إملاءات الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى.
واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره .
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[1] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[2] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [3] أما بعد : فأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا وأشكره سبحانه على ما من به من هذا اللقاء في سبيل الله وفي طاعته جل وعلا والتواصي بالحق وأسأله جل وعلا أن يجعله لقاء مباركا وأن يعيننا جميعا على ما فيه رضاه ويعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
ثم أشكر أخي صاحب هذا المسجد الأخ سليمان الراجحي على دعوته لي لهذا اللقاء وأسأل الله أن يبارك فيه وفي أخيه صالح وفي ذريتهما وأن يعينهم على كل خير وأن يبارك في جهودهم ويجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين ثم أشكر أخي الشيخ عائض بن عبد الله القرني على كلمته وعلى قصيدته المباركة وأسأل الله أن يجزيه عن ذلك خيرا .
أما ما ذكره عن الفتاوى واستنباطها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول : إن هذا هو الواجب على أهل العلم وهو الذي نفعله ونهدف إليه ونحرص على تطبيق فتاوانا عليه . ولكنني لست معصوما فقد يقع الخطأ مني ومن غيري من أهل العلم ولكني لا آلو جهدا في تطبيق ما يصدر مني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا آلو جهدا في استنباط ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما يصدر مني من قليل أو كثير هذا هو جهدي . وأسأل الله أن يجعل ذلك موفقا ومصيبا للحق .
وأما ما يتعلق بسؤال أهل العلم والاستفتاء منهم فهذا أمر معلوم قد شرعه الله لعباده فإن الله جل وعلا أمر بسؤال أهل العلم - وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم النافع والعمل الصالح - فقال سبحانه فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[4] وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوم أفتوا بغير علم : ((ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال)) فالواجب على طالب العلم وعلى كل مسلم أشكل عليه أمر من أمور دينه أن يسأل عنه ذوي الاختصاص من أهل العلم وأن يتبصر وأن لا يقدم على أي عمل بجهل يقوده إلى الضلال . فعلى المسلمين أن يسألوا وعلى أهل العلم أن يبينوا فالعلماء هم ورثة الأنبياء وهم خلفاء الرسل في بيان الحق والدعوة إليه والإفتاء به وعلى جميع المسلمين أن يسألوا عما أشكل عليهم وأن يستفتوا أهل العلم . وأهل العلم هم علماء الكتاب والسنة وهم الذين يرجعون في فتاواهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء هم أهل العلم وليس أهل العلم من يقلد الرجال ولا يبالي بالكتاب والسنة إنما العلماء هم الذين يعظمون كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويرجعون إليهما في كل شيء هؤلاء هم أهل العلم . وعلى طالب العلم أن يتأسى بهم ويجتهد في سلوك طريقهم وعلى عامة المسلمين أن يسألوهم عما أشكل عليهم في أمر دينهم ودنياهم . لأن الله جل وعلا بعث الرسل لإصلاح أمر الدين والدنيا جميعا ولا سيما خاتمهم وإمامهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فإن الله بعثه للناس عامة للجن والإنس وجعل رسالته عامة وفيها صلاح أمر الدنيا والآخرة فيها صلاح العباد والبلاد في كل شيء فيها خلاصهم من كل شر وفيها صلاحهم فيما يتعلق بدنياهم وأمر معاشهم وفيها صلاحهم فيما يتعلق بطاعة ربهم وعبادته وأداء حقه وترك ما نهى عنه وفيها صلاحهم في كل ما يقربهم من الله ويباعد من غضبه سبحانه وتعالى وفيها صلاحهم بتوجيه العباد وإرشادهم إلى ما ينفعهم ويهديهم إلى الطريق السوي ويبعدهم عن طريق النار وطريق الهلاك والدمار .
