هارفارد قمّة العالم الأكاديمي..نموذج لثقافة الاختلاف.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تشرين الثاني/2009
...................
عندما يقوم طلاب المرحلة الثانوية في الولايات المتحدة بالمفاضلة بين الجامعات بعد إنهاء دراستهم تكون جامعة هارفارد Harvard University هي الاختيار الأول.حتى و إن لم يتقدم عدد كبير منهم لتلك الجامعة،و حسمهم خياراتهم بعيدًا عن التقدم لها،فإن عديدًا من الطلاب الجامعيين على مستوى العالم يفضلون التقدم لجامعة هارفارد،و في الغالب يُصابون بخيبة الأمل حينما يصلهم رد هارفارد بأنها لم تقبل سوى 7% من المتقدمين لها في عام 2009.
و حينما يُثار التساؤل حول سبب تقدم هذا العدد الكبير من الطلاب لجامعة هارفارد و يتكلفون عناء دفع تكاليف استمارات التقدم التي تبلغ حوالي 65 دولارًا فإن الإجابة تكون معروفة لأنها أفضل جامعة على مستوى العالم،و احتمال القبول و الدراسة بهذه الجامعة يستحق العناء.
إذ تتمتع هارفارد بهذا الصيت الذائع كقمة للتعليم العالي خلال القرون الأربعة الماضية؛بسبب اجتذابها للطلاب المؤهلين،و هيئة تدريسها المتميزة.فضلاً عن تمكن طلابها من الحصول على فرص أوسع نطاقًا للتوظيف بعد الدراسة.بحسب موقع تقرير واشنطن.
...................
تاريخ هارفارد..من البروتستانتية للعلمانية.
بداية يُثار تساؤل هام حول كيفية وصول هارفارد إلى أوج الاحترافية في المجال الأكاديمي.و إذا ما استعرضنا تاريخ تأسيسها سوف نجد دلالات هامة حول محددات نجاحها كمؤسسة،فلقد تم تأسيس هارفارد في عام 1636 تحت مسمى الكلية الجديدة New College بقرار من المجلس التشريعي لمستعمرة ماساشوستس.و بذلك يمكن اعتبارها أقدم مؤسسة للتعليم العالي في الولايات المتحدة.و قد تم تغيير اسمها لاحقًا إلى كلية هارفارد Harvard College في عام 1639 عندما قام جون هارفارد John Harvard رجل الدين البروتستانتي بالتبرع بنصف تركته و400 كتاب من مكتبته الخاصة لصالحها. و على الرغم من أن الجامعة و المقررات الدراسية بها لا تتبع انتماءً دينيًّا بعينه،فإنها قد تشبعت بالفلسفة البروتستانتية.و في الواقع فإن عديدًا من خريجي الكلية في بداياتها قد اقتفوا أثر جون هارفارد و عملوا رجالاً للدين.
لكن مع تولي جون ليفيرت John Leverett لرئاسة الجامعة كأول علماني من خارج طائفة رجال الدين البروتستانت يتولى إدارتها في 1708،فإن الكلية بدأت تفقد طابعها البروتستانتي،واضعًا بذلك اللبنات الأولى في تحويل هذه الجامعة لتتبوأ مكانتها الراهنة على قمة العالم الأكاديمي الحديث.
في حين قام رئيس آخر للجامعة و هو تشارلز ويليام إليوت Charles William Eliot بإدخال إصلاحات من قبيل المقررات الاختيارية،و محدودية عدد الطلاب في قاعات الدراسة،و امتحان الدخول للجامعة،واضعًا بذلك أسس النظام الأمريكي الحالي للتعليم العالي.
لم تكن إجراءات الإصلاح الأكاديمية وحدها السبب الرئيس في ازدهار جامعة هارفارد،حيث يُضاف إلى ذلك تلقيها لتمويل كبير من جانب الحكومة الأمريكية على مدار قرنين من عمرها.
و لكن في عام 1824 تم إصدار قانون يُحرم تقديم أي تمويل حكومي للجامعات الخاصة.و في الواقع استفادت هارفارد من النظام القديم،إلا أن السياسة الجديدة فتحت الباب لفرص أوسع نطاقًا مع تلقي هارفارد لتمويل من جانب خريجيها من الطبقة العليا في بوسطن.
و مع حلول عام 1850 تضاءلت الهبات الممنوحة للجامعات الخاصة المماثلة لهارفارد مثل وليامز Williams و أمهرست Amherst وييل Yale،في مقابل تمكن هارفارد من تطوير مواردها الأكاديمية و بناء المنشآت في الوقت الذي أخفقت فيه الجامعات الأخرى من تحقيق ذلك.
