جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..

جـوهـرة الـونشريس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
جـوهـرة الـونشريس

حـيث يلتـقي الـحلم بالـواقع


    نموذج المجتمع المسلم.

    In The Zone
    In The Zone
    Admin
    Admin


    نموذج المجتمع المسلم. 7e99cbc882b2aa88afb53997d7f58ce04g
    عدد المساهمات : 4732
    تاريخ التسجيل : 21/11/2010
    الموقع : الأردن

    هام نموذج المجتمع المسلم.

    مُساهمة من طرف In The Zone السبت أكتوبر 13, 2012 1:40 pm

    نموذج المجتمع المسلم.
    أسرة البلاغ.

    ........
    1- خصائص المجتمع المسلم في القرآن:
    أ- الوسطيّة:
    قال تعالى: (وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143).
    - أُمّة الإسلام أمّة الاعتدال و التوازن،و المجتمع الإسلامي مجتمع الوسطية،و قد أهَلت هذه السمة المجتمع المسلم أن يكون (حجّة) و (معياراً): حجّة على الأُمم المتطرِّفة،و معياراً يُرجع إليه في معرفة ما هو الإعتدال و ما هو التطرّف.
    و الشهادة في الآية شهادتان: شهادة الأُمّة المتوازنة في توسّطها على سائر الأُمم،و شهادة النبي (صلى الله عليه و على آله و سلم) على أُمّته في ضبط حركة سيرها لئلّا تشذّ أو تشطّ عن التوسّط في مركزيّتها.
    و بذلك يمكن ضمان وسطيّة المجتمع الإسلاميّ ذاتياً و موضوعيّاً،كما يمكن محاكمة الأُمم المغالية في تطرّفها بالنموذج الإسلامي الذي ينبذ التطرّف بكلّ أشكاله،و يعتمد الوسطيّة في شتّى مناحي الحياة. قال سبحانه: (وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكَاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 78).
    ب- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:
    قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/ 110).
    - الأُمّة المسلمة خير الأُمم،لأنّها أنفع الناس للناس،فالإخراج بما ينطوي على إرادة ربّانيّة كان لأجل الإنسانيّة و رفداً لمصلحتها،و وجه الخيريّة في أُمّة الإسلام هو الإيمان العمليّ ممثلاً بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،في حين كانت الأُمم السابقة لا تتناهى عن منكر فعلته،و لا تتداعى لمعروف تأخذ به.
    ت- الإستقامة:
    قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَنْ تَابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود/ 112-113).
    - الإستقامة هنا ليست منفصلة عن خطِّ الوسطيّة لجهة ثباتها على الاعتدال و التوازن بقرينة قوله سبحانه: (وَ لا تَطْغَوْا) و (وَلا تَرْكَنُوا).
    كما أنّها ليست منفكّة عن الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر في عرضهما من المحافظة على إستقامة الحياة في الدعوة إلى ما يُنمِّيها و يُطوِّرها من الأمر بالمعروف،و ما يُنقِّيها و يُخلِّصها من التلوّث و الشوائب و المفاسد في النهي عن المنكر.
    و لا تكون استقامة لمجتمع ما إلا باستقامة قيادته،و لذلك جاء النِّداء بالإستقامة موجّهاً للإثنين معاً: القيادة و القاعدة،بأن لا يتجاوزا حدود الله بإجحافٍ أو تجنٍّ أو طغيانٍ أو تطرُّفٍ أو ميلٍ للإنحراف نحو الظّلم.
    ث- الوفاء بالعهود و العقود و المواثيق:
    قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَ لا الْهَدْيَ وَ لا الْقَلائِدَ وَ لا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْوَانًا وَ إِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/ 1-3).
    - ميزة المجتمع المسلم أنّه يفي بكلِّ عقد و عهد بينه و بين ربّه،و بينه و بين سائر الناس و الأُمم،أي أنّه إذا وعدَ وفى،و إذا آمنَ بصدقٍ أخذَ بما فُرضَ عليه في الكتاب من تكاليف و أحكام و مسؤوليّات،و عرف حدّه و وقف عنده،فلا يستحلّ حرمات الله و لا يتعدّى حدوده،أي شرائعه التي حدّها و رسمها لعباده،و لا يستحلّ قتال القاصدين إلى بيت الله،و لا يحمله بغض قوم كانوا قد صدّوهم عن المسجد الحرام أن يُقابلوا ذلك بالإعتداء عليهم،و هو مجتمع التعاون على البرِّ و التقوى و الخيرات و الإصلاح و الإحسان،و نبذ المفاسد و الشرور و المنكرات.
    سمة المجتمع الإسلامي أنّه مجتمع رباني يستمدّ حقيقة وجوده،و زخم حركته،و نبل مقاصده من هدفه الأعلى و هو الله تبارك و تعالى.
    .........
    ج- الهجرة و الجهاد:
    قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 218).
    - إنّ من بين سمات المجتمع الإسلامي أنّه إذا ضاقت عليه الأرض في مساحة أو بقعة أو قطر،هاجر إلى مساحة أوسع و مجال أرحب،يُمارس فيهما دينه و طقوسه و دعوته إلى الله،و ينطلق منهما لجهاد أعدائه الذين نفوه من دياره أو كانوا سبباً في إقصائه و تشريده،و لذلك فالترابط بين (الهجرة) و بين (الجهاد) وثيق،فليست دار الهجرة دار سياحة و استراحة و سكون و استجمام،بل هي محطّة للتزوّد بالوقود ريثما تحين فرصة مقارعة العدوّ و كسر شوكته و إعلاء كلمة الله في الأرض.
    و لذلك كانت لهجة المسلمين مختلفة تماماً في خطابهم لنبيِّهم (ص)،ففي حين قال بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام): إذهبْ أنتَ و ربّكَ فقاتِلا إنّا هاهنا قاعدون،قال المسلمون للرسول (صلى الله عليه و على آله و سلم): إذهبْ أنتَ و ربّك فقاتِلا إنّا معكم مُقاتلون.
    إنّ أبناء المجتمع المسلم يعرفون أنّ ثمّة ضرائب إيمانيّة يتعيّن عليهم دفعها بالهجرة و مفارقة الأهل و الأوطان من أجل الدِّين،و بالجهاد و التضحية من أجل الدِّين،أي أنّ دين المسلم أثمَنْ لديه من حياته.
    ..........
    ح- التوافر على المزايا و الفضائل و الخصائص العُليا:
    قال تعالى: (مُحمَّدٌ رَّسُول اللهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/ 29).