وعنوان الكلمة : " واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم " . فالمسلمون عليهم واجبات تتعلق بدينهم وبالاستقامة عليه كما شرع الله وكما أمرهم الله فإن الله خلقهم ليعبدوه وأرسل الرسل بذلك قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [5]وهذه هي العبادة التي أمرهم الله بها في قوله سبحانه وتعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[6] وفي قوله سبحانه وبحمده : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[7] وفي قوله عز وجل : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[8] وفي قوله تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[9] وفي قوله عز وجل : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[10] والله بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم كما بعث الرسل قبله بالدعوة إلى هذه العبادة والدعوة إلى هذا الدين بعثه إلى الثقلين الجن والإنس رحمة للعالمين كما قال سبحانه وبحمده : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[11] بعثه معلما ومرشدا وهاديا إلى طريق النجاة معلما لهم كل ما فيه صلاحهم ونجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وجعله خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر بإجماع أهل العلم والإيمان . فمن ادعى أنه نبي أو أوحي إليه بشيء كالقاديانية فهو كافر بالله ضال مضل مرتد عن دين الإسلام إذا كان يدعي الإسلام فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال جل وعلا : مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[12] وقد تواترت عنه عليه الصلاة والسلام الأحاديث الصحيحة بأنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده فالواجب على جميع الثقلين اتباعه والاستقامة على دينه والتفقه في ذلك والسير على ذلك حتى الموت وهذه العبادة التي خلقوا لها لا بد أن يتفقهوا فيها ولا بد أن يعرفوها بالأدلة من الكتاب والسنة فهم خلقوا ليعبدوا الله وتفسير هذه العبادة يؤخذ عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم . وقد فسرها الله في كتابه العظيم وفسرها نبيه عليه الصلاة والسلام فأصلها توحيد الله والإخلاص له كما قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[13]هذا أصل هذه العبادة فأصلها توحيد الله وتخصيصه بالعبادة قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[14] وبهذا أنزلت الكتب جميعها من الله سبحانه وتعالى لبيان هذه العبادة كما قال تعالى : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ[15] فالكتب المنزلة من السماء وآخرها القرآن كلها تدعو إلى توحيد الله والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه. والرسل كلهم جميعا كذلك يدعون إلى توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه واتباع شريعته والحذر مما نهى عنه سبحانه وتعالى . فعلى جميع المكلفين من إنس وجن وعرب وعجم ورجال ونساء عليهم جميعا أن يعبدوا الله وحده وأن ينقادوا لما جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قولا وعملا ، فعلا وتركا فأصل الدين وأساسه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . وهذا هو أصل هذه العبادة وأساسها أن يعبد الله وحده دون كل ما سواه : بالدعاء والرجاء والخوف والنذر والذبح وسائر العبادات كما قال سبحانه وتعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[16] وقال سبحانه : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[17] وقال عز وجل : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[18] وقال سبحانه : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين[19] وقال سبحانه : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[20] فالعبادة حق الله لا تصلح لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لصنم ولا لجن ولا لوثن ولا غير ذلك بل هي حق الله عليك أن تعبده وحده بدعائك ورجائك وخوفك وذبحك ونذرك وصلاتك وصومك وحجك وصدقاتك وغير ذلك . لأنه سبحانه هو المعبود بالحق وما سواه معبود بالباطل قال تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[21] وكان العرب وغيرهم من الأمم إلا من رحم الله - وهم قليل - حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الشرك بالله منهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الأنبياء ومنهم من يعبد الأصنام المنحوتة على صورة فلان وفلان ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار ومنهم من يعبد القبور ومنهم من يعبد النجوم ويستغيث بها وينذر لها إلى غير ذلك فبعث الله هذا النبي العظيم محمدا صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم من هذا الشرك الوخيم فقام بذلك أكمل قيام عليه الصلاة والسلام ودعا إلى الله وأرشد إلى دينه جل وعلا الذي رضيه للناس وعلم الناس توحيد الله . مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى توحيد الله والإخلاص لله وترك عبادة ما سواه جل وعلا . وبعد مضي عشر سنين فرض الله عليه الصلوات الخمس قبل أن يهاجر أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء وتجاوز السماوات السبع جميعا ورفع إلى مستوى فوق ذلك عليه الصلاة والسلام وكلمه الله جل وعلا وأوحى إليه الصلوات الخمس فنزل بها عليه الصلاة والسلام وعلمها الناس وقام بها المسلمون في مكة ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وفرض الله عليه بقية أمور الدين من زكاة وصيام وحج وغير ذلك .
[1] - سورة آل عمران الآية 102.
[2] - سورة النساء الآية 1.
[3] - سورة الأحزاب الآيتان 70- 71.
[4] - سورة الأنبياء الآية 7.
[5] - سورة الذاريات الآية 56.
[6] - سورة البقرة الآية 21.
[7] - سورة النساء الآية 36.
[8] - سورة البينة الآية 5.
[9] - سورة النحل الآية 36.
[10] - سورة الأنبياء الآية 25.
[11] - سورة الأنبياء الآية 107.
[12] - سورة الأحزاب الآية 40.
