ليبيا تتفتت...بين دوامة الفوضى و صراع الميليشيات المتطرفة
ليبيا التي عانت الكثير بعد احداث الربيع العربي الذي ولد عسيرا لديها، كما تعاني اليوم من صعوبة الانتقال الى المرحلة الديمقراطية وهي عالقة بين احتمالات ربما يكون أحلاها بطعم العلقم، كما يرى محللون، ويخشى الكثير من المتابعين والخبراء ان تقسم (ليبيا) الى أكثر من دولة لا تحمل احداها علامات النجاح، فيما يتخوف اخرون من تحول صراع الميليشيات حول اقتسام المناطق الى حرب أهلية لا يمكن الخروج منها بسهولة، سيما وان هناك العديد من الأطراف الإقليمية قد بادرت الى دعم بعض الجهات الإسلامية وغيرها، في محاولة لضرب جماعات أخرى، الامر الذي عقد من المشهد العام، من دون ان تكون هناك أي علامة على انفراجه مستقبلية في الوقت القريب.
واندلعت احداث عنيفة منذ ان قامت قوات موالية للعسكري المتقاعد (حفتر) بمقاتلة الميليشيات الإسلامية في ليبيا، مدعوما بقوات من ميليشيات مختلفة، ولم يتمكن حفتر من القضاء على الميليشيات الإسلامية، او إيقاف تقدمها، سيما وان هذه الميليشيات قد ساهمت بشكل فعال في القضاء على نظام القذافي، وهي تتهم حفتر وقواته بانها جزء من تلك المنظومة التي حاربتها، كما وسعت بعض الأطراف الخارجية رقعت المواجهة بين الجماعات الإسلامية وغيرها، من دون ان يكون هناك دور واضح للنظام السياسي الحالي في ليبيا، الذي يمر بأضعف ادواره السياسية، بعد ان انقسمت ولاءته الى عده جهات.
ولا تزال القوات الليبية الموالية للحكومة التي تعاني جراء سقوط العاصمة تقاتل لمنع المتشددين الإسلاميين من الاستيلاء على مدينة بنغازي في الشرق وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تقسيم الدولة الواقعة في الشمال الافريقي إلى ثلاث مناطق متحاربة، وبعد ثلاثة أسابيع من فقد طرابلس لصالح ميليشيا أخرى يواجه الجيش الآن هجوما في ثاني أكبر المدن الليبية يشنه إسلاميو جماعة أنصار الشريعة الذين اجتاحوا قواعد القوات الخاصة ويهاجمون مطار بنغازي، وسقوط بنغازي لن يدع الحكومة عاجزة بلا سيادة وحسب بل سيزيد خطر سقوط البلاد في أمر واقع تمثله ثلاث مناطق شبه مستقلة، متشددون يطالبون بحكم إسلامي بينما تطالب مجموعات مسلحة أخرى بسلطات أكبر للمنطقة الشرقية.
ووجهت الفصائل المتمردة التي اتحدت في انتفاضة عام 2011 لتحطيم حكم معمر القذافي الذي استمر 42 عاما- أسلحتها إلى بعضها البعض الأمر الذي جعل ليبيا تسقط في الفوضى جراء القتال من أجل السلطة والنفط والمال من ميزانية الدولة التي تبلغ 47 مليار دولار، وبدلا من الديمقراطية التي كانت الدول الغربية تأمل في قيامها في ليبيا عندما ساندت المتمردين ربما تكون البلاد متجهة نحو حرب أهلية تستدعي مقارنات بالدول التي تمزقها الصراعات مثل الصومال واليمن وجنوب السودان، وسيسمح سقوط بنغازي للإسلاميين بمهاجمة القواعد الموالية للحكومة إلى الشرق الأمر الذي يمثل تهديدا ممكنا للبيضا التي يوجد فيها المجلس الدستوري وطبرق التي فيها الحكومة والبرلمان المنتخب بعد سقوط طرابلس في أيدي ميليشيا من مصراتة تسمي نفسها عملية فجر ليبيا.
