كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي و الشرقي.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
http://binbaz.org.sa/
.............
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه.
و بعد:
مما لا شك فيه أن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة من كتب و إذاعات و صحف و مجلات و غير ذلك من الأسلحة الأخرى،ذلك أن الاستعمار في العصر الحديث قد غير من أساليبه القديمة لما أدركه من فشلها و عدم فعاليتها،و محاربة الشعوب و استماتتها في الدفاع عن دينها و أوطانها و مقدراتها و تراثها حيث إن الأخذ بالقوة، و عن طريق العنف و الإرهاب مما تأباه الطباع،و تنفر منه النفوس،لاسيما في الأوقات الحاضرة بعد أن انتشر الوعي بين الناس،و اتصل الناس بعضهم ببعض،و أصبح هناك منظمات و هيئات كثيرة تدافع عن حقوق الشعوب،و ترفض الاستعمار عن طريق القوة،و تطالب بحق تقرير المصير لكل شعب،و أن لأهل كل قطر حقهم الطبيعي في سيادتهم على أرضهم و استثمار مواردهم،و تسيير دفة الحكم في أوطانهم حسب ميولهم و رغباتهم في الحياة،و حسب ما تدين به تلك الشعوب من معتقدات و مذاهب و أساليب مختلفة للحكم مما اضطر معه إلى الخروج عن هذه الأقطار بعد قتال عنيف،و صدامات مسلحة و حروب كثيرة دامية.
و لكنه قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكر في عدة وسائل،و اتخذ كثيراً من المخططات بعد دراسة واعية و تفكير طويل و تصور كامل لأبعاد هذه المخططات،و مدى فعاليتها و تأثيرها،و الطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد،و أهدافه تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين،مبالغة في الدهاء و المكر و التلبيس،ركز فيها على خدمة أهدافه و نشر ثقافته و ترسيخ الإعجاب بما حققه في مجال الصناعات المختلفة،و المكاسب المادية في نفوس أغلب الناس حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم،و أعجبوا بمظاهر بريقها و لمعانها،و عظيم ما حققته و أنجزته من المكاسب الدنيوية و الاختراعات العجيبة،لاسيما في صفوف الطلاب و المتعلمين الذين لا يزالون في سن المراهقة و الشباب،اختارت جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحر هذه الحضارة؛لإكمال تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوربية و الأمريكية و غيرها حيث يواجهون هناك بسلسلة من الشبهات و الشهوات على أيدي المستشرقين و الملحدين بشكل منظم،و خطط مدروسة،و أساليب ملتوية،في غاية المكر و الدهاء،و حيث يواجهون الحياة الغربية بما فيها من تفسخ و تبذل و خلاعة و تفكك و مجون و إباحية.
و هذه الأسلحة و ما يصاحبها من إغراء و تشجيع،و عدم وازع من دين أو سلطة،قل من ينجو من شباكها و يسلم من شرورها،و هؤلاء بعد إكمال دراستهم و عودتهم إلى بلادهم و تسلمهم المناصب الكبيرة في الدولة أخطر من يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله،و يضع الأمانة الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة،بل بوسائل و أساليب أشد عنفا و قسوة من تلك التي سلكها المستعمر،كما وقع ذلك فعلاً في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار أو كانت على صلة وثيقة به.
أما الطريق إلى السلامة من هذا الخطر و البعد عن مساوئه و أضراره فيتلخص في إنشاء الجامعات و الكليات و المعاهد المختلفة بكافة اختصاصاتها للحد من الابتعاث إلى الخارج،و تدريس العلوم بكافة أنواعها مع العناية بالمواد الدينية و الثقافة الإسلامية في جميع الجامعات و الكليات و المعاهد؛حرصاً على سلامة عقيدة الطلبة،و صيانة أخلاقهم،و خوفاً على مستقبلهم،و حتى يساهموا في بناء مجتمعهم على نور من تعاليم الشريعة الإسلامية،و حسب حاجات و متطلبات هذه الأمة المسلمة، و الواجب التضييق من نطاق الابتعاث إلى الخارج و حصره في علوم معينة لا تتوافر في الداخل.
