المحاسبة العمومية.
مقدمة الدرس:
تعد مادة المحاسبة العمومية من المواد الأساسية التي تدرس في الجامعات لطلبة تخصص المحاسبة في أقسام علوم التسيير و العلوم التجارية و الاقتصادية،و في معاهد التكوين الإداري لتكوين
المحاسبين العموميين،فهي تركز على مختلف القواعد و الأحكام القانونية التي تبين و تحكم كيفية تنفيذ و مراقبة الميزانيات و الحسابات و العمليات الخاصة بالدولة و المؤسسات و الهيئات التابعة لها التي تتخذ من المحاسبة العمومية آلية لتسيير ماليتها العمومية،كما تمكن المتكون من معرفة بالخصوص إجراءات و خطوات تنفيذ العمليات المالية العمومية من تحصيل للإيرادات المقررة و صرف النفقات المسموح بها،و التعريف بالأدوار و المهام و المسؤوليات لمختلف الأعوان المكلفين بتسيير و إدارة هذه المؤسسات و الهيئات العمومية المطبقة للمحاسبة العمومية،و تمكن المتكون كذلك من التعرف على آليات الرقابة المطبقة على تنفيذ العمليات المالية العمومية التي تهدف في مجملها إلى الاستعمال الأحسن للمال العام و حمايته من كل أشكال الهدر و التبديد و الإسراف،و التعرف على الجوانب التطبيقية و التقنية المستخدمة في المؤسسات و الهيئات العمومية الخاضعة لنظام المحاسبة العمومية و بالخصوص محاسبة الدولة،و محاسبة الجماعات المحلية و محاسبة المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري.
لقد حرصنا في إعداد هذا الدرس على إتباع أسلوب السهولة و الوضوح في عرض مفردات المادة
بحيث أعطينا الأهمية الكبيرة للجوانب العملية و التطبيقية لمختلف التشريعات المتعلقة بمهنة المحاسبة العمومية،و هذا قصد بلوغ الهدف من وراء إعداد هذا الدرس ألا و هو تمكين المتكون من معرفة تشريع المحاسبة العمومية بصفة عامة و الآليات التطبيقية له على أرض الواقع بصفة خاصة.
و هذا الدرس سيكون موجها لجميع إطارات الوظيف العمومي المعنيين بالتكوين عن بعد لتدعيم
معارفهم العلمية حول المحاسبة العمومية و تزويدهم بمعلومات متنوعة مفيدة لحياتهم العملية.
أملنا أن يجد الموظف العمومي بصفة خاصة لما يرغب في الحصول عليه من معلومات حول المحاسبة العمومية،و كذا الآليات و الكيفيات التطبيقية لتوضيح مختلف التشريعات المتعلقة بها.
...........
المحاسبة العمومية(المقطع الأول).
1-المدخل إلى المحاسبة العمومية.
1-1 تعريف المحاسبة العمومية.
من الصعب إعطاء تعريف جامع للمحاسبة العمومية و إنما يتم تعريفها حسب الزاوية التي ينظر من خلالها إليها,و على هذا الأساس نجد ثلاثة وجهات نظر رئيسية.
أولا-التعريف القانوني للمحاسبة العمومية.
هذا التعريف مستوحى من المرسوم الفرنسي الصادر في 31 ماي 1862,و الذي يعرف المحاسبة العمومية على أنها "مجموعة القواعد المطبقة على تسيير النقود العامة",و النقود العامة حسب
هذا التعريف هي نقود الدولة و المحافظات و البلديات و المؤسسات العمومية.
ظل هذا التعريف ساري المفعول طيلة قرن من الزمن إلى غاية صدور مرسوم 29 ديسمبر 1962,الذي
اعتبر التعريف السابق بعيدا عن الواقع بفعل التطور الحاصل في نطاق المحاسبة العمومية,فعبارة
النقود العامة و على الرغم من التوسع في مدلولها لتشمل كل الأموال ذات الطابع النقدي أي كل وسائل الدفع التي لها قوة إجرائية و كذا قيد المحفظة أي كل سندات الحقوق و الديون المحولة آجلا إلى تحصيلات و مدفوعات,إلا أنها تستثني الأموال غير النقدية كالعقارات و المنقولات و المواد التي
أصبحت اليوم ضمن مجال تطبيق المحاسبة العمومية.
ثانيا-التعريف التقني للمحاسبة العمومية.
