الشيشان...بين استاتيكية الجغرافيا و ديناميكية السياسة
د.عاطف معتمد عبد الحميد
*********************************************
تكمن واحدة من أهم مشكلات الإدراك التخيلي في عدم وضوح " الخريطة الذهنية " لكثير من مناطق الصدام الحضاري التي يهتم بها فكرنا العربي و الإسلامي على السواء.و تعاني الشيشان من غيابها عن مخيلة الكثيرين نظرا لوقوعها في مكان معقد من الخريطة السياسية للعالم المعاصر.
و الشيشان جزء من إقليم شهير كان للحضارة العربية معه علاقات وطيدة ألا وهو إقليم القوقاز.
القوقاز إقليم جبلي يقع بين البحر الأسود في الغرب و بحر قزوين في الشرق،ومن الخريطة المرفقة يتضح كيف أن الإقليم تتقاسمه أربع دول هي روسياو جورجيا و أذربيجان و أرمينيا.والقوقاز هو الإسم الشائع للمصطلح الروسي "القفقاس" و كلاهما من الأصل اللاتيني "قوقاسوس" الذي جاء من التسمية التي أطلقها الحثيون على سكان الساحل الشرقي للبحر الأسود.وقد صار الإقليم عبر العصور التاريخية المتتالية مسارا مهما لإنتقال الثقافات من الجنوب-حيث حضارات الهلال الخصيب-إلى الشمال الحضارة الروسية وإلى الغرب حضارات شرق أوروبا وكذلك إلى الشرق آسيا الوسطى.ورغم أن الإقليم بموقعه هذا يمثل حضارة أورو-آسيوية إلا أن التأثير الثقافي الآسيوي أكثر وضوحا.
و يتسم القوقاز بتنوع عرقي كبير ،وهو أمر راجع إلى كون الإقليم معبرا أرضيا مرت عبره موجات بشرية عديدة تحركت بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.واستتبع ذلك التنوع العرقي تنوع لغوي شديد يندر أن نجد له مثيلا في بقعة من الأرض لها تلك المساحة الصغيرة.و يقطن القوقاز أكثر من 50شعبا يتحدثون بلغات مختلفة و لهجات متنوعة.و قد أصاب كثير من الجغرافيين العرب –الذين جابوا الإقليم ودونوا كثيرا من المعلومات التي عرفها العالم عن القوقاز فيما بعد-حينما أطلقوا على الإقليم مسمى" جبل الألسن" في إشارة بليغة إلى التنوع الكبير في لغات الإقليم.
و يتفق الباحثون على تقسيم القوقاز سياسيا إلى قسمين وهما:
القوقاز الشمالي: و يشمل ست جمهوريات خاضعة للسيادة الروسية و هي جمهوريات الشيشان،وداغستان،وأوسيتيا الشمالية،وقبردين-بلقاريا-وقارتشي-شيركيسيا،والأديغة،والقوقاز الجنوبي: ويشمل ثلاث دول هي: أذربيجان،وأرمينيا،وجورجيا والتي كانت هي الأخرى حتى عهد قريب جمهوريات في الإمبراطورية السوفييتية التي حكمت القوقاز الموحد شماله وجنوبه.
جذور المشكلة:
تاريخيا،وضعت روسيا أعينها على الشيشان منذ عصر روسيا الكييفية نسبة إلى " كييف" عاصمة أكرانيا الحالية.وفي عصر الإمارة الموسكوفية في بداية التاريخ القيصري-كانت الشيشان وداغستان محط الأنظار الروسية،وجرى الإهتمام بهما على محورين متوازيين:
1-كان المحور الأول يهدف إلى التوسع التدريجي البطيء للأراضي الروسية نحو الجنوب بالإستعانة بالنشاط الفاعل لقبائل القوزاق الموالين لروسيا و الذين بدأوا في التوغل غير المحسوس-وبصورة بدت سليمة-في الأراضي القوقازية وتم هذا التوغل عبر عدة مئات من السنين خطوة وراء خطوة.
2-و جاء المحور الثاني للتوغل الروسي في أراضي الشيشان حينما وقعت جورجيا المسيحية بين مخلبي إيران وتركيا ، ورأت جورجيا أنه لابد من الإستعانة بشقيقة الديانة روسيا أثناء نزاعها المسلح مع الجيران المسلمين الأشداء وقتما كانت جورجيا محط النزاع بين إمبراطورية تركيا العثمانية والإمبراطورية الفارسية.وجاء الرد الروسي سريعا و بترحاب من دولة فتية طالما أغراها التوغل نحو الجنوب.
ومنذ القرن السادس عشر الميلادي مرت بنهر العلاقات الروسية –الشيشانية مياه كثيرة،بل دعنا نقل دماء كثيرة،وسالت على سفوح جبال القوقازالشيشانية والداغستانية أنهر من الدم كان مدادها مئات الآلاف من المجاهدين في سبيل تحرير الأرض بمرجعية دينية-قومية في أغلب الفترات.وشهدت الجمهوريات الإسلامية خلال الحكم القيصري و من بعده السوفييتي سياسات وحيدة الوجهة،و إن اختلفت شكلا ،هدفها التذويب القسري للأعراق و الديانات في القوقاز بصفة عامة و الشيشان على وجه الخصوص ، ولم تكن النتيجة إيجابية بأي حال من الأحوال،وجاء انفراط العقد السوفييتي ليدخل الشيشان في مرحلة جديدة من الأحداث.
