فرنسيس فوكوياما و الحكم المتحامل على الإسلام.
زهير الخويلدي.
شبكة النبأ المعلوماتية.
........
في الكتاب الذي دون فيه فرنسيس فوكوياما تفاؤله بخصوص المستقبل بالنسبة للحضارة الغربية على مستوى الصحة و السعادة و ذلك لقدرة العلم و التقنية على تحسين الحياة الانسانية بمحو المرض و الفقر و الشروع في تفكيك الأنظمة الشمولية و إحلال الأنظمة الديمقراطية و الحكومات الحرية مكانها و الشروع في نشر النموذج الليبرالي في العالم ذكر فيه أيضا ان الاسلام هو الذي يبعث التشاؤم و التخوف بالنسبة الى الغرب و مصدر قلق و انشغال كبيرين و ذلك لما تحمله عقائده من تهديد بالحرب و الإرهاب حسب رأيه بالنسبة الى العالم بأسره.
أن الاسلام يمثل بالنسبة الى الغرب مصدر الصدمة القاسية و يعود ذلك الى الخيبة التي تعرفها التوقعات بتخلي المسلمين عن الأسلوب القصووي في التعامل مع القضايا العالقة و أن الأنظمة التسلطية ذات المرجعية التقليدية لم تتحول من تلقاء نفسها الى أنظمة ديمقراطية ليبرالية التي تعترف بالتعددية و حق الاختلاف و حقوق المواطنة و التبادل السلمي للحكم و التقسيم بين السلطات و حرية النشاط و التبادل على أساس الملكية الخاصة و قوانين السوق.
في الواقع ان بعض الصفحات التي خصصها فوكوياما للإسلام في مؤلفه نهاية التاريخ و الإنسان الأخير تتضمن نظرة استشراقية موغلة في التجني و الإقصاء و تعبر عن نزعة عرقية و ثقافية متمركزة على ذاتها و معادية للحضارات الأخرى و رافضة للنسبية الثقافية.
يعترف فوكوياما من ناحية بأن الإسلام يشكل عاملا بارزا في بعض الدول و أنه يتضمن نظاما خاصا به في العدالة السياسية و الاجتماعية و تصورات أخلاقية تميزه عن غيره و أنه قد أبدى الكثير من القوة في تجدده الحالي و هزم الديمقراطية الليبرالية في العديد من المناسبات.
لكنه من ناحية ثانية يحذر من الصعود الكبير للإسلام و يعتبر دعوة الاسلام ذات طابع تسلطي و كلياني تقهر الإثنيات و القوميات و تعطي قيمة للرابطة الروحية على حساب الرابطة القانونية و اللغوية و الثقافية و يضعه في نفس الخانة التي توضع فيها الشيوعية و الإيديولوجيات المغلقة بل أنه يشكل تهديدا كبيرا للممارسات الليبرالية و يمثل تحديا جديا للغرب.
يواصل فوكوياما استنقاصه الممنهج للإسلام بتأكيده أن الاسلام لم يعد يمارس أية جاذبية خارج الدول و الشعوب غير الاسلامية و أن زمن الغزو الثقافي للإسلام لغيره قد انتهى.
بل إنه قام بعكس الهجوم و بين أن الاسلام هو الذي يتعرض للغزو الثقافي الغربي و أن شبيبته هي الآن لقمة صائغة في يد الأفكار الليبرالية الغربية و أن قوة التهديد الذي تمثله القيم التحررية قد أدت الى تجدد الانطواء على الذات و انبعاث الصحوة الأصولية و بالتالي التفويت في التقدم و الأنوار و الخنوع الى النكوص و التخلف و العودة الى الماضي.
كما أنه يفسر اليقظة الأولى التي حدث للمسلمين و القيام بالإصلاحات الدستورية بمنافع الاستعمار و قدوم جيوش نابليون الى القاهرة و تخليص الشرق من النظام الاقطاعي و النموذج الاستبدادي العثماني.
