استفتاء اسكتلندا - حل جاهز للشرق المهدد بالانقسامات
رفض الاسكتلنديون بوضوح الاستقلال عن بريطانيا في استفتاء تاريخي، في وقت تزداد فيه حدة النزَعَات الاستقلالية في الكثير من بلدان الشرق الاوسط. فما هي العبر التي يمكن أن نستخلصها من استفتاء اسكتلندا؟
تنفست لندن الصعداء بعد أن أظهرت نتائج الاستفتاء أن غالبية المواطنين الاسكتلنديين يرفضون الاستقلال عن المملكة المتحدة. الترحيب بنتائج هذا الاقتراع جاءت من رئيس الوزراء البريطاني الذي أكد أنه سيعمل على تعزيز صلاحيات هذا الإقليم، بحيث قال "مثلما سيحصل الاسكتلنديون على المزيد من السلطات في إدارة شؤونهم، كذلك يجب أن تكون لسكان انكلترا وويلز وإيرلندا الشمالية صلاحيات أكبر في إدارة شؤونهم". تصريح يؤكد أن الرسالة التي بعث بها الاسكتلنديون من خلال هذا الاستفتاء قد وصل فحواها إلى حكومة لندن.
هذه الرسالة لم توجه للبريطانيين فحسب، بل لكل دول العالم التي تنشط فيها الطموحات الاستقلالية بداية من الصين وروسيا وإسبانيا وصولا إلى منطقة الشرق الأوسط التي باتت تتخوف أكثر من أي وقت مضى من مصطلحات كـ "الانفصال" أو "الاستقلال" أو "الحكم الذاتي". لكن يبقى السؤال: هل استوعبت هذه الدول، خاصة العربية منها، هذه الرسالة؟
بنظرة خاطفة على خارطة الدول العربية الحالية، يمكن للمرء أن يلاحظ مناطق النزاعات المنتشرة من الشرق إلى الغرب، بداية بنزاع الصحراء الغربية بين جبهة البوليزاريو والمغرب، مرورا بالانقسامات التي تشهدها ليبيا بين الأقاليم الشرقية والغربية، وصولا إلى سوريا والعراق حيث يسعى الأكراد هناك إلى إقامة دولتهم في شمال البلاد. وهو الأمر الذي يستدعي تأملا كبيرا في الأسباب التي تدفع بهذه المناطق إلى التوجه نحو المطالبة بالانفصال وإقامة دولتهم المستقلة، في الوقت الذي يؤكد فيه الاسكتلنديون تشبثهم بالمملكة المتحدة.
الشعب هو سيد الخيار
الاسكتلنديون عبروا وبطريقة ديمقراطية، لا تدع أي مجال للشك، عن رغبتهم في بقاء بلادهم ضمن الحكم البريطاني. وقد قبلت لندن بالذهاب إلى صناديق الاقتراع وإعطاء الكلمة الفصل للناخبين هناك، بالرغم من معرفتها الدقيقة بالخسائر السياسية والاقتصادية الكبيرة التي قد تنجم عن خروج اسكتلندا عن المملكة المتحدة، سادس اقتصاد في العالم. ويقول الكاتب والمحلل كفاح محمود إن "الخيار الذي انتهجته بريطانيا بمنح شعب اسكتلندا حقه في تقرير مصيره هو أكبر درس لدول منطقة الشرق الأوسط، وهو درس لكل المشككين والمتخوفين من النَزَعات الاستقلالية في المنطقة". ويضيف كفاح محمود في حوار لـDW عربية أن "الإغراءات التي قدمتها الحكومة البريطانية للناخبين قد فعلت فعلتها". ويوضح قائلا: "ومن هنا نستنتج أنه على المكون الأكبر أن يثبت للمكون الأصغر، الذي يريد الانفصال عنه، أنه جدير بالانتماء أو البقاء ضمنهم"، وهو الأمر الذي حاولت حكومة لندن تسويقه خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء. بينما قال مؤيدو الاستقلال إنهم يرون مستقبلا مشرقا لاسكتلندا مستقلة في أوروبا ومجتمعا أكثر نزاهة في إطار تعاون مع لندن. وأدت هذه القضية إلى الانقسام داخل الأسرة الواحدة وبين الأصدقاء، بل وخلقت جوّا من الإثارة القوية في هذا البلد، لكن كل ذلك جرى في أجواء ديمقراطية.
