مرض التوحد: هل هو مرض ذهني أم خاصية شخصية؟
08.05.2013
.......
يميل المصابون بالتوحد إلى العزلة و يعجزون عن تفسير العواطف.وفيما لا يقدر البعض على الكلام،يتمتع البعض الآخر بقدرات كلامية و حركية متميزة، لكنهم يبقون مختلفين عن أقرانهم.و لا تزال الأبحاث جارية لتحديد أسباب هذا الاختلاف.
عندما تشرق الشمس يفضل جون البقاء في البيت،فأشعة الشمس و التأثيرات الضوئية تسبب له الانزعاج.
كما ينزعج أيضا من الأصوات المرتفعة أو عندما يركب طفل أجنبي إلى جانبه في الحافلة المدرسية.جون،الذي يبلغ 12 عاما من العمر،يعاني من مرض التوحد.و عن ذلك تقول والدته مونيكا شيلي:"جون لا يستطيع الكتابة و الكلام،كما أنه لا يفهم كل شيء".
و تضيف "يمكن القول إنه يشبه طفلا في عامه الأول أو الثاني".
اكتشف الأطباء إصابة جون بمرض التوحد المبكر مند أن كان عمره ثلاث سنوات.و يعاني المصابون بهذا النوع من التوحد من نقص في اكتساب المهارات الحركية و تواجههم مشكلة تفسير العواطف.كما أن الكثير منهم يظل منغلقا على ذاته و يكرر نفس الأشياء التي يقوم بها كل يوم.
بدوره يعاني راينر دويلو من مرض التوحد.و كان في مقتبل العمر عندما اكتشف الأطباء إصابته بأعراض متلازمة "أسبرجر" و هو نوع من التوحد لا يؤثر على القدرات الحركية و الكلامية للمصابين به،و إنما يؤثر على علاقاته الاجتماعية.
عن ذلك يقول دويلو ذو 43 عاما: "كانت شهاداتي المدرسية تتضمن إشارة إلى أنني لا أستطيع الاندماج في الرحلات المدرسية".
و يضيف "بكل بساطة لم أكن أعرف تماما كيف أكوّن صداقات و كنت أسعد دائما عندما أكون لوحدي و أتفرغ للقراءة".
تشخيص إصابته بمتلازمة "أسبرجر" أزال عنه عبئا كبيرا،فقد أصبح يعرف أخيرا السبب وراء عزلته الاجتماعية.
و اليوم هاهو عضو في إدارة جمعية آسبيس (Aspies) و هي أكبر جمعية للمصابين بالتوحد،حيث يعمل فيها مترجما و كاتبا في موقع ويكيبيديا.
و عن نشاطه في هذه الجمعية يقول دويلو"لدي موهبة عالية و اهتمام كبير بالجغرافيا و التاريخ.في بعض الأحيان أعكف لساعات على كتابة قوائم بأسماء الحكام و العواصم.و الآن أصبح بإمكاني الاستفادة من ذلك بشكل أفضل".
...........
البعض لا يستطيع الكلام و البعض الآخر عاجز عن تكوين صداقات
و فيما لا يقدر بعض المصابين بمرض التوحد على الكلام،يتميز البعض الآخر بملكات لغوية كبيرة.كما تستطيع فئة من مرضى التوحد الرسم و التخطيط لساعات طويلة،في حين لا تملك فئة أخرى حتى القدرة على الحركة.
كما يوجد نوع منهم له ذاكرة غير عادية،بينما يعاني نوع آخر من إعاقة ذهنية.لكن رغم كل هذه الاختلافات فإن مرضى التوحد يجتمعون في خاصية واحدة و هي انعزالهم الاجتماعي و صعوبة اندماجهم مع الآخرين.
و بخلاف ما كان يُعتقد قبل أعوام من وجود أنواع مختلفة تماما من التوحد،فإن دراسات حديثة أثبتت وجود فوارق بسيطة بين مختلف أنواع حالات الإصابة بالتوحد.
من جهته،يرى مدير مركز تطور الاضطرابات العصبية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم سفين بولته بأن التوحد لا يختلف نوعيا عن متلازمة "أسبرجر" "فهذين النوعين يختلفان فقط في قوة الأعراض".
