رمضان و وحدة المسلمين الشعورية.
* د.توفيق الواعي.
..........
يأتي رمضان فيستيقظ له شعور كل مسلم،و ينتشي به إحساس كل مؤمن،و تهش له و تبش نفوس المتقين،تستقبله الجموع بالفرح و الترحاب،و يزفه الأطفال بالأهازيج و الأناشيد،و يهلل له الرجال بالتكبير و التحميد،فينشر أحاسيس البر في الشعور،و يوقظ روافد الخير في القلوب،و يرجع الروح إلى أفقها السامي،فتبرأ من أوزار الحياة،و تطهر من صراعات الآثام،و تتزود من قوى
الجمال و الحق و الخير،و يصبح رمضان ثلاثين عيداً من أعياد القلب و الروح في ثلاثين يوماً،و تفيض أيامه بالسرور،و تشرق لياليه بالنور،و تعمر مجالسه بالعطاء،و يغمر الصوَام فيض من الشعور الإيماني اللطيف،يجعلهم بين نشوة الجسد و صحوة القلب هالات محلقة من النور و الأشواق،نهارهم مراقبة،و صوم عن الدنيا،و طاعة و التزام،فإذا أمسى المساء و فرغوا من الطعام و الصلاة،
انتشروا في المدن و القرى بالبهجة و السرور و الحب،فالرجال يحضرون محافل القرآن في البيوت،أو زيارة الأهل في المساكن،أو مجالس السرور بين الزوجات و الأولاد،و الأطفال يفرحون بالحلوى و اللقاءات في الطرقات،أو في منازل الأقارب هنا و هناك.
فرمضان مظهر رائع من مظاهر إعادة الهوية،و تأكيد الانتماء إلى الملة،و الانتساب إلى العقيدة،و الرجوع إلى العادات و التقاليد،و هكذا تجد أن أساليب الأمة قد اصطبغت بصبغتها و لبست حلتها،و نفضت ما داخلها من غبش الدخل الثقافي الغازي الذي أريد لنا أن نتلون به،و نتشكل بهيأته،كأنما كُتِب علينا أن نأخذ الحياة من الجانب الفضولي العابث،فنتأثر بها و لا نؤثر فيها،
و كأنما همنا أن نعيش الحياة صعاليك على تقاليد الأمم دون أن تميزنا خصيصة قويمة و لا شعيرة من عقيدة.
يأتي رمضان إلى الأمة،و من فرحتها به تخاطبه كأنه إنسان،و تناديه شاخصاً للعيان،و ماثلاً للوجدان،و ترحب به ضيفاً،و تستقبله حبيباً،و تعايشه عطاء،و كلما انقضى نهار من رمضان أشفقت القلوب من رحيله،حتى إذا لم يبق إلا ربعه الأخير تمثلوه محتضراً يكابد غصص الموت،فندبوه في البيوت و المساجد،و رثوه على السطوح و المآذن،و بكوه يوم "الجمعة اليتيمة" أحرّ البكاء.
و كم من مذنبِ تاب في رمضان و رجع إلى الله في جنباته،و كم لله عتقاء من النار في رمضان،و كم من عاصِ رجع نقياً كقطرة المزن،طاهراً كفطرة الوليد،فلا يقتل و لا يسرق و لا يشرب الخمر،و لا يقول الهجر،أو يأتي المنكر،و ما أجمل أن ترى "فاتك" الأمس "ناسك" اليوم،و مذنب الماضي،صانع المعروف في الحاضر،يلتئم به الصف المسلم وتسعد به الكتيبة المؤمنة،و "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
و إذا ذهبت إلى القرى و النجوع أو البراري و القفار أحسست نفس الشعور بالسعادة و الفرح في رمضان،و رأيتَ الناس و قد ازدانوا بصفاته،و تحلو بأخلاقه، يجلس الناس في الطرقات أمام بيوتهم يمدون الموائد على الأرض يدعون عابري السبيل و طالبي الصدقة إلى موائدهم،فرحين بتلبية الدعوة، و إفطار الصائمين،كما ترى بعضهم يذهب إلى المساجد بطعامه عله يجد صائماً يشاركه إفطاره،و يجالسه على مائدته في أُخوَّة و عطف و رحمة ابتغاء مرضاة الله سبحانه.
و إذا ذهبت إلى أي قُطر إسلامي ينطق بالعربية أو لا يتحدث بها،وجدت هذه العادات،و سعدتَ بهذا الشعور،و فرحت بهذه الخيرات،بل قد تجده و هو غير عربي أكثر احتفالاً برمضان من العربي،أو يتسابق معه في إظهار فضل هذا الشهر الكريم.
إن هذه الشعائر التعبدية و هذه الأيام الإيمانية لتبرهن بجلاء و وضوح على وحدة الأمة الشعورية و النفسية و العبادية،و تجعل قيادتها سهلة،و وحدتها ممكنة إذا قيدت من عقيدتها.
إن رمضان،و القبلة،و الكَعبة،و الحج،و القرآن،و السُّنَّة،و التاريخ الإسلامي،و المناسبات الإسلامية مثل الإسراء و المعراج..و غيرها موحدات شعورية و نفسية هائلة تحفظ على الأمة هويتها و شخصيتها،و تمنعها من الذوبان مهما حاول الأعداء أن يهمشوا هويتها و يجهضوا شخصيتها،حتى يأذن الله لها بالفلاح.