كل هذه الآراء هي مجرد ترهات و مقاربة خارجية سطحية و أحكام مسبقة نابعة عن نظرة عنصرية و رؤية استشراقية تعامل الاسلام كمجال حيوي للغزو و الترويض و الاستعباد.
و يمكن الرد عليها بالاجتهاد و التأويل من داخل حضارة إقرأ نفسها و النظرة الانفتاحية للغيرية و تشريع الحريات و الحقوق للإنسان و الشعوب في الاسلام و حمل رسالة السلام و الحب و الصداقة و التعارف الى العالم و الإقرار بأن الدعوة تتم باللسان و العمل الطيب و الأسوة الحسنة و تنبذ العنف و الحرب و الاستيلاء و تحترم الخصوصيات و الأديان و اللغات الأخرى و تؤمن كذلك بأن التحضر يتم بواسطة ما يستحوذ عليه من كنوز مطمورة و رموز نيرة في داخله و بالاستفادة من القيم الكونية و المكاسب المدنية للأمم المغايرة له و أن الداخلين الى الاسلام هم أكبر بكثير من الخارجين عنه و أنه العلوم الاسلامية و الفلسفات العربية كانت تعد رافدا في حداثة الغرب و لا تزال.
اللافت للنظر أن هذا الموقف المعلن في الكتاب ليس موقفا محايدا و لا حكما علميا موضوعيا و إنما هو موقف ايديولوجي محافظ يعبر عن رؤية اليمين الغربي الليبرالي و يعبر عن ثقافة العولمة المتوحشة و يبرر سياستها الإختراقية الإستقطابية تجاه الأمم و الشعوب و الثقافات المغايرة و يمارس نوعا من البروباغاندا الدعائية لهذه الأفكار المعادية لحقوق الشعوب المضطهدة في السيادة و في تقرير مصيرها بنفسها.
ربما الخطأ الكبير الذي وقع فيه فوكوياما أنه حكم على الاسلام بالاعتماد على المعايير و القيم الغربية و لم يتفطن الى الفرق الكبير بين الطرفين و كان عليه أن يحكم على الاسلام من زاوية المعايير و القيم الاسلامية ذاتها و أن يحترم الخصوصية الروحية و الثقافية لحضارة إقرأ و خاصة مفاهيم الدين القيم و ختم النبوة و عالمية الرسالة و استكمال مكارم الأخلاق.
هذا الأمر كان قد انتبه اليه برنار لويس حينما صرح ذات يوم:
ان الاسلام في معظم الأفكار الاسلامية يظل المعيار الرئيسي للتماثل و الهوية العامة و الولاء، فالإسلام هو الذي يميز بين الأنا و الآخر بين من هو داخل الجماعة و من هو خارجها،بين الأخ و الغريب.
و نحن في العالم الغربي قد أصبحنا معتادين على معيارية أخرى للتصنيف على حسب العرق أو الموطن أو على تقسيمات مختلفة رئيسية من هذا القبيل.
كما يمكن الرد عليه أيضا بالانطلاق من نظرة استشراقية منصفة نجدها عند ماكسيم رودنسون في كتابه جاذبية الاسلام و خاصة قوله:
إن الإسلام هو أسرع الديانات انتشاراً في العالم اليوم.هناك إذن شيء حقيقي يجذب إليه العديد من نخبة الناس لكن ماهي أسرار الجاذبية التي يمارسها الاسلام على البشر كافة و يجعلهم يدخلون اليه فرادى و جماعات و يستوي في ذلك الانسان العادي و رجل العلم؟
و كما يتساءل برنار لويس:
ماهو مكمن القوة في الاسلام أو جاذبيته كمجال ولاء و أساس ثورة؟
* كاتب فلسفي.
....................
المراجع و المصادر:
فرانسيس فوكوياما،نهاية التاريخ و الإنسان الأخير،ترجمة مركز الانماء القومي،بيروت،1993.
دومينيك سورديل،الاسلام في القرون الوسطى،ترجمة علي مقلد،دار التنوير للطباعة و النشر، بيروت،1983،
ماكسيم رودنسون،جاذبية الإسلام ترجمة الياس مرقص،دار التنوير للطباعة و النشر،بيروت، 1982.