و أصبح الباحثون في مرض التوحد يتحدثون اليوم عن نوع آخر من حالات التوحد يُنسب إلى خلل آخر في الجهاز العصبي.لكن العلم لا يزال عاجزا حتى اليوم عن تفسير نوع الخلل الذي يصيب الدماغ و الجهاز العصبي و الذي يؤدي إلى الإصابة بمرض التوحد.
تُظهر صور دماغ الأشخاص المصابين بالتوحد أن المناطق المسؤولة عن استقبال العواطف و اللغة في الدماغ لا تعمل بشكل جيد.
و بخلاف ذلك تنشط المناطق المسؤولة عن التعرف على الأشياء و تفاصيل الأمور.
و يرى الباحث البريطاني في أمراض التوحد سيمون بارون كوهين أن المصابين بالتوحد يمتلكون نوعا مختلفا من الدماغ البشري،ففي إحدى الدراسات،قام هذا الباحث بقياس مستوى هرمون التيستوسترون في السائل الذي يحيط بالجنين قبل الولادة و الذي يكون له تأثير على نمو الدماغ و خلص للنتيجة التالية: "عندما قمنا بفحص الأطفال بعد الولادة وجدنا أنه كلما كانت نسبة التيستوسترون عالية قبل الولادة،كلما ازداد احتمال إصابة الأطفال بمرض التوحد".
أدمغة الأفراد المصابين بالتوحد تختلف أيضا عن الأدمغة العادية في كيفية توزيع الدوبامين و السيروتونين العصبية - التي تلعب دورا في التحكم في الخوف و التحفيز.
كما خلصت دراسات أجرتها جامعة فرايبورغ إلى وجود خلل في التواصل بين مختلف الخلايا العصبية في دماغ المصابين بمرض التوحد،و إلى وجود علاقة بين الطفرة الجينية و الإصابة بالتوحد.
.........
العوامل البيئية تزيد خطر الإصابة بمرض التوحد
حسب اسفين بولته توجد عوامل أخرى تساهم في زيادة احتمال الإصابة بمرض التوحد.و يعرض نتائج تجربة حديثة بهذا الخصوص و يقول: "توصلت دراسة دنماركية،أجريت مؤخرا،إلى وجود علاقة بين الإصابة بمرض التوحد و الالتهابات الفيروسية التي تحدث خلال الحمل.فحسب هذه الدراسة،فإن خطر الإصابة بالتوحد يرتفع من واحد إلى اثنين في المائة إذا تعرضت الأم لهذا النوع من الالتهابات أثناء الحمل".
علاوة على ذلك تساهم بعض الأدوية و مشاكل الحمل بالإضافة إلى التلوث في زيادة خطر الإصابة بالتوحد.لكن رغم ذلك و حسب بولته "فإن وجود أحد هذه العوامل لا يعني بالضرورة خطر الإصابة بالتوحد.فهذا المرض قد ينشأ عن تعقيدات أخرى تختلف من فرد لأخر".
.........
"تشخيص مرض التوحد يبقى مسألة شخصية"
يعتمد أطباء الدماغ و الأعصاب على تشخيص مرض التوحد من خلال معاينة سلوك المريض و علاقته بمحيطه الاجتماعي.
و يبقى تحديد إصابة الشخص بهذا المرض من عدمه مسألة شخصية.و كلما تعقدت الصورة التي يرسمها علماء الأجنة و الدماغ و الأعصاب عن التوحد، كلما ازدادت صعوبة المعايير التي تسمح بتحديد هذا المرض من عدمه.
و هو ما جعل مديرة عيادة الطب النفسي للأطفال والشباب في جامعة ماربورغ إينغه كامب بيكر تقول "نحن أمام شيء غير واضح المعالم و لا نعرف تماما حدود ذلك...الكثير من الدراسات أظهرت أن التوحد هو في الأصل صفة تؤدي إلى ظهور سمات التوحد التي يمكن أن نجدها أيضا في المجتمعات العادية و ربما أيضا تكون مرتبطة أيضا بغيرها من الاضطربات.لكن التعريف الحقيقي للتوحد يظل مجهولا".
.........
ليديا هيلر/ هشام الدريوش
موقع صوت المانيا
غالبا ما يفضل الأطفال المصابون بالتوحد العزلة و الابتعاد عن الآخرين
08.05.2013
.......
