الشطرنج..النشاط المثالي للذكاء الفطري
بقلم/ كارلين فلورا
ترجمة: عبدالمنعم السلمون
مراجعة:د. عدنان جرجس
هناك ثلاث مهام يقوم بها المخ عند إمعان التفكير في لوح رقعة الشطرنج.
يتعين عليه أن يفهم القواعد، حيث إن كل بيدق يتحرك وفقا لقدراته الخاصة
والقيود المحيطة به، ثم يجب عليه بعد ذلك تحليل النقلات الممكنة التي تشمل
تصور التشكيلات المختلفة للبيادق على لوح رقعة الشطرنج. وفي النهاية، عليه
أن يحدد أي النقلات هي الأكثر إفادة. وهنا تتطلب اللعبة تفكيرا بارعا في
المجال البصري- المكاني. إن عملية المعالجة البصرية- المكانية تعد الفجوة
الوحيدة الأكبر من نوعها في مجال القدرات التي تفصل بين الرجال والنساء-
إنها بصيص الحقيقة وراء الفكرة النمطية عن تفوق الرجال في القيام برحلات
طويلة على الطرقات نظرا لأنهم يتبعون الخرائط ببراعة ويجيدون توضيب الحقائب
والأمتعة داخل السيارة. ويقع مركز المعالجة البصرية- المكانية في الفص
الأيمن من المخ، وبين صفوة لاعبي الشطرنج (بما فيهم كاسباروف) توجد نسبة
أعلى ممن يستخدمون اليد اليسرى ويكون عندهم الفص الأيمن للمخ هو المهيمن،
بحيث لا يمكن أن يكون مرد ذلك هو المصادفة البحتة.
يسرع هرمون التستوستيرون الذكري نمو الفص الأيمن للمخ، وقد يبطئ نمو الفص
الأيسر.
ولكن آثاره ليست ثنائية: فبغض النظر عن الجنس، فإن كل مخ يقع على
متصل تسلسلي بين طرفي الذكورة والأنوثة في منظومة من السمات. علاوة على
ذلك، فإن القنوات العصبية التي تسمح بالألمعية الإدراكية للعبة الشطرنج،
تتطور استجابة للمؤثرات البيئية، وتكون أكثر تأثرا ومطواعية لدى الأطفال
الصغار.
أما هرمون الإستروجين الأنثوي فهو في الحقيقة يسمح باللدانة
العصبية- فعلى سبيل المثال، يمكن للنساء التعافي من السكتات الدماغية على
نحو أفضل من الرجال- كما أن هذا الهرمون يؤهل النساء لعمليات نمو الأعصاب
واستبدالها، حسبما تشير الاختصاصية في العلوم العصبية والنفسية موناليزا
شولز، مؤلفة كتاب "الدماغ الأنثوي الجديد".
فلقد تمكن لازلو من خلال تعليم
بناته لعبة الشطرنج في سن مبكرة بشكل أساسي من قولبة وتشكيل أدمغتهن مما
غذى وأخصب المراكز البصرية- المكانية لديهن، وسد كل الفجوات التي ربما كان
الجنس قد أحدثها.
ومع ذلك فإن اختلافات الجنس تظهر فعلا في الطريقة التي ينظر بها الأطفال
إلى الشطرنج، إذ تقول سوزان: "إنه يمكن للبنات أن يتعلمن كيفية اللعب الجيد
كالصبية تماما".
وتضيف قائلة: "لكن في الغالب تكون طريقتهن في التعامل مع
اللعبة مغايرة، فالبنات قد يفضلن حل ألغاز الشطرنج على يوجد لدى عمالقة
لعبة الشطرنج ما يتراوح بين 20 ألفا و100 ألف تشكيلة أو ترتيب لبيادق
الشطرنج، أو نماذج لها، مخزنة في الذاكرة. فهم قادرون على استحضار
المعلومات اللازمة بسرعة من قاعدة البيانات العملاقة هذه. وبنظرة خاطفة فقط
يستطيع اللاعب البارع اكتشاف مجرى ومسار اللعبة وما سيؤول إليه ترتيب
البيادق في نهاية المطاف. أما الهواة، فهم على العكس، يستخدمون الذاكرة
قصيرة الأمد أثناء ممارسة لعبة الشطرنج، فعندما يتعلمون معلومة جديدة تبقى
داخل "القرص الصلب الصغير" للذاكرة العاملة دون العبور إلى "القرص السريع
النشط" الخاص بالذاكرة طويلة الأمد. ويقول أميدزيك: "إن الهواة يضعون
المعلومات الجديدة مكان المعلومات التي سبق وتعلموها، ولك أن تتصوركم يسبب
هذا الأمر من إحباط لهم".