دولة المواطنة "حصن ضد الانقسام"؟
"دولة القانون المبنية على مبدأ المواطنة كفيلة بالحفاظ على تماسكها أكثر"، يقول محمد جعفر، الباحث في علوم الاجتماع السياسي في جامعة باريس. ويضيف جعفر في حوار مع DWعربية أن "المساواة بين مكونات المجتمع في الفرص وتقاسم الثروة يخفض من مستوى النَزَعات الانفصالية داخل الدولة، وهو ما لا يحدث الآن في الكثير من البلدان العربية". هذا الأمر يؤكده كذلك الكاتب العراقي الكردي كفاح محمود، حينما يقول "هنا في كردستان، إذا ما حُلت الكثير من المشاكل الاقتصادية مع بغداد، وتم منح إقليم كردستان حقه كشريك ثان في الدولة العراقية، وإذا عومل الإقليم على أسس ديمقراطية اتحادية وله نصيبه في الثروات والقرار السياسي والأمني، فإنه لا أحد من الأكراد سيؤيد خيار الاستقلال".
البحث عن الهوية و الانتماء
لكن الباحث محمد جعفر يركز إلى جانب دولة القانون على الحقوق الثقافية والمجتمعية للأقليات المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط وما تتعرض له من تضييق. ويضيف أن "هذا التضييق يخلق الأفكار الانفصالية لديهم، كما يحدث الآن للأمازيغ في بلدان شمال إفريقيا، والأكراد في العراق، أو الشيعة في السعودية أو كما حدث للمسيحيين في السودان ما أدى إلى انقسامه". ويؤكد أن "إشكالية البحث عن الهوية تزاد حدة مع عدم اعتراف الآخر بها، فلولا اعتراف بريطانيا بالهوية الثقافية للأقاليم التي تنطوي تحتها، ومنحها شعور الانتماء، لما بقيت متماسكة لحد الآن".
في ذات السياق، يرى الكاتب كفاح محمود أن المعضلة الحقيقية في معظم بلدان الشرق الأوسط تكمن في قضية الانتماء، إذ مازال "الانتماء إلى القبيلة أقوى من الانتماء إلى الشعب. والانتماء إلى القرية أقوى من الانتماء إلى الوطن. والانتماء إلى الدين أو المذهب أكبر من الانتماء إلى ثقافة المواطنة". ويضيف قائلا: "ولتغيير هذا الوضع نحتاج إلى عشرات السنين، على أن يرافقها تغيير كبير في النظم التربوية والتعليمية والاجتماعية، وهو الأمر الذي لن يتأتى بقررات عليا، بل بثورات فكرية داخل المجتمع".
.......
19.09.2014
صوت ألمانيا
رفض الاسكتلنديون بوضوح الاستقلال عن بريطانيا في استفتاء تاريخي، في وقت تزداد فيه حدة النزَعَات الاستقلالية في الكثير من بلدان الشرق الاوسط. فما هي العبر التي يمكن أن نستخلصها من استفتاء اسكتلندا؟
تنفست لندن الصعداء بعد أن أظهرت نتائج الاستفتاء أن غالبية المواطنين الاسكتلنديين يرفضون الاستقلال عن المملكة المتحدة. الترحيب بنتائج هذا الاقتراع جاءت من رئيس الوزراء البريطاني الذي أكد أنه سيعمل على تعزيز صلاحيات هذا الإقليم، بحيث قال "مثلما سيحصل الاسكتلنديون على المزيد من السلطات في إدارة شؤونهم، كذلك يجب أن تكون لسكان انكلترا وويلز وإيرلندا الشمالية صلاحيات أكبر في إدارة شؤونهم". تصريح يؤكد أن الرسالة التي بعث بها الاسكتلنديون من خلال هذا الاستفتاء قد وصل فحواها إلى حكومة لندن.
هذه الرسالة لم توجه للبريطانيين فحسب، بل لكل دول العالم التي تنشط فيها الطموحات الاستقلالية بداية من الصين وروسيا وإسبانيا وصولا إلى منطقة الشرق الأوسط التي باتت تتخوف أكثر من أي وقت مضى من مصطلحات كـ "الانفصال" أو "الاستقلال" أو "الحكم الذاتي". لكن يبقى السؤال: هل استوعبت هذه الدول، خاصة العربية منها، هذه الرسالة؟
بنظرة خاطفة على خارطة الدول العربية الحالية، يمكن للمرء أن يلاحظ مناطق النزاعات المنتشرة من الشرق إلى الغرب، بداية بنزاع الصحراء الغربية بين جبهة البوليزاريو والمغرب، مرورا بالانقسامات التي تشهدها ليبيا بين الأقاليم الشرقية والغربية، وصولا إلى سوريا والعراق حيث يسعى الأكراد هناك إلى إقامة دولتهم في شمال البلاد. وهو الأمر الذي يستدعي تأملا كبيرا في الأسباب التي تدفع بهذه المناطق إلى التوجه نحو المطالبة بالانفصال وإقامة دولتهم المستقلة، في الوقت الذي يؤكد فيه الاسكتلنديون تشبثهم بالمملكة المتحدة.