تعرف المحاسبة العمومية من الجانب التقني أنها "قواعد عرض الحسابات العمومية و تنظيم وظيفة المحاسبة العمومية",غير ان هذا التعريف ضيق حيث يحصر مدلول المحاسبة العمومية في تقنية عرض حسابات الهيئات العمومية غير أن مجالها يشمل إضافة إلى ذلك العمليات المالية للآمرين بالصرف و المحاسبين العموميين و التزاماتهم و مسؤولياتهم.
ثالثا-التعريف الإداري للمحاسبة العمومية.
من وجهة نظر إدارية تعرف المحاسبة العمومية أنها "قواعد عرض الحسابات العمومية و تنظيم وظيفة المحاسبين العموميين",غير أن هذا التعريف يبقى هو الآخر محدودا كون السمة الإدارية
في هذا التعريف تتسم في تنظيم وظيفة المحاسبين العموميين و تستثني تنظيم وظيفة الأمرين بالصرف
و كذا مختلف الجوانب الأخرى التي تدخل ضمن تطبيق قواعد المحاسبة العمومية.
مما سبق يمكن جمع مختلف الجوانب التي مستها التعاريف السابقة و تقديم التعريف الشامل للمحاسبة
العمومية "تعني المحاسبة العمومية كل القواعد و الأحكام القانونية التي تبين و تحكم كيفية تنفيذ و مراقبة الميزانيات و الحسابات و العمليات الخاصة بالدولة و المجلس الدستوري و المجلي الشعبي الوطني و مجلس الحسابات و الميزانيات الملحقة و الجماعات الإقليمية (أي المحلية) و المؤسسات
العمومية ذات الطابع الإداري.
كما تبين أيضا التزامات الآمرين بالصرف و المحاسبين العموميين و مسؤولياتهم.
و يقصد بتنفيذ الميزانية كل من تنفيذ النفقات و تحصيل الإيرادات.
كما تبين المحاسبة كذلك كيفية مسك الحسابات سواء بالنسبة للأمرين بالصرف أو المحاسبين العموميين.
.........
2-1 خصائص المحاسبة العمومية.
تتميز المحاسبة العمومية بمجموعة من الخصائص التي نوجزها فيما يلي
أولا-المحاسبة العمومية هي عبارة عن إطار محاسبي مميز:
المحاسبة بصفة عامة هي نظام معلومات و إطار تنظيمي الذي يسمح بتسجيل معطيات رقمية
للمؤسسة أو هيئة معينة لفترة محددة تسمح بإعطاء معلومات تخص الذمة المالية للمؤسسة أصول و
خصوم و نتيجة الدورة و وضعية المؤسسة اتجاه الغير و كذا كيفيات تكوين التكاليف و الأسعار
بالنسبة للأشخاص المعنويين فان المحاسبة العمومية تقليديا كانت تسمى محاسبة الصندوق,حيث كانت
موجهة ليس لاتجاه إجراءات ميكانيزمات تطور عناصر الأصول الصافية,و لكن باتجاه المراقبة المحدد
للنفقات و الوقاية من التهرب و تحويل الأموال و سرقتها أو تبديد المال العام أما النظرة الحالية للمحاسبة العمومية فهي تتعدى هذا المفهوم التقليدي و تتجه نحو تقريب محاسبة الدولة و الهيئات التابعة لها من المخطط المحاسبي الوطني,فهي تبحث عن استبعاد فكرة كونها منظم و ضابط للمال العام,إلى تحليل النتائج و وضع خطوط عريضة لمحاسبة الممتلكات و تسهيل استعمال الحسابات
العمومية لفائدة المحاسبة الوطنية.
......
ثانيا-المحاسبة العمومية هي فرع متخصص:
تحتل المحاسبة العمومية مكانة هامة في القانون المالي الجزائري إلى جانب قانون الميزانية و
القانون الجبائي,استقلالية قانون المحاسبة العمومية أصبح حقيقية واضحة و جلية,حيث أن تضاف
لقواعد خاصة بها في تسيير العلاقات الداخلية للهيئات العمومية و تعتبر هذه القواعد منظمة و مرقمة للعمليات المالية لدى هياكل و مؤسسات الدولة.
......
ثالثا-المحاسبة العمومية مزيج من القواعد القانونية و القواعد التقنية:
إذا اعتبرنا أن المحاسبة العمومية هي أداة تنفيذ و مراقبة المال العام فلأنها إنتاج و مزيج
لقواعد قانونية و أخرى تقنية.