في سياق متصل يسيطر الإسلاميون المتشددون بالفعل على مدينة درنة الساحلية التي تقع في منتصف الطريق بين بنغازي وطبرق، ويقول الباحث السياسي ماتيا توالدو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن الحكومة المركزية تدير الآن دولة صغيرة مساحتها أقل من ثلث مساحة ليبيا، وقال "بين فجر (ليبيا) وأنصار الشريعة تسيطر (الحكومة) على جزء كبير يمتد من بنغازي إلى الحدود مع تونس"، وينطوي الصراع على مخاطرة تتمثل في تدخل دول من المنطقة مثل مصر والإمارات تخشى أن تتحول البلاد إلى ملجأ آمن للإسلاميين المتشددين، وقال مسؤولون أمريكيون إن البلدين قصفا مواقع لميليشيا مصراتة في طرابلس الشهر الماضي لكن ذلك لم يمنع سقوط العاصمة. بحسب رويترز.
وتتعامل الأجزاء المتنافسة من ليبيا بالفعل مع بعضها البعض ككيانات مختلفة، أقام الحكام الجدد في طرابلس برلمانا وحكومة في وقت يستولون فيه على مباني أربع وزارات على الأقل والتلفزيون الرسمي، ولم تعد هناك تقريبا رحلات جوية بين المطارات الغربية التي تخضع لميليشيا مصراتة والمطارات الشرقية التي تسيطر عليها الحكومة، وسعت الحكومة المطرودة من طرابلس وقواتها لتعزيز وضعها بالتحالف مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي اتهمته الحكومة قبل ذلك بمحاولة الانقلاب عليها، وفي ظل الوجود الشكلي للجيش والشرطة يحتاج البرلمان إلى حفتر الذي يقود القواعد الجوية في الشرق لمواجهة أنصار الشريعة والفصائل المسلحة التي تقودها مصراتة، لكن قوته النيرانية لم توقف تقدم الإسلاميين في بنغازي.
ويقول محللون إن ما يزيد قلق الحكومة أن هناك علامات على صلات أولية بين عدويها الرئيسيين في الوقت الذي عرضت فيه جماعة أنصار الشريعة التعاون مع عملية فجر ليبيا، ولم ترد القوات التي تقودها مصراتة على العرض لكن بعض مؤيديها يساندون الإسلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، وتبين صور نشرت في فيسبوك أنه بعد انتصار ميليشيا مصراتة ظهرت عناصر في طرابلس من أنصار الشريعة التي تتهمها الولايات المتحدة بقتل السفير الأمريكي في هجوم ببنغازي في سبتمبر أيلول 2012.
وتصف قوات مصراتة وإسلاميون في بنغازي أنفسهم بأنهم قوات ثورية تقاتل ما تصفه بأنه عناصر نظام القذافي، ويشيرون إلى أن حفتر كان قائدا كبيرا في الجيش الليبي قبل أن يختلف مع القذافي، وكان بعض المقاتلين من الميليشيا المتحالفة مع حفتر من منطقة الزنتان الغربية جزءا من قوات القذافي الأمنية، وقال معلق في محطة تلفزيون تسيطر عليها مصراتة (مبررا الهجوم في طرابلس) إن هناك حاجة للتخلص من قوات القذافي التي لا تزال مسيطرة، ومن جانبهم يرى حفتر والزنتانيون أن معركتهم محاولة لمنع سقوط ليبيا في أيدي الإسلاميين، وتحاول الأمم المتحدة الجمع بين حكام طرابلس الجدد والنواب المنتخبين على مائدة مفاوضات.
لكن ديرك فاندويل مؤلف كتاب "تاريخ ليبيا الحديث" قال إن أي تحالف بين مصراتة والقوى الإسلامية سيكون تكتيكيا على الأرجح بهدف التخلص من الحكومة كما حدث عندما اتفقوا وقت الانتفاضة على عهد القذافي، وقال "فعليا كل التعاون الذي نشهده الآن بين جماعات معينة من الميليشيات هو بالضرورة تكتيكي ومؤقت"، وسوف يزيد ذلك احتمال تفتت ليبيا إلى ثلاث دويلات تديرها أجنحة متنافسة: إحداها تقودها مصراتة في الغرب والثانية يهيمن عليها الإسلاميون في الشرق والثالثة تديرها حكومة عاجزة في أقصى شرق البلاد.
