مراكز التفكير: استشراف المستقبل و جدار الأدلجة.
احمد جويد.
.......
تعمل مراكز الدراسات و البحوث بما تمتلكه من معلومات و خبرات و دراسات و تحليلات و استبيانات و استطلاع للرأي على إنتاج الفكر و المعرفة بطريقة تفكيك المعلومة و دراستها و تحليلها و من ثم تقديمها على شكل خبرة أو مشورة أو نصيحة في مختلف مجالات الحياة (السياسية،الاجتماعية، الاقتصادية،التربوية و العسكرية....الخ)،و تكون ذات أهمية كبيرة في بناء الجماعات و المؤسسات و الدول.
فالحقيقة المستوحاة من تطور دول العالم و تقدمها نابعة من قدرتها على التعاطي مع الواقع العلمي و العملي و النظر برؤية استشرافية للمستقبل عبر مراكز الدراسات و البحوث التي تؤدي الدور الأكبر و الاهم في هذا المجال،الأمر الذي أدى إلى وجود قفزة نوعية على الوسائل التقليدية في التفكير و رسم الخطط.
فالاستعانة بمراكز الدراسات في الدول المتقدمة لا تُعَدُّ عيباً أو انتقاصاً من قدر صانع القرار السياسي أو الاقتصادي أو التربوي في تلك البلدان بل؛على العكس من ذلك تعد واجبا عقليا و عقلائيا تعطيهم دفعاً و زخماً قوياً في اتخاذ القرارات التي قد يترددون باتخاذها في أي مجال من مجالات الحياة،كونها لم تبني آرائها و أفكارها على مقتضى العواطف أو المجاملات إنما تأتي توصياتها بعد أن تتعامل مع جميع المعطيات ذات العلاقة للقضية محل الدراسة بطرق تحليلية و علمية.
........
و لهذه المراكز مهام عدة يمكن إيجازها بـ:
1- وضع الخطط و الاستراتيجيات للمؤسسات ذات العلاقة بصيغ علمية رصينة كفيلة برفع مستوى أداء المؤسسة و نجاحها في حال اتبعت الخطة أو البرنامج المرسوم لها من قبل هذه المراكز.
2- دراسة و تحليل الظواهر الاقتصادية و السياسية المختلفة التي تشهدها الساحة الدولية و تقديم تأصيل نظري للمفاهيم ذات الصلة بالعلاقات الدولية من مداخل العولمة و حقوق الإنسان و المواثيق الدولية.
3- صناعة الأفكار و الأهداف و الوسائل التي تخص السياسات،و دورها في إمداد الإدارة التنفيذية بالموظفين اللائقين علميا و عمليا لتطبيق السياسات،و أهميتها في إثراء الساحة الإقليمية و الدولية بالبحوث و الدراسات التي من شأنها وضع المبادرات المطروحة عن طريق عقد اجتماعات بين مختلف صانعي القرار و كبار الأكاديميين من أجل معرفة أثر السياسة الخارجية على مصالح الدولة و مدى فعاليتها.
.........
غير إن تلك المراكز تصطدم بجدار الآيدلوجيات الأحادية و المستبدة التي ترى إن مهمة التخطيط للمستقبل و معرفة ما قد يتمخض عن الحاضر ليؤثر في القادم هو من إختصاصها وحدها دون الاستعانة بأي مؤسسة أخرى.
فحينما يحاول البعض ربط هذه المراكز بسياساته و أيدلوجياته الخاصة و جعلها تدور في فلك تفكيره و رؤيته لتسير ضمن ما يخطط لها تفقد تلك المراكز أهميتها و تخرج من إطارها المهني إلى الإطار النفعي الذي قد يعود بالضرر المباشر عليها و غير المباشر على الجهات التي تحاول السيطرة عليها.
و تختلف مراكز الدراسات باختلاف الأيدلوجيات التي تحكمها،و بطبيعة الحال يأتي نوع و شكل النظام السياسي في مقدمة العوامل التي تساعد أو تعرقل عمل هذه المراكز،فإذا كان النظام السياسي يؤمن بالحرية و التعددية و يحترم الحقوق و الحريات العامة و في مقدمتها حرية التعبير عن الفكر و الرأي فسوف نجد مراكز دراسات على درجة من المهنية و الكفاءة التي تؤهلها لتحقيق السبق في مجال التنافس المستقبلي،أما إذا كان العكس أي إن منطق الاستبداد هو الذي يحكم فإنها لا تعدو أن تكون أكثر من تنظيمات و هياكل شكلية تشكل واجهة دعائية من واجهات الجهة التي تعمل لصالحها.
