غذاء التلفاز.
* د. زيد بن محمد الرماني.
.........
إنّ الإعلام الآن بتعدد وسائله من صحافة مطبوعة،و إذاعة،و تلفزة،و قنوات فضائية و معلومات تتبادلها أجهزة الكمبيوتر و الفاكس و المحمول..تحوّل إلى سلطة رقابة عامة من جهة،و أداة لتشكيل الرأي العام و صناعته،و قوة سياسية يخشاها الساسة و العامة على حد سواء،من جهة أخرى.
.......
إلغاء التلفزيون.
إنّ في الغرب مفكرين يطلقون الصرخات بين الحين و الآخر،منذرين قومهم،و مشيرين إلى مكمن الداء،و إن لم يوفقوا بَعْد في الوصول إلى حلول تناسب فطرة الإنسان و متطلباته.
و من هؤلاء "جيري ماندر" المفكر الأمريكي الذي أفزعه ما تحقق لديه – نتيجة خمسة عشر عاماً عاشها مدير دعاية و علاقات عامة – من آثار التلفاز،كإحدى وسائل الإعلام المدمرة للإنسان،فألف كتاباً دعا فيه إلى التخلص من التلفاز أسماه "أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون"..
استطاع من خلاله الإشارة إلى مكامن الخطر في هذا الجهاز العجيب،و كانت آراؤه وليدة تجربة حقيقة لطبيعة عمله في مجال الإعلام،مما أتاح له ملاحظة ما لأجهزة الإعلام من تأثير إنحرافي في هذا العالم، يتعذر إجتنابه أو تفاديه.
لقد فاقت جاذبية التلفاز كل حد،حتى أضحت إدماناً استسلمت له طوائف كثيرة من الناس،و دخل التلفاز إلى المصنع و المتجر،و رافق المسافرين في مركباتهم،و المتنزهين في نزهاتهم،حتى أصبح الرفيق الدائم الذي لا يُمل،و طاب لكثير من الناس أن يتناولوا طعامهم أمام شاشة التلفاز،ليساعدهم على ازدراد الطعام و التهام أكبر كمية منه،حتى أطلقوا في الولايات المتحدة على طريقة الأكل هذه "غذاء التلفزيون"،و التي تشير إلى أنّ الناس غدوا يتناولون وجبات طعامهم أثناء مشاهدة التلفاز،إذ يستسلم شعورهم و إحساساتهم للبرامج،فلا يدرون كم أكلوا و شربوا.
...........
آثار خطيرة.
و مما لاشك فيه أنّ للتلفاز – و غيره من وسائل الإعلام – آثاراً خطيرة على إقتصاد الفرد و الجماعة،إذ هي أصلاً سلعة ليست رخيصة،و ابتياعها يعطي دافعاً قوياً للإعلام الإستهلاكي و النظام الإستهلاكي،و من هذه الآثار ما يلي:
- أوّلاً: وسائل الإعلام هي الخطوة الأولى نحو الإستهلاك الإسرافي:
تعتبر وسائل الإعلام محرضاً قوياً على الإستهلاك؛بما تمتلكه من الثقة لدى معظم المشاهدين،و بما تبثه من البرامج المعدّة خصيصاً لتوجيه الجمهور و دفعه إلى الإستهلاك.
و لعل الأُسَر التي تقتني مثل هذه الوسائل تشعر منذ أن تقوم بدفع ثمنها بانتقالها إلى مرحلة جديدة في نمط جديدة للحياة اليومية،و ما دامت اللحظات الأولى لإمتلاك وسيلة الإعلام تقترن بدفع مبلغ من المال ليس باليسير بالنسبة لمعظم الأسر على إمتداد وطننا الإسلامي؛فإنّ هذا يعني تدريب هذه الأسر على إقتحام مجال الإسراف الذي تبدو أهم ملامحه في تلك الفوضى التي لا تعرف توازناً بين الحق و الواجب،و الأهم و المهم،و الضروري و الكمالي..و قد قيل: إن اقتناء التلفاز و الفيديو أو أحدهما يعدّ إشارة واضحة لتخطي الأسرة حدود الإقتصاد في المعيشة،إلى الإنغماس في حمى الإستهلاك التي يعمل منتجو السلع على تعميمها و إشاعتها.
