الحضارة المادية و تدهور القيم الإنسانية.
علي حسين عبيد.
........
ثمة علاقة عكسية "لاحظها المعنيون" بين التطور المادي للبشرية و بين فقدانها للقيم و المؤشرات الانسانية التي تنتظم وفقا لها حركة الانسان،فكلما حدث تطور جديد في الجانب المادي كلما جاء ذلك على حساب الجانب المعنوي الذي يشمل الجوانب الروحية و القيمية على نحو شامل،و تكمن الخطورة في هذا التضاد و التعاكس في العلاقة بين الجانبين المادي و الروحي،في التدهور السريع لمنظومة القيم التي تتحرك في ضوئها أنشطة الانسان المتنوعة.
ألم يلاحظ المراقب تسارعا ملحوظا في تردّي منظومة القيم ازاء التسارع المتواتر في التطور المادي،والمشكلة أن معظم الناس ينظرون الى الحياة بصيغتها الشكلية المادية و درجة تطورها الشكلي،و على هذا التطور يقيسون مدى جاهزية الحياة و درجة أهليتها و توافقها مع تطلعات الانسان،بمعنى كلما حدث تطور مادي في جانب من جوانب العيش كلما كانت الحياة أكثر ميلا للتحضّر، بيد أن حقيقة الامر لا يمكن أن تكون بهذا الشكل،إذ لابد أن يكون ثمة تساوق في النمو بين الجانبين المادي و المعنوي.
هذا يدفعنا الى التركيز على اهمية الموازنة بين المادة و الروح و بين الشكل و المعنى و بين التصميم و المبنى،و بكلمة أشمل بين الجوهر و القشر،و ان اي اهتمام بجانب على حساب الآخر يؤدي الى تخلخل العلاقة بين الجانبين الروحي و المادي ما يقود الى سيادة أحدهما على الآخر و فشلهما في تحقيق الحياة المتوازنة للانسان.
يقول احد المفكرين (إن الحضارة المادية جرفت كل القيم و الموازين و الاعراف سواء في بلاد الغرب او في بلاد المسلمين او في بلدان العالم الثالث).
و لذلك لايمكن التصدي لهذا الامر بالطرق الشكلية التي تأخذ جانب التهريج و الشعارات و الكلام الفارغ من الفعل المؤثر،بمعنى أن الانسان لابد أن يعي خطورة التصاعد المادي لنوعية الحياة، و أهمية العمل على تحقيق جانب الاتزان بين قطبي المادة و المعنى او الروح،و لابد أن يكون هناك تعاون بشري شامل بهذا الاتجاه لتقوية الجانب الروحاني مقابل النزوع المادي المتزايد بحجة أن العصر هو عصر المادة و ليس عصر الروح،و قد ذهب بعضهم الى إلغاء دور الدين (مثلا) في هذا المجال،و هنا تكمن حالة التطرف المادي التي تؤذي الانسانية بدلا من ان تساعدها على النمو السليم في مجالات الفكر و العمل المنتج و الخلاق.
البعض يرى أن هناك تضاربا بالغ الوضوح بين التطور المادي و تدهور منظومة القيم التي تسيّر الأنشطة البشرية،و يرى هذا البعض أيضا تسارعا متناميا لغياب القيم مقابل استفحال الشكلية الفارغة من الجوهر،لهذا تركّز الأديان و الطروحات الاصلاحية و الفلسفات الانسانية الايجابية على ضرورة خلق التوزان بين القطبين،حتى أنهم رفضوا أن تتغلب الجوهرية على الشكل لأن النتائج ستكون مقاربة لما يحدث الآن من تغييب قسري لمنظومة القيم التي تؤشر المسارات الخاطئة و خلافها ثم العمل على تلافيها وفقا لمقياس القيم الانسانية المتفق عليها.
