وزن كل منهما طناً واحداً. لم تكن الخزانات مائلة إلى جانب واحد وغير متوازنة فحسب، وإنّما لم يبق لدينا ما يكفي من الوقود للتحكم بارتفاعنا والعثور على نمط الرياح الصحيح وبالتالي لن نستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة. وبما أنّ المنطاد أصبح أخف بمقدار ثلاثة أطنان، فقد انطلق إلى الأعلى بسرعة وقد ارتطمنا بالتيار المتدفق بسرعة بالغة لدرجة أن إختراقنا للسقف الزجاجي كان أشبه بالرصاصة وواصلنا الإرتفاع. حرر بيير بعض الهواء من المنطاد ولكن مع ذلك بقينا نطير أعلى فاعلى.
كان قد تم تحذيرنا بأنّ القبة الزجاجية لكبسولتنا قد تنفجر عند إرتفاع 43 ألف قدم وأن رئتينا ومقلتينا سوف تسقط من جسدينا. وقد دخلنا عالم المجهول عندما أصبحنا على إرتفاع 41 ألف قدم، وبلغنا إرتفاعاً مخيفاً قدرة 42500 قدم. كنّا أعلى من أي إرتفاع بلغته أيّة طائرة، بإستثناء طائرة الكونكورد. وأخيراً، توقفنا عن الإرتفاع. وبرد المنطاد وبدأنا بالسقوط سريعاً. لم نكن نريد حرق وقود إضافي ولكن كنا مضطرين لفعل ذلك من أجل أن نتوقف عن السقوط.
لم نكن لنهبط في البحر حيث لم يكن هناك أحد لينقذنا. وكان علينا أن نستمر لمدة ثلاثين ساعة أخرى دون وقود تقريباً. ومن أجل بلوغ اليابسة، كان علينا أن نطير أسرع من أي منطاد طار قبل ذلك مما يعني بقاءنا مباشرة في وسط التيار المتدفق، وهي مسافة يبلغ عرضها مائة ياردة فقط. بدا الأمر مستحيلاً.
وكانت آخر قشة عندما فقدنا الإتصال اللاسلكي. مضت علينا ساعات ونحن نطير وكان بيير منهك القوى. واستلقى وراح لوهلة في سبات عميق. بقيت بمفردي. أنا لا أؤمن بالله ولكن في ذلك اليوم أحسست وكأن ملاكاً حارساً قد دخل الكبسولة وكان يساعدنا طوال الوقت. من الأقراص المدرّجة شاهدت أن سرعتنا أخذت تزداد أكثر فأكثر. ظننت أنني أحلم وصفعت وجهي للتأكيد من أنني مستيقظ. زادت سرعتنا من 80 ميلاً في الساعة إلى 180، ثمّ إلى 200 ثمّ إلى 240 ميل في الساعة. كان هذا غير مألوف وبدا وكأنّه معجزة.
كنت متعباً حتى العظم أحسست وكأنني في الفضاء الخارجي. عندما شاهدت أنواراً غريبة تتلألأ في القبة الزجاجية، ظننت أنها أرواح. وأخذت أراقبها وكأنني في حلم إلى أن أدركت أن كتلاً محترقة من الغاز كانت تتساقط في جميع الإتجاهات. كانت الحرارة في الخارج 70 درجة. لو ارتطمت كرة نارية بالقبة الزجاجية، فإنّها سوف تنفجر.
صرخت: "بيير. استيقظْ. إننا نحترق".
استيقظَ بيير بسرعة. وعرف على الفور ما يجب فعله. قال: اصعدْ بالمنطاد لغاية أربعين ألف قدم، حيث لا يوجد أوكسجين، وعندئذ سوف تنطفئ الحريق. على إرتفاع أقل بقليل من 43 ألف قدم انطفأت ألسنة النار وبدأنا الهبوط، ولكننا فقدنا وقوداً ثميناً. ثمّ عاود جهاز الراديو العمل. وقال صوت: لقد اندلعت الحرب في الخليج والأمريكيون يقصفون بغداد. بدا غريباً أنّه بينما كنّا بمفردنا تقريباً على حافة الفضاء، بدأت للتو حرب على الأرض.
أخبرنا طاقمنا الأرضي أن تيارنا المتدفق قد دار وأنّه سوف يعيدنا إلى اليابان. كان علينا أن نهبط فوراً داخل تيار متدفق أدنى، تيار يأخذنا إلى القطب الشمالي. هبطنا إلى مسافة 30 ألف قدم وطرنا ساعة تلو الساعة بسرعة تزيد على 200 ميل في الساعة في كبسولة منكفئة مائلة إلى جنب.
وهبطنا أخيراً وسط عاصفة ثلجية على بحيرة متجمدة في أقصى شمال كندا في منطقة قفراء يبلغ حجمها 200 ضعف حجم بريطانيا. كنا في غاية البعد عن الأماكن المطروقة بحيث إنّه قد احتاج إنقاذنا إلى ثماني ساعات. وبحلول ذلك الوقت كنّا قد تشققت أناملنا من شدة البرد.
قال بيير "في المرّة القادمة. سوف نطير حول العالم".
ضحكت ولكن عرفت أن ليس بوسعي رفض تحدّ. قمنا بالمحاولة بعد سنتين ولكن كان شخص ما قد سبقنا. خطتي الآن السفر إلى الفضاء مع مجرة فيرجن. قبل مغادرتنا لعبور المحيط الهادي، أرسلت لي ابنتي هوللي فاكساً كتبت فيه: "آمل ألا تهبط في الماء وتعاني من هبوط مزعج. آمل أن تهبط هبوطاً جيِّداً على أرض جافة".
بدا لي ذلك تعبيراً مجازياً رائعاً لحياتي. كنت محظوظاً. لغاية الآن، هبطت دائماً تقريباً على أرض جافة. أعتقد أنّ المؤلف ومتسلق الجبال جيمس أولمان (James Ullman) أوجز ذلك بالكامل حين قال كلمات أشبه بما يأتي: "التحدي هو القلب النابض الرئيس لجميع الأفعال البشرية". إذا كان هناك محيط، فإننا نعبره، إذا كان هناك مرض فإنّنا نشفيه. إذا كان هناك خطأ فإننا نصححه. إذا كان هناك رقم قياسي فإننا نحطمه، وإذا كان هناك جبل فإنّنا نتسلقه. أوافق تماماً وأعتقد جازماً أنّه ينبغي لنا الإستمرار في تحدي أنفسنا.
المصدر: الإقتحام (دروس في الحياة).
.......
موقع البلاغ.