زواج آخر العمر..مميزات و عيوب!
ليلى حلاوة.
موقع أمهات بلا حدود..نساء في خدمة السلم الإجتماعي.
08 ماي 2012
......
لا تغيب عنا صورة كثير من كبار السن الذين نسمع عن زواجهم و هم في أواخر العمر طلبًا للأنس، و من أجل سد الاحتياجات المتبادلة بين طرفي العلاقة الزوجية،خاصة ما يتعلق منها بالوحدة و الأنس..هناك نماذج أخرى للزواج المتأخر،و لكنها تخص البعض ممن عاش تجربة مريرة مع الطلاق أو الترمل أو العنوسة أو غيرها..و في غفلة من الزمن يمر العمر فيصل الواحد منهم إلى الأربعين أو الخمسين،و فجأة يلمح في الأفق شبح الوحدة و انشغال الجميع عنه..و قد تنضج احتياجاتهم النفسية و الجسدية و تنضج كذلك معرفتهم بالمجتمع الذي "لا يعجبه العجب"،و هنا تطفو على السطح الحاجة إلى الزواج من شريك يحتوي كل تلك الاحتياجات و يسدها..
و لكن هل يتجرأ الكثيرون في مجتمعنا على القيام بهذه التجربة "الزواج المتأخر"،خصوصًا من النساء..فالرجال كما يعرف الجميع مباح لهم و متاح لهم خوض كل التجارب بما فيها الزواج أكثر من مرة و ليس الزواج في سن متأخرة فقط..و لكن بالنسبة للنساء هل يسهل عليهن اتخاذ هذا القرار؟
و ما مدى قبول المجتمع المتمثل في الأبناء و المعارف و الأصدقاء و غيرهم لذلك؟
و ما هي مميزات و عيوب هذا الزواج؟
........
تقول ليلى (47 سنة):
لقد فوجئت بعد سنوات الزواج الطويلة مع زوجي أنني قد صبرت و تحملت كثيرًا من أجل أولادي.. و لكن بعد أن كبر الأولاد و ذهب كل واحد منهم في ناحية،و لم يبق في البيت سوى أنا و زوجي،أخذت المشاكل المختبئة تظهر على السطح..و لم يحتمل كل منا ذلك..فقررنا الانفصال "بشياكة" و أقنعنا الأولاد بضرورة اتخاذ هذه الخطوة..و بعد الانفصال بعام تزوج زوجي،و بعد ذلك بعام تزوجت أنا أيضًا..و قد أشركت أولادي في اختياري،بالرغم من اعتراضهم على زواجي،بالعكس من والدهم الذي لم يعترضوا على زواجه،مطلقًا "فلم يعلقوا حتى".
أما أمل (50 عاما) فتقول:
ترملت منذ كان عمري 30 عامًا..و قعدت على أبنائي كي أربيهم،و رفضت كل من تقدموا للزواج بي،بالرغم من إلحاح والدتي عليّ بالزواج..و لكن بعدما كبر أبنائي و ذهبوا للجامعة شعرت بالوحدة..لكنني لم أندم على عدم زواجي،و قررت أن أعيش ما تبقى من عمري،حيث طلبت من صديقتي المقربة البحث عن زوج مناسب لي،و قد شجعتني على ذلك،و قالت لي أنه خيار صائب.
......
و في تعليقها على هذا الموضوع تقول د.دعاء راجح،المستشارة الاجتماعية:
إن تأخر سن الزواج أصبح واقعًا معاشًا،نتيجة التأخر في سن الزواج الأول،و نتيجة زيادة معدلات الطلاق و الزواج للمرة الثانية..و أعتقد أن من حق أي إنسان،سواء كان امرأة أم رجلاً،أن يتزوج مهما تأخر السن..فالزواج حاجة فطرية،فطر الله الناس عليها،فهو يحقق إشباعًا نفسيًا و عاطفيًا و جسديًا و اجتماعيًا،لا يتحقق إلا في ظل العلاقة الزوجية،و تظل هذه الحاجة موجودة في الإنسان مهما تأخر به السن.