..........
و بالنتيجة فإن ربط مراكز الدراسات بمؤسسات آيدلوجية مستبدة يؤدي إلى:
1- عدم جدوائية هذه المراكز و تحيدها و تحجيمها و جعلها مجرد بوق أو واجهة من واجهات الجهات المستفيدة منها.
2- تبلد تلك الأفكار و تقوقع تطلعات أصحابها،حيث يخبت غذائها الجسمي و العقلي و تصبح معوقة و غير قادرة على النمو و التطوير بوجود نمط الاستبداد الذي يحكمها.
3- قيام تلك المراكز بإعطاء معلومات غير حقيقية للمرتبطين بها قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات و مواقف خاطئة و بعيدة كل البعد عن الصواب في المجال (السياسي،الاقتصاد،الثقافي،الاجتماعي، العسكري....الخ) في حال طلب منها رأي أو مشورة.
4- تفويت فرصة على المؤسسة أو الجماعة أو البلد في التقدم نحو الإمام في زمن يتغير فيه العالم كل دقيقة بحيث باتت الشعوب لا تشعر بهذا التغيير.
5- جعلها أقل فاعلية لأنها ستكون أقل تفاعلاً مع البيئة المحيطة بها و أقل اهتماماً بالمشاكل التي تحيط بها و مساهمتها أضعف في إيجاد الحلول المناسبة للمجتمعات التي تحتضنها،و بذلك تبقى مجرد هياكل معزولة عن بيئاتها و تتضاءل قدرتها في حل المشاكل التي تعاني منها مجتمعات التخلف و هذا يأتي على خلاف مراكز البحوث و الدراسات التي أقيمت في الدول المتقدمة.
..........
إذن كلما كانت السلطة السياسية مستبدة و دكتاتورية فإنها لا تدعم أو تنمي إلا المؤسسات التي تدين لها بالولاء و تروج لمشاريعها السلطوية،و بذلك فقد وقعت العديد من الأحزاب و المؤسسات في نفاق المراكز القائمة على الولاء في كثير من المناسبات كأن تصور لها -(على سبيل المثال) - بأن حظوظها الانتخابية كبيرة و إنها قامت باستطلاعات للرأي تمخض عنها اكتساحها للوسط الشعبي من دون أن تدرس المعطيات بصورة مهنية و علمية بغية إرضاء من يقوم بدعمها و تمويلها ثم تثبت الوقائع عكس ذلك تماماً.
.........
و بذلك فلابد من قراءة شاملة تعيد النظر في التفكير حول كيفية الاهتمام بمراكز الدراسات التي تعمل جاهدة بالحصول على الفرضيات و النظريات التي من شأنها صنع المستقبل أو التأثير به،و لا بد من توفير المناخات المناسبة التي تجعل من مراكز التفكير مؤسسات منتجة تساهم في صنع و بناء المستقبل،و من بين أهم العوامل التي توفر تلك المناخات هي:
1- وجود النظام السياسي الحر الذي لا يتدخل في عمل المؤسسات و لا يفرض عليها القيود القانونية أو الاقتصادية من أجل طرحها لمنتجها الفكري بكل حرية و موضوعية سواء تطابق مع أفكار الجهات صاحبة القرار أم لم يتطابق معها.
2- الحفاظ على استقلالية هذه المراكز و عدم التدخل في عملها و فرض الآراء غير الواقعية عليها و توفير التمويل المالي اللازم لها من أجل انجاز بحوثها و دراساتها.
3- الاهتمام بالكفاءات العلمية البحثية التي تحتضنها تلك المراكز،فبقدر امتلاكها للكفاءات العلمية يتحدد أفق البحث العلمي و طبيعة نتائجه.
4- الاهتمام بمنتجها،فهي بقدر ما تحصل عليه من موارد ناتجة عن تسويق انجازات أبحاثها تقوم بالإنفاق على عملها و لذلك عندما يتوفر الدعم المالي الشفاف لأعمالها بإمكانها تسويق نتائج أبحاثها.
5- تسليط الضوء على الجوانب المشرقة لهذه المراكز في الجانب الإعلامي يجعلها أكثر حيوية في عملها و أكثر تفاعلاً مع مشكلات الحياة المختلفة.