و في هذا الصدد يمكن القول إن الهبات الممنوحة لهارفارد مكنتها من التوسع من مجرد كلية للآداب و العلوم إلى جامعة تتضمن ثماني كليات إضافية تشمل كلية هارفارد الطبية،و كلية القانون، و كلية إدارة العمال،و كلية جون كيندي للحكومة،و جميع المؤسسات ذات الشهرة في مجال تخصصها.فضلاً عن اعتبارها واحدة من المؤسسات البحثية المتميزة على مستوى العالم.
تُعتبر العلاقة بين سمعة جامعة هارفارد الأكاديمية و أدائها كأفضل جامعة على مستوى العالم علاقة ذات طابع دائري.فمع انتشار صيت هارفارد،تصاعد عدد الطلاب الراغبين في التقدم للدراسة بها، و تزايد اعتماد المؤسسات المختلفة على خريجيها.
و الخريجون بدورهم يقدرون الفرصة التي منحتهم إياها هارفارد بالدراسة بها من خلال تفضيل التبرع لصالحها.و تقوم الجامعة بدورها باستخدام التبرعات في تحديث منشآتها و توسيع نطاق التخصصات بها،و تدشين الكليات المتميزة،و تطوير مواردها الأكاديمية،و من ثم الارتقاء بسمعتها الأكاديمية.
.............
ثقافة الاختلاف و التعددية و المشاركة.
بمرور أربعة قرون من التطوير المستمر و الصعود لقمة العالم الأكاديمي،فإنها تتمتع حاليًا بكافة العوامل الداعمة لاستمرار نجاحها كجامعة متميزة.و يُمثل الطلاب أول هذه العوامل،حيث يتميز الهيكل الطلابي لجامعة هارفارد بالتنوع و الموهبة و الحافزية،ففي عام 2008 كان حوالي 95% ممن قبلتهم جامعة هارفارد للدراسة بها من أعلى 10% من خريجي المدارس العليا high school class. و هذا الأمر ليس غريبًا لاعتياد هارفارد على قبول أكثر الطلاب تأهيلاً على مستوى العالم.
بيد أن القائمين على إدارة هارفارد يقدرون قيمة التنوع؛و لذلك تضم طلابًا من شتى بقاع العالم،و من خلفيات اقتصادية و اجتماعية متنوعة.و من ثَمَّ يرتادها 7 آلاف طالب من الصين و سوريا و البرازيل و جميع أنحاء العالم،و كافة أنحاء الولايات المتحدة لجلب مختلف التوجهات و الآراء و الأفكار للجامعة.
و من ثم يتمكن الطلاب من التعلم من خبرات بعضهم بعضًا ليتكسبوا معرفة لم يكن لهم أن يحصلوا عليها في جامعة يتشابه جميع طلابها في آرائهم و مظهرهم و تصرفاتهم.
لقد انعكس الاهتمام بقيمة التفاعل بين الثقافات المختلفة و أهمية الأنشطة الطلابية في قيام الجامعة بتوفير فرص متعددة للتفاعل بين الطلاب و تطوير مهاراتهم خارج قاعة الدراسة.
فتكونت حوالي 400 منظمة طلابية رسمية داخل الحرم الجامعي متضمنة مجموعات للفنون المختلفة و41 فريق رياضي رغم عدم تقديم منح دراسية لممارسي الأنشطة الرياضية و أكثر من 50 جماعة إثنية و ثقافية،و اتحاد الطلاب و المنظمات الخدمية و جماعات النشر و النقاش.
و بعض هذه المنظمات معروفة خارج الجامعة مثل الصحف الخاصة بالكليات المختلفة و صحيفة هارفارد القرمزية Harvard Crimson تحديدًا التي تضمنت أسرة تحريرها الرئيس الأمريكي السابق جون كيندي John F. Kennedy و أعضاء نادي جلي Harvard Glee Club أقدم كورال في جامعات الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك فإن مكانة هارفارد كجامعة تجذب إليها عديدًا من الساسة و المؤلفين و العلماء لمناقشة مختلف الموضوعات التي تشغل اهتمام المجتمع الأمريكي لتمنح طلابها بذلك الخبرة العملية، و المنظورات المختلفة في معالجة شتى القضايا.
.............................
بيئة أكاديمية و عملية مثالية.