    - القيادة في المجتمع الإسلاميّ و القاعدة من سنخ واحد: أبرار،أخيار،متراحمون فيما بينهم، متعاونون،متكافئون،متضامنون،بعضهم أولياء بعض،يُظهرون لِمَنْ خالف نهج الله و دينه غلظة و شدّة و صلابة،يركعون و يسجدون لله في كثرة صيام و قيام،لأنّهم يرون أنّ المواجهة مع المصاعب و المتعصِّبين تحتاج إلى شحن نفسي و روحي،و إلى شحذٍ للهِمَم في جنبات الميدان،و لذلك يصدق عليهم أنّهم (رهبان) في اللّيل و (فرسان) في النهار،و لهم نظراء في التأريخ رصدتهم التوراة و الإنجيل في الولاية لله و النصرة لدينه،و لم يخلو تأريخ الرِّسالات من نماذج مشرِّفة قادت مجتمعاتها إلى سواحل العزّة و الإنعتاق.
    إنّهم (عباد الرّحمن) الذين استحقّوا أن يُنسبوا إليه،فقال في صفتهم:
    (وَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَ إِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَ قِيَامًا * وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا * وَ الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَ مَنْ تَابَ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَ عُمْيَانًا * وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَ سَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا) (الفرقان/ 63-76).
    - إنّهم مجتمع (عباد الرّحمن)،المجتمع الصالح الذي يمشي أبناؤه بوقار و تواضع فلا يختالون و لا يتبخترون،و إذا خاطبهم السّفهاء بغلظة و جفاء ردّوا بلطف و سماحة،و إن جهل عليهم الجاهل حلموا و ترفّعوا،و تراهم يحيون ليلهم بالصلاة و التقرّب إلى الله،فهم يطيعونه باللّيل في العبادة،و يطيعونه في النهار بخدمة العباد،و مع ذلك فهم يعملون الصالحات و هم على وجل من النار و يبتهلون إلى الله بدفعها عنهم،و هم يُنفقون باعتدال فلا إسراف و لا تبذير و لا تضييق و تقصير،إنّهم عباد الله المخلصون الذين لا يقتلون النفس التي حرّمها الله إلا بالحقِّ،و لا يزنون بعد إحصان،أي بعد أن أمّن لهم سبحانه سُبُل الزواج ليعصموا به أنفسهم،و لا يشهدون الشهادة الباطلة التي يضيع فيها و تُهدر الحقوق،و إذا مرّوا بمجالس اللّغو و أماكن إرتكاب القبيح تنزّهوا و مرّوا مُعرضين مكرمين أنفسهم عن أن يخوضوا مع الخائضين.
    و إذا ما وُعِظُوا بآيات الله و خُوِّفوا بها،استمعوا إليها بإصغاء و بنفسيّة منفتحة،و هم في دعاء موصول بأن يهبهم الله أزواجاً و بنين صالحين و يجعلهم قدوة صالحة للمُقتدين من الهداة و المتّقين.
    .............
    2- المجتمع المسلم الصالح كما تُصوِّره (سورة الحُجرات):
    قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَ لا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ * قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الأرْضِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحجرات/ 1-18).
    - لابدّ من الإشارة في البداية إلى أنّ سورة الحجرات ترصد إيقاع العلاقات و الآداب الإجتماعية التي تحكم المجتمع الصالح سواء في علاقته بالله و برسوله أو في العلاقات الداخلية بين المسلمين أنفسهم،و قد قيلَ إنّها تُركِّز قواعد الإستقرار الإجتماعي من خلال المبادئ الأخلاقية التي تحكم الواقع،و تتحرّك العلاقات ضمنها.
    و على الرّغم من أنّنا سنفردُ حديثاً خاصّاً عن آداب المجتمع الصالح،لكنّ التوقّف هنا عند سورة الحجرات ليس توقّفاً أخلاقيّاً فقط،بل هو تلمُّس لحركة العلاقة بين كلّ الدوائر الإجتماعية المُشار إليها،و من جميل ما أشار إليه بعض المفسِّرين في استهلال السورة أنّها تثير الحسّ التربوي في المجتمع الإسلامي على اختلاف أوضاعه،على صعيد الحياة و الإنسان،ليتفاعل الإيمان مع الواقع في عملية تزواج روحي و عملي يتحوّل فيه الإسلام إلى موقف.
    - تُحدِّد سورة الحجرات أدب و أسلوب التعامل مع الله و رسوله،باحترامهما عند المخاطبة،و أن لا يتقدّم المجتمع المسلم باقتراحاته على الله و رسوله،فهما يتحرّكان ضمن برنامج دقيق لا يغفل عن تغطية حاجات المجتمع الصالح في مختلف الجوانب و الإتِّجاهات.
    و تدعو إلى وجوب التثبّت من شخصية المُخْبِر،و طبيعة الخبر قبل إصدار الحكم،و أن لا يقف المسلمون من موقف الصِّراع بين طائفتين من المسلمين موقف المتفرِّج،بل يتعيّن عليهما فضّ النِّزاع بالإصلاح و الأساليب الدّبلوماسيّة الحكيمة،و أن يُقاتلوا الفئة التي تصرُّ و تستكبر و تبغي على الأخرى.
    و تنهى عن أن يسخر بعض المسلمين من بعضهم الآخر مهما كانت دوافع السخرية،فما يدريهم لعلّ الذين يسخرون منهم هم أقرب عند الله منهم،و تنهى كذلك عن التعبير بالألقاب المُخجلة،و تدعو إلى اجتناب الكثير من سوء الظنّ،لأنّه يدعو إلى التجسّس،و هذا بدوره يقود إلى الاغتياب و تشويه صورة الإنسان المسلم في نظر الآخرين.
    و سورة (الحجرات) تدعو المسلمين إلى أن يعيشوا الإنفتاح على التنوّع البشريّ فيما قسّم الله الناس إليه من شعوب و قبائل،ليكون ذلك أساساً للتعارف و التفاعل و التبادل الثقافي و العلمي و الحضاري،بدلاً من أن يكون سبباً للنِّزاع و الإحتراب و العصبيّة،و أن يؤكِّدوا الإيمان كعُمق للإسلام الذي ينتمي إليه المسلمون الذين يرون في الإسلام نعمة من الله عليهم لا منّةً منهم على رسوله.
    و باختصار،فإنّ سورة الحجرات بمضامينها الإدارية و التربوية و الأخلاقية و العلاقاتية،تُمثِّل صورة المجتمع الإيماني الصالح،مجتمع الأخوّة و التآخي.

