نموذج المجتمع المسلم.
أسرة البلاغ.
........
1- خصائص المجتمع المسلم في القرآن:
أ- الوسطيّة:
قال تعالى: (وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143).
- أُمّة الإسلام أمّة الاعتدال و التوازن،و المجتمع الإسلامي مجتمع الوسطية،و قد أهَلت هذه السمة المجتمع المسلم أن يكون (حجّة) و (معياراً): حجّة على الأُمم المتطرِّفة،و معياراً يُرجع إليه في معرفة ما هو الإعتدال و ما هو التطرّف.
و الشهادة في الآية شهادتان: شهادة الأُمّة المتوازنة في توسّطها على سائر الأُمم،و شهادة النبي (صلى الله عليه و على آله و سلم) على أُمّته في ضبط حركة سيرها لئلّا تشذّ أو تشطّ عن التوسّط في مركزيّتها.
و بذلك يمكن ضمان وسطيّة المجتمع الإسلاميّ ذاتياً و موضوعيّاً،كما يمكن محاكمة الأُمم المغالية في تطرّفها بالنموذج الإسلامي الذي ينبذ التطرّف بكلّ أشكاله،و يعتمد الوسطيّة في شتّى مناحي الحياة. قال سبحانه: (وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكَاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 78).
ب- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:
قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/ 110).
- الأُمّة المسلمة خير الأُمم،لأنّها أنفع الناس للناس،فالإخراج بما ينطوي على إرادة ربّانيّة كان لأجل الإنسانيّة و رفداً لمصلحتها،و وجه الخيريّة في أُمّة الإسلام هو الإيمان العمليّ ممثلاً بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،في حين كانت الأُمم السابقة لا تتناهى عن منكر فعلته،و لا تتداعى لمعروف تأخذ به.
ت- الإستقامة:
قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَنْ تَابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود/ 112-113).
- الإستقامة هنا ليست منفصلة عن خطِّ الوسطيّة لجهة ثباتها على الاعتدال و التوازن بقرينة قوله سبحانه: (وَ لا تَطْغَوْا) و (وَلا تَرْكَنُوا).
كما أنّها ليست منفكّة عن الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر في عرضهما من المحافظة على إستقامة الحياة في الدعوة إلى ما يُنمِّيها و يُطوِّرها من الأمر بالمعروف،و ما يُنقِّيها و يُخلِّصها من التلوّث و الشوائب و المفاسد في النهي عن المنكر.
و لا تكون استقامة لمجتمع ما إلا باستقامة قيادته،و لذلك جاء النِّداء بالإستقامة موجّهاً للإثنين معاً: القيادة و القاعدة،بأن لا يتجاوزا حدود الله بإجحافٍ أو تجنٍّ أو طغيانٍ أو تطرُّفٍ أو ميلٍ للإنحراف نحو الظّلم.
ث- الوفاء بالعهود و العقود و المواثيق:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَ لا الْهَدْيَ وَ لا الْقَلائِدَ وَ لا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْوَانًا وَ إِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/ 1-3).
- ميزة المجتمع المسلم أنّه يفي بكلِّ عقد و عهد بينه و بين ربّه،و بينه و بين سائر الناس و الأُمم،أي أنّه إذا وعدَ وفى،و إذا آمنَ بصدقٍ أخذَ بما فُرضَ عليه في الكتاب من تكاليف و أحكام و مسؤوليّات،و عرف حدّه و وقف عنده،فلا يستحلّ حرمات الله و لا يتعدّى حدوده،أي شرائعه التي حدّها و رسمها لعباده،و لا يستحلّ قتال القاصدين إلى بيت الله،و لا يحمله بغض قوم كانوا قد صدّوهم عن المسجد الحرام أن يُقابلوا ذلك بالإعتداء عليهم،و هو مجتمع التعاون على البرِّ و التقوى و الخيرات و الإصلاح و الإحسان،و نبذ المفاسد و الشرور و المنكرات.
سمة المجتمع الإسلامي أنّه مجتمع رباني يستمدّ حقيقة وجوده،و زخم حركته،و نبل مقاصده من هدفه الأعلى و هو الله تبارك و تعالى.