- ثانياً: الإعلان التلفازي و حمّى الإستهلاك:
الإعلان التلفازي يثير الشهية،و يحث على الفضول،و يدعو إلى المغامرة أحياناً،و يفتح أبواباً جديدة في الإستهلاك،و يساعد على إستنباط أنواع من السلع لم تكن من قبل معروفة،و ليست هناك حاجة إليها،و لذلك يعمد المنتجون إلى إيهام المشاهدين بالحاجة الملحة لهذه السلعة أو تلك.
إنّ مهمة الإعلان التلفازي الأساسية – كما يقول "جيري ماندر" – "تكمن في جعل الناس يستمرون في الشراء الدائم من خلال العمل الدائم للحصول على المال اللازم للشراء..و لأنّ التلفاز هو الجهاز الذي تم إختراعه لإختراق حاجز الجلد من خلال تدخله المباشر في إعادة تشكيل أحاسيس الإنسان و إيجاد أحاسيس أكثر ملائمة للإفراط في الإستهلاك"..إذن،وُجد الإعلان فقط لإمداد الناس بما لا يحتاجون.
يقول "ماندر": "أنا شخصياً لم أصادف أي رجل إعلان يعتقد صراحة بوجود أي حاجة لـ99% من المواد الإستهلاكية التي تملأ موجات الأثير،و صفحات الصحف و المجلات..".
.........
و هكذا،يتبين لنا بشكل واضح ما لهذه الأجهزة و الوسائل الإعلامية من آثار سلبية على الفرد و الجماعة؛و لذلك فإنّ من الخير لنا – أفراداً و أُمّة – أن نقدم الأهم على المهم و الضروري على الكمالي،و النافع على الضار،و ألا نصدق أن مقالة اللحاق بركب التقدم تعني الإستمساك بأسوأ ما لدى الأُمم من التطلعات السُّفلية التي ما هبّت رياحها على قوم إلا حاولت أن تقتلع منهم جذور الخير و الطهر و الكرامة.
...
موقع البلاغ.
* د. زيد بن محمد الرماني.
.........
إنّ الإعلام الآن بتعدد وسائله من صحافة مطبوعة،و إذاعة،و تلفزة،و قنوات فضائية و معلومات تتبادلها أجهزة الكمبيوتر و الفاكس و المحمول..تحوّل إلى سلطة رقابة عامة من جهة،و أداة لتشكيل الرأي العام و صناعته،و قوة سياسية يخشاها الساسة و العامة على حد سواء،من جهة أخرى.
.......
إلغاء التلفزيون.
إنّ في الغرب مفكرين يطلقون الصرخات بين الحين و الآخر،منذرين قومهم،و مشيرين إلى مكمن الداء،و إن لم يوفقوا بَعْد في الوصول إلى حلول تناسب فطرة الإنسان و متطلباته.
و من هؤلاء "جيري ماندر" المفكر الأمريكي الذي أفزعه ما تحقق لديه – نتيجة خمسة عشر عاماً عاشها مدير دعاية و علاقات عامة – من آثار التلفاز،كإحدى وسائل الإعلام المدمرة للإنسان،فألف كتاباً دعا فيه إلى التخلص من التلفاز أسماه "أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون"..
استطاع من خلاله الإشارة إلى مكامن الخطر في هذا الجهاز العجيب،و كانت آراؤه وليدة تجربة حقيقة لطبيعة عمله في مجال الإعلام،مما أتاح له ملاحظة ما لأجهزة الإعلام من تأثير إنحرافي في هذا العالم، يتعذر إجتنابه أو تفاديه.
لقد فاقت جاذبية التلفاز كل حد،حتى أضحت إدماناً استسلمت له طوائف كثيرة من الناس،و دخل التلفاز إلى المصنع و المتجر،و رافق المسافرين في مركباتهم،و المتنزهين في نزهاتهم،حتى أصبح الرفيق الدائم الذي لا يُمل،و طاب لكثير من الناس أن يتناولوا طعامهم أمام شاشة التلفاز،ليساعدهم على ازدراد الطعام و التهام أكبر كمية منه،حتى أطلقوا في الولايات المتحدة على طريقة الأكل هذه "غذاء التلفزيون"،و التي تشير إلى أنّ الناس غدوا يتناولون وجبات طعامهم أثناء مشاهدة التلفاز،إذ يستسلم شعورهم و إحساساتهم للبرامج،فلا يدرون كم أكلوا و شربوا.