تشير الدراسة التي أجراها أميدزيك إلى أن عباقرة لعبة الشطرنج قد ولدوا
ولديهم ميل أكثر إلى معالجة لعبة الشطرنج من خلال القشرتين المخيتين
الجبهية والجدارية، وهما المنطقتان اللتان يعتقد أنهما مسؤولتان عن الذاكرة
طويلة الأمد.
أما اللاعبون الذين ينشط لديهم بشكل أكبر الفصان الصدغيان
الأوسطان فيوضعون في خانة متوسطي المستوى. وحتى الآن فإنه لم يستطع أن
يتتبع الأطفال عبر الزمن لمعرفة ما إذا كانت النسبة بين قيامهم بالمعالجة
من خلال القشرتين الجبهية والجدارية للمخ مقارنة بالفصين الصدغيين الأوسطين
تظل ثابتة بالفعل أم لا، لكن تحليلاته لقدرة اللاعبين الأكبر سنا على
استعادة الخبرات الماضية تظهر أن النسبة لديهم تتوافق مع أعلى تصنيف تاريخي
لهم في اللعبة، كما هو متوقع إذا كانت النسبة تتنبأ حقا بمستوى الأداء في
لعبة الشطرنج. وهو لا يعتقد أن للجنس تأثيرا على هذه الميول.
وقد قام أخيرا
بإجراء مسح لمخ إحدى المبتدئات في لعبة الشطرنج عمرها 22 عاما، ووجد أن
النسبة لديها تفوق المعدل العام بكثير.
وإذا ما قررت ممارسة هذه اللعبة،
حسب اعتقاد أميدزيك، فإن لهذه المرأة الشابة فرصة حقيقية لكي تصبح لاعبة
على مستوى أبطال اللعبة.
"إن جمال لعبة الشطرنج يتمثل في أنك يمكن أن تجد شخصيتك وقد تجسدت على
الرقعة" على حد قول ويتزكين الذي يضيف: "كانت صوفيا خالية البال ومرحة
وجذابة. كانت لاعبة ذكية وسريعة وحادة كالمسار، لكنها لم تكن تبذل جهدا
كبيرا كالآخرين".
وتعترف سوزان بأن "صوفيا هي فنانة الأسرة، فقد كانت تحب لعب الشطرنج لكن
الجانب التحليلي كان يشكل عبئا على كاهلها". يكتسب الشطرنج طابعا فنيا
عندما تجتمع البيادق بطريقة مبتكرة وجميلة. وهذا ما أعاق تقدمها: "فقد كانت
تسعى جاهدة لإيجاد الجمال في اللعبة. فهي لم تعمل على تنمية الجانب الآخر-
وهو الدفاع- الذي يعني تكديس المزايا الصغيرة".
لقد حظيت صوفيا بلحظة المجد في مسابقة أقيمت في إيطاليا في العام 1989 عندما
احتلت مرتبة متقدمة
على خمسة من أساطين اللعبة بأداء حطم الأرقام القياسية وأصبح يعرف باسم
"جراب روما"، ولكنها أيضا كانت ذات سمعة بارتكاب الأخطاء نتيجة اللامبالاة،
فقد كانت تشتت انتباهها اهتمامات أخرى.
بالطبع، تواجه السيدات في لعبة الشطرنج أيضا تحديات عامة أكثر. في العام
1986، في سن السابعة عشرة، كانت سوزان أول امرأة على الإطلاق تتأهل لبطولة
العالم للرجال. ونظرا لأنها بطولة للرجال لم يسمح لها الاتحاد العالمي
للشطرنج FIDE بالمشاركة، مما أصابها بحالة من الإحباط وتبدد الآمال. (لكن
في النهاية عدل الاتحاد من سياساته وأطلق على المسابقة مسمى بطولة العالم).