[13] - سورة البينة الآية 5.
[14] - سورة الأنبياء الآية 25.
[15] - سورة هود الآيتان 1- 2.
[16] - سورة الإسراء الآية 23.
[17] - سورة الفاتحة الآية 5.
[18] - سورة البينة الآية 5.
[19] - سورة الأنعام الآيتان 162- 163.
[20] - سورة الكوثر الآيتان 1- 2.
[21] - سورة الحج الآية 62.
[22] - سورة الفاتحة الآية 5.
[23] - سورة البينة الآية 5.
[24] ـ سورة الإخلاص كاملة .
[25] ـ سورة الشورى , الآية 11 .
[26] - سورة المعارج الآيات 4- 7.
[27] - سورة التوبة الآية 71.
[28] - سورة العصر كاملة .
[29] - سورة المائدة الآية 2.
[30] - سورة المطففين الآية 15.
[31] - سورة يونس الآية 26.
[32] - سورة المطففين الآيات 22- 24.
[33] - سورة القيامة الآيتان 22- 32.
[34] - سورة الأنعام الآية 103.
[35] - سورة الشعراء الآية 61.
[36] - سورة النساء الآية 48.
[37] - سورة الأنعام الآية 88.
[38] - سورة التوبة الآية 17.
[39] - سورة النساء الآية 142.
[40] - سورة النحل الآية 78.
[41] - سورة الإسراء الآية 9.
[42] - سورة فصلت الآية 44.
[43] - سورة الأنعام الآية 155.
[44] - سورة النحل الآية 89.
[45] - سورة ص الآية 29.
[46] - سورة الأحقاف الآية 3.
[47] - سورة الكهف الآية 57.
[48] - سورة النحل الآية 44.
[49] - سورة العنكبوت الآية 46.
[50] - سورة النحل الآية 125.
[51] - سورة آل عمران الآية 159.
[52] - سورة التحريم الآية 6.
[53] - سورة طه الآية 132.
[54] - سورة مريم الآيتان 54- 55.
[55] - سورة المائدة الآية 2.
[56] - سورة العصر كاملة .
[57] - سورة التوبة الآية 71.
[58] - سورة التوبة الآية 71.
[59] - سورة التوبة الآية 71.
الموقع الرئيسي للشيخ
واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره .
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[1] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[2] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [3] أما بعد : فأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا وأشكره سبحانه على ما من به من هذا اللقاء في سبيل الله وفي طاعته جل وعلا والتواصي بالحق وأسأله جل وعلا أن يجعله لقاء مباركا وأن يعيننا جميعا على ما فيه رضاه ويعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
ثم أشكر أخي صاحب هذا المسجد الأخ سليمان الراجحي على دعوته لي لهذا اللقاء وأسأل الله أن يبارك فيه وفي أخيه صالح وفي ذريتهما وأن يعينهم على كل خير وأن يبارك في جهودهم ويجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين ثم أشكر أخي الشيخ عائض بن عبد الله القرني على كلمته وعلى قصيدته المباركة وأسأل الله أن يجزيه عن ذلك خيرا .
أما ما ذكره عن الفتاوى واستنباطها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول : إن هذا هو الواجب على أهل العلم وهو الذي نفعله ونهدف إليه ونحرص على تطبيق فتاوانا عليه . ولكنني لست معصوما فقد يقع الخطأ مني ومن غيري من أهل العلم ولكني لا آلو جهدا في تطبيق ما يصدر مني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا آلو جهدا في استنباط ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما يصدر مني من قليل أو كثير هذا هو جهدي . وأسأل الله أن يجعل ذلك موفقا ومصيبا للحق .