.........
ج- الهجرة و الجهاد:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 218).
- إنّ من بين سمات المجتمع الإسلامي أنّه إذا ضاقت عليه الأرض في مساحة أو بقعة أو قطر،هاجر إلى مساحة أوسع و مجال أرحب،يُمارس فيهما دينه و طقوسه و دعوته إلى الله،و ينطلق منهما لجهاد أعدائه الذين نفوه من دياره أو كانوا سبباً في إقصائه و تشريده،و لذلك فالترابط بين (الهجرة) و بين (الجهاد) وثيق،فليست دار الهجرة دار سياحة و استراحة و سكون و استجمام،بل هي محطّة للتزوّد بالوقود ريثما تحين فرصة مقارعة العدوّ و كسر شوكته و إعلاء كلمة الله في الأرض.
و لذلك كانت لهجة المسلمين مختلفة تماماً في خطابهم لنبيِّهم (ص)،ففي حين قال بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام): إذهبْ أنتَ و ربّكَ فقاتِلا إنّا هاهنا قاعدون،قال المسلمون للرسول (صلى الله عليه و على آله و سلم): إذهبْ أنتَ و ربّك فقاتِلا إنّا معكم مُقاتلون.
إنّ أبناء المجتمع المسلم يعرفون أنّ ثمّة ضرائب إيمانيّة يتعيّن عليهم دفعها بالهجرة و مفارقة الأهل و الأوطان من أجل الدِّين،و بالجهاد و التضحية من أجل الدِّين،أي أنّ دين المسلم أثمَنْ لديه من حياته.
..........
ح- التوافر على المزايا و الفضائل و الخصائص العُليا:
قال تعالى: (مُحمَّدٌ رَّسُول اللهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/ 29).
- القيادة في المجتمع الإسلاميّ و القاعدة من سنخ واحد: أبرار،أخيار،متراحمون فيما بينهم، متعاونون،متكافئون،متضامنون،بعضهم أولياء بعض،يُظهرون لِمَنْ خالف نهج الله و دينه غلظة و شدّة و صلابة،يركعون و يسجدون لله في كثرة صيام و قيام،لأنّهم يرون أنّ المواجهة مع المصاعب و المتعصِّبين تحتاج إلى شحن نفسي و روحي،و إلى شحذٍ للهِمَم في جنبات الميدان،و لذلك يصدق عليهم أنّهم (رهبان) في اللّيل و (فرسان) في النهار،و لهم نظراء في التأريخ رصدتهم التوراة و الإنجيل في الولاية لله و النصرة لدينه،و لم يخلو تأريخ الرِّسالات من نماذج مشرِّفة قادت مجتمعاتها إلى سواحل العزّة و الإنعتاق.
إنّهم (عباد الرّحمن) الذين استحقّوا أن يُنسبوا إليه،فقال في صفتهم:
(وَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَ إِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَ قِيَامًا * وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا * وَ الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَ مَنْ تَابَ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَ عُمْيَانًا * وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَ سَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا) (الفرقان/ 63-76).
- إنّهم مجتمع (عباد الرّحمن)،المجتمع الصالح الذي يمشي أبناؤه بوقار و تواضع فلا يختالون و لا يتبخترون،و إذا خاطبهم السّفهاء بغلظة و جفاء ردّوا بلطف و سماحة،و إن جهل عليهم الجاهل حلموا و ترفّعوا،و تراهم يحيون ليلهم بالصلاة و التقرّب إلى الله،فهم يطيعونه باللّيل في العبادة،و يطيعونه في النهار بخدمة العباد،و مع ذلك فهم يعملون الصالحات و هم على وجل من النار و يبتهلون إلى الله بدفعها عنهم،و هم يُنفقون باعتدال فلا إسراف و لا تبذير و لا تضييق و تقصير،إنّهم عباد الله المخلصون الذين لا يقتلون النفس التي حرّمها الله إلا بالحقِّ،و لا يزنون بعد إحصان،أي بعد أن أمّن لهم سبحانه سُبُل الزواج ليعصموا به أنفسهم،و لا يشهدون الشهادة الباطلة التي يضيع فيها و تُهدر الحقوق،و إذا مرّوا بمجالس اللّغو و أماكن إرتكاب القبيح تنزّهوا و مرّوا مُعرضين مكرمين أنفسهم عن أن يخوضوا مع الخائضين.