أ-القواعد القانونية: يعتبر القانون رقم 21/90 المؤرخ في 15 اوت 1990 و المتعلق بالمحاسبة
العمومية و المراسيم التنفيذية الخاصة بتطبيقه,هو المصدر الأساسي للقواعد القانونية للمحاسبة العمومية في الجزائر و يسمى عادة بقانون المحاسبة العمومية.
إضافة إلى هذا نجد:
- المرسوم التنفيذي رقم 91-311 المؤرخ في 1991/09/07 و المتعلق بتعيين و اعتماد المحاسبين العموميين.
- المرسوم التنفيذي رقم 91-312 المؤرخ في 1991/09/07 و المحدد لشروط الأخذ بمسؤولية المحاسبين العموميين،و إيرادات مراجع باقي الحسابات و كيفيات اكتتاب تأمين يغطي مسؤولية المحاسبين العموميين.
- المرسوم التنفيذي رقم 91-311 المؤرخ في 1991/09/07 و المحدد لإجراءات المحاسبة التي يمسكها الآمرون بالصرف و المحاسبون العموميون و كيفياتها و محتواها.
-المرسوم التنفيذي رقم 91-314 المؤرخ في 1991/09/07 و المتعلق بإجراءات تسخير الآمرين بالصرف للمحاسبين العموميين.
بعد الاستقلال صدرت مجموعة معتبرة من النصوص التنظيمية التي عوضت النصوص الفرنسية المطبقة في مختلف الجوانب عن مجال المحاسبة العمومية,و عملت على تكييفها مع الواقع الجزائري,و لعل أهم نص تنظيمي يمكن ذكره هو رقم 65-259 المحدد لالتزامات و مسؤوليات المحاسبين.
كما وجدت عدة أحكام تشريعية متعلقة بالمحاسبة العمومية و لاسيما تلك الواردة في القانون رقم 84-17 المؤرخ في 1984/07/07 المعدل و المتمم و المتعلق بقوانين المالية و مختلف قوانين المالية السنوية.
و إذا كان التشريع و التنظيم يعدان المصدرين الرئيسيين لقواعد المحاسبة العمومية فهناك مصادر أخرى لهذه القواعد تتمثل على وجه الخصوص في:
1.الدستور:
و هي الأحكام التي نص عليها دستور سنة 1996 و المتعلقة برقابة البرلمان على استعمال الاعتمادات
المالية التي يقرها من طرف الحكومة.
و هناك مجموعة من مواد الدستور (دستور 1996 ) تعطي الحق للبرلمان في الرقابة,من بينها المادة
84 من الدستور: "تلتزم الحكومة بأن تقدم كل سنة بيانا عن السياسة العامة تعقبه مناقشة لعمل و أداء الحكومة لمعرفة مدى تنفيذ برنامج الحكومة الذي كان البرلمان قد وافق عليه لدى تقديمه من طرف الحكومة بعد تعيينها.
2.الاجتهاد القضائي:
الذي يمكنه إعطاء تفسيرا لقواعد المحاسبة العمومية عندما تكون غامضة,أو محل انتقاد أو جدل أثناء التطبيق,و كذا سدا للفراغ القانوني في بعض الحالات.
ب- القواعد التقنية:
تهدف القواعد التقنية الخاصة بالمحاسبة العمومية,بصفة امة إلى بيان أو وصف العمليات
المالية للهيئات العمومية,و تحديد كيفيات تسجيلها و عرض الحسابات المتعلقة بها,و تكون هذه القواعد في اغلب الأحيان محددة في مجموعة من التعليمات الصادرة عن وزارة المالية.
.......
3-1 أهداف المحاسبة العمومية:
تكمن الغاية من تطبيق المحاسبة العمومية في تحقيق الأهداف التالية:
- حماية الأموال العمومية من جميع أشكال التلاعب أو بما يمس سلامة استخدامها (غش,اختلاس، تبديد,...الخ).
و هو الهدف الرئيسي لنظام المحاسبة العمومية منذ ظهوره كون وجوده مرتبط باستجابته للحرص على حماية الأموال العمومية بالمفهوم الواسع من خلال وحدة للصندوق و تبرير العمليات المتصلة به من قبض و دفع للأموال و تسجيل تغيرات الرصيد و الرقابة عليها.
- ضمان احترام ترخيصات الميزانية,و يتم ذلك من خلال القواعد و التقنيات المحاسبية المعمول بها,
و إجراءات الرقابة على عمليات تنفيذ الميزانية.