قد يذهب بعضهم الى أن طبيعة العصر تتطلب تغليب المادة على الجوهر،بل يرى بعضهم أن طبيعة الحياة المتسارعة تفرض على الانسان نوعا معينا من التعامل،و منهم من أشار الى الفلسفات الغربية التي فضّلت الوصول الى الغاية بجميع السبل المتاحة مما تولد عن أنهاج سلوكية غريبة الاطوار تدفع بالانسان لتحقيق اهدافه بشتى السبل و الطرق المتاحة له،و منهم من يشير الى البراغماتية النفعية التي تحرّض الانسان على بلوغ غاياته بغض النظر عن الوسائل المستخدَمة لذلك،و هو نهج أطلق البعض عليه صفة المعاصرة و التواؤم مع طبيعة الحياة الراهنة،لكن الامر كما يراه المصلحون و الحكماء الحقيقيون غير ذلك تماما.
هذا لا يعني أن الحث على الالتزام بالقيم طريقة لمنع الانسان من تحقيق النمط المعيشي المعاصر، و لايعني وضع العراقيل امام التطور المادي الذي يأخذ شكله و جوهره من شكل و جوهر الانسان نفسه،بكلمة أكثر وضوحا،لا ينبغي أن يأتي التطور المادي على حساب القيم الروحية الانسانية الخلاقة التي يتحلى بها الفرد و الجماعة في آن.
لذلك فإن التطور المادي بعيدا عن الجوهر هو نوع من الجهل،يتطلب وقوف العقل بوجهه،لأن العقل هو العنصر الأكثر قدرة على مقاومة الجهل و تصحيح الانهاج الخاطئة،يقول أحد المفكرين (إن الحضارة المادية ليست إلا جهالة،و العقل هو المقابل للجهل)،لذا فإن الانسانية مطالبة بالتصدي للجهل متمثلا بالتطور الاحادي المادي و ذلك من خلال تشغيل العقل بأقصى درجات الوعي لإعطاء الجانب الروحي حصته من الاهتمام و رفع مستوى المنظومة القيمية و المحافظة عليها بالتساوق مع التطور المادي المضطرد.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية-14/آب/2010-3/رمضان/1431
علي حسين عبيد.
........
ثمة علاقة عكسية "لاحظها المعنيون" بين التطور المادي للبشرية و بين فقدانها للقيم و المؤشرات الانسانية التي تنتظم وفقا لها حركة الانسان،فكلما حدث تطور جديد في الجانب المادي كلما جاء ذلك على حساب الجانب المعنوي الذي يشمل الجوانب الروحية و القيمية على نحو شامل،و تكمن الخطورة في هذا التضاد و التعاكس في العلاقة بين الجانبين المادي و الروحي،في التدهور السريع لمنظومة القيم التي تتحرك في ضوئها أنشطة الانسان المتنوعة.
ألم يلاحظ المراقب تسارعا ملحوظا في تردّي منظومة القيم ازاء التسارع المتواتر في التطور المادي،والمشكلة أن معظم الناس ينظرون الى الحياة بصيغتها الشكلية المادية و درجة تطورها الشكلي،و على هذا التطور يقيسون مدى جاهزية الحياة و درجة أهليتها و توافقها مع تطلعات الانسان،بمعنى كلما حدث تطور مادي في جانب من جوانب العيش كلما كانت الحياة أكثر ميلا للتحضّر، بيد أن حقيقة الامر لا يمكن أن تكون بهذا الشكل،إذ لابد أن يكون ثمة تساوق في النمو بين الجانبين المادي و المعنوي.
هذا يدفعنا الى التركيز على اهمية الموازنة بين المادة و الروح و بين الشكل و المعنى و بين التصميم و المبنى،و بكلمة أشمل بين الجوهر و القشر،و ان اي اهتمام بجانب على حساب الآخر يؤدي الى تخلخل العلاقة بين الجانبين الروحي و المادي ما يقود الى سيادة أحدهما على الآخر و فشلهما في تحقيق الحياة المتوازنة للانسان.
يقول احد المفكرين (إن الحضارة المادية جرفت كل القيم و الموازين و الاعراف سواء في بلاد الغرب او في بلاد المسلمين او في بلدان العالم الثالث).