و إذا ما وُعِظُوا بآيات الله و خُوِّفوا بها،استمعوا إليها بإصغاء و بنفسيّة منفتحة،و هم في دعاء موصول بأن يهبهم الله أزواجاً و بنين صالحين و يجعلهم قدوة صالحة للمُقتدين من الهداة و المتّقين.
.............
2- المجتمع المسلم الصالح كما تُصوِّره (سورة الحُجرات):
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَ لا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ * قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الأرْضِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحجرات/ 1-18).
- لابدّ من الإشارة في البداية إلى أنّ سورة الحجرات ترصد إيقاع العلاقات و الآداب الإجتماعية التي تحكم المجتمع الصالح سواء في علاقته بالله و برسوله أو في العلاقات الداخلية بين المسلمين أنفسهم،و قد قيلَ إنّها تُركِّز قواعد الإستقرار الإجتماعي من خلال المبادئ الأخلاقية التي تحكم الواقع،و تتحرّك العلاقات ضمنها.
و على الرّغم من أنّنا سنفردُ حديثاً خاصّاً عن آداب المجتمع الصالح،لكنّ التوقّف هنا عند سورة الحجرات ليس توقّفاً أخلاقيّاً فقط،بل هو تلمُّس لحركة العلاقة بين كلّ الدوائر الإجتماعية المُشار إليها،و من جميل ما أشار إليه بعض المفسِّرين في استهلال السورة أنّها تثير الحسّ التربوي في المجتمع الإسلامي على اختلاف أوضاعه،على صعيد الحياة و الإنسان،ليتفاعل الإيمان مع الواقع في عملية تزواج روحي و عملي يتحوّل فيه الإسلام إلى موقف.
- تُحدِّد سورة الحجرات أدب و أسلوب التعامل مع الله و رسوله،باحترامهما عند المخاطبة،و أن لا يتقدّم المجتمع المسلم باقتراحاته على الله و رسوله،فهما يتحرّكان ضمن برنامج دقيق لا يغفل عن تغطية حاجات المجتمع الصالح في مختلف الجوانب و الإتِّجاهات.
و تدعو إلى وجوب التثبّت من شخصية المُخْبِر،و طبيعة الخبر قبل إصدار الحكم،و أن لا يقف المسلمون من موقف الصِّراع بين طائفتين من المسلمين موقف المتفرِّج،بل يتعيّن عليهما فضّ النِّزاع بالإصلاح و الأساليب الدّبلوماسيّة الحكيمة،و أن يُقاتلوا الفئة التي تصرُّ و تستكبر و تبغي على الأخرى.
و تنهى عن أن يسخر بعض المسلمين من بعضهم الآخر مهما كانت دوافع السخرية،فما يدريهم لعلّ الذين يسخرون منهم هم أقرب عند الله منهم،و تنهى كذلك عن التعبير بالألقاب المُخجلة،و تدعو إلى اجتناب الكثير من سوء الظنّ،لأنّه يدعو إلى التجسّس،و هذا بدوره يقود إلى الاغتياب و تشويه صورة الإنسان المسلم في نظر الآخرين.
و سورة (الحجرات) تدعو المسلمين إلى أن يعيشوا الإنفتاح على التنوّع البشريّ فيما قسّم الله الناس إليه من شعوب و قبائل،ليكون ذلك أساساً للتعارف و التفاعل و التبادل الثقافي و العلمي و الحضاري،بدلاً من أن يكون سبباً للنِّزاع و الإحتراب و العصبيّة،و أن يؤكِّدوا الإيمان كعُمق للإسلام الذي ينتمي إليه المسلمون الذين يرون في الإسلام نعمة من الله عليهم لا منّةً منهم على رسوله.
و باختصار،فإنّ سورة الحجرات بمضامينها الإدارية و التربوية و الأخلاقية و العلاقاتية،تُمثِّل صورة المجتمع الإيماني الصالح،مجتمع الأخوّة و التآخي.
...........