قد تفضل الزوجة المطلقة أو الأرملة أن تتفرغ لتربية الأولاد،و قد تجد في أمومتها ما يعوضها عن احتياجها إلى الزواج،و قد تكتم هذه الرغبة تضحية من أجل أبنائها،و لكن بعد انفصال الأبناء عنها،و تكوينهم لأسرهم،تشعر بالوحدة و تعود الرغبة في الظهور مرة أخرى،و لكن النظرة المجتمعية قد تحول دون ذلك،فالمجتمع ينظر باستنكار،و قد ينظر بسخرية،لمن يبحث عن الزواج بعد الخمسين مثلاً،و إن كان مقبولاً بعض الشيء في حق الرجل،و لكنه يبدو مستنكرًا في حق امرأة،و لا أدري سببًا لهذا الاستنكار.
و تضيف المستشارة:
إن الزواج المتأخر أكثر استقرارًا و أكثر نضجًا،حيث يمتلك كلا الطرفين الخبرة و النضج الذي يؤهلهما للتعايش و التقبل و التفاهم و ربما الحب.
و ما يميز الزواج في سن متأخرة أنه أكثر قدرة على الاستمرار،حيث يشعر كل منهما أن لا وقت للتجربة و الخطأ.
كذلك مع انعدام المسؤولية المالية و التربوية يكون الهدوء النفسي..فالأبوان قد كبر أبناؤهما و أصبحوا في غنى عنهما..و هذا يجعلهما أقل تعرضًا للضغوط النفسية،و أكثر قدرة على الاستمتاع بالحياة.
و أهم المشكلات التي تواجه هذا النوع من الزواج هي النظرة المجتمعية،التي من الممكن أن تتغير مع الوقت،بالإضافة إلى الاختيار غير الموفق و غير المتكافئ،كالفارق الكبير في السن أو في المركز الاجتماعي،و الذي يقع فيه قطاع واسع من الرجال بدعوى (تجديد الشباب)،و لكنه مع الوقت يصطدم بالواقع،و غالبًا ما يعاني هذا الزواج إن استمر أو يكون مصيره الفشل.
كذلك رفض الأبناء لهذا الزواج قد يسبب مشاكل للطرفين في البداية،و لكن ما تلبث أن تزول مع الوقت و مع شعور الأبناء بسعادة آبائهم.
..........
علاج المجتمع.
و من جهتها تقول أميرة بدران،المستشارة الاجتماعية و الأخصائية النفسية:
إن مجتمعاتنا العربية فيها درجة من التفكير الأوتوماتيكي الناتج عن طريقة التربية التي تربى عليها الناس،بالإضافة إلى الخبرات التي يمر بها الناس أثناء حياتهم..و من ضمن الأفكار الأوتوماتيكية السلبية الزواج مرة ثانية،أو الزواج بعد الترمل،و الطلاق و الزواج في سن الخمسين،و أن هذا يعني أن المرأة أنانية،و تفكر في اللذة و ليس مهمًا لديها أي شيء آخر،و من الممكن اعتبار هذه السيدة شخصًا استغلاليًا،و هكذا.
أما التفكير السليم فيقول أننا نحترم الحرمان العاطفي و الجسدي،نحترم الاحتياج لوجود شريك يقاسمنا الحياة و يساعدنا على التعامل مع تحدياتها،و كثير من السيدات دفعت ثمن هذه الأفكار،من خلال حرمانها من تلبية احتياجاتها المعنوية و المادية و المالية،و هذا ما جعل كثيرًا من النساء يلجأن للزواج العرفي،فالموضوع له جذور اجتماعية راجعة لتلك المفاهيم التي ساهم فيها الإعلام بدون وعي،عندما أعلى من شأن قصص التضحية و الأم المضحية،و ركز على النظرة السلبية للمرأة التي تتزوج مرة ثانية.
أيضًا المؤسسات الدينية التي فضلت التحدث عن دور الأم و الأب في الرعاية و التركيز على الحديث الشريف: "أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة"،و بالتالي فهذه دعوة غير مباشرة لتفضيل السيدة الأرملة أو المطلقة للجلوس لتربية أبنائها و تجاهل احتياجاتها النفسية و الجسدية.