    ...........
    موقع البلاغ.
    In The Zone
    In The Zone
    Admin
    Admin


    نموذج المجتمع المسلم. 7e99cbc882b2aa88afb53997d7f58ce04g
    عدد المساهمات : 4732
    تاريخ التسجيل : 21/11/2010
    الموقع : الأردن

    هام مرتكزات النهوض التنموي في العالم العربي.

    مُساهمة من طرف In The Zone السبت أكتوبر 13, 2012 3:07 pm

    In The Zone
    In The Zone
    Admin
    Admin


    نموذج المجتمع المسلم. 7e99cbc882b2aa88afb53997d7f58ce04g
    عدد المساهمات : 4732
    تاريخ التسجيل : 21/11/2010
    الموقع : الأردن

    هام التكافل الإجتماعي في المجتمع الصالح .

    مُساهمة من طرف In The Zone الأحد أكتوبر 14, 2012 7:18 pm

    التكافل الإجتماعي في المجتمع الصالح.
    أسرة البلاغ.
    ..........
    المجتمع الصالح هو الذي تشيع فيه المواساة المعيشية و التكافل المالي في أوساط الأخوة المؤمنين المواسين بأموالهم و إمكاناتهم الماديّّة،و قد عدّتهم الأحاديث و الروايات إخوان الصِّدق و الثِّقة و المواساة الذين لا يستأثرون بما لديهم بل يؤثرون بعضهم على بعض.
    و لا يتحقّق هذا النمط من التكافل إلا بوصول المجتمع إلى درجة الرُّشد الإجتماعي و مستوى الأسرة الإجتماعية الواحدة التي تحكمها روح التآلف و التقارب و التحابب الإنساني بما يقوم بينهم من تقارب معيشي و من إشراك في المال،و تباذل و تناصف.
    .......
    و يمكن تلمّس أنماط التكامل الإجتماعي للمجتمع الصالح في القرآن،من خلال:
    1- التنوّع و التفاضل لا يلغي الاشتراك أو المشاركة الماليّة:
    قال تعالى: (وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ...) (النحل/ 71).
    إنّ تفاضل الناس في الرِّزق – مهما كانت الأسباب التي تقف وراءه ذاتيّة أو موضوعيّة – لا يدقّ إسفيناً من المرزوقين رزقاً واسعاً و بين محدودي الرزق،بين مَن وسّع الله عليهم و بين مَن ضيّق لحكمة، فإذا كان المفضّلون في الرزق لا يرونَ سبباً لمساواتهم بِمَن تحدّد رزقهم،ففي الأقلّ أن يشركوهم فيما رزقوا بما يرفع عن كاهلهم بعض الضغوط و الأعباء المالية،فالآية واردة للإيحاء بضرورة شعور الموسع عليه من الأغنياء أنّ اشتراكه في الإنسانيّة مع الفقير يستدعي أن يمدّ له يد العون و لا ينسَ فضل الله عليه و ضرورة شكره شكراً عمليّاً بمساعدة عباده المحتاجين.
    .........
    2- تمويل الفقير لإلحاقه بالناس:
    قال تعالى: (وَ الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ) (المعارج/ 24-25).
    و يبدو من الفهم العام للنّصّ أنّ الإلحاق بالناس هو أن تتحقّق لهم الحاجات الأساسية و الضرورية و بما يكفل له عيشاً كريماً،لا أن يكونوا جميعاً في مستوى الأغنياء و الأثرياء،فما يزالون مختلفين.
    إنّ توفير مستوى معيشيّ مُتقارب لكلِّ أفراد المجتمع هدف إسلامي،و يبقى التفاوت من حيث السعي و بذل الجهد و استفراغ الوسع و الطاقة،و هو أمرٌ خاضعٌ لهمم و طموحات الناس.
    3- غاية الإنفاق تدوير المال بين الناس:
    قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ...) (البقرة/ 254).
    كلمة الإنفاق هي هذه: أمسِك المال بقدر ضرورتك،و قدِّم الفضل و الزّائد عن حاجتكَ ليومِ حاجتك و يوم الفقر و الفاقة،يوم القيامة.
    فليس غريباً بعد هذا أن يكون الجهاد في الإسلام بـ(الأموال) كما هو بـ(الأنفس)،فكما أنّ هذا يطرد شبح العدوان عن المجتمع،فإنّ ذلك يبعد شبح الفقر عنه،و كلاهما سعي لإبعاد الخطر عمّا يتهدّد المجتمع الصالح.
