أين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟
* وجدي آل مبارك.
..................
لا زالت الحالة النقدية لمجريات الواقع على الساحة الفكرية و الاجتماعية في مجتمعاتنا تندرج تحت ديدن الرفض و الشذب لعادات و أفكار محلية و وافدة لا تنسجم مع طبيعة قيمنا الدينية و التربوية التي نطمح إليها في ظل إغفال و نسيان واضحين لتيار منفتح قوي يجرف معه أي عائق يريد إيقافه.
........
الموقف المتزن من موسم رمضان الإعلامي.
أصبح شهر رمضان موسماً إعلامياً للقنوات الفضائية العربية و هي سياسة باتت واقعاً لا يمكن نكرانه أو تجاهله،فما إن يحل شهر رمضان حتى تستعد القنوات الفضائية بكوادرها و طواقمها الفنية و الإعلامية لبث أكبر موسوعة فنية تشهدها الساحة الإعلامية في العالم العربي طيلة العام تتنوع فيها الدراما بين المشهد الفكاهي و التشويقي و التاريخي،و تُروج لها عبر أكبر حملة إعلامية لاستقطاب أكبر شريحة من المشاهدين في ظل تنافس إعلامي تجاري محتدم بين القنوات الفضائية.
و أمام هذا التيار الجارف يقف الأغلب ليشجب هذه البرامج بكلمة في مقال هنا و كلمة تحريم على منبر هناك،و تحذير من حملة تستهدف شبابنا و فتياتنا لتجريدهم من أخلاقهم و مبادئهم و إضعاف وازعهم الديني و توجيهم لتقديس القيم المادية التي ينادي بها الغرب.
لكننا في هذا الموضع بحاجة لوقفة جادة و عقلائية نكون فيها في مستوى المسؤول و المدرك،لا في مستوى المنتقد فقط،فهذه الحملة -كما يحلو للبعض أن يصفها- لم تأتي من فراغ أو مصادفة إنما بمنهج مدروس و مرتب له،آخذ في عين الاعتبار التغير الجذري الطارئ على الساحة الفكرية و الإعلامية لتلك المجتمعات.
و قد يظن البعض أن منتجي تلك البرامج سيتراجعوا لأجل كلمة انتقاد كُتبت في مقال صحفي أو أُلقيت في خطبة جماهيرية!!،فالحملة الإعلامية لن تقف عند هذا الحد بل ستصل لذروتها المتقدمة مع كل شهر رمضان يحل علينا مستقبلاً،و الدليل ما إن ينتهي شهر رمضان هذا العام حتى يبدأ الترويج الإعلامي إلى دراما جديدة تعرض في رمضان العام القادم!!.
و بغض النظر عن محتويات المواد الإعلامية التي تعرضها هذه القنوات و الموقف المتخذ منها إلا أنها بالفعل مادة إعلامية قوية تحمل في طياتها مادة مشوقة و سيناريو قادر على جذب المشاهدين و سلب حواسهم و هي حقيقة لا يمكن نكرانها أو تجاهلها،فما أن يبدأ عرض مسلسل طاش ما طاش أو باب الحارة حتى يترك الأغلب موائدهم و أعمالهم ليتسمروا أمام الشاشة الصغيرة!!.
........
المادة الإعلامية المتكافئة.
إنّ السياسة الإعلامية التي قامت عليها معظم البرامج الرمضانية سياسة أُعدت و سُخرت لها أفضل الكوادر و التقنيات الإعلامية المتطورة استطاعت من خلالها جذب الرجل و المرأة و الطفل و الطفلة و حتى العجوز و زوجها الطاعن في السن الذي لم يكن في مخيلته أن سيترك مجلس القرآن في شهر رمضان لكي يشاهد مسلسل باب الحارة!!.
إنّ المشكل الحقيقي يكمن في اختلاف قراءتنا و تعاطينا مع المواد الإعلامية و يعود في الأصل لسببين رئيسين،الأول:
إلى مستوى الثقافة و الاهتمام الفكري و مدى انسجام المادة الإعلامية مع واقع المجتمعات الذي يحدد بدوره الموقف المتخذ من هذه البرامج.