و نحن نعلم أن القدرة على ذلك تختلف باختلاف قدرات الأشخاص.
و الحقيقة أن الزواج في الإسلام كان أبسط كثيرًا من التعقيدات و التقاليد الاجتماعية التي خلقناها بأنفسنا،و أصبحنا أسرى لها،فقد كان الصحابي أيام رسول الله يتزوج في أي سن،كما أنه يتزوج مرة و اثنتين و ثلاثًا،و هذا يعم النساء و الرجال،بما فيهم بعض زوجات النبي صلى الله عليه و سلم،أي أمهات المؤمنين،حيث كان النبي نفسه هو الزوج الثاني أو الثالث.
و بالفعل في مجتمعنا نتقبل زواج الرجال في سن متأخرة مرة و اثنتين أكثر مما نتقبله من النساء،و هذا ناتج عن الأفكار المعششة داخل رؤوسنا،مثل أن الرجل يحتاج للعلاقة الجنسية أكثر من المرأة،و أنه لا يستطيع أن يقوم بالواجبات المنزلية،و لكن الحقيقة أن الرغبة الجنسية علميًا تتساوى عند الرجل و المرأة،و من الناحية الثانية فإن الرجل حينما يسافر و يتغرب أو يكون في الخدمة العسكرية يقوم بالغسل و التنظيف و تجهيز الأكل لنفسه..فالأمر عادي بالنسبة إليه،و لكننا كنساء من نربي أبناءنا بشكل خطأ،حينما أفهمنا أبناءنا الذكور أن تلك الأشياء خاصة بالبنات فقط،و أن ذكورته تترفع عن تلك الأمور،و كان سيدنا محمد،و هو أفضل من كل الرجال،يقوم مع أهله بالواجبات المنزلية بشكل عادي جدًا.
........
المميزات و العيوب.
و بالنسبة للزواج في سن متأخرة قليلاً فإن له بعض المميزات:
*يكون الاختيار ناضجًا جدًا،لأن الإنسان يكون قد وصل إلى نضوجه و خبرته في الحياة و معرفة الناس، و بالتالي يكون أقدر على ضبط حساباته وفقًا لحقيقة احتياجاته التي تختلف من شخص لآخر و من ظرف لآخر.
*في السن المتأخر يكون الاحتياج للشراكة على المستوى النفسي و العاطفي أعلى من الشراكة الجسدية،و بالتالي يكون هذا الزواج معينًا كبيرًا للشخصين المتزوجين معًا.
*في هذه السن الكبيرة يكون الأولاد "شقوا طريقهم" في الحياة،و تبدأ ظلال الوحدة في الظهور، و بالتالي يكون الزواج حلاً ممتازًا جدًا في كثير من الحالات.
*الاتزان النفسي و العاطفي يكون واضحًا و له أثره الإيجابي،و يجعل الشخص يعطي على جميع المستويات الحياتية،و في كل المساحات بشكل أفضل،خصوصًا حينما يكون هناك توافق مع الطرف الآخر، فيشاركه نفس المشكلات التي من الممكن أن يعاني منها مثل الوحدة،المرض،الرعاية النفسية...إلخ.
........
عيوب هذا الزواج.
*فتكون حينما يكون قرار الزواج ناتجًا عن شيء آخر غير الاحتياج و الشراكة،فيكون قرارًا مراهقًا لشخص يمر بأزمة منتصف العمر،أو من أجل حرمان شخص من ميراث.
*يعيب هذا الزواج أيضًا أنه ينتج عنه الكثير من المشكلات في حال -لا قدر الله- لم يكن الشخص صاحب قرار الزواج على درجة من النضج الموجودة في هذا السن،و يقوم باختيار شخص غير مناسب،هنا ستحدث مشكلة،لأن قدرته على التحمل و التقبل تكون أصعب بكثير مما إذا كان لا يزال شابًا أو فتاة في مقتبل العمر.
*عيوبه أيضًا تكون متعلقة برد فعل المجتمع أكثر من عيوب متعلقة بالزواج نفسه..و الحل بالطبع يكمن في علاج المجتمع نفسه بتحسين أفكاره و تصحيحها من خلال الإعلام و المؤسسات الدينية والمجتمع المدني،و غير ذلك.