موقع البلاغ.
أسرة البلاغ.
........
1- خصائص المجتمع المسلم في القرآن:
أ- الوسطيّة:
قال تعالى: (وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143).
- أُمّة الإسلام أمّة الاعتدال و التوازن،و المجتمع الإسلامي مجتمع الوسطية،و قد أهَلت هذه السمة المجتمع المسلم أن يكون (حجّة) و (معياراً): حجّة على الأُمم المتطرِّفة،و معياراً يُرجع إليه في معرفة ما هو الإعتدال و ما هو التطرّف.
و الشهادة في الآية شهادتان: شهادة الأُمّة المتوازنة في توسّطها على سائر الأُمم،و شهادة النبي (صلى الله عليه و على آله و سلم) على أُمّته في ضبط حركة سيرها لئلّا تشذّ أو تشطّ عن التوسّط في مركزيّتها.
و بذلك يمكن ضمان وسطيّة المجتمع الإسلاميّ ذاتياً و موضوعيّاً،كما يمكن محاكمة الأُمم المغالية في تطرّفها بالنموذج الإسلامي الذي ينبذ التطرّف بكلّ أشكاله،و يعتمد الوسطيّة في شتّى مناحي الحياة. قال سبحانه: (وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكَاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 78).
ب- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:
قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/ 110).
- الأُمّة المسلمة خير الأُمم،لأنّها أنفع الناس للناس،فالإخراج بما ينطوي على إرادة ربّانيّة كان لأجل الإنسانيّة و رفداً لمصلحتها،و وجه الخيريّة في أُمّة الإسلام هو الإيمان العمليّ ممثلاً بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،في حين كانت الأُمم السابقة لا تتناهى عن منكر فعلته،و لا تتداعى لمعروف تأخذ به.
ت- الإستقامة:
قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَنْ تَابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود/ 112-113).
- الإستقامة هنا ليست منفصلة عن خطِّ الوسطيّة لجهة ثباتها على الاعتدال و التوازن بقرينة قوله سبحانه: (وَ لا تَطْغَوْا) و (وَلا تَرْكَنُوا).
كما أنّها ليست منفكّة عن الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر في عرضهما من المحافظة على إستقامة الحياة في الدعوة إلى ما يُنمِّيها و يُطوِّرها من الأمر بالمعروف،و ما يُنقِّيها و يُخلِّصها من التلوّث و الشوائب و المفاسد في النهي عن المنكر.
و لا تكون استقامة لمجتمع ما إلا باستقامة قيادته،و لذلك جاء النِّداء بالإستقامة موجّهاً للإثنين معاً: القيادة و القاعدة،بأن لا يتجاوزا حدود الله بإجحافٍ أو تجنٍّ أو طغيانٍ أو تطرُّفٍ أو ميلٍ للإنحراف نحو الظّلم.
ث- الوفاء بالعهود و العقود و المواثيق:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَ لا الْهَدْيَ وَ لا الْقَلائِدَ وَ لا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْوَانًا وَ إِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/ 1-3).
- ميزة المجتمع المسلم أنّه يفي بكلِّ عقد و عهد بينه و بين ربّه،و بينه و بين سائر الناس و الأُمم،أي أنّه إذا وعدَ وفى،و إذا آمنَ بصدقٍ أخذَ بما فُرضَ عليه في الكتاب من تكاليف و أحكام و مسؤوليّات،و عرف حدّه و وقف عنده،فلا يستحلّ حرمات الله و لا يتعدّى حدوده،أي شرائعه التي حدّها و رسمها لعباده،و لا يستحلّ قتال القاصدين إلى بيت الله،و لا يحمله بغض قوم كانوا قد صدّوهم عن المسجد الحرام أن يُقابلوا ذلك بالإعتداء عليهم،و هو مجتمع التعاون على البرِّ و التقوى و الخيرات و الإصلاح و الإحسان،و نبذ المفاسد و الشرور و المنكرات.
سمة المجتمع الإسلامي أنّه مجتمع رباني يستمدّ حقيقة وجوده،و زخم حركته،و نبل مقاصده من هدفه الأعلى و هو الله تبارك و تعالى.
.........