فنسأل الله التوفيق لكل ما فيه صلاح العباد و البلاد،و حماية المسلمين من كل ما يضرهم في عقائدهم و أخلاقهم،إنه جواد كريم.
و هذا المقام مع ما ذكرنا آنفا يحتاج إلى مزيد من العناية في إصلاح المناهج و صبغها بالصبغة الإسلامية على وجه أكمل،و الاستكثار من المؤسسات العلمية التي يستغني بها أبناء البلاد عن السفر إلى الخارج و اختيار المدرسين و المدرسات و المديرين و المديرات،و أن يكون الجميع من المعروفين بالأخلاق الفاضلة و العقيدة الطيبة و السيرة الحسنة،و الغيرة الإسلامية و القوة و الأمانة؛لأن من كان بهذه الصفات أمن شره و رجي خيره و بذل وسعه في كل ما من شأنه إيصال المعلومات إلى الطلبة و الطالبات سليمة نقية.
أما إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لاسيما في مجال التصنيع و أشباهه فأرى أن يكون لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه و أخلاقه المتشبع بالثقافة و الروح الإسلامية،و اختيار مشرف على هذه البعثة معروف بعلمه و صلاحه و نشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة،و يقوم بالدعوة إلى الله هناك،و في الوقت نفسه يشرف على البعثة،و يتفقد أحوالها و تصرفات أفرادها،و يقوم بإرشادهم و توجيههم،و إجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه و تشكيك و غير ذلك.
و ينبغي أن يعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم و لو قصيرة يدرسون فيها جميع المشاكل و الشبهات التي قد تواجههم في البلاد التي يبتعثون إليها،و يبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها،و الحكمة فيها حسب ما دل عليه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم،و كلام أهل العلم مثل أحكام الرق، و تعدد الزوجات بصفة عامة،و تعدد أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بصفة خاصة،و حكم الطلاق، و حكمة الجهاد ابتداء و دفاعاً،و غير ذلك من الأمور التي يوردها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه.
أما عن مجابهة الغزو المتمثل في الإذاعات و الكتب و الصحف و المجلات و الأفلام التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر،و أخذت تشغل أكثر أوقات المرء المسلم و المرأة المسلمة رغم ما تشتمل عليه في أكثر الأحيان من السم الزعاف،و الدعاية المضللة فهي من أهم المهمات لحماية الإسلام و الثقافة الإسلامية من مكائده و شره مع التأكيد على دعاة الإسلام و حماته للتفرغ لكتابة البحوث و النشرات و المقالات النافعة،و الدعوة إلى الإسلام،و الرد على أصناف الغزو الثقافي،و كشف عواره،و تبيين زيفه حيث إن الأعداء قد جندوا كافة إمكاناتهم و قدراتهم،و أوجدوا المنظمات المختلفة و الوسائل المتنوعة للدس على المسلمين و التلبيس عليهم،فلا بد من تفنيد هذه الشبهات و كشفها،و عرض الإسلام عقيدة و تشريعاً و أحكاماً و أخلاقاً عرضاً شيقاً صافياً جذاباً بالأساليب الطيبة العصرية المناسبة،و عن طريق الحكمة و الموعظة الحسنة،و الجدال بالتي هي أحسن من طريق جميع وسائل الإعلام حسب الطاقة و الإمكان؛لأن دين الإسلام هو الدين الكامل الجامع لكل خير،الكفيل بسعادة البشر،و تحقيق الرقي الصالح،و التقدم السليم و الأمن و الطمأنينة و الحياة الكريمة،و الفوز في الدنيا و الآخرة.
...........