قراءة في الخريطة:
بنظرة عن قرب للشيشان يطالعك "نهر تيريك" العظيم ،يجري إشعاعيا من الجنوب و الغرب،حيث تغسل مياهه أقدام جبال القوقاز،ليرتمي فيما بعد في أحضان بحر قزوين المتعطش للمياه.وبين الجبل والبحر و على ضفاف النهر العظيم،ترصع خريطة الشيشان سلسلة من المدن والبلدات أشهرها جودرمس،وأرجون،وجروزني العاصمة.
وإذا ما تتبعت الخريطة ستعرف من هم جيران الشيشان فداغستان في الشرق تفصلها عن بحر قزوين،وجمهوريات القوقاز الشمالي تفصلها في الغرب عن البحر الأسود، وتقف لها جورجيا بجبالها الشاقة حاجز ة في الجنوب،أما في الشمال فيخيم عليها الظل الروسي الثقيل.و هكذا
وضعت الجغرافيا الشيشان في موقع لاتحسد عليه وهي تواجه الزحف الروسي بموجاته المتتاليةالقيصري-السوفييتي-الفيدرالي.ورغم شهرتها ،فالشيشان ذات مساحة محدودة 17000كم2.
و تستطيع أن تقطعها بسيارتك من الشمال إلى الجنوب في نحو ساعتين ,ومن الشرق إلى الغرب في أقل من ساعة.و رغم صغر المساحة إلا أن الله قد منحها تنوعا إيكولوجيا بديعا ما بين غابات و جبال وسهول و أنهار ومناخات تتراوح بين الباردة و المعتدلة، و تحكي لك جبالها والتي تصل منسوبا يفوق 4000متر عن قصص من البطولات يزهو بها تاريخ المقاومة الإنساني في الذود عن الأرض و الوطن.و ترقد الشيشان كل عام تحت تراكم ثلجي من أوائل نوفمبر حتى أواخر مارس بسمك يتراوح بين1إلى 1.5متر.وكما حددت الظروف المناخية مواسم الحرب و القتال في الشيشان منذ العهد القيصري وحتى اليوم حددت التضاريس كذلك معاقل المجاهدين و المدافعين عن أرضهم ،فكانت الجبال والغابات الكثيقة قلاعا استعصت على الروس على مر التاريخ.
و الشيشان-تلك الدولةالمعلنة من جانب واحد في نوفمبر 1991،وإن لم تنل حتى الآن الإعتراف الدولي،دع عنك الروسي بالطبع-ذات قوام سكاني يناهز المليون نسمة يدين أغلبهم بالإسلام،و تمثل القومية الشيشانية أكبر القوميات أكثر من 85 % من إجمالي السكان إضافة إلى قوميات أخرى على رأسهم الإنجوش .ومع تداعيات حربي الشيشان الأولى في عام 1994، والثانية عام 1999 هجر الشيشانيون أوطانهم لدرجة قدر معها البعض سكان الشيشان الحاليين بأقل من نصف ما كانوا عليه قبل عقد التسعينيات الدامي.و النتيجة عشرات الآلاف من اللاجئين معظمهم يعيش في مخيمات بجمهورية أنجوشيتيا المجاورة في ظل مشكلات صحية واقتصادية لا أول لها ولا آخر.
ديناميكية السياسة:
منذ سقوط الإتحاد السوفييتي و المشكلة الرئيسية لروسيا هي الأمن القومي.و تحدد التهديدات الداخلية لأمن روسيا القومي كثيرا من المعايير المهمة لأمنها الجيوبوليتيكي .و قد عبر الشانسكي-أحد المحللين السياسيين الروس-عن ذلك دراميا بقوله في يناير 1992 يبدو أنه لا مفر أن نتجرع الكأس حتى الثمالة –بالأمس انهدم البيت السوفييتي ، واليوم تتهدم روسيا.و ما الشيشان إلا مشهد في فصول تهدم البيت.أما بقية المشاهد فستتوالى بخروج مناطق الحكم الذاتي تعقبها الأقاليم ولنقل إنها ستبدأ تحت ستار مناطق اقتصادية ثم تتعاقب المشاهد و الفصول عبر انفصال وحدات أصغر فأصغر.