يتمثل العامل الثاني لتميز جامعة هارفارد في أعضاء هيئة التدريس بها.بالنظر إلى التزامها بمساعدة طلابها على التفوق،و رغم أن هذه الجامعة تضم حوالي 2400 أستاذ جامعي بعضهم حائز على جوائز نوبل Noble و بوليتزر Pulitzer Prize الذين قد يكونون متعالين في بعض الأحيان،فإن الجامعة تدفع أساتذتها لإدراك أن الطالب له الأولية،و من ثم لا يركز التدريس على الحقائق فحسب و إنما على الأفكار؛بما يجعل الطلاب يغادرون قاعة الدرس بفهم أفضل لكيفية و أسباب حدوث الظواهر المختلفة.
و في السياق ذاته يركز التدريس في جامعة هارفارد على إكساب الطالب مهارات التعلم و توجيه الطلاب خلال المشروعات البحثية و المناقشات،و يكون ذلك متاحًا لأن أكثر من نصف المقررات الدراسية لا يتجاوز عدد طلابها 10 طلاب بما يسمح للأستاذ بتخصيص ساعات مكتبية أسبوعية لتلقي أسئلة الطلاب و مناقشتهم بصورة أكثر تعمقًا وتنشأ من ثم علاقات وثيقة بين الطلاب و الأساتذة تنعكس بصورة إيجابية على حافزية الطلاب للتعلم و المشاركة و المحيط الأكاديمي للجامعة بشكل عام.
أما العامل الثالث لنجاح هارفارد فهو الموارد الأكاديمية التي توفرها لطلابها و التي لا يمكن مقارنتها بموارد أي مؤسسة أخرى على مستوى العالم.
فنظام المكتبة الجامعية بها على سبيل المثال يُعد الأضخم بعد مكتبة الكونجرس الأمريكي the Library of Congress و المكتبة البريطانية the British Library و المكتبة الوطنية الفرنسية the French Bibliothèque Nationale و يتكون من 80 مكتبة فرعية تضم حوالي 15 مليون إصدار علمي.
ناهيك عن الكتب النادرة و المخطوطات و المجموعات الخاصة لمساعدة الطلاب في أبحاثهم،و لتحقيق تقدم أكاديمي مضطرد.كما تضم هارفارد عديدًا من المراكز البحثية و المعامل المتطورة و طائفة متنوعة من المتاحف العلمية و الفنية و الثقافية.
............................
تنافسية هارفارد في سوق العمل العالمي.
يمثل العامل الرابع في تفوق جامعة هارفارد في فرص التوظيف واسعة النطاق التي يحظى بها خريجوها رغم الادعاءات بتصاعد معدل التقديرات بصورة سلبية في هارفارد،فإن الجهات المختلفة لا تزال تثق في أن خريجي هارفارد على قدر عالٍ من الكفاءة مقارنة بغيرهم بما يمنحهم ميزة تفضيلية.
فضلاً عن أن خريجي هذه الجامعة قد تولوا مختلف المناصب الكبرى بالولايات المتحدة و من أهمهم الرؤساء الأمريكيون جون آدمز John Adams و تيودور روزفلت Theodore Roosevelt و فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt و جون كيندي John F. Kennedy و باراك أوباما Barack Obama.
و الكتاب من أمثال هنري ديفيد ثورو Henry David Thoreau،و رالف والدو امرسون Ralph Waldo Emerson.
و عديدٌ من المفكرين المرموقين و الساسة و الممثلين و الموسيقيين و رجال الأعمال؛و لذا يظل السبب الأول للإقبال على الالتحاق بهارفارد هو ضمان الحصول على وظيفة أفضل بعد التخرج.
ختامًا يمكن القول:
إن جامعة هارفارد تمكنت على مدار أربعة قرون مضت من الارتقاء بأدائها الأكاديمي لتصبح أعظم المؤسسات الأكاديمية على مستوى العالم،بالنظر إلى اكتسابها لمكانة مرموقة و هو ما يرتبط بنجاح القائمين على إدارتها في تحقيق التوافق بين مختلف عوامل النجاح من اجتذاب الطلبة المتميزين و أعضاء هيئة التدريس المرموقين و تطوير الموارد الأكاديمية غير المتواجدة في أي مؤسسة جامعية أخرى في مختلف أنحاء العالم،و لذا لا يجد الطلاب بيئة أكاديمية مثالية كهذه تراعي التنوع الفكري و الثقافي و المشاركة الطلابية سوى في جامعة هارفارد.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تشرين الثاني/2009
...................