يميل المصابون بالتوحد إلى العزلة و يعجزون عن تفسير العواطف.وفيما لا يقدر البعض على الكلام،يتمتع البعض الآخر بقدرات كلامية و حركية متميزة، لكنهم يبقون مختلفين عن أقرانهم.و لا تزال الأبحاث جارية لتحديد أسباب هذا الاختلاف.
عندما تشرق الشمس يفضل جون البقاء في البيت،فأشعة الشمس و التأثيرات الضوئية تسبب له الانزعاج.
كما ينزعج أيضا من الأصوات المرتفعة أو عندما يركب طفل أجنبي إلى جانبه في الحافلة المدرسية.جون،الذي يبلغ 12 عاما من العمر،يعاني من مرض التوحد.و عن ذلك تقول والدته مونيكا شيلي:"جون لا يستطيع الكتابة و الكلام،كما أنه لا يفهم كل شيء".
و تضيف "يمكن القول إنه يشبه طفلا في عامه الأول أو الثاني".
اكتشف الأطباء إصابة جون بمرض التوحد المبكر مند أن كان عمره ثلاث سنوات.و يعاني المصابون بهذا النوع من التوحد من نقص في اكتساب المهارات الحركية و تواجههم مشكلة تفسير العواطف.كما أن الكثير منهم يظل منغلقا على ذاته و يكرر نفس الأشياء التي يقوم بها كل يوم.
بدوره يعاني راينر دويلو من مرض التوحد.و كان في مقتبل العمر عندما اكتشف الأطباء إصابته بأعراض متلازمة "أسبرجر" و هو نوع من التوحد لا يؤثر على القدرات الحركية و الكلامية للمصابين به،و إنما يؤثر على علاقاته الاجتماعية.
عن ذلك يقول دويلو ذو 43 عاما: "كانت شهاداتي المدرسية تتضمن إشارة إلى أنني لا أستطيع الاندماج في الرحلات المدرسية".
و يضيف "بكل بساطة لم أكن أعرف تماما كيف أكوّن صداقات و كنت أسعد دائما عندما أكون لوحدي و أتفرغ للقراءة".
تشخيص إصابته بمتلازمة "أسبرجر" أزال عنه عبئا كبيرا،فقد أصبح يعرف أخيرا السبب وراء عزلته الاجتماعية.
و اليوم هاهو عضو في إدارة جمعية آسبيس (Aspies) و هي أكبر جمعية للمصابين بالتوحد،حيث يعمل فيها مترجما و كاتبا في موقع ويكيبيديا.
و عن نشاطه في هذه الجمعية يقول دويلو"لدي موهبة عالية و اهتمام كبير بالجغرافيا و التاريخ.في بعض الأحيان أعكف لساعات على كتابة قوائم بأسماء الحكام و العواصم.و الآن أصبح بإمكاني الاستفادة من ذلك بشكل أفضل".
...........
البعض لا يستطيع الكلام و البعض الآخر عاجز عن تكوين صداقات
و فيما لا يقدر بعض المصابين بمرض التوحد على الكلام،يتميز البعض الآخر بملكات لغوية كبيرة.كما تستطيع فئة من مرضى التوحد الرسم و التخطيط لساعات طويلة،في حين لا تملك فئة أخرى حتى القدرة على الحركة.
كما يوجد نوع منهم له ذاكرة غير عادية،بينما يعاني نوع آخر من إعاقة ذهنية.لكن رغم كل هذه الاختلافات فإن مرضى التوحد يجتمعون في خاصية واحدة و هي انعزالهم الاجتماعي و صعوبة اندماجهم مع الآخرين.
و بخلاف ما كان يُعتقد قبل أعوام من وجود أنواع مختلفة تماما من التوحد،فإن دراسات حديثة أثبتت وجود فوارق بسيطة بين مختلف أنواع حالات الإصابة بالتوحد.
من جهته،يرى مدير مركز تطور الاضطرابات العصبية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم سفين بولته بأن التوحد لا يختلف نوعيا عن متلازمة "أسبرجر" "فهذين النوعين يختلفان فقط في قوة الأعراض".