و بالرغم من الأهمية المطلقة للحيز المكاني الذي تقع فيه الشيشان إقليم القوقاز فإن الوزن النوعي لهذا المكان اختلف بتغير الخريطة الجيوبوليتيكية لروسيا منذ انفراط عقد الإتحاد السوفييتي ،ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية:
أولا: أنه قبيل تفكك الإتحاد السوفييتي كانت المناطق الإسلامية في القوقاز تقع داخل البيت الروسي ذاته وبعيدة نسبيا عن الحدود الروسية –التركية،والروسية-الإيرانية بوجود كل من أرمينيا وأذربيجان وجورجيا كمناطق تخوم داخل البيت السوفييتي .أما الآن فإن الشيشان وداغستان وغيرهما من جمهوريات القوقاز الشمالي في جنوب روسيا باتت تمثل الحدود الدولية لروسيا مع الجيران.ويجب ألا ننسى أن الطرح المباشر لمفهوم ماذا يضير روسيا لو انفصلت عنها جمهورية فقيرة مثل جمهورية الشيشان لا تصل مساحتها إلى 0.5 % من إجمالي مساحة روسيا،ولا يزيد سكانها عن 0.7 % من إجمالي سكان روسيا.أوالقول إن مثل هذه الجمهوريات لن تكون لها مكانة على الخريطة الدولية وستعود من تلقاء نفسها طالبة الود الروسي مرة أخرى،نقول إن هذا الطرح ليس له مكان في مفهوم الأمن القومي الروسي الذي يضع كل شبر في الجنوب القوقازي في بؤرة اهتماماته.
فاستبعاد الجنوب القوقازي من السيادة الروسية يعني إبعادها عن مناطق بالغة الأهمية في الصراع الدولي على رأسها منطقة الشرق الأوسط-خاصة تركيا وإيران والعراق-والعالم العربي،وآسيا الوسطى.
ثانيا: إن التاريخ الحربي الروسي هو تاريخ مفعم بولع شديد للوصول إلى المياه المفتوحة وعلى رأسها مياه البحر الأسود الحروب الروسية-التركية.وإذا كانت روسيا تطل على اثني عشر بحرا يتعرض معظمها للتجمد في فصل الشتاء فإن الأهمية الجيواستراتيجية للموقع الذي تترامى فيه جمهورية الشيشان و أخواتها في القوقاز الشمالي فيما بين البحر الأسود وبحر قزوين لا يدع مجالا للإعتقاد بإمكان تخلي روسيا عن الشيشان طواعية.
و قد كانت أراضي الشيشان وما جاورها خطوة تاقت روسيا لأن تخطوها للوصول إلى مياه المحيط الهندي أحلام إخضاع إيران وأفغانستان للسيطرة.كما كان موقع المناطق الإسلامية في القوقاز على الخريطة السياسية للإتحاد السوفييتي أقل أهمية مما كان عليه إبان العهد القيصري ،كما أن هذا الموقع اليوم يفوق بكثير أهميته التي كان عليها قبل تفكك الإتحاد السوفييتي و تكوين الجمهوريات المستقلة،و يرجع هذا لأن الإطلال الروسي على المياه المفتوحة كانت تحققه أكرانيا بسواحلها الطويلة في شمال البحر الأسود،و جورجيا بسواحلها في جنوب شرق هذا البحر.ومع الحرمان الروسي من النوافد الساحلية التي فقدتها مع استقلال أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا فإن روسيا غير مستعدة للتضحية بأي قدم بحري حتى و لو كان على بحر مغلق كبحر قزوين أو بحر شبه مغلق كالبحر الأسود.
ثالثا: أن تدفق النفط في منطقة بحر قزوين يجعل روسيا مستعدة في سبيل إبقاء كل الأراضي في الجنوب تحت سيطرتها لدفع أي ثمن خاصة في ظل التوغل الأمريكي-الأوروبي في القوقاز وآسيا الوسطى ،ذلك التوغل الذي يرتدي عباءة شركات الإستثمارات البترولية.والمشكلة أن معظم المناطق الروسية الغنية بالنفط حول بحر قزوين هي مناطق إسلامية.ويصف بعض الباحثين المنطقة بأنها بحر من الدين يطفو فوق بحر من النفط،ولنا أن نتخيل كم تساوي أهمية منطقة يجتمع فيها الإسلام والنفط معا في كنف عالم مابعد11سبتمبر.
رابعا: أفظت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي اتخدتها الولايات المتحدة ذريعة لحربها في أفغانستان إلى وصول القواعد العسكرية الأمريكية إلى أطراف البيت الروسي،وصارت الشيشان و باقي جمهوريات القوقاز على مرمى حجر من هذه القوات التي تتوغل رويدا رويدا في جمهوريات آسيا الوسطى.وإن كانت روسيا-لأسباب متعددة ليس آخرها علاقتها الجديدة بحلف الناتو-تبدي مرونة فائقة في مواجهة التوغل الأمريكي،لدرجة أعلنت معها صحيفة برافداالروسية مطلع شهر يوليو 2002عن قيام عمليات عسكرية روسية-أمريكية-جورجية على حدود الشيشان في منطقة وادي بنكيسي للبحث عن مقاتلي القاعدة.