...........
آثار خطيرة.
و مما لاشك فيه أنّ للتلفاز – و غيره من وسائل الإعلام – آثاراً خطيرة على إقتصاد الفرد و الجماعة،إذ هي أصلاً سلعة ليست رخيصة،و ابتياعها يعطي دافعاً قوياً للإعلام الإستهلاكي و النظام الإستهلاكي،و من هذه الآثار ما يلي:
- أوّلاً: وسائل الإعلام هي الخطوة الأولى نحو الإستهلاك الإسرافي:
تعتبر وسائل الإعلام محرضاً قوياً على الإستهلاك؛بما تمتلكه من الثقة لدى معظم المشاهدين،و بما تبثه من البرامج المعدّة خصيصاً لتوجيه الجمهور و دفعه إلى الإستهلاك.
و لعل الأُسَر التي تقتني مثل هذه الوسائل تشعر منذ أن تقوم بدفع ثمنها بانتقالها إلى مرحلة جديدة في نمط جديدة للحياة اليومية،و ما دامت اللحظات الأولى لإمتلاك وسيلة الإعلام تقترن بدفع مبلغ من المال ليس باليسير بالنسبة لمعظم الأسر على إمتداد وطننا الإسلامي؛فإنّ هذا يعني تدريب هذه الأسر على إقتحام مجال الإسراف الذي تبدو أهم ملامحه في تلك الفوضى التي لا تعرف توازناً بين الحق و الواجب،و الأهم و المهم،و الضروري و الكمالي..و قد قيل: إن اقتناء التلفاز و الفيديو أو أحدهما يعدّ إشارة واضحة لتخطي الأسرة حدود الإقتصاد في المعيشة،إلى الإنغماس في حمى الإستهلاك التي يعمل منتجو السلع على تعميمها و إشاعتها.
- ثانياً: الإعلان التلفازي و حمّى الإستهلاك:
الإعلان التلفازي يثير الشهية،و يحث على الفضول،و يدعو إلى المغامرة أحياناً،و يفتح أبواباً جديدة في الإستهلاك،و يساعد على إستنباط أنواع من السلع لم تكن من قبل معروفة،و ليست هناك حاجة إليها،و لذلك يعمد المنتجون إلى إيهام المشاهدين بالحاجة الملحة لهذه السلعة أو تلك.
إنّ مهمة الإعلان التلفازي الأساسية – كما يقول "جيري ماندر" – "تكمن في جعل الناس يستمرون في الشراء الدائم من خلال العمل الدائم للحصول على المال اللازم للشراء..و لأنّ التلفاز هو الجهاز الذي تم إختراعه لإختراق حاجز الجلد من خلال تدخله المباشر في إعادة تشكيل أحاسيس الإنسان و إيجاد أحاسيس أكثر ملائمة للإفراط في الإستهلاك"..إذن،وُجد الإعلان فقط لإمداد الناس بما لا يحتاجون.
يقول "ماندر": "أنا شخصياً لم أصادف أي رجل إعلان يعتقد صراحة بوجود أي حاجة لـ99% من المواد الإستهلاكية التي تملأ موجات الأثير،و صفحات الصحف و المجلات..".
.........
و هكذا،يتبين لنا بشكل واضح ما لهذه الأجهزة و الوسائل الإعلامية من آثار سلبية على الفرد و الجماعة؛و لذلك فإنّ من الخير لنا – أفراداً و أُمّة – أن نقدم الأهم على المهم و الضروري على الكمالي،و النافع على الضار،و ألا نصدق أن مقالة اللحاق بركب التقدم تعني الإستمساك بأسوأ ما لدى الأُمم من التطلعات السُّفلية التي ما هبّت رياحها على قوم إلا حاولت أن تقتلع منهم جذور الخير و الطهر و الكرامة.
...
موقع البلاغ.
عدل سابقا من قبل In The Zone في الأربعاء يناير 02, 2013 10:27 pm عدل 1 مرات