وأما ما يتعلق بسؤال أهل العلم والاستفتاء منهم فهذا أمر معلوم قد شرعه الله لعباده فإن الله جل وعلا أمر بسؤال أهل العلم - وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم النافع والعمل الصالح - فقال سبحانه فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[4] وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوم أفتوا بغير علم : ((ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال)) فالواجب على طالب العلم وعلى كل مسلم أشكل عليه أمر من أمور دينه أن يسأل عنه ذوي الاختصاص من أهل العلم وأن يتبصر وأن لا يقدم على أي عمل بجهل يقوده إلى الضلال . فعلى المسلمين أن يسألوا وعلى أهل العلم أن يبينوا فالعلماء هم ورثة الأنبياء وهم خلفاء الرسل في بيان الحق والدعوة إليه والإفتاء به وعلى جميع المسلمين أن يسألوا عما أشكل عليهم وأن يستفتوا أهل العلم . وأهل العلم هم علماء الكتاب والسنة وهم الذين يرجعون في فتاواهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء هم أهل العلم وليس أهل العلم من يقلد الرجال ولا يبالي بالكتاب والسنة إنما العلماء هم الذين يعظمون كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويرجعون إليهما في كل شيء هؤلاء هم أهل العلم . وعلى طالب العلم أن يتأسى بهم ويجتهد في سلوك طريقهم وعلى عامة المسلمين أن يسألوهم عما أشكل عليهم في أمر دينهم ودنياهم . لأن الله جل وعلا بعث الرسل لإصلاح أمر الدين والدنيا جميعا ولا سيما خاتمهم وإمامهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فإن الله بعثه للناس عامة للجن والإنس وجعل رسالته عامة وفيها صلاح أمر الدنيا والآخرة فيها صلاح العباد والبلاد في كل شيء فيها خلاصهم من كل شر وفيها صلاحهم فيما يتعلق بدنياهم وأمر معاشهم وفيها صلاحهم فيما يتعلق بطاعة ربهم وعبادته وأداء حقه وترك ما نهى عنه وفيها صلاحهم في كل ما يقربهم من الله ويباعد من غضبه سبحانه وتعالى وفيها صلاحهم بتوجيه العباد وإرشادهم إلى ما ينفعهم ويهديهم إلى الطريق السوي ويبعدهم عن طريق النار وطريق الهلاك والدمار .
وعنوان الكلمة : " واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم " . فالمسلمون عليهم واجبات تتعلق بدينهم وبالاستقامة عليه كما شرع الله وكما أمرهم الله فإن الله خلقهم ليعبدوه وأرسل الرسل بذلك قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [5]وهذه هي العبادة التي أمرهم الله بها في قوله سبحانه وتعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[6] وفي قوله سبحانه وبحمده : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[7] وفي قوله عز وجل : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[8] وفي قوله تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[9] وفي قوله عز وجل : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[10] والله بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم كما بعث الرسل قبله بالدعوة إلى هذه العبادة والدعوة إلى هذا الدين بعثه إلى الثقلين الجن والإنس رحمة للعالمين كما قال سبحانه وبحمده : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[11] بعثه معلما ومرشدا وهاديا إلى طريق النجاة معلما لهم كل ما فيه صلاحهم ونجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وجعله خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر بإجماع أهل العلم والإيمان . فمن ادعى أنه نبي أو أوحي إليه بشيء كالقاديانية فهو كافر بالله ضال مضل مرتد عن دين الإسلام إذا كان يدعي الإسلام فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال جل وعلا : مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[12] وقد تواترت عنه عليه الصلاة والسلام الأحاديث الصحيحة بأنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده فالواجب على جميع الثقلين اتباعه والاستقامة على دينه والتفقه في ذلك والسير على ذلك حتى الموت وهذه العبادة التي خلقوا لها لا بد أن يتفقهوا فيها ولا بد أن يعرفوها بالأدلة من الكتاب والسنة فهم خلقوا ليعبدوا الله وتفسير هذه العبادة يؤخذ عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم . وقد فسرها الله في كتابه العظيم وفسرها نبيه عليه الصلاة والسلام فأصلها توحيد الله والإخلاص له كما قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[13]هذا أصل هذه العبادة فأصلها توحيد الله وتخصيصه بالعبادة قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[14] وبهذا أنزلت الكتب جميعها من الله سبحانه وتعالى لبيان هذه العبادة كما قال تعالى : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ[15] فالكتب المنزلة من السماء وآخرها القرآن كلها تدعو إلى توحيد الله والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه. والرسل كلهم