و ما أصيب المسلمون إلا بسبب عدم تمسكهم بدينهم كما يجب،و عدم فهم الكثيرين لحقيقته،و ما ذلك إلا لإعراضهم عنه و عدم تفقههم فيه،و تقصير الكثير من العلماء في شرح مزاياه،و إبراز محاسنه و حكمه و أسراره و الصدق و الصبر في الدعوة إليه،و تحمل الأذى في ذلك بالأساليب و الطرق المتبعة في هذا العصر،و من أجل ذلك حصل ما حصل اليوم من الفرقة و الاختلاف،و جهل الأكثر بأحكام الإسلام،و التباس الأمور عليهم.
و معلوم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها،و الذي صلح به أولها هو اتباع كتاب الله الكريم و سنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[1].
و قال تعالى: {وَ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[2].
و قال سبحانه: {وَ هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[3].
و قد وعدهم الله سبحانه و تعالى على ذلك النصر المبين و العاقبة الحميدة،كما قال سبحانه و هو أصدق القائلين: {وَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[4].
و قال سبحانه: {وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[5].
و قال عز و جل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[6].
و قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[7].
و الآيات في هذا المعنى كثيرة،و لما حقق سلفنا الصالح هذه الآيات الكريمات قولاً و عملاً و عقيدة نصرهم الله على أعدائهم،و مكن لهم في الأرض،و نشر بهم العدل و رحم بهم العباد،و جعلهم قادة الأمة و أئمة الهدى،و لما غير من بعدهم غير عليهم كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[8].
..............
فنسأل الله سبحانه أن يرد المسلمين حكومات و شعوباً إلى دينهم رداً حميداً،و أن يمنحهم الفقه فيه و العمل به و الحكم به،و أن يجمع كلمتهم على الحق،و يوفقهم للتعاون على البر و التقوى،و التواصي بالحق و الصبر عليه إنه سميع قريب،و صلى الله و سلم على نبينا و سيدنا محمد و آله و صحبه و أتباعه بإحسان.
.................
[1] الأعراف الآية 3.
[2] الأنعام الآية 153.
[3] الأنعام الآية 155.
[4] الروم الآية 47.
[5] آل عمران الآية 120.
[6] النور الآية 55.
[7] محمد الآية 7.
[8] الرعد الآية 11.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
http://binbaz.org.sa/
.............
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه.
و بعد:
مما لا شك فيه أن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة من كتب و إذاعات و صحف و مجلات و غير ذلك من الأسلحة الأخرى،ذلك أن الاستعمار في العصر الحديث قد غير من أساليبه القديمة لما أدركه من فشلها و عدم فعاليتها،و محاربة الشعوب و استماتتها في الدفاع عن دينها و أوطانها و مقدراتها و تراثها حيث إن الأخذ بالقوة، و عن طريق العنف و الإرهاب مما تأباه الطباع،و تنفر منه النفوس،لاسيما في الأوقات الحاضرة بعد أن انتشر الوعي بين الناس،و اتصل الناس بعضهم ببعض،و أصبح هناك منظمات و هيئات كثيرة تدافع عن حقوق الشعوب،و ترفض الاستعمار عن طريق القوة،و تطالب بحق تقرير المصير لكل شعب،و أن لأهل كل قطر حقهم الطبيعي في سيادتهم على أرضهم و استثمار مواردهم،و تسيير دفة الحكم في أوطانهم حسب ميولهم و رغباتهم في الحياة،و حسب ما تدين به تلك الشعوب من معتقدات و مذاهب و أساليب مختلفة للحكم مما اضطر معه إلى الخروج عن هذه الأقطار بعد قتال عنيف،و صدامات مسلحة و حروب كثيرة دامية.
و لكنه قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكر في عدة وسائل،و اتخذ كثيراً من المخططات بعد دراسة واعية و تفكير طويل و تصور كامل لأبعاد هذه المخططات،و مدى فعاليتها و تأثيرها،و الطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد،و أهدافه تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين،مبالغة في الدهاء و المكر و التلبيس،ركز فيها على خدمة أهدافه و نشر ثقافته و ترسيخ الإعجاب بما حققه في مجال الصناعات المختلفة،و المكاسب المادية في نفوس أغلب الناس حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم،و أعجبوا بمظاهر بريقها و لمعانها،و عظيم ما حققته و أنجزته من المكاسب الدنيوية و الاختراعات العجيبة،لاسيما في صفوف الطلاب و المتعلمين الذين لا يزالون في سن المراهقة و الشباب،اختارت جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحر هذه الحضارة؛لإكمال تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوربية و الأمريكية و غيرها حيث يواجهون هناك بسلسلة من الشبهات و الشهوات على أيدي المستشرقين و الملحدين بشكل منظم،و خطط مدروسة،و أساليب ملتوية،في غاية المكر و الدهاء،و حيث يواجهون الحياة الغربية بما فيها من تفسخ و تبذل و خلاعة و تفكك و مجون و إباحية.