....
موقع البلاغ.
* د.توفيق الواعي.
..........
يأتي رمضان فيستيقظ له شعور كل مسلم،و ينتشي به إحساس كل مؤمن،و تهش له و تبش نفوس المتقين،تستقبله الجموع بالفرح و الترحاب،و يزفه الأطفال بالأهازيج و الأناشيد،و يهلل له الرجال بالتكبير و التحميد،فينشر أحاسيس البر في الشعور،و يوقظ روافد الخير في القلوب،و يرجع الروح إلى أفقها السامي،فتبرأ من أوزار الحياة،و تطهر من صراعات الآثام،و تتزود من قوى
الجمال و الحق و الخير،و يصبح رمضان ثلاثين عيداً من أعياد القلب و الروح في ثلاثين يوماً،و تفيض أيامه بالسرور،و تشرق لياليه بالنور،و تعمر مجالسه بالعطاء،و يغمر الصوَام فيض من الشعور الإيماني اللطيف،يجعلهم بين نشوة الجسد و صحوة القلب هالات محلقة من النور و الأشواق،نهارهم مراقبة،و صوم عن الدنيا،و طاعة و التزام،فإذا أمسى المساء و فرغوا من الطعام و الصلاة،
انتشروا في المدن و القرى بالبهجة و السرور و الحب،فالرجال يحضرون محافل القرآن في البيوت،أو زيارة الأهل في المساكن،أو مجالس السرور بين الزوجات و الأولاد،و الأطفال يفرحون بالحلوى و اللقاءات في الطرقات،أو في منازل الأقارب هنا و هناك.
فرمضان مظهر رائع من مظاهر إعادة الهوية،و تأكيد الانتماء إلى الملة،و الانتساب إلى العقيدة،و الرجوع إلى العادات و التقاليد،و هكذا تجد أن أساليب الأمة قد اصطبغت بصبغتها و لبست حلتها،و نفضت ما داخلها من غبش الدخل الثقافي الغازي الذي أريد لنا أن نتلون به،و نتشكل بهيأته،كأنما كُتِب علينا أن نأخذ الحياة من الجانب الفضولي العابث،فنتأثر بها و لا نؤثر فيها،
و كأنما همنا أن نعيش الحياة صعاليك على تقاليد الأمم دون أن تميزنا خصيصة قويمة و لا شعيرة من عقيدة.
يأتي رمضان إلى الأمة،و من فرحتها به تخاطبه كأنه إنسان،و تناديه شاخصاً للعيان،و ماثلاً للوجدان،و ترحب به ضيفاً،و تستقبله حبيباً،و تعايشه عطاء،و كلما انقضى نهار من رمضان أشفقت القلوب من رحيله،حتى إذا لم يبق إلا ربعه الأخير تمثلوه محتضراً يكابد غصص الموت،فندبوه في البيوت و المساجد،و رثوه على السطوح و المآذن،و بكوه يوم "الجمعة اليتيمة" أحرّ البكاء.
و كم من مذنبِ تاب في رمضان و رجع إلى الله في جنباته،و كم لله عتقاء من النار في رمضان،و كم من عاصِ رجع نقياً كقطرة المزن،طاهراً كفطرة الوليد،فلا يقتل و لا يسرق و لا يشرب الخمر،و لا يقول الهجر،أو يأتي المنكر،و ما أجمل أن ترى "فاتك" الأمس "ناسك" اليوم،و مذنب الماضي،صانع المعروف في الحاضر،يلتئم به الصف المسلم وتسعد به الكتيبة المؤمنة،و "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
و إذا ذهبت إلى القرى و النجوع أو البراري و القفار أحسست نفس الشعور بالسعادة و الفرح في رمضان،و رأيتَ الناس و قد ازدانوا بصفاته،و تحلو بأخلاقه، يجلس الناس في الطرقات أمام بيوتهم يمدون الموائد على الأرض يدعون عابري السبيل و طالبي الصدقة إلى موائدهم،فرحين بتلبية الدعوة، و إفطار الصائمين،كما ترى بعضهم يذهب إلى المساجد بطعامه عله يجد صائماً يشاركه إفطاره،و يجالسه على مائدته في أُخوَّة و عطف و رحمة ابتغاء مرضاة الله سبحانه.
و إذا ذهبت إلى أي قُطر إسلامي ينطق بالعربية أو لا يتحدث بها،وجدت هذه العادات،و سعدتَ بهذا الشعور،و فرحت بهذه الخيرات،بل قد تجده و هو غير عربي أكثر احتفالاً برمضان من العربي،أو يتسابق معه في إظهار فضل هذا الشهر الكريم.
إن هذه الشعائر التعبدية و هذه الأيام الإيمانية لتبرهن بجلاء و وضوح على وحدة الأمة الشعورية و النفسية و العبادية،و تجعل قيادتها سهلة،و وحدتها ممكنة إذا قيدت من عقيدتها.
إن رمضان،و القبلة،و الكَعبة،و الحج،و القرآن،و السُّنَّة،و التاريخ الإسلامي،و المناسبات الإسلامية مثل الإسراء و المعراج..و غيرها موحدات شعورية و نفسية هائلة تحفظ على الأمة هويتها و شخصيتها،و تمنعها من الذوبان مهما حاول الأعداء أن يهمشوا هويتها و يجهضوا شخصيتها،حتى يأذن الله لها بالفلاح.
....
موقع البلاغ.