و أصبح الباحثون في مرض التوحد يتحدثون اليوم عن نوع آخر من حالات التوحد يُنسب إلى خلل آخر في الجهاز العصبي.لكن العلم لا يزال عاجزا حتى اليوم عن تفسير نوع الخلل الذي يصيب الدماغ و الجهاز العصبي و الذي يؤدي إلى الإصابة بمرض التوحد.
تُظهر صور دماغ الأشخاص المصابين بالتوحد أن المناطق المسؤولة عن استقبال العواطف و اللغة في الدماغ لا تعمل بشكل جيد.
و بخلاف ذلك تنشط المناطق المسؤولة عن التعرف على الأشياء و تفاصيل الأمور.
و يرى الباحث البريطاني في أمراض التوحد سيمون بارون كوهين أن المصابين بالتوحد يمتلكون نوعا مختلفا من الدماغ البشري،ففي إحدى الدراسات،قام هذا الباحث بقياس مستوى هرمون التيستوسترون في السائل الذي يحيط بالجنين قبل الولادة و الذي يكون له تأثير على نمو الدماغ و خلص للنتيجة التالية: "عندما قمنا بفحص الأطفال بعد الولادة وجدنا أنه كلما كانت نسبة التيستوسترون عالية قبل الولادة،كلما ازداد احتمال إصابة الأطفال بمرض التوحد".
أدمغة الأفراد المصابين بالتوحد تختلف أيضا عن الأدمغة العادية في كيفية توزيع الدوبامين و السيروتونين العصبية - التي تلعب دورا في التحكم في الخوف و التحفيز.
كما خلصت دراسات أجرتها جامعة فرايبورغ إلى وجود خلل في التواصل بين مختلف الخلايا العصبية في دماغ المصابين بمرض التوحد،و إلى وجود علاقة بين الطفرة الجينية و الإصابة بالتوحد.
.........
العوامل البيئية تزيد خطر الإصابة بمرض التوحد
حسب اسفين بولته توجد عوامل أخرى تساهم في زيادة احتمال الإصابة بمرض التوحد.و يعرض نتائج تجربة حديثة بهذا الخصوص و يقول: "توصلت دراسة دنماركية،أجريت مؤخرا،إلى وجود علاقة بين الإصابة بمرض التوحد و الالتهابات الفيروسية التي تحدث خلال الحمل.فحسب هذه الدراسة،فإن خطر الإصابة بالتوحد يرتفع من واحد إلى اثنين في المائة إذا تعرضت الأم لهذا النوع من الالتهابات أثناء الحمل".
علاوة على ذلك تساهم بعض الأدوية و مشاكل الحمل بالإضافة إلى التلوث في زيادة خطر الإصابة بالتوحد.لكن رغم ذلك و حسب بولته "فإن وجود أحد هذه العوامل لا يعني بالضرورة خطر الإصابة بالتوحد.فهذا المرض قد ينشأ عن تعقيدات أخرى تختلف من فرد لأخر".
.........
"تشخيص مرض التوحد يبقى مسألة شخصية"
يعتمد أطباء الدماغ و الأعصاب على تشخيص مرض التوحد من خلال معاينة سلوك المريض و علاقته بمحيطه الاجتماعي.
و يبقى تحديد إصابة الشخص بهذا المرض من عدمه مسألة شخصية.و كلما تعقدت الصورة التي يرسمها علماء الأجنة و الدماغ و الأعصاب عن التوحد، كلما ازدادت صعوبة المعايير التي تسمح بتحديد هذا المرض من عدمه.
و هو ما جعل مديرة عيادة الطب النفسي للأطفال والشباب في جامعة ماربورغ إينغه كامب بيكر تقول "نحن أمام شيء غير واضح المعالم و لا نعرف تماما حدود ذلك...الكثير من الدراسات أظهرت أن التوحد هو في الأصل صفة تؤدي إلى ظهور سمات التوحد التي يمكن أن نجدها أيضا في المجتمعات العادية و ربما أيضا تكون مرتبطة أيضا بغيرها من الاضطربات.لكن التعريف الحقيقي للتوحد يظل مجهولا".
.........
ليديا هيلر/ هشام الدريوش
موقع صوت المانيا
غالبا ما يفضل الأطفال المصابون بالتوحد العزلة و الابتعاد عن الآخرين