- تسيير الهيئات العمومية,فمن بين اهتمامات المحاسبة العمومية تسيير الهيئات و تحسين أدائها,و ذلك
يتجلى من خلال سعيها إلى اكتساب و استعمال أساليب و تقنيات جديدة لم تكن مستعملة من قبل تسمح بتسيير أحسن لمصالح الهيئات العمومية و معرفة:
- معرفة المركز المالي للهيئات العمومية.
- حساب تكاليف و أسعار و مردود الخدمات المقدمة.
- دمج العمليات المالية و نتائجها في المحاسبة الوطنية.
- تحقيق الرشادة في الإنفاق,أي صرف الأموال العمومية بطريقة تسمح بتحقيق الأهداف المرجوة من
النفقة بأقل تكلفة ممكنة.
- توفير المعلومات اللازمة للمساءلة,و يقصد بالمساءلة الالتزام بتقديم تفسيرات و تبريرات عن
أعمال الوحدة العمومية إلى السلطة التشريعية أو أية جهة أو جهاز تنفيذي أو قضائي له الحق أو المبرر في طلب ذلك,و يمكن حصر المساءلة في جانبين رئيسيين هما:
1. المساءلة المالية: و تهدف المحاسبة العمومية إلى توفير المعلومات اللازمة للتأكد من الالتزام
بالتشريعات و القوانين المالية,و كذلك مدى انتظام السجلات المالية و سلامة التقارير و صدقها, و التأكد من أن الإنفاق قد تم في حدود الاعتمادات المخصصة.
2. المساءلة الإدارية: و تهدف المحاسبة العمومية إلى توفير المعلومات للتأكد من أن الموارد
المخصصة للوحدة العمومية قد استخدمت بكفاءة و دون إسراف,و أن الوحدة الإدارية العمومية تراعي الجوانب الاقتصادية في عملها و كذلك تهدف إلى توفير المعلومات اللازمة لتقييم أداء الوحدات
الحكومية.
-توفير المعلومات اللازمة لأغراض الرقابة: و هي الرقابة على الموارد الاقتصادية المخصصة
للوحدات الحكومية و المحافظة على هذه الموارد,و ذلك باستخدام المعلومات و الأدوات التي يوفرها
النظام المحاسبي من خلال الدليل المحاسبي,و كذا اللوائح المالية التي تحدد الضوابط المختلفة
للتصرف في الموارد و الإجراءات اللازمة و نظام الرقابة الداخلي و المراجعة الداخلية و يطلق على هذا النوع من الرقابة بالرقابة المالية.
- توفير المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات,حيث تعد هذه المعلومات في شكل تقارير دورية أو
لأغراض محدودة و تقيد هذه المعلومات في المجالات التالية:
* لمقارنة بين التكاليف و الإيرادات للعام الحالي بالأعوام السابقة و مع المتوقعة مستقبلا.
* تحديد حجم الموارد اللازمة لتحقيق السياسات المرجوة.
* تقييم عمليات تحصيل الإيرادات و اقتراح أساليب و طرق لزيادة فعالية عملية التحصيل.
.........
4-1 مجال تطبيق المحاسبة العمومية.
حدد القانون 90-21 الهيئات الخاضعة لقواعد المحاسبة العمومية و المذكورة على سبيل الحصر في المادة الأولى من هذا القانون و المتمثلة في الدولة و المجلس الدستوري و المجلس الشعبي الوطني و مجلس المحاسبة و الميزانيات الملحقة و الجماعات الإقليمية كالبلديات و الولايات و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري كالمستشفيات و الجامعات بالإضافة لمجلس الأمة بعد تأسيسه بموجب دستور 1996
ما يميز هذه الهيئات عن غيرها من المؤسسات العمومية الاقتصادية ذات الطابع الصناعي و
التجاري هو كونها خاضعة للقانون العام أي أن إدارتها تتم وفق قواعد القانون الإداري كما أنها
تتصرف في معظم الأحيان كسلطات عمومية بتوجيه أوامر أو نواهي للمواطنين و فرض التزامات
معينة عليهم و محاسبيها معينون من قبل وزير المالية و مكلفون بتحصيل الإيرادات و دفع النفقات و العمليات المالية و المحاسبية الأخرى.
.........
إعداد: الدكتور منصوري الزين.
الجزائر.أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير بجامعة سعد دحلب البليدة.