تدخل اقليمي
من جهتها اتهمت الحكومة الليبية المؤقتة السودان بدعم مليشيات إسلامية "إرهابية" مناوئة للسلطات الليبية مطالبة بسحب الملحق العسكري السوداني من ليبيا باعتبار انه "شخص غير مرغوب فيه" وهي ادعاءات نفتها الخرطوم، وقالت الحكومة إن "طائرة نقل عسكرية سودانية دخلت المجال الجوي الليبي من دون إذن أو طلب رسمي من مصلحة الطيران المدني الليبي" معتبرة أن ذلك يعد "خرقا للسيادة الليبية"، وعبرت الحكومة الليبية عن استنكارها ورفضها التام لهذا الإجراء، موضحة أن الطائرة "كانت محملة بشحنة من الذخائر لم تطلبها الدولة الليبية ولم تكن على علم بها أو تنسق فيها مع السلطات السودانية"، وأشارت الحكومة إلى أن "وجهة الطائرة كانت نحو مطار معيتيقة" في العاصمة الليبية طرابلس والذي تسيطر عليه مليشيات إسلامية متشددة تابعة لقوات "فجر ليبيا" التي تنحدر في مجملها من مليشيات مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس).
ولفتت الحكومة إلى أن "الشحنة تم اكتشافها بعد توقف قائد الطائرة في مطار الكفرة الحدودي مع السودان للتزود بالقود"، دون أن تحدد الزمان التي دخلت فيه الطائرة الأجواء الليبية، واعتبرت الحكومة أن "هذا العمل من قبل الدولة السودانية يتجاوز الدولة الليبية ويتدخل في شؤونها ويقحم السودان كطرف داعم بالأسلحة لجماعة إرهابية تتعدى على مقدرات الدولة الليبية"، وتابعت إن "ذلك يعد أيضا مخالفة صريحة للقرارات الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن الدولي بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا"، وطالبت الحكومة الليبية المجتمع الدولي ومجلس الأمن مساعدة البلاد في مراقبة أجوائها لمنع تكرار مثل هذه الاختراقات التي تعمل على تأجيج الصراع، بحسب البيان. بحسب فرانس برس.
ووفقا للبيان ذاته، فإن الحكومة الليبية دعت السلطات السودانية إلى الكف عن التدخل في الشأن السياسي الليبي وعدم الانحياز لأي من اطراف الأزمة في ليبيا والتوقف عن مثل هذه الإجراءات المرفوضة شكلا ومضمونا، وقالت إن "لليبيا الحق في اتخاذ كافة الإجراءات لحفظ أمن واستقرار وسيادة البلاد"، وفي ظل التخبط السياسي والإداري الواضح في ليبيا، نفى العقيد سليمان حامد الزوي رئيس المجلس العسكري لمدينة الكفرة 1700 كلم (جنوب شرق طرابلس) أن تكون الطائرة متجهة إلى مطار معيتيقة.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية عن الزوي وهو أيضا يشغل صفة آمر القوات الليبية السودانية المشتركة قوله إن "هذه الشحنة كانت عبارة عن إمدادات عسكرية ولوجيستية للقوة المشتركة من الجيش الوطني التي يترأسها والمكلفة بالتمركز في نقطتي السارة والعوينات" الحدودية مع السودان، وأضاف أن "هذه النقاط تعتبر عسكرية يتمركز بها الجيش الوطني لحماية الحدود"، مؤكدا أن "تفريغ هذه الشحنة تم أمام مرأى بعض الضباط العسكريين ومشايخ وأعيان وأمراء الكتائب بمدينة الكفرة وذلك لتفنيد أي شائعات بهذا الخصوص"، ومن ناحيتها، قالت وزارة الخارجية السودانية في بيان تشرته وكالة الانباء السودانية ان "السودان ليس له اية مصلحة للتدخل في الشؤون الداخلية لليبيا".