ليلى حلاوة.
موقع أمهات بلا حدود..نساء في خدمة السلم الإجتماعي.
08 ماي 2012
......
لا تغيب عنا صورة كثير من كبار السن الذين نسمع عن زواجهم و هم في أواخر العمر طلبًا للأنس، و من أجل سد الاحتياجات المتبادلة بين طرفي العلاقة الزوجية،خاصة ما يتعلق منها بالوحدة و الأنس..هناك نماذج أخرى للزواج المتأخر،و لكنها تخص البعض ممن عاش تجربة مريرة مع الطلاق أو الترمل أو العنوسة أو غيرها..و في غفلة من الزمن يمر العمر فيصل الواحد منهم إلى الأربعين أو الخمسين،و فجأة يلمح في الأفق شبح الوحدة و انشغال الجميع عنه..و قد تنضج احتياجاتهم النفسية و الجسدية و تنضج كذلك معرفتهم بالمجتمع الذي "لا يعجبه العجب"،و هنا تطفو على السطح الحاجة إلى الزواج من شريك يحتوي كل تلك الاحتياجات و يسدها..
و لكن هل يتجرأ الكثيرون في مجتمعنا على القيام بهذه التجربة "الزواج المتأخر"،خصوصًا من النساء..فالرجال كما يعرف الجميع مباح لهم و متاح لهم خوض كل التجارب بما فيها الزواج أكثر من مرة و ليس الزواج في سن متأخرة فقط..و لكن بالنسبة للنساء هل يسهل عليهن اتخاذ هذا القرار؟
و ما مدى قبول المجتمع المتمثل في الأبناء و المعارف و الأصدقاء و غيرهم لذلك؟
و ما هي مميزات و عيوب هذا الزواج؟
........
تقول ليلى (47 سنة):
لقد فوجئت بعد سنوات الزواج الطويلة مع زوجي أنني قد صبرت و تحملت كثيرًا من أجل أولادي.. و لكن بعد أن كبر الأولاد و ذهب كل واحد منهم في ناحية،و لم يبق في البيت سوى أنا و زوجي،أخذت المشاكل المختبئة تظهر على السطح..و لم يحتمل كل منا ذلك..فقررنا الانفصال "بشياكة" و أقنعنا الأولاد بضرورة اتخاذ هذه الخطوة..و بعد الانفصال بعام تزوج زوجي،و بعد ذلك بعام تزوجت أنا أيضًا..و قد أشركت أولادي في اختياري،بالرغم من اعتراضهم على زواجي،بالعكس من والدهم الذي لم يعترضوا على زواجه،مطلقًا "فلم يعلقوا حتى".
أما أمل (50 عاما) فتقول:
ترملت منذ كان عمري 30 عامًا..و قعدت على أبنائي كي أربيهم،و رفضت كل من تقدموا للزواج بي،بالرغم من إلحاح والدتي عليّ بالزواج..و لكن بعدما كبر أبنائي و ذهبوا للجامعة شعرت بالوحدة..لكنني لم أندم على عدم زواجي،و قررت أن أعيش ما تبقى من عمري،حيث طلبت من صديقتي المقربة البحث عن زوج مناسب لي،و قد شجعتني على ذلك،و قالت لي أنه خيار صائب.
......
و في تعليقها على هذا الموضوع تقول د.دعاء راجح،المستشارة الاجتماعية:
إن تأخر سن الزواج أصبح واقعًا معاشًا،نتيجة التأخر في سن الزواج الأول،و نتيجة زيادة معدلات الطلاق و الزواج للمرة الثانية..و أعتقد أن من حق أي إنسان،سواء كان امرأة أم رجلاً،أن يتزوج مهما تأخر السن..فالزواج حاجة فطرية،فطر الله الناس عليها،فهو يحقق إشباعًا نفسيًا و عاطفيًا و جسديًا و اجتماعيًا،لا يتحقق إلا في ظل العلاقة الزوجية،و تظل هذه الحاجة موجودة في الإنسان مهما تأخر به السن.