خامسا :في الوقت الذي لم تفق فيه روسيا بعد من تبعات ضياع الإمبراطورية وتحملها آلام تناقص هيبتها على الخريطة الدولية في غير مرة "يعدها البعض دولة من دول العالم الثالث "تتمحور الخطط الإستراتيجية الروسية-خاصة على المستوى الإقليمي –على تدعيم تماسك الدولة الروسية و تأكيد الإتحاد الروسي.و يكفي أننا عندما نستدعي إلى الأذهان النظرية القائلة إن لكل زعيم حربه المقدسة لا ننسى أن تماسك الحكم الروسي في بداية عهد الرئيس بوتين كان مرهونا بنجاحه في حرب الشيشان المقدسة للحفاظ على وحدة البيت الروسي والقضاء على الأصوليين والمتطرفين في الشيشان وداغستان.وجدير بالذكر أن الخطاب الرسمي الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مايو2001و يشبههه إلى حد كبير خطاب مايو 2002 في ذكرى الإنتصار على النازية أكد على أنه إذا كانت روسيا تستحضر اليوم عظمة إنجازها في إلحاق الهزيمة و كسر الفاشية،فإنه يستلزم عليها أن تواجه بنفس الروح و العزيمة التطرف والأصولية،في إشارة مباشرة إلى الوضع في القوقاز.وكانت تلك الكلمات تلقى بينما الحرب دائرة على أشدها في جمهورية الشيشان.و يبدو أن روسيا استبدلت الأصولية بالنازية سيرا على نهج الولايات المتحدة التي استبدلت الأصولية بالشيوعية.
سادسا: إذا ما قبلنا فرضية جدلية مفادها قبول روسيا استقلال الشيشان فإن الدولة الوليدة ستجابهها مشكلات عدة قد لا تعطي لها فرصة للإستمتاع بحلاوة النصر .وعلى رأس هده المشكلات
1-ستعاني الشيشان الإنعزال والإنحباس الجغرافي و هو ما سيجعلها معتمدة على دول الجوار و في مقدمتها روسيا وجورجيا و ما يكتنف ذلك من تباينات ايديولوجية يصعب انتظار تغيرها.أضف إلى ذلك قضايا الحدود الساخنة،فليس للشيشان حدود واضحة مع الجيران،وخاصة مع جمهورية أجوشيتيا الواقعة في غربها،وهذه الحدود غير المتفق عليها هي القنابل الموقوتة المنتظر انفجارها بعد إعلان الإستقلال.فحتى إذا ما وافقت روسيا على استقلال الشيشان فإن أنجوشيتيا ستظل تحت السيادة الروسية وستطفو على السطح نزاعات حدودية كتلك التي وقعت بين أرمينيا وأذربيجان أو بين روسيا وجورجيا.
2-ضعف الموارد وقلة الموارد الإقتصادية.فمستقبل الشيشان يعتمد على تطوير التنقيب عن النفط،أو على الأقل الإستفادة من عبور أنابيب النفط عبر أراضيها.وروسيا قادرة على تطويق الشيشان و حرمانها من مرور أنابيب النفط والغاز عبر أراضيها،وقد قامت خلال حرب الشيشان الثانية بذلك فعليا.و ستجابه الشيشان قضية خطيرة هي إعادة الإعمار و إصلاح البنية الأساسية وهو ما يتطلب قدرات إقتصادية كبيرة لا تتأتى للشيشان في ظل ضعف مواردها السابق الإشارة إليها.
وقد يكون المخرج الوحيد يلقي مساعدات أجنبية على غرار إعادة إعمار أفغانستان.
سابعا: حينما كانت العلاقات الروسية-الأمريكية يعتورها الشك و التوجس عالم ماقبل 11سبتمبر،كانت الولايات المتحدة دوما ما توجه اللوم إلى روسيا بضرورة أن تراجع سياستها القمعية في الشيشان ووصل الأمر إلى الحديث عن مذابح جماعية ارتكبتها روسيا بحق الشيشان.وعلق البعض الآمال على إمكان أن تستفيد الشيشان من بقايا الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا،خاصة أن الأخيرة كانت لا تدري ماذا تفعل حيال توسع حلف الناتوشرقا.أما الآن وبعد اتفاق سياسة الدولتين في محاربة الإرهاب الدولي،وبعد أن أصبحت روسيا في مايو الماضي عضوا في حلف الناتو وإن كانت عضوية منقوصة،وو جدت روسيا لنفسها مكانا في التحالف الأوروبي خاصة على المستوى الإقتصادي و فتحت الأسواق الأوروبية و الأمريكية أمام السلع الروسية وعلى رأسها النفط والصلب تغيرت نظرة الغرب إلى قضية الشيشان.
و هكذا لسنوات عديدة قادمة ستعلو صيحات الشيشان طالبة الغوث و لن تلقى مجيبا،فالغرب عقد الشراكة مع روسيا،والعرب والمسلمون-رفقاء الدين والعقيدة-متهمون بدعم الأصولية إذا ما مدوا أيديهم بالعون،و حسبهم أن ينجوا بأنفسهم من الإتهام،و حسبهم أن يصلوا أولا إلى حل لمعضلة شيشان الشرق الأوسط-فلسطين.