واضافت ان الطائرة كانت في مهمة تموينية للقوات السودانية الليبية التي تشرف على حدودهما المشتركة ولم تتوجه الى معيتيقه، واشارت الى ان السودان لم يتلق بالمقابل اي طلب رسمي لسحب الملحق العسكري، وتغرق ليبيا في فوضى منذ الاطاحة بنظام معمر القذافي ومقتله قبل ثلاث سنوات، وتواجه السلطات المؤقتة ميليشيات قوية قاتلت للاطاحة بالنظام السابق، وكان مجلس النواب اعتبر في وقت سابق قوات (فجر ليبيا) جماعة إرهابية، وتسيطر هذه القوات على العاصمة طرابلس منذ 24 اب/أغسطس الماضي بعد أن خاضت معركة طاحنة استمرت زهاء 40 يوما ضد قوات تنتمي للتيار "المدني" تتحدر بمجملها من مدينة الزنتان (180 كلم جنوب غرب)، وكان أفراد هاتين القوتين المتناحرتين حاليا رفقاء سلاح إبان الثورة ضد القذافي الذي سقط في العام 2011.
وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي اطاح جماعة الاخوان المسلمين من الحكم في بلاده العام الماضي من "مغبة التدخل الدولي" في ليبيا حيث تسيطر ميليشيات مقربة من الاخوان على العاصمة طرابلس، وصدر هذا التحذير عن السيسي خلال اجتماع عقده مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، المتواجد في القاهرة للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد بن بندر بن عبد العزيز آل سعود، بحسب ما قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية ايهاب بدوي في بيان، واكد بدوي ان السيسي اكد خلال الاجتماع "حرص مصر على تحقيق الاستقرار السياسي والاستتباب الأمني في ليبيا، والحيلولة دون سقوطها في براثن الإرهاب مستعرضا الجهود المصرية المبذولة في هذا الشأن"، واضاف ان الرئيس المصري "حذر من مغبة التدخل الخارجي في ليبيا واكد ان مصر لن تتهاون في الحفاظ على أمنها القومي".
ويأتي هذا التحذير فيما تولي القاهرة اهمية كبيرة للوضع في ليبيا التي تشترك معها في حدود غربية طويلة خصوصا مع فقدان الحكومة الليبية المؤقتة، التي تدعمها مصر والجامعة العربية، السيطرة على طرابلس التي باتت في يد مسلحين مقربين من جماعة الاخوان المسلمين، واعلنت الولايات المتحدة رسميا في 26 اب/اغسطس الماضي ان الامارات ومصر شنتا في الفترة الاخيرة ضربات جوية استهدفت ميليشيات اسلامية في ليبيا، ونددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ب"التدخلات الخارجية في ليبيا والتي تثير الانقسامات وتجهض العملية الديموقراطية" مستخدمة بذلك عبارات بيان مشترك صادر عن واشنطن ولندن وباريس وبرلين وروما.