قد تفضل الزوجة المطلقة أو الأرملة أن تتفرغ لتربية الأولاد،و قد تجد في أمومتها ما يعوضها عن احتياجها إلى الزواج،و قد تكتم هذه الرغبة تضحية من أجل أبنائها،و لكن بعد انفصال الأبناء عنها،و تكوينهم لأسرهم،تشعر بالوحدة و تعود الرغبة في الظهور مرة أخرى،و لكن النظرة المجتمعية قد تحول دون ذلك،فالمجتمع ينظر باستنكار،و قد ينظر بسخرية،لمن يبحث عن الزواج بعد الخمسين مثلاً،و إن كان مقبولاً بعض الشيء في حق الرجل،و لكنه يبدو مستنكرًا في حق امرأة،و لا أدري سببًا لهذا الاستنكار.
و تضيف المستشارة:
إن الزواج المتأخر أكثر استقرارًا و أكثر نضجًا،حيث يمتلك كلا الطرفين الخبرة و النضج الذي يؤهلهما للتعايش و التقبل و التفاهم و ربما الحب.
و ما يميز الزواج في سن متأخرة أنه أكثر قدرة على الاستمرار،حيث يشعر كل منهما أن لا وقت للتجربة و الخطأ.
كذلك مع انعدام المسؤولية المالية و التربوية يكون الهدوء النفسي..فالأبوان قد كبر أبناؤهما و أصبحوا في غنى عنهما..و هذا يجعلهما أقل تعرضًا للضغوط النفسية،و أكثر قدرة على الاستمتاع بالحياة.
و أهم المشكلات التي تواجه هذا النوع من الزواج هي النظرة المجتمعية،التي من الممكن أن تتغير مع الوقت،بالإضافة إلى الاختيار غير الموفق و غير المتكافئ،كالفارق الكبير في السن أو في المركز الاجتماعي،و الذي يقع فيه قطاع واسع من الرجال بدعوى (تجديد الشباب)،و لكنه مع الوقت يصطدم بالواقع،و غالبًا ما يعاني هذا الزواج إن استمر أو يكون مصيره الفشل.
كذلك رفض الأبناء لهذا الزواج قد يسبب مشاكل للطرفين في البداية،و لكن ما تلبث أن تزول مع الوقت و مع شعور الأبناء بسعادة آبائهم.
..........
علاج المجتمع.
و من جهتها تقول أميرة بدران،المستشارة الاجتماعية و الأخصائية النفسية:
إن مجتمعاتنا العربية فيها درجة من التفكير الأوتوماتيكي الناتج عن طريقة التربية التي تربى عليها الناس،بالإضافة إلى الخبرات التي يمر بها الناس أثناء حياتهم..و من ضمن الأفكار الأوتوماتيكية السلبية الزواج مرة ثانية،أو الزواج بعد الترمل،و الطلاق و الزواج في سن الخمسين،و أن هذا يعني أن المرأة أنانية،و تفكر في اللذة و ليس مهمًا لديها أي شيء آخر،و من الممكن اعتبار هذه السيدة شخصًا استغلاليًا،و هكذا.
أما التفكير السليم فيقول أننا نحترم الحرمان العاطفي و الجسدي،نحترم الاحتياج لوجود شريك يقاسمنا الحياة و يساعدنا على التعامل مع تحدياتها،و كثير من السيدات دفعت ثمن هذه الأفكار،من خلال حرمانها من تلبية احتياجاتها المعنوية و المادية و المالية،و هذا ما جعل كثيرًا من النساء يلجأن للزواج العرفي،فالموضوع له جذور اجتماعية راجعة لتلك المفاهيم التي ساهم فيها الإعلام بدون وعي،عندما أعلى من شأن قصص التضحية و الأم المضحية،و ركز على النظرة السلبية للمرأة التي تتزوج مرة ثانية.
أيضًا المؤسسات الدينية التي فضلت التحدث عن دور الأم و الأب في الرعاية و التركيز على الحديث الشريف: "أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة"،و بالتالي فهذه دعوة غير مباشرة لتفضيل السيدة الأرملة أو المطلقة للجلوس لتربية أبنائها و تجاهل احتياجاتها النفسية و الجسدية.
و نحن نعلم أن القدرة على ذلك تختلف باختلاف قدرات الأشخاص.