مقدمة الدرس:
تعد مادة المحاسبة العمومية من المواد الأساسية التي تدرس في الجامعات لطلبة تخصص المحاسبة في أقسام علوم التسيير و العلوم التجارية و الاقتصادية،و في معاهد التكوين الإداري لتكوين
المحاسبين العموميين،فهي تركز على مختلف القواعد و الأحكام القانونية التي تبين و تحكم كيفية تنفيذ و مراقبة الميزانيات و الحسابات و العمليات الخاصة بالدولة و المؤسسات و الهيئات التابعة لها التي تتخذ من المحاسبة العمومية آلية لتسيير ماليتها العمومية،كما تمكن المتكون من معرفة بالخصوص إجراءات و خطوات تنفيذ العمليات المالية العمومية من تحصيل للإيرادات المقررة و صرف النفقات المسموح بها،و التعريف بالأدوار و المهام و المسؤوليات لمختلف الأعوان المكلفين بتسيير و إدارة هذه المؤسسات و الهيئات العمومية المطبقة للمحاسبة العمومية،و تمكن المتكون كذلك من التعرف على آليات الرقابة المطبقة على تنفيذ العمليات المالية العمومية التي تهدف في مجملها إلى الاستعمال الأحسن للمال العام و حمايته من كل أشكال الهدر و التبديد و الإسراف،و التعرف على الجوانب التطبيقية و التقنية المستخدمة في المؤسسات و الهيئات العمومية الخاضعة لنظام المحاسبة العمومية و بالخصوص محاسبة الدولة،و محاسبة الجماعات المحلية و محاسبة المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري.
لقد حرصنا في إعداد هذا الدرس على إتباع أسلوب السهولة و الوضوح في عرض مفردات المادة
بحيث أعطينا الأهمية الكبيرة للجوانب العملية و التطبيقية لمختلف التشريعات المتعلقة بمهنة المحاسبة العمومية،و هذا قصد بلوغ الهدف من وراء إعداد هذا الدرس ألا و هو تمكين المتكون من معرفة تشريع المحاسبة العمومية بصفة عامة و الآليات التطبيقية له على أرض الواقع بصفة خاصة.
و هذا الدرس سيكون موجها لجميع إطارات الوظيف العمومي المعنيين بالتكوين عن بعد لتدعيم
معارفهم العلمية حول المحاسبة العمومية و تزويدهم بمعلومات متنوعة مفيدة لحياتهم العملية.
أملنا أن يجد الموظف العمومي بصفة خاصة لما يرغب في الحصول عليه من معلومات حول المحاسبة العمومية،و كذا الآليات و الكيفيات التطبيقية لتوضيح مختلف التشريعات المتعلقة بها.
...........
المحاسبة العمومية(المقطع الأول).
1-المدخل إلى المحاسبة العمومية.
1-1 تعريف المحاسبة العمومية.
من الصعب إعطاء تعريف جامع للمحاسبة العمومية و إنما يتم تعريفها حسب الزاوية التي ينظر من خلالها إليها,و على هذا الأساس نجد ثلاثة وجهات نظر رئيسية.
أولا-التعريف القانوني للمحاسبة العمومية.
هذا التعريف مستوحى من المرسوم الفرنسي الصادر في 31 ماي 1862,و الذي يعرف المحاسبة العمومية على أنها "مجموعة القواعد المطبقة على تسيير النقود العامة",و النقود العامة حسب
هذا التعريف هي نقود الدولة و المحافظات و البلديات و المؤسسات العمومية.
ظل هذا التعريف ساري المفعول طيلة قرن من الزمن إلى غاية صدور مرسوم 29 ديسمبر 1962,الذي
اعتبر التعريف السابق بعيدا عن الواقع بفعل التطور الحاصل في نطاق المحاسبة العمومية,فعبارة
النقود العامة و على الرغم من التوسع في مدلولها لتشمل كل الأموال ذات الطابع النقدي أي كل وسائل الدفع التي لها قوة إجرائية و كذا قيد المحفظة أي كل سندات الحقوق و الديون المحولة آجلا إلى تحصيلات و مدفوعات,إلا أنها تستثني الأموال غير النقدية كالعقارات و المنقولات و المواد التي
أصبحت اليوم ضمن مجال تطبيق المحاسبة العمومية.
ثانيا-التعريف التقني للمحاسبة العمومية.