عندما يقوم طلاب المرحلة الثانوية في الولايات المتحدة بالمفاضلة بين الجامعات بعد إنهاء دراستهم تكون جامعة هارفارد Harvard University هي الاختيار الأول.حتى و إن لم يتقدم عدد كبير منهم لتلك الجامعة،و حسمهم خياراتهم بعيدًا عن التقدم لها،فإن عديدًا من الطلاب الجامعيين على مستوى العالم يفضلون التقدم لجامعة هارفارد،و في الغالب يُصابون بخيبة الأمل حينما يصلهم رد هارفارد بأنها لم تقبل سوى 7% من المتقدمين لها في عام 2009.
و حينما يُثار التساؤل حول سبب تقدم هذا العدد الكبير من الطلاب لجامعة هارفارد و يتكلفون عناء دفع تكاليف استمارات التقدم التي تبلغ حوالي 65 دولارًا فإن الإجابة تكون معروفة لأنها أفضل جامعة على مستوى العالم،و احتمال القبول و الدراسة بهذه الجامعة يستحق العناء.
إذ تتمتع هارفارد بهذا الصيت الذائع كقمة للتعليم العالي خلال القرون الأربعة الماضية؛بسبب اجتذابها للطلاب المؤهلين،و هيئة تدريسها المتميزة.فضلاً عن تمكن طلابها من الحصول على فرص أوسع نطاقًا للتوظيف بعد الدراسة.بحسب موقع تقرير واشنطن.
...................
تاريخ هارفارد..من البروتستانتية للعلمانية.
بداية يُثار تساؤل هام حول كيفية وصول هارفارد إلى أوج الاحترافية في المجال الأكاديمي.و إذا ما استعرضنا تاريخ تأسيسها سوف نجد دلالات هامة حول محددات نجاحها كمؤسسة،فلقد تم تأسيس هارفارد في عام 1636 تحت مسمى الكلية الجديدة New College بقرار من المجلس التشريعي لمستعمرة ماساشوستس.و بذلك يمكن اعتبارها أقدم مؤسسة للتعليم العالي في الولايات المتحدة.و قد تم تغيير اسمها لاحقًا إلى كلية هارفارد Harvard College في عام 1639 عندما قام جون هارفارد John Harvard رجل الدين البروتستانتي بالتبرع بنصف تركته و400 كتاب من مكتبته الخاصة لصالحها. و على الرغم من أن الجامعة و المقررات الدراسية بها لا تتبع انتماءً دينيًّا بعينه،فإنها قد تشبعت بالفلسفة البروتستانتية.و في الواقع فإن عديدًا من خريجي الكلية في بداياتها قد اقتفوا أثر جون هارفارد و عملوا رجالاً للدين.
لكن مع تولي جون ليفيرت John Leverett لرئاسة الجامعة كأول علماني من خارج طائفة رجال الدين البروتستانت يتولى إدارتها في 1708،فإن الكلية بدأت تفقد طابعها البروتستانتي،واضعًا بذلك اللبنات الأولى في تحويل هذه الجامعة لتتبوأ مكانتها الراهنة على قمة العالم الأكاديمي الحديث.
في حين قام رئيس آخر للجامعة و هو تشارلز ويليام إليوت Charles William Eliot بإدخال إصلاحات من قبيل المقررات الاختيارية،و محدودية عدد الطلاب في قاعات الدراسة،و امتحان الدخول للجامعة،واضعًا بذلك أسس النظام الأمريكي الحالي للتعليم العالي.
لم تكن إجراءات الإصلاح الأكاديمية وحدها السبب الرئيس في ازدهار جامعة هارفارد،حيث يُضاف إلى ذلك تلقيها لتمويل كبير من جانب الحكومة الأمريكية على مدار قرنين من عمرها.
و لكن في عام 1824 تم إصدار قانون يُحرم تقديم أي تمويل حكومي للجامعات الخاصة.و في الواقع استفادت هارفارد من النظام القديم،إلا أن السياسة الجديدة فتحت الباب لفرص أوسع نطاقًا مع تلقي هارفارد لتمويل من جانب خريجيها من الطبقة العليا في بوسطن.
و مع حلول عام 1850 تضاءلت الهبات الممنوحة للجامعات الخاصة المماثلة لهارفارد مثل وليامز Williams و أمهرست Amherst وييل Yale،في مقابل تمكن هارفارد من تطوير مواردها الأكاديمية و بناء المنشآت في الوقت الذي أخفقت فيه الجامعات الأخرى من تحقيق ذلك.