جميعا كذلك يدعون إلى توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه واتباع شريعته والحذر مما نهى عنه سبحانه وتعالى . فعلى جميع المكلفين من إنس وجن وعرب وعجم ورجال ونساء عليهم جميعا أن يعبدوا الله وحده وأن ينقادوا لما جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قولا وعملا ، فعلا وتركا فأصل الدين وأساسه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . وهذا هو أصل هذه العبادة وأساسها أن يعبد الله وحده دون كل ما سواه : بالدعاء والرجاء والخوف والنذر والذبح وسائر العبادات كما قال سبحانه وتعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[16] وقال سبحانه : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[17] وقال عز وجل : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[18] وقال سبحانه : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين[19] وقال سبحانه : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[20] فالعبادة حق الله لا تصلح لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لصنم ولا لجن ولا لوثن ولا غير ذلك بل هي حق الله عليك أن تعبده وحده بدعائك ورجائك وخوفك وذبحك ونذرك وصلاتك وصومك وحجك وصدقاتك وغير ذلك . لأنه سبحانه هو المعبود بالحق وما سواه معبود بالباطل قال تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[21] وكان العرب وغيرهم من الأمم إلا من رحم الله - وهم قليل - حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الشرك بالله منهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الأنبياء ومنهم من يعبد الأصنام المنحوتة على صورة فلان وفلان ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار ومنهم من يعبد القبور ومنهم من يعبد النجوم ويستغيث بها وينذر لها إلى غير ذلك فبعث الله هذا النبي العظيم محمدا صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم من هذا الشرك الوخيم فقام بذلك أكمل قيام عليه الصلاة والسلام ودعا إلى الله وأرشد إلى دينه جل وعلا الذي رضيه للناس وعلم الناس توحيد الله . مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى توحيد الله والإخلاص لله وترك عبادة ما سواه جل وعلا . وبعد مضي عشر سنين فرض الله عليه الصلوات الخمس قبل أن يهاجر أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء وتجاوز السماوات السبع جميعا ورفع إلى مستوى فوق ذلك عليه الصلاة والسلام وكلمه الله جل وعلا وأوحى إليه الصلوات الخمس فنزل بها عليه الصلاة والسلام وعلمها الناس وقام بها المسلمون في مكة ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وفرض الله عليه بقية أمور الدين من زكاة وصيام وحج وغير ذلك .
[1] - سورة آل عمران الآية 102.
[2] - سورة النساء الآية 1.
[3] - سورة الأحزاب الآيتان 70- 71.
[4] - سورة الأنبياء الآية 7.
[5] - سورة الذاريات الآية 56.
[6] - سورة البقرة الآية 21.
[7] - سورة النساء الآية 36.
[8] - سورة البينة الآية 5.
[9] - سورة النحل الآية 36.
[10] - سورة الأنبياء الآية 25.
[11] - سورة الأنبياء الآية 107.
[12] - سورة الأحزاب الآية 40.
[13] - سورة البينة الآية 5.
[14] - سورة الأنبياء الآية 25.
[15] - سورة هود الآيتان 1- 2.
[16] - سورة الإسراء الآية 23.
[17] - سورة الفاتحة الآية 5.
[18] - سورة البينة الآية 5.
[19] - سورة الأنعام الآيتان 162- 163.
[20] - سورة الكوثر الآيتان 1- 2.
[21] - سورة الحج الآية 62.
[22] - سورة الفاتحة الآية 5.
[23] - سورة البينة الآية 5.
[24] ـ سورة الإخلاص كاملة .
[25] ـ سورة الشورى , الآية 11 .
[26] - سورة المعارج الآيات 4- 7.
[27] - سورة التوبة الآية 71.
[28] - سورة العصر كاملة .
[29] - سورة المائدة الآية 2.
[30] - سورة المطففين الآية 15.
[31] - سورة يونس الآية 26.
[32] - سورة المطففين الآيات 22- 24.
[33] - سورة القيامة الآيتان 22- 32.
[34] - سورة الأنعام الآية 103.
[35] - سورة الشعراء الآية 61.
[36] - سورة النساء الآية 48.
[37] - سورة الأنعام الآية 88.
[38] - سورة التوبة الآية 17.
[39] - سورة النساء الآية 142.
[40] - سورة النحل الآية 78.
[41] - سورة الإسراء الآية 9.
[42] - سورة فصلت الآية 44.
[43] - سورة الأنعام الآية 155.
[44] - سورة النحل الآية 89.
[45] - سورة ص الآية 29.
[46] - سورة الأحقاف الآية 3.
[47] - سورة الكهف الآية 57.
[48] - سورة النحل الآية 44.
[49] - سورة العنكبوت الآية 46.
[50] - سورة النحل الآية 125.
[51] - سورة آل عمران الآية 159.
[52] - سورة التحريم الآية 6.
[53] - سورة طه الآية 132.
[54] - سورة مريم الآيتان 54- 55.
[55] - سورة المائدة الآية 2.
[56] - سورة العصر كاملة .
[57] - سورة التوبة الآية 71.
[58] - سورة التوبة الآية 71.
[59] - سورة التوبة الآية 71.
الموقع الرئيسي للشيخ