فمعظم هذه البرامج منحلة و بعضها لا هدف لها،أما البعض الآخر فتحمل في طياتها فكرة و مادة إعلامية مقبولة قد تثري حالة الوعي و الثقافة لدى المشاهد،بل بمقدور شخص أن يخلق منها جانباً إيجابياً كل حسب اهتمامه سواء كان منتجاً أو إعلامياً أو ممثلاً أو غير ذلك،فالمسألة تعتمد بشكل أساسي على المتلقي و قراءته السليمة،حينئذ يكون قادراً على فرز إيجابيتها عن سلبياتها و معرفة مخرجاتها الأساسية،أما السبب الثاني و الأهم :
إننا و حتى الآن لا نملك سلاحاً إعلامياً قوياً نواجه به هذا التيار الإعلامي الجارف،و بلغة أدق إننا نقف في زاوية المنتقد لا في زاوية المبادر و المحفز.
.......
أين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟
قد يقول قائل: إننا لا نستطيع أن ننتج مادة إعلامية نواجه بها هذا التيار الإعلامي القوي، لكنها كلمة المتخاذل و المتقاعس،فمعظم المشاريع تواجه معوقات و صعاب لكن المهم أن يتصف روادها بصفة الصمود و التفاؤل لخلق جو إعلامي مميز نصبو إليه جميعاً،و لعل عمل إعلامي صغير يصنع إبداعاً و تأثيراً قوياً في نفوس متابعيه إذا ما وِجد العمل الصادق الملامس للواقع و الحقيقة،و الشواهد في هذا الجانب عن كوادر و فرق فنية و مسرحية حصدت جوائز و شهادات على مستوى محلي و عربي و صنعت إبداعات منقطعة النظير و هي لا تملك إلا تقنيات إعلامية محدودة.
فالأهم أن نمتلك الإرادة لخلق شيء من لا شيء،و نسعى لتنويع برامجنا و ندرب كوادرنا الفنية لخلق جو إعلامي مميز و جاذب،فمجتمعاتنا تزخر بالطاقات و الإبداعات لكنها جواهر مدفونة تحت التراب تحتاج لمن يبحث عنها و يقدم لها الدعم المعنوي و المادي.
إننا في الجانب الإعلامي بحاجة إلى الانتقال من حالة الرفض و الاستنكار إلى حالة العمل و المثابرة لمواجهة أي مشروع يهدد الأمن الاجتماعي و الفكري عبر خلق جو إعلامي هادف يجذب إليه جميع شرائح المجتمع.
كذلك نوجه رسالة للقائمين على قنواتنا الفضائية بالعمل على تطويرها و تغيير سياستها الإعلامية المقتصرة على عالم دين يرشد هنا و خطيب يخطب هناك،فهذه حلقة من مجموعة حلقات لمنظومة إعلامية متكاملة،لأننا في حرب عالمية سلاحها الأول الإعلام،فلا يعقل أن تدخل هذه الحرب لتواجه دبابة فتاكة ببندقية صيد صغيرة!!
لأنّ المنتصر فيها لابدّ أن يمتلك سلاحاً يجذب المشاهدين و يكون قادراً على تثبيت أو تغيير أفكارهم و معتقداتهم.
أتذكر أن ابنيي الصغيرين طلبا مني في وقت سابق أن أُؤجل الخروج من المنزل كل ليلة سبت لأبقى معهما لمشاهدة مسلسل النبي يوسف (عليه السلام)،أو (يوزرسيف) كما ينطقه لسانهما،فلم يكن لدي خيار إلا الرضوخ لرغبتهما لأرى ما يحمله هذا المسلسل من دراما،و بالفعل وجدت دراما هادفة في جو أُسري مليء بالألفة و المحبة،و كانت فرصة سانحة لهما لمناقشتي عن أحداث المسلسل و شخصياته،و بذلك استطعت أن أوصل فكراًً نظيفاً لعقل هذين الصغيرين.
إنّ مسلسل باب الحارة و غيره من البرامج الرمضانية لا يفرق من ناحية فنية و درامية عن مسلسل النبي يوسف (عليه السلام)،و إن اختلفت التوجهات و القيم التي يحملها كل منهما،فهما مادتان إعلاميتان استطاعتا أن تجذب الملايين من البشر لمتابعتها،فإذا كانت تلك المسلسلات جزءاً من مشروعهم الإعلامي،فأين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟!.
..........
موقع البلاغ.
