فضاءات الإعلام.
فانظر ماذا ترى
الحاجة إلى الفرد القادر على تمييز ما
تطرحه وسائل الإعلام بنفسه
فانظر ماذا ترى
الحاجة إلى الفرد القادر على تمييز ما
تطرحه وسائل الإعلام بنفسه
نعلم -وإن أنكر بعضنا- ضعف مفعول السبل والوسائل "الشكلية" لإقامة حواجز
وموانع داخل البيوت أو على الحدود، لصدّ سلبيات الإعلام المتطوّر، المحلي
والعالمي، أو الحدّ من تأثيره على الأقلّ. ثمّ إنّ غالب هذه الوسائل
الشكلية يؤدّي دون قصد إلى "حجر" غير مطلوب يمنع الإيجابيات أيضا، فقد
اختلط النافع بالضار، والحسن بالقبيح والضروري بالمهلك اختلاطا شديدا.
لا يجدي الحجز والمنع فقد كانت الثغرات صغيرة واتّسعت، وحسبنا الجدران
منيعة حصينة وسقطت، ولكن ظهرت حصيلة إيجابية رغم ذلك، هي اكتساب كلمات
المناعة الذاتية والحصانة الفردية والوازع الداخلي وما شابه ذلك أبعادا
جديدة، ربّما أغفلت الاهتمام بها مناهج التربية والتعليم والتوجيه زمنا
طويلا أكثر ممّا ينبغي.
أصبح يقال الكثير عن هذه المعاني وهي معروفة بالضرورة، فالحاجة الأكبر هي
الحاجة إلى "كيفية" الانتقال بها إلى واقع تطبيقي مشهود، ولا يتحقّق ذلك
بتكرار ذكر دعائم تلك الكيفية وكليّاتها الأساسية، في دراسات وبحوث
ومقالات وخطب، إلاّ في حدود ما يصنعه التذكير ويتركه من مفعول، إنّما
يكتمل مفعوله بحسن التدبير الذي ينقل الألفاظ إلى عالم السلوكيات نقلا
عمليا.
قد يرصد الباحثون تقنية إعلامية جديدة، فيطرحون هم السلوكيات المناسبة
للتعامل معها، ويعمّمون هم ما يرونه حتى يصل بعد فترة من الزمن إلى الأخذ
بها على وجه الاحتمال من جانب العامّة، ولكنّ هذه العملية أصبحت تستغرق
غالبا فترة أطول ممّا يستغرقه ظهور تقنية أحدث، تحتاج إلى طرح سلوكيات
أخرى، تتلاءم مع تأثيرها الجديد، الأمضى مفعولا والأبعد مدى.
إنّ الفرد المسلم المستهلك للإنتاج الإعلامي، في حاجة إلى منهج سلوكي يصبح
جزءا من تكوينه، وليس إلى مجرّد الحديث عن سلوك يُدعى إلى تطبيقه، فذاك
ما يجعله يمتلك بنفسه المعايير والمقاييس الضرورية لتمكينه من ابتكار
السلوكيات بنفسه، وتطبيقها تلقائيا، لمواجهة كلّ جديد طارئ، يغزوه في
عالمه وعصره داخل بيته.
هنا تبرز أهمية التواصل الحيوي الدائم بين إبداع المتخصصين في الإعلام
ووسـائله، وبين واقع العامّة من الأفراد المستهلكين لإنتاجها واستيعاب
حياتهم وطاقاتهم وعاداتهم اليومية ومواطن القوّة والضعف لديهم، ليتحوّل ذلك
التواصل من الأسلوب التقليدي، أسلوب العطاء والتلقي، بمعنى أنّهم يقولون
ما يصنع الفرد وهو ينتظر ما يقولون، وقد يأخذ به أو لا يأخذ، إلى أسلوب
آخر، يساهمون من خلاله مع سواهم من المتخصصين في التربية والدعوة وعلوم
الاجتماع وسواها، في أن يصبح الفرد المسلم قادرا على أن يصنع هو بنفسه ما
يحتاج إليه من سلوكيات، وعلى التصرّف هو في الوقت المناسب أمام الجديد دون
انتظار طويل، معتمدا في ذلك على ميزان يملك هو ناصيته.
كلّ نفس بما كسبت رهينة، وليس للإنسان إلاّ ما سعى، ولن يغني أحد عن أحد
شيئا يوم القيامة، وفتوى القلب ضرورية مع فتاوى الناس، والفرد المسلم
مطالب هو بأن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، وبأن يستعين بالله تعالى دون
وسيط.. وجميع ذلك وأمثاله نعلمه ونردّد الحديث عنه، وإذا ما توافر للفرد
المسلم في واقع حياته، لا يُخشى عليه من ثغرات صغيرة وكبيرة، وإن كان ذلك
لا يُسقط المسؤولية الجماعية للعمل على سدّها، إنّما يبقى أنّ حاجتنا إلى
ذلك الفرد المسلم في عالمنا المعاصر، أكبر من الحاجة إلى فرد يتلقّى
النصيحة ويطبّقها دون تفكير، وفي كلٍّ خير، ولكن قد يكون في ذلك باب مفتوح
أمام من يمارسون الخداع والتضليل ويرتكبون أخطاء جسيمة فيتلقّفها سواهم
دون وعي بذلك ولا قصد.
ولقد أرشدنا القرآن الكريم إلى "كيفية" تكوين هذا الفرد وهو "غلام حليم"
يأتي الأمر الرباني إلى أبيه، أبي الأنبياء، فلا يتردّد الأب -رغم أن
الأمر لا يحتمل نقاشا ولا جدلا ولا رفضا- عن أن يسأل ابنه -عليهما السلام-
عن رأيه: فانظر ماذا ترى!.. فهل هذا ما تقوم عليه التربية في المساجد
والبيوت والمدارس ووسائل الإعلام وسواها!..
نبيل شبيب.
موقع مداد
القلم.