تعرف المحاسبة العمومية من الجانب التقني أنها "قواعد عرض الحسابات العمومية و تنظيم وظيفة المحاسبة العمومية",غير ان هذا التعريف ضيق حيث يحصر مدلول المحاسبة العمومية في تقنية عرض حسابات الهيئات العمومية غير أن مجالها يشمل إضافة إلى ذلك العمليات المالية للآمرين بالصرف و المحاسبين العموميين و التزاماتهم و مسؤولياتهم.
ثالثا-التعريف الإداري للمحاسبة العمومية.
من وجهة نظر إدارية تعرف المحاسبة العمومية أنها "قواعد عرض الحسابات العمومية و تنظيم وظيفة المحاسبين العموميين",غير أن هذا التعريف يبقى هو الآخر محدودا كون السمة الإدارية
في هذا التعريف تتسم في تنظيم وظيفة المحاسبين العموميين و تستثني تنظيم وظيفة الأمرين بالصرف
و كذا مختلف الجوانب الأخرى التي تدخل ضمن تطبيق قواعد المحاسبة العمومية.
مما سبق يمكن جمع مختلف الجوانب التي مستها التعاريف السابقة و تقديم التعريف الشامل للمحاسبة
العمومية "تعني المحاسبة العمومية كل القواعد و الأحكام القانونية التي تبين و تحكم كيفية تنفيذ و مراقبة الميزانيات و الحسابات و العمليات الخاصة بالدولة و المجلس الدستوري و المجلي الشعبي الوطني و مجلس الحسابات و الميزانيات الملحقة و الجماعات الإقليمية (أي المحلية) و المؤسسات
العمومية ذات الطابع الإداري.
كما تبين أيضا التزامات الآمرين بالصرف و المحاسبين العموميين و مسؤولياتهم.
و يقصد بتنفيذ الميزانية كل من تنفيذ النفقات و تحصيل الإيرادات.
كما تبين المحاسبة كذلك كيفية مسك الحسابات سواء بالنسبة للأمرين بالصرف أو المحاسبين العموميين.
.........
2-1 خصائص المحاسبة العمومية.
تتميز المحاسبة العمومية بمجموعة من الخصائص التي نوجزها فيما يلي
أولا-المحاسبة العمومية هي عبارة عن إطار محاسبي مميز:
المحاسبة بصفة عامة هي نظام معلومات و إطار تنظيمي الذي يسمح بتسجيل معطيات رقمية
للمؤسسة أو هيئة معينة لفترة محددة تسمح بإعطاء معلومات تخص الذمة المالية للمؤسسة أصول و
خصوم و نتيجة الدورة و وضعية المؤسسة اتجاه الغير و كذا كيفيات تكوين التكاليف و الأسعار
بالنسبة للأشخاص المعنويين فان المحاسبة العمومية تقليديا كانت تسمى محاسبة الصندوق,حيث كانت
موجهة ليس لاتجاه إجراءات ميكانيزمات تطور عناصر الأصول الصافية,و لكن باتجاه المراقبة المحدد
للنفقات و الوقاية من التهرب و تحويل الأموال و سرقتها أو تبديد المال العام أما النظرة الحالية للمحاسبة العمومية فهي تتعدى هذا المفهوم التقليدي و تتجه نحو تقريب محاسبة الدولة و الهيئات التابعة لها من المخطط المحاسبي الوطني,فهي تبحث عن استبعاد فكرة كونها منظم و ضابط للمال العام,إلى تحليل النتائج و وضع خطوط عريضة لمحاسبة الممتلكات و تسهيل استعمال الحسابات
العمومية لفائدة المحاسبة الوطنية.
......
ثانيا-المحاسبة العمومية هي فرع متخصص:
تحتل المحاسبة العمومية مكانة هامة في القانون المالي الجزائري إلى جانب قانون الميزانية و
القانون الجبائي,استقلالية قانون المحاسبة العمومية أصبح حقيقية واضحة و جلية,حيث أن تضاف
لقواعد خاصة بها في تسيير العلاقات الداخلية للهيئات العمومية و تعتبر هذه القواعد منظمة و مرقمة للعمليات المالية لدى هياكل و مؤسسات الدولة.
......
ثالثا-المحاسبة العمومية مزيج من القواعد القانونية و القواعد التقنية:
إذا اعتبرنا أن المحاسبة العمومية هي أداة تنفيذ و مراقبة المال العام فلأنها إنتاج و مزيج
لقواعد قانونية و أخرى تقنية.