الشعب هو سيد الخيار
الاسكتلنديون عبروا وبطريقة ديمقراطية، لا تدع أي مجال للشك، عن رغبتهم في بقاء بلادهم ضمن الحكم البريطاني. وقد قبلت لندن بالذهاب إلى صناديق الاقتراع وإعطاء الكلمة الفصل للناخبين هناك، بالرغم من معرفتها الدقيقة بالخسائر السياسية والاقتصادية الكبيرة التي قد تنجم عن خروج اسكتلندا عن المملكة المتحدة، سادس اقتصاد في العالم. ويقول الكاتب والمحلل كفاح محمود إن "الخيار الذي انتهجته بريطانيا بمنح شعب اسكتلندا حقه في تقرير مصيره هو أكبر درس لدول منطقة الشرق الأوسط، وهو درس لكل المشككين والمتخوفين من النَزَعات الاستقلالية في المنطقة". ويضيف كفاح محمود في حوار لـDW عربية أن "الإغراءات التي قدمتها الحكومة البريطانية للناخبين قد فعلت فعلتها". ويوضح قائلا: "ومن هنا نستنتج أنه على المكون الأكبر أن يثبت للمكون الأصغر، الذي يريد الانفصال عنه، أنه جدير بالانتماء أو البقاء ضمنهم"، وهو الأمر الذي حاولت حكومة لندن تسويقه خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء. بينما قال مؤيدو الاستقلال إنهم يرون مستقبلا مشرقا لاسكتلندا مستقلة في أوروبا ومجتمعا أكثر نزاهة في إطار تعاون مع لندن. وأدت هذه القضية إلى الانقسام داخل الأسرة الواحدة وبين الأصدقاء، بل وخلقت جوّا من الإثارة القوية في هذا البلد، لكن كل ذلك جرى في أجواء ديمقراطية.
دولة المواطنة "حصن ضد الانقسام"؟
"دولة القانون المبنية على مبدأ المواطنة كفيلة بالحفاظ على تماسكها أكثر"، يقول محمد جعفر، الباحث في علوم الاجتماع السياسي في جامعة باريس. ويضيف جعفر في حوار مع DWعربية أن "المساواة بين مكونات المجتمع في الفرص وتقاسم الثروة يخفض من مستوى النَزَعات الانفصالية داخل الدولة، وهو ما لا يحدث الآن في الكثير من البلدان العربية". هذا الأمر يؤكده كذلك الكاتب العراقي الكردي كفاح محمود، حينما يقول "هنا في كردستان، إذا ما حُلت الكثير من المشاكل الاقتصادية مع بغداد، وتم منح إقليم كردستان حقه كشريك ثان في الدولة العراقية، وإذا عومل الإقليم على أسس ديمقراطية اتحادية وله نصيبه في الثروات والقرار السياسي والأمني، فإنه لا أحد من الأكراد سيؤيد خيار الاستقلال".
البحث عن الهوية و الانتماء
لكن الباحث محمد جعفر يركز إلى جانب دولة القانون على الحقوق الثقافية والمجتمعية للأقليات المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط وما تتعرض له من تضييق. ويضيف أن "هذا التضييق يخلق الأفكار الانفصالية لديهم، كما يحدث الآن للأمازيغ في بلدان شمال إفريقيا، والأكراد في العراق، أو الشيعة في السعودية أو كما حدث للمسيحيين في السودان ما أدى إلى انقسامه". ويؤكد أن "إشكالية البحث عن الهوية تزاد حدة مع عدم اعتراف الآخر بها، فلولا اعتراف بريطانيا بالهوية الثقافية للأقاليم التي تنطوي تحتها، ومنحها شعور الانتماء، لما بقيت متماسكة لحد الآن".
في ذات السياق، يرى الكاتب كفاح محمود أن المعضلة الحقيقية في معظم بلدان الشرق الأوسط تكمن في قضية الانتماء، إذ مازال "الانتماء إلى القبيلة أقوى من الانتماء إلى الشعب. والانتماء إلى القرية أقوى من الانتماء إلى الوطن. والانتماء إلى الدين أو المذهب أكبر من الانتماء إلى ثقافة المواطنة". ويضيف قائلا: "ولتغيير هذا الوضع نحتاج إلى عشرات السنين، على أن يرافقها تغيير كبير في النظم التربوية والتعليمية والاجتماعية، وهو الأمر الذي لن يتأتى بقررات عليا، بل بثورات فكرية داخل المجتمع".
.......
19.09.2014
صوت ألمانيا