* وجدي آل مبارك.
..................
لا زالت الحالة النقدية لمجريات الواقع على الساحة الفكرية و الاجتماعية في مجتمعاتنا تندرج تحت ديدن الرفض و الشذب لعادات و أفكار محلية و وافدة لا تنسجم مع طبيعة قيمنا الدينية و التربوية التي نطمح إليها في ظل إغفال و نسيان واضحين لتيار منفتح قوي يجرف معه أي عائق يريد إيقافه.
........
الموقف المتزن من موسم رمضان الإعلامي.
أصبح شهر رمضان موسماً إعلامياً للقنوات الفضائية العربية و هي سياسة باتت واقعاً لا يمكن نكرانه أو تجاهله،فما إن يحل شهر رمضان حتى تستعد القنوات الفضائية بكوادرها و طواقمها الفنية و الإعلامية لبث أكبر موسوعة فنية تشهدها الساحة الإعلامية في العالم العربي طيلة العام تتنوع فيها الدراما بين المشهد الفكاهي و التشويقي و التاريخي،و تُروج لها عبر أكبر حملة إعلامية لاستقطاب أكبر شريحة من المشاهدين في ظل تنافس إعلامي تجاري محتدم بين القنوات الفضائية.
و أمام هذا التيار الجارف يقف الأغلب ليشجب هذه البرامج بكلمة في مقال هنا و كلمة تحريم على منبر هناك،و تحذير من حملة تستهدف شبابنا و فتياتنا لتجريدهم من أخلاقهم و مبادئهم و إضعاف وازعهم الديني و توجيهم لتقديس القيم المادية التي ينادي بها الغرب.
لكننا في هذا الموضع بحاجة لوقفة جادة و عقلائية نكون فيها في مستوى المسؤول و المدرك،لا في مستوى المنتقد فقط،فهذه الحملة -كما يحلو للبعض أن يصفها- لم تأتي من فراغ أو مصادفة إنما بمنهج مدروس و مرتب له،آخذ في عين الاعتبار التغير الجذري الطارئ على الساحة الفكرية و الإعلامية لتلك المجتمعات.
و قد يظن البعض أن منتجي تلك البرامج سيتراجعوا لأجل كلمة انتقاد كُتبت في مقال صحفي أو أُلقيت في خطبة جماهيرية!!،فالحملة الإعلامية لن تقف عند هذا الحد بل ستصل لذروتها المتقدمة مع كل شهر رمضان يحل علينا مستقبلاً،و الدليل ما إن ينتهي شهر رمضان هذا العام حتى يبدأ الترويج الإعلامي إلى دراما جديدة تعرض في رمضان العام القادم!!.
و بغض النظر عن محتويات المواد الإعلامية التي تعرضها هذه القنوات و الموقف المتخذ منها إلا أنها بالفعل مادة إعلامية قوية تحمل في طياتها مادة مشوقة و سيناريو قادر على جذب المشاهدين و سلب حواسهم و هي حقيقة لا يمكن نكرانها أو تجاهلها،فما أن يبدأ عرض مسلسل طاش ما طاش أو باب الحارة حتى يترك الأغلب موائدهم و أعمالهم ليتسمروا أمام الشاشة الصغيرة!!.
........
المادة الإعلامية المتكافئة.
إنّ السياسة الإعلامية التي قامت عليها معظم البرامج الرمضانية سياسة أُعدت و سُخرت لها أفضل الكوادر و التقنيات الإعلامية المتطورة استطاعت من خلالها جذب الرجل و المرأة و الطفل و الطفلة و حتى العجوز و زوجها الطاعن في السن الذي لم يكن في مخيلته أن سيترك مجلس القرآن في شهر رمضان لكي يشاهد مسلسل باب الحارة!!.
إنّ المشكل الحقيقي يكمن في اختلاف قراءتنا و تعاطينا مع المواد الإعلامية و يعود في الأصل لسببين رئيسين،الأول:
إلى مستوى الثقافة و الاهتمام الفكري و مدى انسجام المادة الإعلامية مع واقع المجتمعات الذي يحدد بدوره الموقف المتخذ من هذه البرامج.
