حصار الإنسان المعاصر.
* بقلم: أ.د.عمادالدين خليل/ مفكر إسلامي و أكاديمي عراقي.
...............
يعاني الإنسان المعاصر من "الحصار"..الإنسان في العالم كله..غربه و شرقه على السواء..قد تختلف النسب بين بيئة و أخرى،و قد تتغاير أنماط الحصار هنا و هناك..و لكن،و بشكل عام،يبدو أنّ المعاناة التي تتمخض عن الحصار الذي يأخذ برقاب الإنسان المعاصر،غدت أمراً محتوياً في حضارة لم تعد تكترث بإنسانية الإنسان،أو تتعامل معه بصفته كائناً فريداً ذا مواصفات قل نظيرها بين الكائنات.
حصار التكاثر بالأشياء..حصار الآلة..حصار النظم الشمولية..حصار المادية..حصار الإغراء و التفكك و الإنحلال..حصار التلوث البيئي بأصنافه كافة..حصار القلق و الإكتئاب..
و كل واحد من هذه الأنماط يعمل منشاره في الإنسان المعاصر فيسوقه إلى التعاسة و الشقاء..و يقوده إلى الدمار..
الأمراض النفسية ازدادت سعاراً..و قاموسها أصبح ينوء بحالات متكاثرة سرطانياً..و الأوجاع الجسدية،الموقوتة و المزمنة،أصبحت هي القاعدة و غيرها الإستثناء..و إلى عهد قريب كانت حالات ضغط الدم،و الحسّاسية،و إلتهاب القولون،و إنسداد الشرايين،و آلام المفاصل و الإنزلاق الغضروفي، و أوجاع القلب و الرأس..و الجلطات و الذبحات..و غيرها،و غيرها،حالات محدودة لا تكاد تذكر..و الآن،فإن معظم الناس في مشارق الأرض و مغاربها يعانون من واحد أو أكثر من هذه الأمراض.
..........
صوت الخلاص.
لقد توافرت للإنسان المعاصر كل سبل التيسير المادي و الخدمي،و لكنه ليس بسعيد،لأنّه على المستوى النفسي في دائرة الروح يعاني من إهمال منقطع النظير،حضارته المعاصرة تمنح جسده ما يريد،و لكنها لا تكاد تستجيب لمطامحه و أشواقه و خبراته النفسية و الروحية،إنّ الإنسان المعاصر يعاني من واحدة من أبشع حالات التضحّل و التفكيك في عمقه الإنسان،و من ثمّ فهو يتعرض بالضرورة للضياع فيما يذكرنا بالمقولة المعروفة: "ماذا لو ربح الإنسان العالم و خسر نفسه؟".
في كتاب "أريك فروم" "الإنسان بين الجوهر و المظهر" يطرح المؤلف هذا التساؤل الخطير:
نتملّك أم نكون؟ و كأنّه بذلك يختصر المعضلة بكلمات قلائل..فالذي يحدث الآن على مستوى العالم أنّ الحضارة المعاصرة تفتح المجال للإنسان على مصراعيه لكي يتملك،لكنها تضيّق الخناق عليه،و تسدّ السبل أمامه إذا حاول "أن يكون".
و "الدين" هو صوت الخلاص،و سبيل التحرّر و الفكاك من كابوس الحصار.."الدين" هو المنهج و الصراط للتحقق بالسوية الإنسانية.."الدين" هو وحده القادر على تعديل الوقفة الخاطئة،و العودة بالمعادلة البشرية إلى وضعها الطبيعي:
أن يصبح هدفنا أوّلاً هو أن نكون..أمّا التملك فالمفروض أن يأتي تالياً،خلافاً تماماً لما يحدث الآن في الخبرة الحضارية المعاصرة.
هذا التكاثر المجنون بالأشياء..هذا السعي المحموم للإقتناء..هذا النزوع المادي و الإندفاع باتجاه مطالب الجسد..هذه الآلية الطاغية التي تخترق مفاصل الحياة و شرايينها،و تزداد سعاراً يوماً بعد يوم..هذا التلوث المخيف الذي يخترق معادلات الأرض،و يملأ سماءها بالدخان و السموم..
و بموازاة ذلك كله،يتعرض الإنسان لأبشع صيغ القسر و الإستلاب من خلال النظم التي تتحكم برقابه، فما يزداد إلا تعاسة و شقاءً..و يوماً بعد يوم يفقد بعده الإنساني و يضيع..
الحصار يحيط بالإنسان من جهاته الأربع،و يمنعه من أن "يكون"..و من أجل ذلك يصير الدين ضرورة من الضرورات..لأنّه مركب الخلاص الوحيد إذا أريد للبشرية ألا تتعرض للغرق..و للإنسان أن يكون.
..........
موقع البلاغ.
