جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..

جـوهـرة الـونشريس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
جـوهـرة الـونشريس

حـيث يلتـقي الـحلم بالـواقع


    ܓܨأسرة بائسة.ܓ

    In The Zone
    In The Zone
    Admin
    Admin


    ܓܨأسرة بائسة.ܓ   7e99cbc882b2aa88afb53997d7f58ce04g
    عدد المساهمات : 4732
    تاريخ التسجيل : 21/11/2010
    الموقع : الأردن

    مميز ܓܨأسرة بائسة.ܓ

    مُساهمة من طرف In The Zone الثلاثاء يناير 25, 2011 9:19 pm

    أسرة بائسة/ د. خليل إبراهيم

    "أسرة بائسة.. كان ربها يشتغل ليله ونهاره لتأمين حياة أسرته.. له ولد صغير تأثر لأبيه... ضحى براحته ودروسه ليساعده دون أن يدري الوالد... كان يشعر الوالد بأن مشاغل الليل خفت عنه، ولكنه يعزو ذلك إلى نشاطه... أما الصغير فقد بدأ يقصر في دروسه؛ وينال توبيخ مدرسه وأبيه دون أن يعرف أحد حقيقة أمره... وأخيراً عرف أبوه قصته".
    كان الوالد يبني آمالاً كباراً على نجاح ابنه في الشهادة الابتدائية، حتى يستطيع أن يلحقه بإحدى الوظائف...فيخفف عنه الحمل الذي أثقل كاهله، وحرمه الراحة، وأدناه من المرض؛ لذلك كان دائب العناية به، شديد الحرص على وقته وتوفير الراحة له.
    وكان يتساهل معه إن لاحظ عليه تقصير؛ ليدركه بما تلجئه إليه الضرورة من أعمال إضافية، يتحملها برغم ما تسبب له من اعتلال صحته، وضعف إبصاره، فهو يقوم – ليلاً – بعد الفراغ من عمل النهار بكتابة عناوين المشتركين لبعض دور النشر، وكان يقول لزوجته وأولاده:
    إنّ العمل بالليل يكاد يذهب بنور عيني...ولكن ما حيلتي وليس منه بد؟
    وذات ليلة، قال له ابنه معقباً على هذه العبارة:
    تَعلم يا والدي أن خَطي قريب الشبه من خَطِكَ، فهل أساعدك؟
    فأجابه والده على الفور بصوت شاعت فيه نوازع الحنان:
    لا، لا يابني أنت في حاجة إلى كل دقيقة تمر، فاحرص على وقتك!
    غالب الغلام النوم في تلك الليلة، وظل مستيقظاً إلى أن تيقن أن أباه قد استغرق في نومه، وأنه لن يصحو إلا بعد أن يتنفس الصبح.
    فنهض، وتسلل فمشى الهوينا على أطراف أصابعه إلى الحجرة التي اعتاد أبوه أن يكتب فيها، ودلف إليها وئيد الخطا، خفيف الحركة، ثم أشعل المصباح وجلس إلى المكتب. وشرع ينسج على منواله في حذر، وكله حرص على أن يتشابه الخطان.
    كان يكتب في سرور وعجلة يشوبهما قليل من الخوف، فإذا أعيته الكتابة، وكلت يده وضع القلم، وفرك إحدى يديه بالأخرى، ثم استأنف العمل، وكان كلما توهم أو مر بخاطره أن أحداً يراقبه من أهله كف عن العمل وتلمس الباب ليستمع هناك أكانت حركة أو همسة.
    ولما نال منه التعب، وألح عليه النوم، واختلطت أمامه الكلمات أطفأ المصباح وأخذ مكانه من السرير، ثم استسلم لنوم عميق، ولم يستطع أن يستيقظ في موعده الذي اعتاد أن يقوم فيه من النوم كل يوم، ولم يقم كعادته نشيطاً لكنه تكلف ذلك أمام أهله.
    انتظم عقد الأسرة حول المائدة في اليوم التالي، وكان السرور يشع في نفوسهم جميعاً.. فقد رأوا والدهم على غير ما عهده فيه، بإسم الثغر، طاف المحيا "ضاحك الوجه"، لين الحديث، يكاد يسيل رقة وعذوبة، وأخيراً ربت على كتف ابنه الأكبر، وقال:
    يسرني أن تعلم أنّ والدك جم النشاط كثير الإنتاج، وإنّه ما زال في عزم الشباب، وحسبي في الاستدلال على ذلك أني قد أنجزت في ليلتي المنصرمة في مدى ساعتين، أكثر مما كنت أعمل في كل ليلة بمقدار الثلث دون أن تفتر عزيمتي، أو تكل يدي...
    فبادل الصغير والده هذا الشعور بالسرور، وهو يقول في نفسه:
    مسكين أنت يا والدي! لك الله من بائس! تراكمت عليك الهموم، ونالت منك السنون، وما زلت ثقيل الحمل، كثير التبعات، وليس لك سند ولا عضد، سأضاعف هذا الجهد في مواصلة العمل ليدوم لك هذا الشعور بالقوة.