ج- الهجرة و الجهاد:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 218).
- إنّ من بين سمات المجتمع الإسلامي أنّه إذا ضاقت عليه الأرض في مساحة أو بقعة أو قطر،هاجر إلى مساحة أوسع و مجال أرحب،يُمارس فيهما دينه و طقوسه و دعوته إلى الله،و ينطلق منهما لجهاد أعدائه الذين نفوه من دياره أو كانوا سبباً في إقصائه و تشريده،و لذلك فالترابط بين (الهجرة) و بين (الجهاد) وثيق،فليست دار الهجرة دار سياحة و استراحة و سكون و استجمام،بل هي محطّة للتزوّد بالوقود ريثما تحين فرصة مقارعة العدوّ و كسر شوكته و إعلاء كلمة الله في الأرض.
و لذلك كانت لهجة المسلمين مختلفة تماماً في خطابهم لنبيِّهم (ص)،ففي حين قال بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام): إذهبْ أنتَ و ربّكَ فقاتِلا إنّا هاهنا قاعدون،قال المسلمون للرسول (صلى الله عليه و على آله و سلم): إذهبْ أنتَ و ربّك فقاتِلا إنّا معكم مُقاتلون.
إنّ أبناء المجتمع المسلم يعرفون أنّ ثمّة ضرائب إيمانيّة يتعيّن عليهم دفعها بالهجرة و مفارقة الأهل و الأوطان من أجل الدِّين،و بالجهاد و التضحية من أجل الدِّين،أي أنّ دين المسلم أثمَنْ لديه من حياته.
..........
ح- التوافر على المزايا و الفضائل و الخصائص العُليا:
قال تعالى: (مُحمَّدٌ رَّسُول اللهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/ 29).
- القيادة في المجتمع الإسلاميّ و القاعدة من سنخ واحد: أبرار،أخيار،متراحمون فيما بينهم، متعاونون،متكافئون،متضامنون،بعضهم أولياء بعض،يُظهرون لِمَنْ خالف نهج الله و دينه غلظة و شدّة و صلابة،يركعون و يسجدون لله في كثرة صيام و قيام،لأنّهم يرون أنّ المواجهة مع المصاعب و المتعصِّبين تحتاج إلى شحن نفسي و روحي،و إلى شحذٍ للهِمَم في جنبات الميدان،و لذلك يصدق عليهم أنّهم (رهبان) في اللّيل و (فرسان) في النهار،و لهم نظراء في التأريخ رصدتهم التوراة و الإنجيل في الولاية لله و النصرة لدينه،و لم يخلو تأريخ الرِّسالات من نماذج مشرِّفة قادت مجتمعاتها إلى سواحل العزّة و الإنعتاق.
إنّهم (عباد الرّحمن) الذين استحقّوا أن يُنسبوا إليه،فقال في صفتهم:
(وَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَ إِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَ قِيَامًا * وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا * وَ الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَ مَنْ تَابَ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَ عُمْيَانًا * وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَ سَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا) (الفرقان/ 63-76).
- إنّهم مجتمع (عباد الرّحمن)،المجتمع الصالح الذي يمشي أبناؤه بوقار و تواضع فلا يختالون و لا يتبخترون،و إذا خاطبهم السّفهاء بغلظة و جفاء ردّوا بلطف و سماحة،و إن جهل عليهم الجاهل حلموا و ترفّعوا،و تراهم يحيون ليلهم بالصلاة و التقرّب إلى الله،فهم يطيعونه باللّيل في العبادة،و يطيعونه في النهار بخدمة العباد،و مع ذلك فهم يعملون الصالحات و هم على وجل من النار و يبتهلون إلى الله بدفعها عنهم،و هم يُنفقون باعتدال فلا إسراف و لا تبذير و لا تضييق و تقصير،إنّهم عباد الله المخلصون الذين لا يقتلون النفس التي حرّمها الله إلا بالحقِّ،و لا يزنون بعد إحصان،أي بعد أن أمّن لهم سبحانه سُبُل الزواج ليعصموا به أنفسهم،و لا يشهدون الشهادة الباطلة التي يضيع فيها و تُهدر الحقوق،و إذا مرّوا بمجالس اللّغو و أماكن إرتكاب القبيح تنزّهوا و مرّوا مُعرضين مكرمين أنفسهم عن أن يخوضوا مع الخائضين.