.............
معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات.واشنطن.
احمد جويد.
.......
تعمل مراكز الدراسات و البحوث بما تمتلكه من معلومات و خبرات و دراسات و تحليلات و استبيانات و استطلاع للرأي على إنتاج الفكر و المعرفة بطريقة تفكيك المعلومة و دراستها و تحليلها و من ثم تقديمها على شكل خبرة أو مشورة أو نصيحة في مختلف مجالات الحياة (السياسية،الاجتماعية، الاقتصادية،التربوية و العسكرية....الخ)،و تكون ذات أهمية كبيرة في بناء الجماعات و المؤسسات و الدول.
فالحقيقة المستوحاة من تطور دول العالم و تقدمها نابعة من قدرتها على التعاطي مع الواقع العلمي و العملي و النظر برؤية استشرافية للمستقبل عبر مراكز الدراسات و البحوث التي تؤدي الدور الأكبر و الاهم في هذا المجال،الأمر الذي أدى إلى وجود قفزة نوعية على الوسائل التقليدية في التفكير و رسم الخطط.
فالاستعانة بمراكز الدراسات في الدول المتقدمة لا تُعَدُّ عيباً أو انتقاصاً من قدر صانع القرار السياسي أو الاقتصادي أو التربوي في تلك البلدان بل؛على العكس من ذلك تعد واجبا عقليا و عقلائيا تعطيهم دفعاً و زخماً قوياً في اتخاذ القرارات التي قد يترددون باتخاذها في أي مجال من مجالات الحياة،كونها لم تبني آرائها و أفكارها على مقتضى العواطف أو المجاملات إنما تأتي توصياتها بعد أن تتعامل مع جميع المعطيات ذات العلاقة للقضية محل الدراسة بطرق تحليلية و علمية.
........
و لهذه المراكز مهام عدة يمكن إيجازها بـ:
1- وضع الخطط و الاستراتيجيات للمؤسسات ذات العلاقة بصيغ علمية رصينة كفيلة برفع مستوى أداء المؤسسة و نجاحها في حال اتبعت الخطة أو البرنامج المرسوم لها من قبل هذه المراكز.
2- دراسة و تحليل الظواهر الاقتصادية و السياسية المختلفة التي تشهدها الساحة الدولية و تقديم تأصيل نظري للمفاهيم ذات الصلة بالعلاقات الدولية من مداخل العولمة و حقوق الإنسان و المواثيق الدولية.
3- صناعة الأفكار و الأهداف و الوسائل التي تخص السياسات،و دورها في إمداد الإدارة التنفيذية بالموظفين اللائقين علميا و عمليا لتطبيق السياسات،و أهميتها في إثراء الساحة الإقليمية و الدولية بالبحوث و الدراسات التي من شأنها وضع المبادرات المطروحة عن طريق عقد اجتماعات بين مختلف صانعي القرار و كبار الأكاديميين من أجل معرفة أثر السياسة الخارجية على مصالح الدولة و مدى فعاليتها.
.........
غير إن تلك المراكز تصطدم بجدار الآيدلوجيات الأحادية و المستبدة التي ترى إن مهمة التخطيط للمستقبل و معرفة ما قد يتمخض عن الحاضر ليؤثر في القادم هو من إختصاصها وحدها دون الاستعانة بأي مؤسسة أخرى.
فحينما يحاول البعض ربط هذه المراكز بسياساته و أيدلوجياته الخاصة و جعلها تدور في فلك تفكيره و رؤيته لتسير ضمن ما يخطط لها تفقد تلك المراكز أهميتها و تخرج من إطارها المهني إلى الإطار النفعي الذي قد يعود بالضرر المباشر عليها و غير المباشر على الجهات التي تحاول السيطرة عليها.
و تختلف مراكز الدراسات باختلاف الأيدلوجيات التي تحكمها،و بطبيعة الحال يأتي نوع و شكل النظام السياسي في مقدمة العوامل التي تساعد أو تعرقل عمل هذه المراكز،فإذا كان النظام السياسي يؤمن بالحرية و التعددية و يحترم الحقوق و الحريات العامة و في مقدمتها حرية التعبير عن الفكر و الرأي فسوف نجد مراكز دراسات على درجة من المهنية و الكفاءة التي تؤهلها لتحقيق السبق في مجال التنافس المستقبلي،أما إذا كان العكس أي إن منطق الاستبداد هو الذي يحكم فإنها لا تعدو أن تكون أكثر من تنظيمات و هياكل شكلية تشكل واجهة دعائية من واجهات الجهة التي تعمل لصالحها.