أ-القواعد القانونية: يعتبر القانون رقم 21/90 المؤرخ في 15 اوت 1990 و المتعلق بالمحاسبة
العمومية و المراسيم التنفيذية الخاصة بتطبيقه,هو المصدر الأساسي للقواعد القانونية للمحاسبة العمومية في الجزائر و يسمى عادة بقانون المحاسبة العمومية.
إضافة إلى هذا نجد:
- المرسوم التنفيذي رقم 91-311 المؤرخ في 1991/09/07 و المتعلق بتعيين و اعتماد المحاسبين العموميين.
- المرسوم التنفيذي رقم 91-312 المؤرخ في 1991/09/07 و المحدد لشروط الأخذ بمسؤولية المحاسبين العموميين،و إيرادات مراجع باقي الحسابات و كيفيات اكتتاب تأمين يغطي مسؤولية المحاسبين العموميين.
- المرسوم التنفيذي رقم 91-311 المؤرخ في 1991/09/07 و المحدد لإجراءات المحاسبة التي يمسكها الآمرون بالصرف و المحاسبون العموميون و كيفياتها و محتواها.
-المرسوم التنفيذي رقم 91-314 المؤرخ في 1991/09/07 و المتعلق بإجراءات تسخير الآمرين بالصرف للمحاسبين العموميين.
بعد الاستقلال صدرت مجموعة معتبرة من النصوص التنظيمية التي عوضت النصوص الفرنسية المطبقة في مختلف الجوانب عن مجال المحاسبة العمومية,و عملت على تكييفها مع الواقع الجزائري,و لعل أهم نص تنظيمي يمكن ذكره هو رقم 65-259 المحدد لالتزامات و مسؤوليات المحاسبين.
كما وجدت عدة أحكام تشريعية متعلقة بالمحاسبة العمومية و لاسيما تلك الواردة في القانون رقم 84-17 المؤرخ في 1984/07/07 المعدل و المتمم و المتعلق بقوانين المالية و مختلف قوانين المالية السنوية.
و إذا كان التشريع و التنظيم يعدان المصدرين الرئيسيين لقواعد المحاسبة العمومية فهناك مصادر أخرى لهذه القواعد تتمثل على وجه الخصوص في:
1.الدستور:
و هي الأحكام التي نص عليها دستور سنة 1996 و المتعلقة برقابة البرلمان على استعمال الاعتمادات
المالية التي يقرها من طرف الحكومة.
و هناك مجموعة من مواد الدستور (دستور 1996 ) تعطي الحق للبرلمان في الرقابة,من بينها المادة
84 من الدستور: "تلتزم الحكومة بأن تقدم كل سنة بيانا عن السياسة العامة تعقبه مناقشة لعمل و أداء الحكومة لمعرفة مدى تنفيذ برنامج الحكومة الذي كان البرلمان قد وافق عليه لدى تقديمه من طرف الحكومة بعد تعيينها.
2.الاجتهاد القضائي:
الذي يمكنه إعطاء تفسيرا لقواعد المحاسبة العمومية عندما تكون غامضة,أو محل انتقاد أو جدل أثناء التطبيق,و كذا سدا للفراغ القانوني في بعض الحالات.
ب- القواعد التقنية:
تهدف القواعد التقنية الخاصة بالمحاسبة العمومية,بصفة امة إلى بيان أو وصف العمليات
المالية للهيئات العمومية,و تحديد كيفيات تسجيلها و عرض الحسابات المتعلقة بها,و تكون هذه القواعد في اغلب الأحيان محددة في مجموعة من التعليمات الصادرة عن وزارة المالية.
.......
3-1 أهداف المحاسبة العمومية:
تكمن الغاية من تطبيق المحاسبة العمومية في تحقيق الأهداف التالية:
- حماية الأموال العمومية من جميع أشكال التلاعب أو بما يمس سلامة استخدامها (غش,اختلاس، تبديد,...الخ).
و هو الهدف الرئيسي لنظام المحاسبة العمومية منذ ظهوره كون وجوده مرتبط باستجابته للحرص على حماية الأموال العمومية بالمفهوم الواسع من خلال وحدة للصندوق و تبرير العمليات المتصلة به من قبض و دفع للأموال و تسجيل تغيرات الرصيد و الرقابة عليها.
- ضمان احترام ترخيصات الميزانية,و يتم ذلك من خلال القواعد و التقنيات المحاسبية المعمول بها,
و إجراءات الرقابة على عمليات تنفيذ الميزانية.