و لذلك لايمكن التصدي لهذا الامر بالطرق الشكلية التي تأخذ جانب التهريج و الشعارات و الكلام الفارغ من الفعل المؤثر،بمعنى أن الانسان لابد أن يعي خطورة التصاعد المادي لنوعية الحياة، و أهمية العمل على تحقيق جانب الاتزان بين قطبي المادة و المعنى او الروح،و لابد أن يكون هناك تعاون بشري شامل بهذا الاتجاه لتقوية الجانب الروحاني مقابل النزوع المادي المتزايد بحجة أن العصر هو عصر المادة و ليس عصر الروح،و قد ذهب بعضهم الى إلغاء دور الدين (مثلا) في هذا المجال،و هنا تكمن حالة التطرف المادي التي تؤذي الانسانية بدلا من ان تساعدها على النمو السليم في مجالات الفكر و العمل المنتج و الخلاق.
البعض يرى أن هناك تضاربا بالغ الوضوح بين التطور المادي و تدهور منظومة القيم التي تسيّر الأنشطة البشرية،و يرى هذا البعض أيضا تسارعا متناميا لغياب القيم مقابل استفحال الشكلية الفارغة من الجوهر،لهذا تركّز الأديان و الطروحات الاصلاحية و الفلسفات الانسانية الايجابية على ضرورة خلق التوزان بين القطبين،حتى أنهم رفضوا أن تتغلب الجوهرية على الشكل لأن النتائج ستكون مقاربة لما يحدث الآن من تغييب قسري لمنظومة القيم التي تؤشر المسارات الخاطئة و خلافها ثم العمل على تلافيها وفقا لمقياس القيم الانسانية المتفق عليها.
قد يذهب بعضهم الى أن طبيعة العصر تتطلب تغليب المادة على الجوهر،بل يرى بعضهم أن طبيعة الحياة المتسارعة تفرض على الانسان نوعا معينا من التعامل،و منهم من أشار الى الفلسفات الغربية التي فضّلت الوصول الى الغاية بجميع السبل المتاحة مما تولد عن أنهاج سلوكية غريبة الاطوار تدفع بالانسان لتحقيق اهدافه بشتى السبل و الطرق المتاحة له،و منهم من يشير الى البراغماتية النفعية التي تحرّض الانسان على بلوغ غاياته بغض النظر عن الوسائل المستخدَمة لذلك،و هو نهج أطلق البعض عليه صفة المعاصرة و التواؤم مع طبيعة الحياة الراهنة،لكن الامر كما يراه المصلحون و الحكماء الحقيقيون غير ذلك تماما.
هذا لا يعني أن الحث على الالتزام بالقيم طريقة لمنع الانسان من تحقيق النمط المعيشي المعاصر، و لايعني وضع العراقيل امام التطور المادي الذي يأخذ شكله و جوهره من شكل و جوهر الانسان نفسه،بكلمة أكثر وضوحا،لا ينبغي أن يأتي التطور المادي على حساب القيم الروحية الانسانية الخلاقة التي يتحلى بها الفرد و الجماعة في آن.
لذلك فإن التطور المادي بعيدا عن الجوهر هو نوع من الجهل،يتطلب وقوف العقل بوجهه،لأن العقل هو العنصر الأكثر قدرة على مقاومة الجهل و تصحيح الانهاج الخاطئة،يقول أحد المفكرين (إن الحضارة المادية ليست إلا جهالة،و العقل هو المقابل للجهل)،لذا فإن الانسانية مطالبة بالتصدي للجهل متمثلا بالتطور الاحادي المادي و ذلك من خلال تشغيل العقل بأقصى درجات الوعي لإعطاء الجانب الروحي حصته من الاهتمام و رفع مستوى المنظومة القيمية و المحافظة عليها بالتساوق مع التطور المادي المضطرد.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية-14/آب/2010-3/رمضان/1431
عدل سابقا من قبل In The Zone في الأحد يناير 06, 2013 8:01 pm عدل 1 مرات