المصدر مجلة العربي،العدد530-شوال1423-يناير2003
د.عاطف معتمد عبد الحميد
*********************************************
تكمن واحدة من أهم مشكلات الإدراك التخيلي في عدم وضوح " الخريطة الذهنية " لكثير من مناطق الصدام الحضاري التي يهتم بها فكرنا العربي و الإسلامي على السواء.و تعاني الشيشان من غيابها عن مخيلة الكثيرين نظرا لوقوعها في مكان معقد من الخريطة السياسية للعالم المعاصر.
و الشيشان جزء من إقليم شهير كان للحضارة العربية معه علاقات وطيدة ألا وهو إقليم القوقاز.
القوقاز إقليم جبلي يقع بين البحر الأسود في الغرب و بحر قزوين في الشرق،ومن الخريطة المرفقة يتضح كيف أن الإقليم تتقاسمه أربع دول هي روسياو جورجيا و أذربيجان و أرمينيا.والقوقاز هو الإسم الشائع للمصطلح الروسي "القفقاس" و كلاهما من الأصل اللاتيني "قوقاسوس" الذي جاء من التسمية التي أطلقها الحثيون على سكان الساحل الشرقي للبحر الأسود.وقد صار الإقليم عبر العصور التاريخية المتتالية مسارا مهما لإنتقال الثقافات من الجنوب-حيث حضارات الهلال الخصيب-إلى الشمال الحضارة الروسية وإلى الغرب حضارات شرق أوروبا وكذلك إلى الشرق آسيا الوسطى.ورغم أن الإقليم بموقعه هذا يمثل حضارة أورو-آسيوية إلا أن التأثير الثقافي الآسيوي أكثر وضوحا.
و يتسم القوقاز بتنوع عرقي كبير ،وهو أمر راجع إلى كون الإقليم معبرا أرضيا مرت عبره موجات بشرية عديدة تحركت بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.واستتبع ذلك التنوع العرقي تنوع لغوي شديد يندر أن نجد له مثيلا في بقعة من الأرض لها تلك المساحة الصغيرة.و يقطن القوقاز أكثر من 50شعبا يتحدثون بلغات مختلفة و لهجات متنوعة.و قد أصاب كثير من الجغرافيين العرب –الذين جابوا الإقليم ودونوا كثيرا من المعلومات التي عرفها العالم عن القوقاز فيما بعد-حينما أطلقوا على الإقليم مسمى" جبل الألسن" في إشارة بليغة إلى التنوع الكبير في لغات الإقليم.
و يتفق الباحثون على تقسيم القوقاز سياسيا إلى قسمين وهما:
القوقاز الشمالي: و يشمل ست جمهوريات خاضعة للسيادة الروسية و هي جمهوريات الشيشان،وداغستان،وأوسيتيا الشمالية،وقبردين-بلقاريا-وقارتشي-شيركيسيا،والأديغة،والقوقاز الجنوبي: ويشمل ثلاث دول هي: أذربيجان،وأرمينيا،وجورجيا والتي كانت هي الأخرى حتى عهد قريب جمهوريات في الإمبراطورية السوفييتية التي حكمت القوقاز الموحد شماله وجنوبه.
جذور المشكلة:
تاريخيا،وضعت روسيا أعينها على الشيشان منذ عصر روسيا الكييفية نسبة إلى " كييف" عاصمة أكرانيا الحالية.وفي عصر الإمارة الموسكوفية في بداية التاريخ القيصري-كانت الشيشان وداغستان محط الأنظار الروسية،وجرى الإهتمام بهما على محورين متوازيين:
1-كان المحور الأول يهدف إلى التوسع التدريجي البطيء للأراضي الروسية نحو الجنوب بالإستعانة بالنشاط الفاعل لقبائل القوزاق الموالين لروسيا و الذين بدأوا في التوغل غير المحسوس-وبصورة بدت سليمة-في الأراضي القوقازية وتم هذا التوغل عبر عدة مئات من السنين خطوة وراء خطوة.
2-و جاء المحور الثاني للتوغل الروسي في أراضي الشيشان حينما وقعت جورجيا المسيحية بين مخلبي إيران وتركيا ، ورأت جورجيا أنه لابد من الإستعانة بشقيقة الديانة روسيا أثناء نزاعها المسلح مع الجيران المسلمين الأشداء وقتما كانت جورجيا محط النزاع بين إمبراطورية تركيا العثمانية والإمبراطورية الفارسية.وجاء الرد الروسي سريعا و بترحاب من دولة فتية طالما أغراها التوغل نحو الجنوب.
ومنذ القرن السادس عشر الميلادي مرت بنهر العلاقات الروسية –الشيشانية مياه كثيرة،بل دعنا نقل دماء كثيرة،وسالت على سفوح جبال القوقازالشيشانية والداغستانية أنهر من الدم كان مدادها مئات الآلاف من المجاهدين في سبيل تحرير الأرض بمرجعية دينية-قومية في أغلب الفترات.وشهدت الجمهوريات الإسلامية خلال الحكم القيصري و من بعده السوفييتي سياسات وحيدة الوجهة،و إن اختلفت شكلا ،هدفها التذويب القسري للأعراق و الديانات في القوقاز بصفة عامة و الشيشان على وجه الخصوص ، ولم تكن النتيجة إيجابية بأي حال من الأحوال،وجاء انفراط العقد السوفييتي ليدخل الشيشان في مرحلة جديدة من الأحداث.