و الحقيقة أن الزواج في الإسلام كان أبسط كثيرًا من التعقيدات و التقاليد الاجتماعية التي خلقناها بأنفسنا،و أصبحنا أسرى لها،فقد كان الصحابي أيام رسول الله يتزوج في أي سن،كما أنه يتزوج مرة و اثنتين و ثلاثًا،و هذا يعم النساء و الرجال،بما فيهم بعض زوجات النبي صلى الله عليه و سلم،أي أمهات المؤمنين،حيث كان النبي نفسه هو الزوج الثاني أو الثالث.
و بالفعل في مجتمعنا نتقبل زواج الرجال في سن متأخرة مرة و اثنتين أكثر مما نتقبله من النساء،و هذا ناتج عن الأفكار المعششة داخل رؤوسنا،مثل أن الرجل يحتاج للعلاقة الجنسية أكثر من المرأة،و أنه لا يستطيع أن يقوم بالواجبات المنزلية،و لكن الحقيقة أن الرغبة الجنسية علميًا تتساوى عند الرجل و المرأة،و من الناحية الثانية فإن الرجل حينما يسافر و يتغرب أو يكون في الخدمة العسكرية يقوم بالغسل و التنظيف و تجهيز الأكل لنفسه..فالأمر عادي بالنسبة إليه،و لكننا كنساء من نربي أبناءنا بشكل خطأ،حينما أفهمنا أبناءنا الذكور أن تلك الأشياء خاصة بالبنات فقط،و أن ذكورته تترفع عن تلك الأمور،و كان سيدنا محمد،و هو أفضل من كل الرجال،يقوم مع أهله بالواجبات المنزلية بشكل عادي جدًا.
........
المميزات و العيوب.
و بالنسبة للزواج في سن متأخرة قليلاً فإن له بعض المميزات:
*يكون الاختيار ناضجًا جدًا،لأن الإنسان يكون قد وصل إلى نضوجه و خبرته في الحياة و معرفة الناس، و بالتالي يكون أقدر على ضبط حساباته وفقًا لحقيقة احتياجاته التي تختلف من شخص لآخر و من ظرف لآخر.
*في السن المتأخر يكون الاحتياج للشراكة على المستوى النفسي و العاطفي أعلى من الشراكة الجسدية،و بالتالي يكون هذا الزواج معينًا كبيرًا للشخصين المتزوجين معًا.
*في هذه السن الكبيرة يكون الأولاد "شقوا طريقهم" في الحياة،و تبدأ ظلال الوحدة في الظهور، و بالتالي يكون الزواج حلاً ممتازًا جدًا في كثير من الحالات.
*الاتزان النفسي و العاطفي يكون واضحًا و له أثره الإيجابي،و يجعل الشخص يعطي على جميع المستويات الحياتية،و في كل المساحات بشكل أفضل،خصوصًا حينما يكون هناك توافق مع الطرف الآخر، فيشاركه نفس المشكلات التي من الممكن أن يعاني منها مثل الوحدة،المرض،الرعاية النفسية...إلخ.
........
عيوب هذا الزواج.
*فتكون حينما يكون قرار الزواج ناتجًا عن شيء آخر غير الاحتياج و الشراكة،فيكون قرارًا مراهقًا لشخص يمر بأزمة منتصف العمر،أو من أجل حرمان شخص من ميراث.
*يعيب هذا الزواج أيضًا أنه ينتج عنه الكثير من المشكلات في حال -لا قدر الله- لم يكن الشخص صاحب قرار الزواج على درجة من النضج الموجودة في هذا السن،و يقوم باختيار شخص غير مناسب،هنا ستحدث مشكلة،لأن قدرته على التحمل و التقبل تكون أصعب بكثير مما إذا كان لا يزال شابًا أو فتاة في مقتبل العمر.
*عيوبه أيضًا تكون متعلقة برد فعل المجتمع أكثر من عيوب متعلقة بالزواج نفسه..و الحل بالطبع يكمن في علاج المجتمع نفسه بتحسين أفكاره و تصحيحها من خلال الإعلام و المؤسسات الدينية والمجتمع المدني،و غير ذلك.