- تسيير الهيئات العمومية,فمن بين اهتمامات المحاسبة العمومية تسيير الهيئات و تحسين أدائها,و ذلك
يتجلى من خلال سعيها إلى اكتساب و استعمال أساليب و تقنيات جديدة لم تكن مستعملة من قبل تسمح بتسيير أحسن لمصالح الهيئات العمومية و معرفة:
- معرفة المركز المالي للهيئات العمومية.
- حساب تكاليف و أسعار و مردود الخدمات المقدمة.
- دمج العمليات المالية و نتائجها في المحاسبة الوطنية.
- تحقيق الرشادة في الإنفاق,أي صرف الأموال العمومية بطريقة تسمح بتحقيق الأهداف المرجوة من
النفقة بأقل تكلفة ممكنة.
- توفير المعلومات اللازمة للمساءلة,و يقصد بالمساءلة الالتزام بتقديم تفسيرات و تبريرات عن
أعمال الوحدة العمومية إلى السلطة التشريعية أو أية جهة أو جهاز تنفيذي أو قضائي له الحق أو المبرر في طلب ذلك,و يمكن حصر المساءلة في جانبين رئيسيين هما:
1. المساءلة المالية: و تهدف المحاسبة العمومية إلى توفير المعلومات اللازمة للتأكد من الالتزام
بالتشريعات و القوانين المالية,و كذلك مدى انتظام السجلات المالية و سلامة التقارير و صدقها, و التأكد من أن الإنفاق قد تم في حدود الاعتمادات المخصصة.
2. المساءلة الإدارية: و تهدف المحاسبة العمومية إلى توفير المعلومات للتأكد من أن الموارد
المخصصة للوحدة العمومية قد استخدمت بكفاءة و دون إسراف,و أن الوحدة الإدارية العمومية تراعي الجوانب الاقتصادية في عملها و كذلك تهدف إلى توفير المعلومات اللازمة لتقييم أداء الوحدات
الحكومية.
-توفير المعلومات اللازمة لأغراض الرقابة: و هي الرقابة على الموارد الاقتصادية المخصصة
للوحدات الحكومية و المحافظة على هذه الموارد,و ذلك باستخدام المعلومات و الأدوات التي يوفرها
النظام المحاسبي من خلال الدليل المحاسبي,و كذا اللوائح المالية التي تحدد الضوابط المختلفة
للتصرف في الموارد و الإجراءات اللازمة و نظام الرقابة الداخلي و المراجعة الداخلية و يطلق على هذا النوع من الرقابة بالرقابة المالية.
- توفير المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات,حيث تعد هذه المعلومات في شكل تقارير دورية أو
لأغراض محدودة و تقيد هذه المعلومات في المجالات التالية:
* لمقارنة بين التكاليف و الإيرادات للعام الحالي بالأعوام السابقة و مع المتوقعة مستقبلا.
* تحديد حجم الموارد اللازمة لتحقيق السياسات المرجوة.
* تقييم عمليات تحصيل الإيرادات و اقتراح أساليب و طرق لزيادة فعالية عملية التحصيل.
.........
4-1 مجال تطبيق المحاسبة العمومية.
حدد القانون 90-21 الهيئات الخاضعة لقواعد المحاسبة العمومية و المذكورة على سبيل الحصر في المادة الأولى من هذا القانون و المتمثلة في الدولة و المجلس الدستوري و المجلس الشعبي الوطني و مجلس المحاسبة و الميزانيات الملحقة و الجماعات الإقليمية كالبلديات و الولايات و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري كالمستشفيات و الجامعات بالإضافة لمجلس الأمة بعد تأسيسه بموجب دستور 1996
ما يميز هذه الهيئات عن غيرها من المؤسسات العمومية الاقتصادية ذات الطابع الصناعي و
التجاري هو كونها خاضعة للقانون العام أي أن إدارتها تتم وفق قواعد القانون الإداري كما أنها
تتصرف في معظم الأحيان كسلطات عمومية بتوجيه أوامر أو نواهي للمواطنين و فرض التزامات
معينة عليهم و محاسبيها معينون من قبل وزير المالية و مكلفون بتحصيل الإيرادات و دفع النفقات و العمليات المالية و المحاسبية الأخرى.
.........
إعداد: الدكتور منصوري الزين.
الجزائر.أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير بجامعة سعد دحلب البليدة.