    وقد بر الغلام بوعده وكان يختلس الوقت الذي يصرفه في معاونة أخيه من وقت راحته... فكان يقوم في الصباح منهوك القوى، متعب الجسم، محطم الأعصاب، وكان عندما يشرع يستذكر دروسه يداعب الكرى أجفانه، ولم يستيقظ إلى حينما صاح به أبوه وهو يصفق بكلتا يديه في جلبة وضوضاء، يقول:
    جميل منك هذا النوم، لعلك قضيت يومك في قطع الأحجار وجمع الأخشاب من الغابات، إنّك إذاً في حاجة إلى الراحة والنوم... انهض! انهض! فغير لائق بمثلك أن ينام...
    تكرر ذلك من الولد، وتكرر من أبيه تأنيبه وتعنيفه؟ حتى تولد في نفسه الشعور بكراهية المدرسة والدروس... ولاحظ والده منه ذلك، فراقبه عن قرب، ورسم له خطة ينتهجها ليعود إلى سيرته الأولى... ولكنه لم يظفر ببغيته، فاستشاط غضباً وأخذ يوبخه على تفريطه وإهماله.
    فكانت هذه الكلمات تنال من نفس الصغير، ولكنّه كان يلتمس لأبيه شتى المعاذير، ويقول في نفسه:
    سيتضح الأمر في يوم ما، ويعلم والدي حينئذ أنني لستُ متكاسلاً.
    إلا أنّ الرجل لما طال به الأمر، ولم يتأثر ابنه الموعظة، أهمله إهمالاً تاماً. وما أن رأى الغلام ذلك من أبيه حتى اعتلت صحته، وأسرع النحول والذبول، فضوى جسمه واصفر لونه وغارت عيناه وتخدد جبينه حتى قرر أن ينقطع عن مساعدته، ويعود إلى المواظبة على دروسه".
    أعلنت دقات الساعة أنّ الليل قد انتصق، وأن موعد قيامه قد حان فأخذ يتقلب في فراشه كالمحموم، وطار عنه النوم، واستبد به القلق، وأحسَّ أنّه يوشك أن يرتكب جريمة؛ إذا قعد عن متابعة العون لأبيه، فتسلل إلى حجرة المكتب، وأخذ مكانه منها، وقبل أن يستقر في مكانه، طاشت من يديه حركة أطاحت ببعض الكتب، فأحدث سقوطها على الأرض صوتاً مزعجاً قطع سكون الليل المطبق من حوله، وبعث الرعب في قلب الفتى، فتصبب من جبينه عرق بارد، وأسقط في يده "تحير" وقال في نفسه:
    ماذا يكون موقفي لو استيقظ والدي ورآني هنا؟.
    صار يخيل إليه أنّه يسمع وقع أقدام تقترب منه؛ فينصت لها ويلتفت يمييناً وشمالاً، ويمضي الوقت ولا يرى شيئاً.. ولكنه تملكه رعب شديد، وخشي فاجعة النهاية، وسوء العاقبة... قام إلى الباب ونظر من ثقب المفتاح.
    ولما أيقن أنّ أحداً يقم من مضجعه، وأنّ السكون لا يزال مخيماً، اطمأن باله وزالت وساوسه، ورجع إلى مكانه يتم عمل ليلته بهمة ونشاط...
    لم يدرك الغلام أن سقوط الكتب أيقظت والده. وها قد جاء يفتح الباب، ويقف وراء ابنه، ويطل برأسه الأشيب من فوق كتفيه، ينظر إلى حركات يده، وهي تسطر العناوين، فتسمر في مكانه، وغمره شعور ممتزج بالألم والسرور.
    ولم يستطع أن يتمالك نفسه، فسقطت من عينيه دمعتان على يد الغلام، فأنتبه لمكان أبيه، فارتاع وفزع، وصرخ صرخة عالية... وفي تلك اللحظة احتضنه والده، يقبله بين عينيه، والولد يصيح وهو يرتجف.
    أغفر لي يا والدي! لن أعود! لن أعود أبداً...
    والأب يقول له في اضطراب:
    لا عليك يا بني! أنا أحق بعفوك. لقد سببت لك الآلام، وجلبت لك الأمراض، اهدأ يا بني!
    وأخيراً حمل ابنه بين ذراعيه، وأسرع به إلى أُمّه، وهو يقول:
    قبلي هذا الملاك الكريم؟ إنّه ضحى بصحته، وأودى براحته، وأذاب حشاشة قلبه، وبذل كلُّ ما يستطيع من أجلنا، ولقد ضرب أكبر مثل من أمثلة التضحية والإيثار؛ إذ حرم نفسه من النوم، وباعد بينهما وبين الراحة منذ زمن بعيد ليعاونني.
    ثمّ اختنق صوت الأب، ولم يستطع أن يتم حديثه، بينما الأُم ضمت ابنها إلى صدرها بحنان وشفقة وانهالت على جبهته لثماً وتقبيلاً، دون أن تستطيع الكلام.
    المصدر: كتاب الواضح في الإنشاء.
    البلاغ

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 15, 2024 7:44 am