وقال خبراء ان هذه الضربات الجوية تهدف الى منع الاخوان المسلمين من السيطرة على ليبيا والتأكيد لواشنطن بان الدول العربية قادرة على التحرك لحماية مصالحها، ولا تخفي السلطات المصرية قلقها ازاء وجود الاخوان المسلمين على حدودها وازاء امكانية حصول عمليات انتقال للاسلحة وتوغل للجهاديين من ليبيا، وكان السيسي اطاح في الثالث من تموز/يوليو 2013 بالرئيس محمد مرسي المنتمي الى جماعة الاخوان المسلمين، ومنذ ذلك الحين شن حملة قمع طالت كوادر قيادات الجماعة، بمن فيهم مرسي الذي يحاكم في عدة قضايا باتهامات تصل عقوبتها الى الإعدام، وبحسب الامم المتحدة والمنظمات الحقوقية فان 1400 من انصار مرسي قتلوا بعد اطاحته كما اعتقل اكثر من 15 الفا اخرين.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آيلول/2014
ليبيا التي عانت الكثير بعد احداث الربيع العربي الذي ولد عسيرا لديها، كما تعاني اليوم من صعوبة الانتقال الى المرحلة الديمقراطية وهي عالقة بين احتمالات ربما يكون أحلاها بطعم العلقم، كما يرى محللون، ويخشى الكثير من المتابعين والخبراء ان تقسم (ليبيا) الى أكثر من دولة لا تحمل احداها علامات النجاح، فيما يتخوف اخرون من تحول صراع الميليشيات حول اقتسام المناطق الى حرب أهلية لا يمكن الخروج منها بسهولة، سيما وان هناك العديد من الأطراف الإقليمية قد بادرت الى دعم بعض الجهات الإسلامية وغيرها، في محاولة لضرب جماعات أخرى، الامر الذي عقد من المشهد العام، من دون ان تكون هناك أي علامة على انفراجه مستقبلية في الوقت القريب.
واندلعت احداث عنيفة منذ ان قامت قوات موالية للعسكري المتقاعد (حفتر) بمقاتلة الميليشيات الإسلامية في ليبيا، مدعوما بقوات من ميليشيات مختلفة، ولم يتمكن حفتر من القضاء على الميليشيات الإسلامية، او إيقاف تقدمها، سيما وان هذه الميليشيات قد ساهمت بشكل فعال في القضاء على نظام القذافي، وهي تتهم حفتر وقواته بانها جزء من تلك المنظومة التي حاربتها، كما وسعت بعض الأطراف الخارجية رقعت المواجهة بين الجماعات الإسلامية وغيرها، من دون ان يكون هناك دور واضح للنظام السياسي الحالي في ليبيا، الذي يمر بأضعف ادواره السياسية، بعد ان انقسمت ولاءته الى عده جهات.
ولا تزال القوات الليبية الموالية للحكومة التي تعاني جراء سقوط العاصمة تقاتل لمنع المتشددين الإسلاميين من الاستيلاء على مدينة بنغازي في الشرق وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تقسيم الدولة الواقعة في الشمال الافريقي إلى ثلاث مناطق متحاربة، وبعد ثلاثة أسابيع من فقد طرابلس لصالح ميليشيا أخرى يواجه الجيش الآن هجوما في ثاني أكبر المدن الليبية يشنه إسلاميو جماعة أنصار الشريعة الذين اجتاحوا قواعد القوات الخاصة ويهاجمون مطار بنغازي، وسقوط بنغازي لن يدع الحكومة عاجزة بلا سيادة وحسب بل سيزيد خطر سقوط البلاد في أمر واقع تمثله ثلاث مناطق شبه مستقلة، متشددون يطالبون بحكم إسلامي بينما تطالب مجموعات مسلحة أخرى بسلطات أكبر للمنطقة الشرقية.
ووجهت الفصائل المتمردة التي اتحدت في انتفاضة عام 2011 لتحطيم حكم معمر القذافي الذي استمر 42 عاما- أسلحتها إلى بعضها البعض الأمر الذي جعل ليبيا تسقط في الفوضى جراء القتال من أجل السلطة والنفط والمال من ميزانية الدولة التي تبلغ 47 مليار دولار، وبدلا من الديمقراطية التي كانت الدول الغربية تأمل في قيامها في ليبيا عندما ساندت المتمردين ربما تكون البلاد متجهة نحو حرب أهلية تستدعي مقارنات بالدول التي تمزقها الصراعات مثل الصومال واليمن وجنوب السودان، وسيسمح سقوط بنغازي للإسلاميين بمهاجمة القواعد الموالية للحكومة إلى الشرق الأمر الذي يمثل تهديدا ممكنا للبيضا التي يوجد فيها المجلس الدستوري وطبرق التي فيها الحكومة والبرلمان المنتخب بعد سقوط طرابلس في أيدي ميليشيا من مصراتة تسمي نفسها عملية فجر ليبيا.