موقع البلاغ
بقلم/ كارلين فلورا
ترجمة: عبدالمنعم السلمون
مراجعة:د. عدنان جرجس
هناك ثلاث مهام يقوم بها المخ عند إمعان التفكير في لوح رقعة الشطرنج.
يتعين عليه أن يفهم القواعد، حيث إن كل بيدق يتحرك وفقا لقدراته الخاصة
والقيود المحيطة به، ثم يجب عليه بعد ذلك تحليل النقلات الممكنة التي تشمل
تصور التشكيلات المختلفة للبيادق على لوح رقعة الشطرنج. وفي النهاية، عليه
أن يحدد أي النقلات هي الأكثر إفادة. وهنا تتطلب اللعبة تفكيرا بارعا في
المجال البصري- المكاني. إن عملية المعالجة البصرية- المكانية تعد الفجوة
الوحيدة الأكبر من نوعها في مجال القدرات التي تفصل بين الرجال والنساء-
إنها بصيص الحقيقة وراء الفكرة النمطية عن تفوق الرجال في القيام برحلات
طويلة على الطرقات نظرا لأنهم يتبعون الخرائط ببراعة ويجيدون توضيب الحقائب
والأمتعة داخل السيارة. ويقع مركز المعالجة البصرية- المكانية في الفص
الأيمن من المخ، وبين صفوة لاعبي الشطرنج (بما فيهم كاسباروف) توجد نسبة
أعلى ممن يستخدمون اليد اليسرى ويكون عندهم الفص الأيمن للمخ هو المهيمن،
بحيث لا يمكن أن يكون مرد ذلك هو المصادفة البحتة.
يسرع هرمون التستوستيرون الذكري نمو الفص الأيمن للمخ، وقد يبطئ نمو الفص
الأيسر.
ولكن آثاره ليست ثنائية: فبغض النظر عن الجنس، فإن كل مخ يقع على
متصل تسلسلي بين طرفي الذكورة والأنوثة في منظومة من السمات. علاوة على
ذلك، فإن القنوات العصبية التي تسمح بالألمعية الإدراكية للعبة الشطرنج،
تتطور استجابة للمؤثرات البيئية، وتكون أكثر تأثرا ومطواعية لدى الأطفال
الصغار.
أما هرمون الإستروجين الأنثوي فهو في الحقيقة يسمح باللدانة
العصبية- فعلى سبيل المثال، يمكن للنساء التعافي من السكتات الدماغية على
نحو أفضل من الرجال- كما أن هذا الهرمون يؤهل النساء لعمليات نمو الأعصاب
واستبدالها، حسبما تشير الاختصاصية في العلوم العصبية والنفسية موناليزا
شولز، مؤلفة كتاب "الدماغ الأنثوي الجديد".
فلقد تمكن لازلو من خلال تعليم
بناته لعبة الشطرنج في سن مبكرة بشكل أساسي من قولبة وتشكيل أدمغتهن مما
غذى وأخصب المراكز البصرية- المكانية لديهن، وسد كل الفجوات التي ربما كان
الجنس قد أحدثها.
ومع ذلك فإن اختلافات الجنس تظهر فعلا في الطريقة التي ينظر بها الأطفال
إلى الشطرنج، إذ تقول سوزان: "إنه يمكن للبنات أن يتعلمن كيفية اللعب الجيد
كالصبية تماما".
وتضيف قائلة: "لكن في الغالب تكون طريقتهن في التعامل مع
اللعبة مغايرة، فالبنات قد يفضلن حل ألغاز الشطرنج على يوجد لدى عمالقة
لعبة الشطرنج ما يتراوح بين 20 ألفا و100 ألف تشكيلة أو ترتيب لبيادق
الشطرنج، أو نماذج لها، مخزنة في الذاكرة. فهم قادرون على استحضار
المعلومات اللازمة بسرعة من قاعدة البيانات العملاقة هذه. وبنظرة خاطفة فقط
يستطيع اللاعب البارع اكتشاف مجرى ومسار اللعبة وما سيؤول إليه ترتيب
البيادق في نهاية المطاف. أما الهواة، فهم على العكس، يستخدمون الذاكرة
قصيرة الأمد أثناء ممارسة لعبة الشطرنج، فعندما يتعلمون معلومة جديدة تبقى
داخل "القرص الصلب الصغير" للذاكرة العاملة دون العبور إلى "القرص السريع
النشط" الخاص بالذاكرة طويلة الأمد. ويقول أميدزيك: "إن الهواة يضعون
المعلومات الجديدة مكان المعلومات التي سبق وتعلموها، ولك أن تتصوركم يسبب
هذا الأمر من إحباط لهم".