..........
و بالنتيجة فإن ربط مراكز الدراسات بمؤسسات آيدلوجية مستبدة يؤدي إلى:
1- عدم جدوائية هذه المراكز و تحيدها و تحجيمها و جعلها مجرد بوق أو واجهة من واجهات الجهات المستفيدة منها.
2- تبلد تلك الأفكار و تقوقع تطلعات أصحابها،حيث يخبت غذائها الجسمي و العقلي و تصبح معوقة و غير قادرة على النمو و التطوير بوجود نمط الاستبداد الذي يحكمها.
3- قيام تلك المراكز بإعطاء معلومات غير حقيقية للمرتبطين بها قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات و مواقف خاطئة و بعيدة كل البعد عن الصواب في المجال (السياسي،الاقتصاد،الثقافي،الاجتماعي، العسكري....الخ) في حال طلب منها رأي أو مشورة.
4- تفويت فرصة على المؤسسة أو الجماعة أو البلد في التقدم نحو الإمام في زمن يتغير فيه العالم كل دقيقة بحيث باتت الشعوب لا تشعر بهذا التغيير.
5- جعلها أقل فاعلية لأنها ستكون أقل تفاعلاً مع البيئة المحيطة بها و أقل اهتماماً بالمشاكل التي تحيط بها و مساهمتها أضعف في إيجاد الحلول المناسبة للمجتمعات التي تحتضنها،و بذلك تبقى مجرد هياكل معزولة عن بيئاتها و تتضاءل قدرتها في حل المشاكل التي تعاني منها مجتمعات التخلف و هذا يأتي على خلاف مراكز البحوث و الدراسات التي أقيمت في الدول المتقدمة.
..........
إذن كلما كانت السلطة السياسية مستبدة و دكتاتورية فإنها لا تدعم أو تنمي إلا المؤسسات التي تدين لها بالولاء و تروج لمشاريعها السلطوية،و بذلك فقد وقعت العديد من الأحزاب و المؤسسات في نفاق المراكز القائمة على الولاء في كثير من المناسبات كأن تصور لها -(على سبيل المثال) - بأن حظوظها الانتخابية كبيرة و إنها قامت باستطلاعات للرأي تمخض عنها اكتساحها للوسط الشعبي من دون أن تدرس المعطيات بصورة مهنية و علمية بغية إرضاء من يقوم بدعمها و تمويلها ثم تثبت الوقائع عكس ذلك تماماً.
.........
و بذلك فلابد من قراءة شاملة تعيد النظر في التفكير حول كيفية الاهتمام بمراكز الدراسات التي تعمل جاهدة بالحصول على الفرضيات و النظريات التي من شأنها صنع المستقبل أو التأثير به،و لا بد من توفير المناخات المناسبة التي تجعل من مراكز التفكير مؤسسات منتجة تساهم في صنع و بناء المستقبل،و من بين أهم العوامل التي توفر تلك المناخات هي:
1- وجود النظام السياسي الحر الذي لا يتدخل في عمل المؤسسات و لا يفرض عليها القيود القانونية أو الاقتصادية من أجل طرحها لمنتجها الفكري بكل حرية و موضوعية سواء تطابق مع أفكار الجهات صاحبة القرار أم لم يتطابق معها.
2- الحفاظ على استقلالية هذه المراكز و عدم التدخل في عملها و فرض الآراء غير الواقعية عليها و توفير التمويل المالي اللازم لها من أجل انجاز بحوثها و دراساتها.
3- الاهتمام بالكفاءات العلمية البحثية التي تحتضنها تلك المراكز،فبقدر امتلاكها للكفاءات العلمية يتحدد أفق البحث العلمي و طبيعة نتائجه.
4- الاهتمام بمنتجها،فهي بقدر ما تحصل عليه من موارد ناتجة عن تسويق انجازات أبحاثها تقوم بالإنفاق على عملها و لذلك عندما يتوفر الدعم المالي الشفاف لأعمالها بإمكانها تسويق نتائج أبحاثها.
5- تسليط الضوء على الجوانب المشرقة لهذه المراكز في الجانب الإعلامي يجعلها أكثر حيوية في عملها و أكثر تفاعلاً مع مشكلات الحياة المختلفة.
.............
معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات.واشنطن.