    أمّا الإنفاق في سبيل الله،فالمراد به في سبيل عباده،فالله غنيّ عن الناس و هم الفقراء إليه،و ما من إنفاق يُنمِّي و يُطوِّر حياة الناس و المجتمع ابتغاء مرضاة الله،إلا و هو في سبيله.
    يقول سبحانه: (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفَاعَةٌ) (البقرة/ 254).
    ..........
    4- الأعمال التطوعيّة:
    قال تعالى: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) (البقرة/ 184).
    أوجب الإسلام على الطاعنين في السِّنِّ،و المرضى الذين لا يُرجى شفاؤهم،فتُرفع فريضة الصوم عنهم،أن يدفعوا بدلها كفارة مقداراً معيّناً من الطعام،و لكن طبيعة التشريع الإسلامي أنه مرن فيما زادَ على ذلك،فهو يفتح الباب للمستزيدين في تقديم الأكثر على حدِّ الواجب،و هم المتطوِّعين الذين يتطوّعون لإطعام أكثر ممّا يجب عليهم،و بذلك يوسعون دائرة الإستفادة من الفدية المبذولة للفقراء سواء كانت الفدية مالاً يُمكِّنهم من سدِّ بعض حاجاتهم،أو طعاماً يسدّ جوعهم.
    إنّ الذي يدفع مدّين من الطعام بدلاً من مدّ واحد،هو متطوِّع يخرج من حدود الواجب الشرعي،و هو بلا شك إنساني،إلى فضاء إنساني أوسع.
    ..........
    5- دوائر البرّ و الإحسان:
    قال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران/ 92).
    يتّسع مفهوم (البرّ) لكلِّ أنواع الخير و العمل الصالح،ذلك أن لفظة (البرّ) لغة تعني (السّعة)،فكلّ عمل صالح ذا أثر واسع يعمّ الناس و يشملهم يُقال له (برّ)،و هو يختلف عن (الخير) بأنّه نفع مقصود،و أمّا الخير فقد لا يقع عن قصد.
    و لذلك فلن يكون الإنسان المؤمن باراً بربِّه و دينه إلا إذا تقرّب إليه بما ينفع أبناء جلدته من وجوه البرّ أو الإنفاق من أفضل ما لديه.
    يقول تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَ الأقْرَبِينَ وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ مَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة/ 215).
    ......
    6- مصارف الزّكاة:
    قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ وَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقَابِ وَ الْغَارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ اِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 60).
    تتحرّك مصارف الزكاة بحسب نصّ الآية الكريمة في إطار ذوي الاحتياجات المادِّية المباشرة أو غير المباشرة،و في جميع الأحوال فهي تستهدف كسب قلوب الذين تُصرف فيهم و إليهم،لأنّ الإنسان بطبيعته عبد الإحسان،و هو ميّال لِمَن يُحسن إليه و يتفقّد احتياجاته و يؤمِّنها له.
    فالفقراء الذين لهم بُلغة يسيرة من العيش،و المساكين الذين لا شيء لديهم،و جُباة الزكاة ممن وظيفتهم جمعها،و ضعاف الإيمان الذين يُعطون شيئاً من الزكاة لتأليف قلوبهم على الإسلام،و الأرقاء الذين تُصرف لفكِّ رقابهم،و المديونون الذين أثقلهم الدَّيْن و حالت العسرة دون وفائهم بديونهم، و المجاهدون في سبيل الله،أو أيّ عنوان ينطبق عليه مفهوم (في سبيل الله)،و الغُرباء المسافرون الذين انقطعوا لشحّة ما لديهم من مال أو نفاده أو ضياعه فلم يتمكّنوا من العودة إلى بلادهم، كل أولئك نماذج و عيِّنات من المحتاجين الذين لا يخلو منهم مجتمع بما في ذلك المجتمع الصالح،الأمر الذي يعني أنّ مصارف الزكاة في الأصناف الثمانية،هو تحريكٌ للمال و تدويرٌ له في أكثر من دائرة من دوائر المجتمع،فلم يُحصر في الفقراء وحدهم أو المساكين وحدهم،بل اتّسع ليشمل دوائر المحتاجين الآخرين،تحقيقاً لمبدأ التكافل في أوسع نطاق.
    .......
    7- صيانة أموال اليتامى و رعاية حقوقهم:
    قال تعالى: (وَ لا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا) (الإسراء/ 33).
    في تحريم أكل مال اليتيم استبقاء لحياة اليتيم و كرامته،و استعانته به على مواجهة حياة ماتَ كافلها،و استقلاله بنفسه و إدارة شؤون حياته و الوقوف على قدميه في زحمة الحياة و ثقل متطلّباتها.
    إنّ التكافل الإجتماعي في حال اليتيم لا يقف عند حدّ احترام ماله و عدم التجاوز عليه،بل يقتضي كفالة اليتيم حتى يكبر،فليس كلّ يتيم خلّف له أبوه مالاً،و ليس كل مَنْ خلّف له أبوه،شيئاً من المال بكافٍ على أن يُغطِّي احتياجاته كلها.
    قال سبحانه: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى/ 9).
    و لقد قيلَ في عدم قهر اليتيم أن لا تحتقره،و لا تغلبه على ماله،و لا تطرده من مائدتك،بل إدعه و اكفله إن استطعت و إن لم تستطع فامسح على رأسه شفقةً و حباً،أما إذا ذقتَ اليتم في صغرك فذلك أدعا إلى أن تتحسّس مرارة اليتيم و حاجة اليتيم إلى الكفالة و الرعاية.
    يقول عزّ و جل: (وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/ 220).
    فخلط أموال اليتامى بأموال الكفلاء على وجه المصلحة و النّفع لليتامى،لا بأس به،فقد يكون ذلك سبباً في نماء مال اليتيم و تيسيرٌ للكفيل في التعاطي مع ما تحت يديه بالمعروف.
    ...........
    8- الوصيّة بالمعروف:
    قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَ الأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 180-182).
    تشريع الوصيّة جزء من النظام المالي في الإسلام،و الوصيّة غير الإرث،فهي في ثلث الميِّت،أما الثّلثان الآخران فيقسّمان بحسب قانون الإرث الذي سبقت الإشارة إليه في العلاقات الماليّة.
    و اشتراط المعروف في الوصيّة هو أن تكون موافقة للعقل،أي متعلِّقة في مقدارها و في نسبة توزيعها بلا إجحاف و لا تمييز و لا محاباة تكون سبباً في نزاع و صراع يقع بعد الفراغ من دفن الموصي، و لذلك جوّز الفقهاء تعديل الوصيّة إن وقعَ فيها الحيف كأن تكون بأكثر من ثلث مجموع الثروة،أو توزيع الثروة على غير الورثة الشرعيين،أو إعانة مراكز الفساد،أو ما يؤدِّي إلى صراع دمويّ.
    فالمشروع الإسلامي وضع (قانون الوصيّة) إلى جانب (قانون الإرث)،من أجل أن يُحقِّق نوعاً من التكافل الإجتماعي في إمكانيّة أن يعمل الإنسان من الخيرات بعد مماته ممّا لم يتح له عمله إبان حياته،فضلاً عن أداء أمانته و وفاء ديونه بها،أو ما بقي لله في ذمّته من حقوق صلاة و صيام و حجّ،و أن يتودّد بشيء منها لِمَن جفاه من أقاربه لكي يعيدوا ما انقطع من أواصر الودّ،و في جميع الأحوال فإنّ العدالة في الوصيّة يحقّق بعد التكافل فيها.
    يُذكر أنّ النصوص الإسلامية أوصت بعدم الوصيّة بالثّلث إن كان الورثة فقراء محتاجين،و تقليل النِّسبة إلى الرُّبعْ و إلى الخُمْس.
    ..........
    9- لا حرمان للمسيئين من الأقرباء:
    قال تعالى: (وَ لا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَ الْمَسَاكِينَ وَ الْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/ 22).
    قد يحلف بعض الأثرياء أن يحرموا أقاربهم من الفقراء ما كانوا يعطونهم إيّاه من البذل و الإحسان جزاءً على ما بدرَ من هؤلاء من إساءة،و النصّ الكريم ينهى عن ذلك،مقارناً بين صفحين: صفح الأغنياء عن المسيئين من الأقرباء،و صفح الله تعالى عنهم بمواصلة الإحسان إلى مَن كانوا يحسنون إليه،تأكيداً على مبدأ التواصل و التكافل،و قطعاً لذريعة التوقف عن الإنفاق لأسباب موضوعيّة، فالإحسان و التكافل المالي و الإجتماعي ينبغي أن يكون ذاتياً يتحرّك بدوافع ربانية إنسانية، بمعنى أن تصنع المعروف مع أهله و مع غير أهله،فإن لم يكن مَن أسديتَ له يداً من أهله فأنتَ من أهله،و لكَ في الشمس تشرق على البرّ و الفاجر،و في الينبوع يسقي المؤمن و الكافر،أسوة حسنة.