فمعظم هذه البرامج منحلة و بعضها لا هدف لها،أما البعض الآخر فتحمل في طياتها فكرة و مادة إعلامية مقبولة قد تثري حالة الوعي و الثقافة لدى المشاهد،بل بمقدور شخص أن يخلق منها جانباً إيجابياً كل حسب اهتمامه سواء كان منتجاً أو إعلامياً أو ممثلاً أو غير ذلك،فالمسألة تعتمد بشكل أساسي على المتلقي و قراءته السليمة،حينئذ يكون قادراً على فرز إيجابيتها عن سلبياتها و معرفة مخرجاتها الأساسية،أما السبب الثاني و الأهم :
إننا و حتى الآن لا نملك سلاحاً إعلامياً قوياً نواجه به هذا التيار الإعلامي الجارف،و بلغة أدق إننا نقف في زاوية المنتقد لا في زاوية المبادر و المحفز.
.......
أين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟
قد يقول قائل: إننا لا نستطيع أن ننتج مادة إعلامية نواجه بها هذا التيار الإعلامي القوي، لكنها كلمة المتخاذل و المتقاعس،فمعظم المشاريع تواجه معوقات و صعاب لكن المهم أن يتصف روادها بصفة الصمود و التفاؤل لخلق جو إعلامي مميز نصبو إليه جميعاً،و لعل عمل إعلامي صغير يصنع إبداعاً و تأثيراً قوياً في نفوس متابعيه إذا ما وِجد العمل الصادق الملامس للواقع و الحقيقة،و الشواهد في هذا الجانب عن كوادر و فرق فنية و مسرحية حصدت جوائز و شهادات على مستوى محلي و عربي و صنعت إبداعات منقطعة النظير و هي لا تملك إلا تقنيات إعلامية محدودة.
فالأهم أن نمتلك الإرادة لخلق شيء من لا شيء،و نسعى لتنويع برامجنا و ندرب كوادرنا الفنية لخلق جو إعلامي مميز و جاذب،فمجتمعاتنا تزخر بالطاقات و الإبداعات لكنها جواهر مدفونة تحت التراب تحتاج لمن يبحث عنها و يقدم لها الدعم المعنوي و المادي.
إننا في الجانب الإعلامي بحاجة إلى الانتقال من حالة الرفض و الاستنكار إلى حالة العمل و المثابرة لمواجهة أي مشروع يهدد الأمن الاجتماعي و الفكري عبر خلق جو إعلامي هادف يجذب إليه جميع شرائح المجتمع.
كذلك نوجه رسالة للقائمين على قنواتنا الفضائية بالعمل على تطويرها و تغيير سياستها الإعلامية المقتصرة على عالم دين يرشد هنا و خطيب يخطب هناك،فهذه حلقة من مجموعة حلقات لمنظومة إعلامية متكاملة،لأننا في حرب عالمية سلاحها الأول الإعلام،فلا يعقل أن تدخل هذه الحرب لتواجه دبابة فتاكة ببندقية صيد صغيرة!!
لأنّ المنتصر فيها لابدّ أن يمتلك سلاحاً يجذب المشاهدين و يكون قادراً على تثبيت أو تغيير أفكارهم و معتقداتهم.
أتذكر أن ابنيي الصغيرين طلبا مني في وقت سابق أن أُؤجل الخروج من المنزل كل ليلة سبت لأبقى معهما لمشاهدة مسلسل النبي يوسف (عليه السلام)،أو (يوزرسيف) كما ينطقه لسانهما،فلم يكن لدي خيار إلا الرضوخ لرغبتهما لأرى ما يحمله هذا المسلسل من دراما،و بالفعل وجدت دراما هادفة في جو أُسري مليء بالألفة و المحبة،و كانت فرصة سانحة لهما لمناقشتي عن أحداث المسلسل و شخصياته،و بذلك استطعت أن أوصل فكراًً نظيفاً لعقل هذين الصغيرين.
إنّ مسلسل باب الحارة و غيره من البرامج الرمضانية لا يفرق من ناحية فنية و درامية عن مسلسل النبي يوسف (عليه السلام)،و إن اختلفت التوجهات و القيم التي يحملها كل منهما،فهما مادتان إعلاميتان استطاعتا أن تجذب الملايين من البشر لمتابعتها،فإذا كانت تلك المسلسلات جزءاً من مشروعهم الإعلامي،فأين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟!.
..........
موقع البلاغ.