زهير الخويلدي.
شبكة النبأ المعلوماتية.
........
في الكتاب الذي دون فيه فرنسيس فوكوياما تفاؤله بخصوص المستقبل بالنسبة للحضارة الغربية على مستوى الصحة و السعادة و ذلك لقدرة العلم و التقنية على تحسين الحياة الانسانية بمحو المرض و الفقر و الشروع في تفكيك الأنظمة الشمولية و إحلال الأنظمة الديمقراطية و الحكومات الحرية مكانها و الشروع في نشر النموذج الليبرالي في العالم ذكر فيه أيضا ان الاسلام هو الذي يبعث التشاؤم و التخوف بالنسبة الى الغرب و مصدر قلق و انشغال كبيرين و ذلك لما تحمله عقائده من تهديد بالحرب و الإرهاب حسب رأيه بالنسبة الى العالم بأسره.
أن الاسلام يمثل بالنسبة الى الغرب مصدر الصدمة القاسية و يعود ذلك الى الخيبة التي تعرفها التوقعات بتخلي المسلمين عن الأسلوب القصووي في التعامل مع القضايا العالقة و أن الأنظمة التسلطية ذات المرجعية التقليدية لم تتحول من تلقاء نفسها الى أنظمة ديمقراطية ليبرالية التي تعترف بالتعددية و حق الاختلاف و حقوق المواطنة و التبادل السلمي للحكم و التقسيم بين السلطات و حرية النشاط و التبادل على أساس الملكية الخاصة و قوانين السوق.
في الواقع ان بعض الصفحات التي خصصها فوكوياما للإسلام في مؤلفه نهاية التاريخ و الإنسان الأخير تتضمن نظرة استشراقية موغلة في التجني و الإقصاء و تعبر عن نزعة عرقية و ثقافية متمركزة على ذاتها و معادية للحضارات الأخرى و رافضة للنسبية الثقافية.
يعترف فوكوياما من ناحية بأن الإسلام يشكل عاملا بارزا في بعض الدول و أنه يتضمن نظاما خاصا به في العدالة السياسية و الاجتماعية و تصورات أخلاقية تميزه عن غيره و أنه قد أبدى الكثير من القوة في تجدده الحالي و هزم الديمقراطية الليبرالية في العديد من المناسبات.
لكنه من ناحية ثانية يحذر من الصعود الكبير للإسلام و يعتبر دعوة الاسلام ذات طابع تسلطي و كلياني تقهر الإثنيات و القوميات و تعطي قيمة للرابطة الروحية على حساب الرابطة القانونية و اللغوية و الثقافية و يضعه في نفس الخانة التي توضع فيها الشيوعية و الإيديولوجيات المغلقة بل أنه يشكل تهديدا كبيرا للممارسات الليبرالية و يمثل تحديا جديا للغرب.
يواصل فوكوياما استنقاصه الممنهج للإسلام بتأكيده أن الاسلام لم يعد يمارس أية جاذبية خارج الدول و الشعوب غير الاسلامية و أن زمن الغزو الثقافي للإسلام لغيره قد انتهى.
بل إنه قام بعكس الهجوم و بين أن الاسلام هو الذي يتعرض للغزو الثقافي الغربي و أن شبيبته هي الآن لقمة صائغة في يد الأفكار الليبرالية الغربية و أن قوة التهديد الذي تمثله القيم التحررية قد أدت الى تجدد الانطواء على الذات و انبعاث الصحوة الأصولية و بالتالي التفويت في التقدم و الأنوار و الخنوع الى النكوص و التخلف و العودة الى الماضي.
كما أنه يفسر اليقظة الأولى التي حدث للمسلمين و القيام بالإصلاحات الدستورية بمنافع الاستعمار و قدوم جيوش نابليون الى القاهرة و تخليص الشرق من النظام الاقطاعي و النموذج الاستبدادي العثماني.
كل هذه الآراء هي مجرد ترهات و مقاربة خارجية سطحية و أحكام مسبقة نابعة عن نظرة عنصرية و رؤية استشراقية تعامل الاسلام كمجال حيوي للغزو و الترويض و الاستعباد.