تشير الدراسة التي أجراها أميدزيك إلى أن عباقرة لعبة الشطرنج قد ولدوا
ولديهم ميل أكثر إلى معالجة لعبة الشطرنج من خلال القشرتين المخيتين
الجبهية والجدارية، وهما المنطقتان اللتان يعتقد أنهما مسؤولتان عن الذاكرة
طويلة الأمد.
أما اللاعبون الذين ينشط لديهم بشكل أكبر الفصان الصدغيان
الأوسطان فيوضعون في خانة متوسطي المستوى. وحتى الآن فإنه لم يستطع أن
يتتبع الأطفال عبر الزمن لمعرفة ما إذا كانت النسبة بين قيامهم بالمعالجة
من خلال القشرتين الجبهية والجدارية للمخ مقارنة بالفصين الصدغيين الأوسطين
تظل ثابتة بالفعل أم لا، لكن تحليلاته لقدرة اللاعبين الأكبر سنا على
استعادة الخبرات الماضية تظهر أن النسبة لديهم تتوافق مع أعلى تصنيف تاريخي
لهم في اللعبة، كما هو متوقع إذا كانت النسبة تتنبأ حقا بمستوى الأداء في
لعبة الشطرنج. وهو لا يعتقد أن للجنس تأثيرا على هذه الميول.
وقد قام أخيرا
بإجراء مسح لمخ إحدى المبتدئات في لعبة الشطرنج عمرها 22 عاما، ووجد أن
النسبة لديها تفوق المعدل العام بكثير.
وإذا ما قررت ممارسة هذه اللعبة،
حسب اعتقاد أميدزيك، فإن لهذه المرأة الشابة فرصة حقيقية لكي تصبح لاعبة
على مستوى أبطال اللعبة.
"إن جمال لعبة الشطرنج يتمثل في أنك يمكن أن تجد شخصيتك وقد تجسدت على
الرقعة" على حد قول ويتزكين الذي يضيف: "كانت صوفيا خالية البال ومرحة
وجذابة. كانت لاعبة ذكية وسريعة وحادة كالمسار، لكنها لم تكن تبذل جهدا
كبيرا كالآخرين".
وتعترف سوزان بأن "صوفيا هي فنانة الأسرة، فقد كانت تحب لعب الشطرنج لكن
الجانب التحليلي كان يشكل عبئا على كاهلها". يكتسب الشطرنج طابعا فنيا
عندما تجتمع البيادق بطريقة مبتكرة وجميلة. وهذا ما أعاق تقدمها: "فقد كانت
تسعى جاهدة لإيجاد الجمال في اللعبة. فهي لم تعمل على تنمية الجانب الآخر-
وهو الدفاع- الذي يعني تكديس المزايا الصغيرة".
لقد حظيت صوفيا بلحظة المجد في مسابقة أقيمت في إيطاليا في العام 1989 عندما
احتلت مرتبة متقدمة
على خمسة من أساطين اللعبة بأداء حطم الأرقام القياسية وأصبح يعرف باسم
"جراب روما"، ولكنها أيضا كانت ذات سمعة بارتكاب الأخطاء نتيجة اللامبالاة،
فقد كانت تشتت انتباهها اهتمامات أخرى.
بالطبع، تواجه السيدات في لعبة الشطرنج أيضا تحديات عامة أكثر. في العام
1986، في سن السابعة عشرة، كانت سوزان أول امرأة على الإطلاق تتأهل لبطولة
العالم للرجال. ونظرا لأنها بطولة للرجال لم يسمح لها الاتحاد العالمي
للشطرنج FIDE بالمشاركة، مما أصابها بحالة من الإحباط وتبدد الآمال. (لكن
في النهاية عدل الاتحاد من سياساته وأطلق على المسابقة مسمى بطولة العالم).
موقع البلاغ
عدل سابقا من قبل أن تعرف أكثر في الثلاثاء فبراير 08, 2011 3:44 pm عدل 1 مرات