في سياق متصل يسيطر الإسلاميون المتشددون بالفعل على مدينة درنة الساحلية التي تقع في منتصف الطريق بين بنغازي وطبرق، ويقول الباحث السياسي ماتيا توالدو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن الحكومة المركزية تدير الآن دولة صغيرة مساحتها أقل من ثلث مساحة ليبيا، وقال "بين فجر (ليبيا) وأنصار الشريعة تسيطر (الحكومة) على جزء كبير يمتد من بنغازي إلى الحدود مع تونس"، وينطوي الصراع على مخاطرة تتمثل في تدخل دول من المنطقة مثل مصر والإمارات تخشى أن تتحول البلاد إلى ملجأ آمن للإسلاميين المتشددين، وقال مسؤولون أمريكيون إن البلدين قصفا مواقع لميليشيا مصراتة في طرابلس الشهر الماضي لكن ذلك لم يمنع سقوط العاصمة. بحسب رويترز.
وتتعامل الأجزاء المتنافسة من ليبيا بالفعل مع بعضها البعض ككيانات مختلفة، أقام الحكام الجدد في طرابلس برلمانا وحكومة في وقت يستولون فيه على مباني أربع وزارات على الأقل والتلفزيون الرسمي، ولم تعد هناك تقريبا رحلات جوية بين المطارات الغربية التي تخضع لميليشيا مصراتة والمطارات الشرقية التي تسيطر عليها الحكومة، وسعت الحكومة المطرودة من طرابلس وقواتها لتعزيز وضعها بالتحالف مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي اتهمته الحكومة قبل ذلك بمحاولة الانقلاب عليها، وفي ظل الوجود الشكلي للجيش والشرطة يحتاج البرلمان إلى حفتر الذي يقود القواعد الجوية في الشرق لمواجهة أنصار الشريعة والفصائل المسلحة التي تقودها مصراتة، لكن قوته النيرانية لم توقف تقدم الإسلاميين في بنغازي.
ويقول محللون إن ما يزيد قلق الحكومة أن هناك علامات على صلات أولية بين عدويها الرئيسيين في الوقت الذي عرضت فيه جماعة أنصار الشريعة التعاون مع عملية فجر ليبيا، ولم ترد القوات التي تقودها مصراتة على العرض لكن بعض مؤيديها يساندون الإسلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، وتبين صور نشرت في فيسبوك أنه بعد انتصار ميليشيا مصراتة ظهرت عناصر في طرابلس من أنصار الشريعة التي تتهمها الولايات المتحدة بقتل السفير الأمريكي في هجوم ببنغازي في سبتمبر أيلول 2012.
وتصف قوات مصراتة وإسلاميون في بنغازي أنفسهم بأنهم قوات ثورية تقاتل ما تصفه بأنه عناصر نظام القذافي، ويشيرون إلى أن حفتر كان قائدا كبيرا في الجيش الليبي قبل أن يختلف مع القذافي، وكان بعض المقاتلين من الميليشيا المتحالفة مع حفتر من منطقة الزنتان الغربية جزءا من قوات القذافي الأمنية، وقال معلق في محطة تلفزيون تسيطر عليها مصراتة (مبررا الهجوم في طرابلس) إن هناك حاجة للتخلص من قوات القذافي التي لا تزال مسيطرة، ومن جانبهم يرى حفتر والزنتانيون أن معركتهم محاولة لمنع سقوط ليبيا في أيدي الإسلاميين، وتحاول الأمم المتحدة الجمع بين حكام طرابلس الجدد والنواب المنتخبين على مائدة مفاوضات.
لكن ديرك فاندويل مؤلف كتاب "تاريخ ليبيا الحديث" قال إن أي تحالف بين مصراتة والقوى الإسلامية سيكون تكتيكيا على الأرجح بهدف التخلص من الحكومة كما حدث عندما اتفقوا وقت الانتفاضة على عهد القذافي، وقال "فعليا كل التعاون الذي نشهده الآن بين جماعات معينة من الميليشيات هو بالضرورة تكتيكي ومؤقت"، وسوف يزيد ذلك احتمال تفتت ليبيا إلى ثلاث دويلات تديرها أجنحة متنافسة: إحداها تقودها مصراتة في الغرب والثانية يهيمن عليها الإسلاميون في الشرق والثالثة تديرها حكومة عاجزة في أقصى شرق البلاد.