    ........
    10- الإمهال لانفراج الحال:
    قال تعالى: (وَ إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 280).
    إمهال المستدين المُعسِر إلى وقت اليسر نوع من التكافل،و أمّا إذا تجاوز الدّائن عن دين المَدين، فهو من أكرم و أفضل التكافل،لما فيه من الذِّكر الجميل و الأجر الجزيل،و الإسلام إذ يدعو إلى هذه الروح أو الروحية،يعمل على نسف الروحية الجاهلية المستغلّة عندما كان أحدهم يقول لمدينه: إمّا أن تقضي و إما أن تُربي،فيزيد الطِّين بلّة و يُصبح العُسرُ الواحدُ عُسرين.
    .......
    11- الإنسان الوقف:
    قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى وَ إِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَ ذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَ كَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران/ 35-37).
    و قال عزّ و جلّ على لسان عيسى (عليه السلام): (وَ جَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ...) (مريم/ 31).
    إصطلاح (الإنسان الوقف) نستوحيه من نذر امرأة عمران لإبنتها مريم،لجعلها وقفاً على خدمة المعبد،و من قول عيسى ابن مريم (عليه السلام): (و جعلني مُباركاً)،و المبارك كما في التفسير (النّفّاع).
    فالإنسان الذي يمنح مجتمعه الكثير من وقته و جهده و عمله و جاهه و خدماته و لا يسألهم أجراً، هو إنسانٌ وقفٌ لرسالته،إنسانٌ نذرَ نفسه في سبيل الله و لوجه الله،و هو إنسان صالح أخذ سجيّته تلك من وحي الرِّسالات و الرُّسل الذين كانوا لا يسألون أقوامهم أجراً على تبليغ الرسالة.
    و كلما ازداد عدد أمثال هؤلاء الأبرار الصالحين في مجتمع ما،ارتفعت نسبة صلاحيّته و بلوغه درجة (المجتمع الصالح)،و هؤلاء عقلاء،و تجّار أذكياء،هم لا يسألون أجراً ماديّاً محدوداً،و لكنّهم يسألون أجراً معنوياً لا يعرف حدوده إلا الله.
    يقول تعالى على لسان ذي القرنين حينما عُرِض عليه الأجر لقاء بناء السد بين الجبلين: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ...) (الكهف/ 95).
    ......
    12- توزيع الأضحية:
    قال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَ أَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(الحج/ 28).
    و قال سبحانه: (وَ الْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَ أَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَ لا دِمَاؤُهَا وَ لَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج/ 36-37).

    الدعوة إلى إطعام البائس الذي أصابه بؤس و شدّة،و الفقير الذي أضعفه الإعسار و أثقله الفقر، و القانع المُتعفِّف،و المعتزّ السائل،للأكل من لحوم الأضاحي،تأتي في سياق الدعوة إلى التكافل الإجتماعي،و هي نظير الدعوة إلى البر و الإحسان و الإنفاق في سبيل الله و الوصيّة و النّذر،ففي كل هذه الحالات هناك مسعى حثيث لسدِّ احتياجات المحتاجين إلى الطعام،بل يتكامل ذلك مع فديات الصِّيام و إطعام السِّتِّين مسكيناً و زكوات الفطرة.
    يقول تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَ مَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد/ 11-16).
    .........
    موقع البلاغ.


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 2:23 pm