* بقلم: أ.د.عمادالدين خليل/ مفكر إسلامي و أكاديمي عراقي.
...............
يعاني الإنسان المعاصر من "الحصار"..الإنسان في العالم كله..غربه و شرقه على السواء..قد تختلف النسب بين بيئة و أخرى،و قد تتغاير أنماط الحصار هنا و هناك..و لكن،و بشكل عام،يبدو أنّ المعاناة التي تتمخض عن الحصار الذي يأخذ برقاب الإنسان المعاصر،غدت أمراً محتوياً في حضارة لم تعد تكترث بإنسانية الإنسان،أو تتعامل معه بصفته كائناً فريداً ذا مواصفات قل نظيرها بين الكائنات.
حصار التكاثر بالأشياء..حصار الآلة..حصار النظم الشمولية..حصار المادية..حصار الإغراء و التفكك و الإنحلال..حصار التلوث البيئي بأصنافه كافة..حصار القلق و الإكتئاب..
و كل واحد من هذه الأنماط يعمل منشاره في الإنسان المعاصر فيسوقه إلى التعاسة و الشقاء..و يقوده إلى الدمار..
الأمراض النفسية ازدادت سعاراً..و قاموسها أصبح ينوء بحالات متكاثرة سرطانياً..و الأوجاع الجسدية،الموقوتة و المزمنة،أصبحت هي القاعدة و غيرها الإستثناء..و إلى عهد قريب كانت حالات ضغط الدم،و الحسّاسية،و إلتهاب القولون،و إنسداد الشرايين،و آلام المفاصل و الإنزلاق الغضروفي، و أوجاع القلب و الرأس..و الجلطات و الذبحات..و غيرها،و غيرها،حالات محدودة لا تكاد تذكر..و الآن،فإن معظم الناس في مشارق الأرض و مغاربها يعانون من واحد أو أكثر من هذه الأمراض.
..........
صوت الخلاص.
لقد توافرت للإنسان المعاصر كل سبل التيسير المادي و الخدمي،و لكنه ليس بسعيد،لأنّه على المستوى النفسي في دائرة الروح يعاني من إهمال منقطع النظير،حضارته المعاصرة تمنح جسده ما يريد،و لكنها لا تكاد تستجيب لمطامحه و أشواقه و خبراته النفسية و الروحية،إنّ الإنسان المعاصر يعاني من واحدة من أبشع حالات التضحّل و التفكيك في عمقه الإنسان،و من ثمّ فهو يتعرض بالضرورة للضياع فيما يذكرنا بالمقولة المعروفة: "ماذا لو ربح الإنسان العالم و خسر نفسه؟".
في كتاب "أريك فروم" "الإنسان بين الجوهر و المظهر" يطرح المؤلف هذا التساؤل الخطير:
نتملّك أم نكون؟ و كأنّه بذلك يختصر المعضلة بكلمات قلائل..فالذي يحدث الآن على مستوى العالم أنّ الحضارة المعاصرة تفتح المجال للإنسان على مصراعيه لكي يتملك،لكنها تضيّق الخناق عليه،و تسدّ السبل أمامه إذا حاول "أن يكون".
و "الدين" هو صوت الخلاص،و سبيل التحرّر و الفكاك من كابوس الحصار.."الدين" هو المنهج و الصراط للتحقق بالسوية الإنسانية.."الدين" هو وحده القادر على تعديل الوقفة الخاطئة،و العودة بالمعادلة البشرية إلى وضعها الطبيعي:
أن يصبح هدفنا أوّلاً هو أن نكون..أمّا التملك فالمفروض أن يأتي تالياً،خلافاً تماماً لما يحدث الآن في الخبرة الحضارية المعاصرة.
هذا التكاثر المجنون بالأشياء..هذا السعي المحموم للإقتناء..هذا النزوع المادي و الإندفاع باتجاه مطالب الجسد..هذه الآلية الطاغية التي تخترق مفاصل الحياة و شرايينها،و تزداد سعاراً يوماً بعد يوم..هذا التلوث المخيف الذي يخترق معادلات الأرض،و يملأ سماءها بالدخان و السموم..
و بموازاة ذلك كله،يتعرض الإنسان لأبشع صيغ القسر و الإستلاب من خلال النظم التي تتحكم برقابه، فما يزداد إلا تعاسة و شقاءً..و يوماً بعد يوم يفقد بعده الإنساني و يضيع..
الحصار يحيط بالإنسان من جهاته الأربع،و يمنعه من أن "يكون"..و من أجل ذلك يصير الدين ضرورة من الضرورات..لأنّه مركب الخلاص الوحيد إذا أريد للبشرية ألا تتعرض للغرق..و للإنسان أن يكون.
..........
موقع البلاغ.
عدل سابقا من قبل In The Zone في الأربعاء يناير 02, 2013 10:16 pm عدل 1 مرات