و إذا ما وُعِظُوا بآيات الله و خُوِّفوا بها،استمعوا إليها بإصغاء و بنفسيّة منفتحة،و هم في دعاء موصول بأن يهبهم الله أزواجاً و بنين صالحين و يجعلهم قدوة صالحة للمُقتدين من الهداة و المتّقين.
.............
2- المجتمع المسلم الصالح كما تُصوِّره (سورة الحُجرات):
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَ لا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ * قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الأرْضِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحجرات/ 1-18).
- لابدّ من الإشارة في البداية إلى أنّ سورة الحجرات ترصد إيقاع العلاقات و الآداب الإجتماعية التي تحكم المجتمع الصالح سواء في علاقته بالله و برسوله أو في العلاقات الداخلية بين المسلمين أنفسهم،و قد قيلَ إنّها تُركِّز قواعد الإستقرار الإجتماعي من خلال المبادئ الأخلاقية التي تحكم الواقع،و تتحرّك العلاقات ضمنها.
و على الرّغم من أنّنا سنفردُ حديثاً خاصّاً عن آداب المجتمع الصالح،لكنّ التوقّف هنا عند سورة الحجرات ليس توقّفاً أخلاقيّاً فقط،بل هو تلمُّس لحركة العلاقة بين كلّ الدوائر الإجتماعية المُشار إليها،و من جميل ما أشار إليه بعض المفسِّرين في استهلال السورة أنّها تثير الحسّ التربوي في المجتمع الإسلامي على اختلاف أوضاعه،على صعيد الحياة و الإنسان،ليتفاعل الإيمان مع الواقع في عملية تزواج روحي و عملي يتحوّل فيه الإسلام إلى موقف.
- تُحدِّد سورة الحجرات أدب و أسلوب التعامل مع الله و رسوله،باحترامهما عند المخاطبة،و أن لا يتقدّم المجتمع المسلم باقتراحاته على الله و رسوله،فهما يتحرّكان ضمن برنامج دقيق لا يغفل عن تغطية حاجات المجتمع الصالح في مختلف الجوانب و الإتِّجاهات.
و تدعو إلى وجوب التثبّت من شخصية المُخْبِر،و طبيعة الخبر قبل إصدار الحكم،و أن لا يقف المسلمون من موقف الصِّراع بين طائفتين من المسلمين موقف المتفرِّج،بل يتعيّن عليهما فضّ النِّزاع بالإصلاح و الأساليب الدّبلوماسيّة الحكيمة،و أن يُقاتلوا الفئة التي تصرُّ و تستكبر و تبغي على الأخرى.
و تنهى عن أن يسخر بعض المسلمين من بعضهم الآخر مهما كانت دوافع السخرية،فما يدريهم لعلّ الذين يسخرون منهم هم أقرب عند الله منهم،و تنهى كذلك عن التعبير بالألقاب المُخجلة،و تدعو إلى اجتناب الكثير من سوء الظنّ،لأنّه يدعو إلى التجسّس،و هذا بدوره يقود إلى الاغتياب و تشويه صورة الإنسان المسلم في نظر الآخرين.
و سورة (الحجرات) تدعو المسلمين إلى أن يعيشوا الإنفتاح على التنوّع البشريّ فيما قسّم الله الناس إليه من شعوب و قبائل،ليكون ذلك أساساً للتعارف و التفاعل و التبادل الثقافي و العلمي و الحضاري،بدلاً من أن يكون سبباً للنِّزاع و الإحتراب و العصبيّة،و أن يؤكِّدوا الإيمان كعُمق للإسلام الذي ينتمي إليه المسلمون الذين يرون في الإسلام نعمة من الله عليهم لا منّةً منهم على رسوله.
و باختصار،فإنّ سورة الحجرات بمضامينها الإدارية و التربوية و الأخلاقية و العلاقاتية،تُمثِّل صورة المجتمع الإيماني الصالح،مجتمع الأخوّة و التآخي.
...........
موقع البلاغ.