و هذه الأسلحة و ما يصاحبها من إغراء و تشجيع،و عدم وازع من دين أو سلطة،قل من ينجو من شباكها و يسلم من شرورها،و هؤلاء بعد إكمال دراستهم و عودتهم إلى بلادهم و تسلمهم المناصب الكبيرة في الدولة أخطر من يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله،و يضع الأمانة الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة،بل بوسائل و أساليب أشد عنفا و قسوة من تلك التي سلكها المستعمر،كما وقع ذلك فعلاً في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار أو كانت على صلة وثيقة به.
أما الطريق إلى السلامة من هذا الخطر و البعد عن مساوئه و أضراره فيتلخص في إنشاء الجامعات و الكليات و المعاهد المختلفة بكافة اختصاصاتها للحد من الابتعاث إلى الخارج،و تدريس العلوم بكافة أنواعها مع العناية بالمواد الدينية و الثقافة الإسلامية في جميع الجامعات و الكليات و المعاهد؛حرصاً على سلامة عقيدة الطلبة،و صيانة أخلاقهم،و خوفاً على مستقبلهم،و حتى يساهموا في بناء مجتمعهم على نور من تعاليم الشريعة الإسلامية،و حسب حاجات و متطلبات هذه الأمة المسلمة، و الواجب التضييق من نطاق الابتعاث إلى الخارج و حصره في علوم معينة لا تتوافر في الداخل.
فنسأل الله التوفيق لكل ما فيه صلاح العباد و البلاد،و حماية المسلمين من كل ما يضرهم في عقائدهم و أخلاقهم،إنه جواد كريم.
و هذا المقام مع ما ذكرنا آنفا يحتاج إلى مزيد من العناية في إصلاح المناهج و صبغها بالصبغة الإسلامية على وجه أكمل،و الاستكثار من المؤسسات العلمية التي يستغني بها أبناء البلاد عن السفر إلى الخارج و اختيار المدرسين و المدرسات و المديرين و المديرات،و أن يكون الجميع من المعروفين بالأخلاق الفاضلة و العقيدة الطيبة و السيرة الحسنة،و الغيرة الإسلامية و القوة و الأمانة؛لأن من كان بهذه الصفات أمن شره و رجي خيره و بذل وسعه في كل ما من شأنه إيصال المعلومات إلى الطلبة و الطالبات سليمة نقية.
أما إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لاسيما في مجال التصنيع و أشباهه فأرى أن يكون لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه و أخلاقه المتشبع بالثقافة و الروح الإسلامية،و اختيار مشرف على هذه البعثة معروف بعلمه و صلاحه و نشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة،و يقوم بالدعوة إلى الله هناك،و في الوقت نفسه يشرف على البعثة،و يتفقد أحوالها و تصرفات أفرادها،و يقوم بإرشادهم و توجيههم،و إجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه و تشكيك و غير ذلك.
و ينبغي أن يعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم و لو قصيرة يدرسون فيها جميع المشاكل و الشبهات التي قد تواجههم في البلاد التي يبتعثون إليها،و يبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها،و الحكمة فيها حسب ما دل عليه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم،و كلام أهل العلم مثل أحكام الرق، و تعدد الزوجات بصفة عامة،و تعدد أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بصفة خاصة،و حكم الطلاق، و حكمة الجهاد ابتداء و دفاعاً،و غير ذلك من الأمور التي يوردها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه.