قراءة في الخريطة:
بنظرة عن قرب للشيشان يطالعك "نهر تيريك" العظيم ،يجري إشعاعيا من الجنوب و الغرب،حيث تغسل مياهه أقدام جبال القوقاز،ليرتمي فيما بعد في أحضان بحر قزوين المتعطش للمياه.وبين الجبل والبحر و على ضفاف النهر العظيم،ترصع خريطة الشيشان سلسلة من المدن والبلدات أشهرها جودرمس،وأرجون،وجروزني العاصمة.
وإذا ما تتبعت الخريطة ستعرف من هم جيران الشيشان فداغستان في الشرق تفصلها عن بحر قزوين،وجمهوريات القوقاز الشمالي تفصلها في الغرب عن البحر الأسود، وتقف لها جورجيا بجبالها الشاقة حاجز ة في الجنوب،أما في الشمال فيخيم عليها الظل الروسي الثقيل.و هكذا
وضعت الجغرافيا الشيشان في موقع لاتحسد عليه وهي تواجه الزحف الروسي بموجاته المتتاليةالقيصري-السوفييتي-الفيدرالي.ورغم شهرتها ،فالشيشان ذات مساحة محدودة 17000كم2.
و تستطيع أن تقطعها بسيارتك من الشمال إلى الجنوب في نحو ساعتين ,ومن الشرق إلى الغرب في أقل من ساعة.و رغم صغر المساحة إلا أن الله قد منحها تنوعا إيكولوجيا بديعا ما بين غابات و جبال وسهول و أنهار ومناخات تتراوح بين الباردة و المعتدلة، و تحكي لك جبالها والتي تصل منسوبا يفوق 4000متر عن قصص من البطولات يزهو بها تاريخ المقاومة الإنساني في الذود عن الأرض و الوطن.و ترقد الشيشان كل عام تحت تراكم ثلجي من أوائل نوفمبر حتى أواخر مارس بسمك يتراوح بين1إلى 1.5متر.وكما حددت الظروف المناخية مواسم الحرب و القتال في الشيشان منذ العهد القيصري وحتى اليوم حددت التضاريس كذلك معاقل المجاهدين و المدافعين عن أرضهم ،فكانت الجبال والغابات الكثيقة قلاعا استعصت على الروس على مر التاريخ.
و الشيشان-تلك الدولةالمعلنة من جانب واحد في نوفمبر 1991،وإن لم تنل حتى الآن الإعتراف الدولي،دع عنك الروسي بالطبع-ذات قوام سكاني يناهز المليون نسمة يدين أغلبهم بالإسلام،و تمثل القومية الشيشانية أكبر القوميات أكثر من 85 % من إجمالي السكان إضافة إلى قوميات أخرى على رأسهم الإنجوش .ومع تداعيات حربي الشيشان الأولى في عام 1994، والثانية عام 1999 هجر الشيشانيون أوطانهم لدرجة قدر معها البعض سكان الشيشان الحاليين بأقل من نصف ما كانوا عليه قبل عقد التسعينيات الدامي.و النتيجة عشرات الآلاف من اللاجئين معظمهم يعيش في مخيمات بجمهورية أنجوشيتيا المجاورة في ظل مشكلات صحية واقتصادية لا أول لها ولا آخر.
ديناميكية السياسة:
منذ سقوط الإتحاد السوفييتي و المشكلة الرئيسية لروسيا هي الأمن القومي.و تحدد التهديدات الداخلية لأمن روسيا القومي كثيرا من المعايير المهمة لأمنها الجيوبوليتيكي .و قد عبر الشانسكي-أحد المحللين السياسيين الروس-عن ذلك دراميا بقوله في يناير 1992 يبدو أنه لا مفر أن نتجرع الكأس حتى الثمالة –بالأمس انهدم البيت السوفييتي ، واليوم تتهدم روسيا.و ما الشيشان إلا مشهد في فصول تهدم البيت.أما بقية المشاهد فستتوالى بخروج مناطق الحكم الذاتي تعقبها الأقاليم ولنقل إنها ستبدأ تحت ستار مناطق اقتصادية ثم تتعاقب المشاهد و الفصول عبر انفصال وحدات أصغر فأصغر.