تدخل اقليمي
من جهتها اتهمت الحكومة الليبية المؤقتة السودان بدعم مليشيات إسلامية "إرهابية" مناوئة للسلطات الليبية مطالبة بسحب الملحق العسكري السوداني من ليبيا باعتبار انه "شخص غير مرغوب فيه" وهي ادعاءات نفتها الخرطوم، وقالت الحكومة إن "طائرة نقل عسكرية سودانية دخلت المجال الجوي الليبي من دون إذن أو طلب رسمي من مصلحة الطيران المدني الليبي" معتبرة أن ذلك يعد "خرقا للسيادة الليبية"، وعبرت الحكومة الليبية عن استنكارها ورفضها التام لهذا الإجراء، موضحة أن الطائرة "كانت محملة بشحنة من الذخائر لم تطلبها الدولة الليبية ولم تكن على علم بها أو تنسق فيها مع السلطات السودانية"، وأشارت الحكومة إلى أن "وجهة الطائرة كانت نحو مطار معيتيقة" في العاصمة الليبية طرابلس والذي تسيطر عليه مليشيات إسلامية متشددة تابعة لقوات "فجر ليبيا" التي تنحدر في مجملها من مليشيات مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس).
ولفتت الحكومة إلى أن "الشحنة تم اكتشافها بعد توقف قائد الطائرة في مطار الكفرة الحدودي مع السودان للتزود بالقود"، دون أن تحدد الزمان التي دخلت فيه الطائرة الأجواء الليبية، واعتبرت الحكومة أن "هذا العمل من قبل الدولة السودانية يتجاوز الدولة الليبية ويتدخل في شؤونها ويقحم السودان كطرف داعم بالأسلحة لجماعة إرهابية تتعدى على مقدرات الدولة الليبية"، وتابعت إن "ذلك يعد أيضا مخالفة صريحة للقرارات الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن الدولي بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا"، وطالبت الحكومة الليبية المجتمع الدولي ومجلس الأمن مساعدة البلاد في مراقبة أجوائها لمنع تكرار مثل هذه الاختراقات التي تعمل على تأجيج الصراع، بحسب البيان. بحسب فرانس برس.
ووفقا للبيان ذاته، فإن الحكومة الليبية دعت السلطات السودانية إلى الكف عن التدخل في الشأن السياسي الليبي وعدم الانحياز لأي من اطراف الأزمة في ليبيا والتوقف عن مثل هذه الإجراءات المرفوضة شكلا ومضمونا، وقالت إن "لليبيا الحق في اتخاذ كافة الإجراءات لحفظ أمن واستقرار وسيادة البلاد"، وفي ظل التخبط السياسي والإداري الواضح في ليبيا، نفى العقيد سليمان حامد الزوي رئيس المجلس العسكري لمدينة الكفرة 1700 كلم (جنوب شرق طرابلس) أن تكون الطائرة متجهة إلى مطار معيتيقة.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية عن الزوي وهو أيضا يشغل صفة آمر القوات الليبية السودانية المشتركة قوله إن "هذه الشحنة كانت عبارة عن إمدادات عسكرية ولوجيستية للقوة المشتركة من الجيش الوطني التي يترأسها والمكلفة بالتمركز في نقطتي السارة والعوينات" الحدودية مع السودان، وأضاف أن "هذه النقاط تعتبر عسكرية يتمركز بها الجيش الوطني لحماية الحدود"، مؤكدا أن "تفريغ هذه الشحنة تم أمام مرأى بعض الضباط العسكريين ومشايخ وأعيان وأمراء الكتائب بمدينة الكفرة وذلك لتفنيد أي شائعات بهذا الخصوص"، ومن ناحيتها، قالت وزارة الخارجية السودانية في بيان تشرته وكالة الانباء السودانية ان "السودان ليس له اية مصلحة للتدخل في الشؤون الداخلية لليبيا".