أما عن مجابهة الغزو المتمثل في الإذاعات و الكتب و الصحف و المجلات و الأفلام التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر،و أخذت تشغل أكثر أوقات المرء المسلم و المرأة المسلمة رغم ما تشتمل عليه في أكثر الأحيان من السم الزعاف،و الدعاية المضللة فهي من أهم المهمات لحماية الإسلام و الثقافة الإسلامية من مكائده و شره مع التأكيد على دعاة الإسلام و حماته للتفرغ لكتابة البحوث و النشرات و المقالات النافعة،و الدعوة إلى الإسلام،و الرد على أصناف الغزو الثقافي،و كشف عواره،و تبيين زيفه حيث إن الأعداء قد جندوا كافة إمكاناتهم و قدراتهم،و أوجدوا المنظمات المختلفة و الوسائل المتنوعة للدس على المسلمين و التلبيس عليهم،فلا بد من تفنيد هذه الشبهات و كشفها،و عرض الإسلام عقيدة و تشريعاً و أحكاماً و أخلاقاً عرضاً شيقاً صافياً جذاباً بالأساليب الطيبة العصرية المناسبة،و عن طريق الحكمة و الموعظة الحسنة،و الجدال بالتي هي أحسن من طريق جميع وسائل الإعلام حسب الطاقة و الإمكان؛لأن دين الإسلام هو الدين الكامل الجامع لكل خير،الكفيل بسعادة البشر،و تحقيق الرقي الصالح،و التقدم السليم و الأمن و الطمأنينة و الحياة الكريمة،و الفوز في الدنيا و الآخرة.
...........
و ما أصيب المسلمون إلا بسبب عدم تمسكهم بدينهم كما يجب،و عدم فهم الكثيرين لحقيقته،و ما ذلك إلا لإعراضهم عنه و عدم تفقههم فيه،و تقصير الكثير من العلماء في شرح مزاياه،و إبراز محاسنه و حكمه و أسراره و الصدق و الصبر في الدعوة إليه،و تحمل الأذى في ذلك بالأساليب و الطرق المتبعة في هذا العصر،و من أجل ذلك حصل ما حصل اليوم من الفرقة و الاختلاف،و جهل الأكثر بأحكام الإسلام،و التباس الأمور عليهم.
و معلوم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها،و الذي صلح به أولها هو اتباع كتاب الله الكريم و سنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[1].
و قال تعالى: {وَ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[2].
و قال سبحانه: {وَ هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[3].
و قد وعدهم الله سبحانه و تعالى على ذلك النصر المبين و العاقبة الحميدة،كما قال سبحانه و هو أصدق القائلين: {وَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[4].
و قال سبحانه: {وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[5].
و قال عز و جل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[6].
و قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[7].
و الآيات في هذا المعنى كثيرة،و لما حقق سلفنا الصالح هذه الآيات الكريمات قولاً و عملاً و عقيدة نصرهم الله على أعدائهم،و مكن لهم في الأرض،و نشر بهم العدل و رحم بهم العباد،و جعلهم قادة الأمة و أئمة الهدى،و لما غير من بعدهم غير عليهم كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[8].
..............
فنسأل الله سبحانه أن يرد المسلمين حكومات و شعوباً إلى دينهم رداً حميداً،و أن يمنحهم الفقه فيه و العمل به و الحكم به،و أن يجمع كلمتهم على الحق،و يوفقهم للتعاون على البر و التقوى،و التواصي بالحق و الصبر عليه إنه سميع قريب،و صلى الله و سلم على نبينا و سيدنا محمد و آله و صحبه و أتباعه بإحسان.
.................
[1] الأعراف الآية 3.
[2] الأنعام الآية 153.
[3] الأنعام الآية 155.
[4] الروم الآية 47.
[5] آل عمران الآية 120.
[6] النور الآية 55.
[7] محمد الآية 7.
[8] الرعد الآية 11.
عدل سابقا من قبل In The Zone في الجمعة سبتمبر 07, 2012 9:55 pm عدل 1 مرات