و بالرغم من الأهمية المطلقة للحيز المكاني الذي تقع فيه الشيشان إقليم القوقاز فإن الوزن النوعي لهذا المكان اختلف بتغير الخريطة الجيوبوليتيكية لروسيا منذ انفراط عقد الإتحاد السوفييتي ،ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية:
أولا: أنه قبيل تفكك الإتحاد السوفييتي كانت المناطق الإسلامية في القوقاز تقع داخل البيت الروسي ذاته وبعيدة نسبيا عن الحدود الروسية –التركية،والروسية-الإيرانية بوجود كل من أرمينيا وأذربيجان وجورجيا كمناطق تخوم داخل البيت السوفييتي .أما الآن فإن الشيشان وداغستان وغيرهما من جمهوريات القوقاز الشمالي في جنوب روسيا باتت تمثل الحدود الدولية لروسيا مع الجيران.ويجب ألا ننسى أن الطرح المباشر لمفهوم ماذا يضير روسيا لو انفصلت عنها جمهورية فقيرة مثل جمهورية الشيشان لا تصل مساحتها إلى 0.5 % من إجمالي مساحة روسيا،ولا يزيد سكانها عن 0.7 % من إجمالي سكان روسيا.أوالقول إن مثل هذه الجمهوريات لن تكون لها مكانة على الخريطة الدولية وستعود من تلقاء نفسها طالبة الود الروسي مرة أخرى،نقول إن هذا الطرح ليس له مكان في مفهوم الأمن القومي الروسي الذي يضع كل شبر في الجنوب القوقازي في بؤرة اهتماماته.
فاستبعاد الجنوب القوقازي من السيادة الروسية يعني إبعادها عن مناطق بالغة الأهمية في الصراع الدولي على رأسها منطقة الشرق الأوسط-خاصة تركيا وإيران والعراق-والعالم العربي،وآسيا الوسطى.
ثانيا: إن التاريخ الحربي الروسي هو تاريخ مفعم بولع شديد للوصول إلى المياه المفتوحة وعلى رأسها مياه البحر الأسود الحروب الروسية-التركية.وإذا كانت روسيا تطل على اثني عشر بحرا يتعرض معظمها للتجمد في فصل الشتاء فإن الأهمية الجيواستراتيجية للموقع الذي تترامى فيه جمهورية الشيشان و أخواتها في القوقاز الشمالي فيما بين البحر الأسود وبحر قزوين لا يدع مجالا للإعتقاد بإمكان تخلي روسيا عن الشيشان طواعية.
و قد كانت أراضي الشيشان وما جاورها خطوة تاقت روسيا لأن تخطوها للوصول إلى مياه المحيط الهندي أحلام إخضاع إيران وأفغانستان للسيطرة.كما كان موقع المناطق الإسلامية في القوقاز على الخريطة السياسية للإتحاد السوفييتي أقل أهمية مما كان عليه إبان العهد القيصري ،كما أن هذا الموقع اليوم يفوق بكثير أهميته التي كان عليها قبل تفكك الإتحاد السوفييتي و تكوين الجمهوريات المستقلة،و يرجع هذا لأن الإطلال الروسي على المياه المفتوحة كانت تحققه أكرانيا بسواحلها الطويلة في شمال البحر الأسود،و جورجيا بسواحلها في جنوب شرق هذا البحر.ومع الحرمان الروسي من النوافد الساحلية التي فقدتها مع استقلال أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا فإن روسيا غير مستعدة للتضحية بأي قدم بحري حتى و لو كان على بحر مغلق كبحر قزوين أو بحر شبه مغلق كالبحر الأسود.
ثالثا: أن تدفق النفط في منطقة بحر قزوين يجعل روسيا مستعدة في سبيل إبقاء كل الأراضي في الجنوب تحت سيطرتها لدفع أي ثمن خاصة في ظل التوغل الأمريكي-الأوروبي في القوقاز وآسيا الوسطى ،ذلك التوغل الذي يرتدي عباءة شركات الإستثمارات البترولية.والمشكلة أن معظم المناطق الروسية الغنية بالنفط حول بحر قزوين هي مناطق إسلامية.ويصف بعض الباحثين المنطقة بأنها بحر من الدين يطفو فوق بحر من النفط،ولنا أن نتخيل كم تساوي أهمية منطقة يجتمع فيها الإسلام والنفط معا في كنف عالم مابعد11سبتمبر.
رابعا: أفظت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي اتخدتها الولايات المتحدة ذريعة لحربها في أفغانستان إلى وصول القواعد العسكرية الأمريكية إلى أطراف البيت الروسي،وصارت الشيشان و باقي جمهوريات القوقاز على مرمى حجر من هذه القوات التي تتوغل رويدا رويدا في جمهوريات آسيا الوسطى.وإن كانت روسيا-لأسباب متعددة ليس آخرها علاقتها الجديدة بحلف الناتو-تبدي مرونة فائقة في مواجهة التوغل الأمريكي،لدرجة أعلنت معها صحيفة برافداالروسية مطلع شهر يوليو 2002عن قيام عمليات عسكرية روسية-أمريكية-جورجية على حدود الشيشان في منطقة وادي بنكيسي للبحث عن مقاتلي القاعدة.