و في هذا الصدد يمكن القول إن الهبات الممنوحة لهارفارد مكنتها من التوسع من مجرد كلية للآداب و العلوم إلى جامعة تتضمن ثماني كليات إضافية تشمل كلية هارفارد الطبية،و كلية القانون، و كلية إدارة العمال،و كلية جون كيندي للحكومة،و جميع المؤسسات ذات الشهرة في مجال تخصصها.فضلاً عن اعتبارها واحدة من المؤسسات البحثية المتميزة على مستوى العالم.
تُعتبر العلاقة بين سمعة جامعة هارفارد الأكاديمية و أدائها كأفضل جامعة على مستوى العالم علاقة ذات طابع دائري.فمع انتشار صيت هارفارد،تصاعد عدد الطلاب الراغبين في التقدم للدراسة بها، و تزايد اعتماد المؤسسات المختلفة على خريجيها.
و الخريجون بدورهم يقدرون الفرصة التي منحتهم إياها هارفارد بالدراسة بها من خلال تفضيل التبرع لصالحها.و تقوم الجامعة بدورها باستخدام التبرعات في تحديث منشآتها و توسيع نطاق التخصصات بها،و تدشين الكليات المتميزة،و تطوير مواردها الأكاديمية،و من ثم الارتقاء بسمعتها الأكاديمية.
.............
ثقافة الاختلاف و التعددية و المشاركة.
بمرور أربعة قرون من التطوير المستمر و الصعود لقمة العالم الأكاديمي،فإنها تتمتع حاليًا بكافة العوامل الداعمة لاستمرار نجاحها كجامعة متميزة.و يُمثل الطلاب أول هذه العوامل،حيث يتميز الهيكل الطلابي لجامعة هارفارد بالتنوع و الموهبة و الحافزية،ففي عام 2008 كان حوالي 95% ممن قبلتهم جامعة هارفارد للدراسة بها من أعلى 10% من خريجي المدارس العليا high school class. و هذا الأمر ليس غريبًا لاعتياد هارفارد على قبول أكثر الطلاب تأهيلاً على مستوى العالم.
بيد أن القائمين على إدارة هارفارد يقدرون قيمة التنوع؛و لذلك تضم طلابًا من شتى بقاع العالم،و من خلفيات اقتصادية و اجتماعية متنوعة.و من ثَمَّ يرتادها 7 آلاف طالب من الصين و سوريا و البرازيل و جميع أنحاء العالم،و كافة أنحاء الولايات المتحدة لجلب مختلف التوجهات و الآراء و الأفكار للجامعة.
و من ثم يتمكن الطلاب من التعلم من خبرات بعضهم بعضًا ليتكسبوا معرفة لم يكن لهم أن يحصلوا عليها في جامعة يتشابه جميع طلابها في آرائهم و مظهرهم و تصرفاتهم.
لقد انعكس الاهتمام بقيمة التفاعل بين الثقافات المختلفة و أهمية الأنشطة الطلابية في قيام الجامعة بتوفير فرص متعددة للتفاعل بين الطلاب و تطوير مهاراتهم خارج قاعة الدراسة.
فتكونت حوالي 400 منظمة طلابية رسمية داخل الحرم الجامعي متضمنة مجموعات للفنون المختلفة و41 فريق رياضي رغم عدم تقديم منح دراسية لممارسي الأنشطة الرياضية و أكثر من 50 جماعة إثنية و ثقافية،و اتحاد الطلاب و المنظمات الخدمية و جماعات النشر و النقاش.
و بعض هذه المنظمات معروفة خارج الجامعة مثل الصحف الخاصة بالكليات المختلفة و صحيفة هارفارد القرمزية Harvard Crimson تحديدًا التي تضمنت أسرة تحريرها الرئيس الأمريكي السابق جون كيندي John F. Kennedy و أعضاء نادي جلي Harvard Glee Club أقدم كورال في جامعات الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك فإن مكانة هارفارد كجامعة تجذب إليها عديدًا من الساسة و المؤلفين و العلماء لمناقشة مختلف الموضوعات التي تشغل اهتمام المجتمع الأمريكي لتمنح طلابها بذلك الخبرة العملية، و المنظورات المختلفة في معالجة شتى القضايا.
.............................
بيئة أكاديمية و عملية مثالية.