واضافت ان الطائرة كانت في مهمة تموينية للقوات السودانية الليبية التي تشرف على حدودهما المشتركة ولم تتوجه الى معيتيقه، واشارت الى ان السودان لم يتلق بالمقابل اي طلب رسمي لسحب الملحق العسكري، وتغرق ليبيا في فوضى منذ الاطاحة بنظام معمر القذافي ومقتله قبل ثلاث سنوات، وتواجه السلطات المؤقتة ميليشيات قوية قاتلت للاطاحة بالنظام السابق، وكان مجلس النواب اعتبر في وقت سابق قوات (فجر ليبيا) جماعة إرهابية، وتسيطر هذه القوات على العاصمة طرابلس منذ 24 اب/أغسطس الماضي بعد أن خاضت معركة طاحنة استمرت زهاء 40 يوما ضد قوات تنتمي للتيار "المدني" تتحدر بمجملها من مدينة الزنتان (180 كلم جنوب غرب)، وكان أفراد هاتين القوتين المتناحرتين حاليا رفقاء سلاح إبان الثورة ضد القذافي الذي سقط في العام 2011.
وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي اطاح جماعة الاخوان المسلمين من الحكم في بلاده العام الماضي من "مغبة التدخل الدولي" في ليبيا حيث تسيطر ميليشيات مقربة من الاخوان على العاصمة طرابلس، وصدر هذا التحذير عن السيسي خلال اجتماع عقده مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، المتواجد في القاهرة للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد بن بندر بن عبد العزيز آل سعود، بحسب ما قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية ايهاب بدوي في بيان، واكد بدوي ان السيسي اكد خلال الاجتماع "حرص مصر على تحقيق الاستقرار السياسي والاستتباب الأمني في ليبيا، والحيلولة دون سقوطها في براثن الإرهاب مستعرضا الجهود المصرية المبذولة في هذا الشأن"، واضاف ان الرئيس المصري "حذر من مغبة التدخل الخارجي في ليبيا واكد ان مصر لن تتهاون في الحفاظ على أمنها القومي".
ويأتي هذا التحذير فيما تولي القاهرة اهمية كبيرة للوضع في ليبيا التي تشترك معها في حدود غربية طويلة خصوصا مع فقدان الحكومة الليبية المؤقتة، التي تدعمها مصر والجامعة العربية، السيطرة على طرابلس التي باتت في يد مسلحين مقربين من جماعة الاخوان المسلمين، واعلنت الولايات المتحدة رسميا في 26 اب/اغسطس الماضي ان الامارات ومصر شنتا في الفترة الاخيرة ضربات جوية استهدفت ميليشيات اسلامية في ليبيا، ونددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ب"التدخلات الخارجية في ليبيا والتي تثير الانقسامات وتجهض العملية الديموقراطية" مستخدمة بذلك عبارات بيان مشترك صادر عن واشنطن ولندن وباريس وبرلين وروما.
وقال خبراء ان هذه الضربات الجوية تهدف الى منع الاخوان المسلمين من السيطرة على ليبيا والتأكيد لواشنطن بان الدول العربية قادرة على التحرك لحماية مصالحها، ولا تخفي السلطات المصرية قلقها ازاء وجود الاخوان المسلمين على حدودها وازاء امكانية حصول عمليات انتقال للاسلحة وتوغل للجهاديين من ليبيا، وكان السيسي اطاح في الثالث من تموز/يوليو 2013 بالرئيس محمد مرسي المنتمي الى جماعة الاخوان المسلمين، ومنذ ذلك الحين شن حملة قمع طالت كوادر قيادات الجماعة، بمن فيهم مرسي الذي يحاكم في عدة قضايا باتهامات تصل عقوبتها الى الإعدام، وبحسب الامم المتحدة والمنظمات الحقوقية فان 1400 من انصار مرسي قتلوا بعد اطاحته كما اعتقل اكثر من 15 الفا اخرين.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آيلول/2014