خامسا :في الوقت الذي لم تفق فيه روسيا بعد من تبعات ضياع الإمبراطورية وتحملها آلام تناقص هيبتها على الخريطة الدولية في غير مرة "يعدها البعض دولة من دول العالم الثالث "تتمحور الخطط الإستراتيجية الروسية-خاصة على المستوى الإقليمي –على تدعيم تماسك الدولة الروسية و تأكيد الإتحاد الروسي.و يكفي أننا عندما نستدعي إلى الأذهان النظرية القائلة إن لكل زعيم حربه المقدسة لا ننسى أن تماسك الحكم الروسي في بداية عهد الرئيس بوتين كان مرهونا بنجاحه في حرب الشيشان المقدسة للحفاظ على وحدة البيت الروسي والقضاء على الأصوليين والمتطرفين في الشيشان وداغستان.وجدير بالذكر أن الخطاب الرسمي الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مايو2001و يشبههه إلى حد كبير خطاب مايو 2002 في ذكرى الإنتصار على النازية أكد على أنه إذا كانت روسيا تستحضر اليوم عظمة إنجازها في إلحاق الهزيمة و كسر الفاشية،فإنه يستلزم عليها أن تواجه بنفس الروح و العزيمة التطرف والأصولية،في إشارة مباشرة إلى الوضع في القوقاز.وكانت تلك الكلمات تلقى بينما الحرب دائرة على أشدها في جمهورية الشيشان.و يبدو أن روسيا استبدلت الأصولية بالنازية سيرا على نهج الولايات المتحدة التي استبدلت الأصولية بالشيوعية.
سادسا: إذا ما قبلنا فرضية جدلية مفادها قبول روسيا استقلال الشيشان فإن الدولة الوليدة ستجابهها مشكلات عدة قد لا تعطي لها فرصة للإستمتاع بحلاوة النصر .وعلى رأس هده المشكلات
1-ستعاني الشيشان الإنعزال والإنحباس الجغرافي و هو ما سيجعلها معتمدة على دول الجوار و في مقدمتها روسيا وجورجيا و ما يكتنف ذلك من تباينات ايديولوجية يصعب انتظار تغيرها.أضف إلى ذلك قضايا الحدود الساخنة،فليس للشيشان حدود واضحة مع الجيران،وخاصة مع جمهورية أجوشيتيا الواقعة في غربها،وهذه الحدود غير المتفق عليها هي القنابل الموقوتة المنتظر انفجارها بعد إعلان الإستقلال.فحتى إذا ما وافقت روسيا على استقلال الشيشان فإن أنجوشيتيا ستظل تحت السيادة الروسية وستطفو على السطح نزاعات حدودية كتلك التي وقعت بين أرمينيا وأذربيجان أو بين روسيا وجورجيا.
2-ضعف الموارد وقلة الموارد الإقتصادية.فمستقبل الشيشان يعتمد على تطوير التنقيب عن النفط،أو على الأقل الإستفادة من عبور أنابيب النفط عبر أراضيها.وروسيا قادرة على تطويق الشيشان و حرمانها من مرور أنابيب النفط والغاز عبر أراضيها،وقد قامت خلال حرب الشيشان الثانية بذلك فعليا.و ستجابه الشيشان قضية خطيرة هي إعادة الإعمار و إصلاح البنية الأساسية وهو ما يتطلب قدرات إقتصادية كبيرة لا تتأتى للشيشان في ظل ضعف مواردها السابق الإشارة إليها.
وقد يكون المخرج الوحيد يلقي مساعدات أجنبية على غرار إعادة إعمار أفغانستان.
سابعا: حينما كانت العلاقات الروسية-الأمريكية يعتورها الشك و التوجس عالم ماقبل 11سبتمبر،كانت الولايات المتحدة دوما ما توجه اللوم إلى روسيا بضرورة أن تراجع سياستها القمعية في الشيشان ووصل الأمر إلى الحديث عن مذابح جماعية ارتكبتها روسيا بحق الشيشان.وعلق البعض الآمال على إمكان أن تستفيد الشيشان من بقايا الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا،خاصة أن الأخيرة كانت لا تدري ماذا تفعل حيال توسع حلف الناتوشرقا.أما الآن وبعد اتفاق سياسة الدولتين في محاربة الإرهاب الدولي،وبعد أن أصبحت روسيا في مايو الماضي عضوا في حلف الناتو وإن كانت عضوية منقوصة،وو جدت روسيا لنفسها مكانا في التحالف الأوروبي خاصة على المستوى الإقتصادي و فتحت الأسواق الأوروبية و الأمريكية أمام السلع الروسية وعلى رأسها النفط والصلب تغيرت نظرة الغرب إلى قضية الشيشان.
و هكذا لسنوات عديدة قادمة ستعلو صيحات الشيشان طالبة الغوث و لن تلقى مجيبا،فالغرب عقد الشراكة مع روسيا،والعرب والمسلمون-رفقاء الدين والعقيدة-متهمون بدعم الأصولية إذا ما مدوا أيديهم بالعون،و حسبهم أن ينجوا بأنفسهم من الإتهام،و حسبهم أن يصلوا أولا إلى حل لمعضلة شيشان الشرق الأوسط-فلسطين.
المصدر مجلة العربي،العدد530-شوال1423-يناير2003