يتمثل العامل الثاني لتميز جامعة هارفارد في أعضاء هيئة التدريس بها.بالنظر إلى التزامها بمساعدة طلابها على التفوق،و رغم أن هذه الجامعة تضم حوالي 2400 أستاذ جامعي بعضهم حائز على جوائز نوبل Noble و بوليتزر Pulitzer Prize الذين قد يكونون متعالين في بعض الأحيان،فإن الجامعة تدفع أساتذتها لإدراك أن الطالب له الأولية،و من ثم لا يركز التدريس على الحقائق فحسب و إنما على الأفكار؛بما يجعل الطلاب يغادرون قاعة الدرس بفهم أفضل لكيفية و أسباب حدوث الظواهر المختلفة.
و في السياق ذاته يركز التدريس في جامعة هارفارد على إكساب الطالب مهارات التعلم و توجيه الطلاب خلال المشروعات البحثية و المناقشات،و يكون ذلك متاحًا لأن أكثر من نصف المقررات الدراسية لا يتجاوز عدد طلابها 10 طلاب بما يسمح للأستاذ بتخصيص ساعات مكتبية أسبوعية لتلقي أسئلة الطلاب و مناقشتهم بصورة أكثر تعمقًا وتنشأ من ثم علاقات وثيقة بين الطلاب و الأساتذة تنعكس بصورة إيجابية على حافزية الطلاب للتعلم و المشاركة و المحيط الأكاديمي للجامعة بشكل عام.
أما العامل الثالث لنجاح هارفارد فهو الموارد الأكاديمية التي توفرها لطلابها و التي لا يمكن مقارنتها بموارد أي مؤسسة أخرى على مستوى العالم.
فنظام المكتبة الجامعية بها على سبيل المثال يُعد الأضخم بعد مكتبة الكونجرس الأمريكي the Library of Congress و المكتبة البريطانية the British Library و المكتبة الوطنية الفرنسية the French Bibliothèque Nationale و يتكون من 80 مكتبة فرعية تضم حوالي 15 مليون إصدار علمي.
ناهيك عن الكتب النادرة و المخطوطات و المجموعات الخاصة لمساعدة الطلاب في أبحاثهم،و لتحقيق تقدم أكاديمي مضطرد.كما تضم هارفارد عديدًا من المراكز البحثية و المعامل المتطورة و طائفة متنوعة من المتاحف العلمية و الفنية و الثقافية.
............................
تنافسية هارفارد في سوق العمل العالمي.
يمثل العامل الرابع في تفوق جامعة هارفارد في فرص التوظيف واسعة النطاق التي يحظى بها خريجوها رغم الادعاءات بتصاعد معدل التقديرات بصورة سلبية في هارفارد،فإن الجهات المختلفة لا تزال تثق في أن خريجي هارفارد على قدر عالٍ من الكفاءة مقارنة بغيرهم بما يمنحهم ميزة تفضيلية.
فضلاً عن أن خريجي هذه الجامعة قد تولوا مختلف المناصب الكبرى بالولايات المتحدة و من أهمهم الرؤساء الأمريكيون جون آدمز John Adams و تيودور روزفلت Theodore Roosevelt و فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt و جون كيندي John F. Kennedy و باراك أوباما Barack Obama.
و الكتاب من أمثال هنري ديفيد ثورو Henry David Thoreau،و رالف والدو امرسون Ralph Waldo Emerson.
و عديدٌ من المفكرين المرموقين و الساسة و الممثلين و الموسيقيين و رجال الأعمال؛و لذا يظل السبب الأول للإقبال على الالتحاق بهارفارد هو ضمان الحصول على وظيفة أفضل بعد التخرج.
ختامًا يمكن القول:
إن جامعة هارفارد تمكنت على مدار أربعة قرون مضت من الارتقاء بأدائها الأكاديمي لتصبح أعظم المؤسسات الأكاديمية على مستوى العالم،بالنظر إلى اكتسابها لمكانة مرموقة و هو ما يرتبط بنجاح القائمين على إدارتها في تحقيق التوافق بين مختلف عوامل النجاح من اجتذاب الطلبة المتميزين و أعضاء هيئة التدريس المرموقين و تطوير الموارد الأكاديمية غير المتواجدة في أي مؤسسة جامعية أخرى في مختلف أنحاء العالم،و لذا لا يجد الطلاب بيئة أكاديمية مثالية كهذه تراعي التنوع الفكري و الثقافي و المشاركة الطلابية سوى في جامعة هارفارد.