و يمكن الرد عليها بالاجتهاد و التأويل من داخل حضارة إقرأ نفسها و النظرة الانفتاحية للغيرية و تشريع الحريات و الحقوق للإنسان و الشعوب في الاسلام و حمل رسالة السلام و الحب و الصداقة و التعارف الى العالم و الإقرار بأن الدعوة تتم باللسان و العمل الطيب و الأسوة الحسنة و تنبذ العنف و الحرب و الاستيلاء و تحترم الخصوصيات و الأديان و اللغات الأخرى و تؤمن كذلك بأن التحضر يتم بواسطة ما يستحوذ عليه من كنوز مطمورة و رموز نيرة في داخله و بالاستفادة من القيم الكونية و المكاسب المدنية للأمم المغايرة له و أن الداخلين الى الاسلام هم أكبر بكثير من الخارجين عنه و أنه العلوم الاسلامية و الفلسفات العربية كانت تعد رافدا في حداثة الغرب و لا تزال.
اللافت للنظر أن هذا الموقف المعلن في الكتاب ليس موقفا محايدا و لا حكما علميا موضوعيا و إنما هو موقف ايديولوجي محافظ يعبر عن رؤية اليمين الغربي الليبرالي و يعبر عن ثقافة العولمة المتوحشة و يبرر سياستها الإختراقية الإستقطابية تجاه الأمم و الشعوب و الثقافات المغايرة و يمارس نوعا من البروباغاندا الدعائية لهذه الأفكار المعادية لحقوق الشعوب المضطهدة في السيادة و في تقرير مصيرها بنفسها.
ربما الخطأ الكبير الذي وقع فيه فوكوياما أنه حكم على الاسلام بالاعتماد على المعايير و القيم الغربية و لم يتفطن الى الفرق الكبير بين الطرفين و كان عليه أن يحكم على الاسلام من زاوية المعايير و القيم الاسلامية ذاتها و أن يحترم الخصوصية الروحية و الثقافية لحضارة إقرأ و خاصة مفاهيم الدين القيم و ختم النبوة و عالمية الرسالة و استكمال مكارم الأخلاق.
هذا الأمر كان قد انتبه اليه برنار لويس حينما صرح ذات يوم:
ان الاسلام في معظم الأفكار الاسلامية يظل المعيار الرئيسي للتماثل و الهوية العامة و الولاء، فالإسلام هو الذي يميز بين الأنا و الآخر بين من هو داخل الجماعة و من هو خارجها،بين الأخ و الغريب.
و نحن في العالم الغربي قد أصبحنا معتادين على معيارية أخرى للتصنيف على حسب العرق أو الموطن أو على تقسيمات مختلفة رئيسية من هذا القبيل.
كما يمكن الرد عليه أيضا بالانطلاق من نظرة استشراقية منصفة نجدها عند ماكسيم رودنسون في كتابه جاذبية الاسلام و خاصة قوله:
إن الإسلام هو أسرع الديانات انتشاراً في العالم اليوم.هناك إذن شيء حقيقي يجذب إليه العديد من نخبة الناس لكن ماهي أسرار الجاذبية التي يمارسها الاسلام على البشر كافة و يجعلهم يدخلون اليه فرادى و جماعات و يستوي في ذلك الانسان العادي و رجل العلم؟
و كما يتساءل برنار لويس:
ماهو مكمن القوة في الاسلام أو جاذبيته كمجال ولاء و أساس ثورة؟
* كاتب فلسفي.
....................
المراجع و المصادر:
فرانسيس فوكوياما،نهاية التاريخ و الإنسان الأخير،ترجمة مركز الانماء القومي،بيروت،1993.
دومينيك سورديل،الاسلام في القرون الوسطى،ترجمة علي مقلد،دار التنوير للطباعة و النشر، بيروت،1983،
ماكسيم رودنسون،جاذبية الإسلام ترجمة الياس مرقص،دار التنوير للطباعة و النشر،بيروت، 1982.