الضربة المصرية لداعش- مطلب شعبي أم تغطية على غياب الإنجازات في الداخل؟
22/02/2015
لم يتأخر الرد المصري على فيديو ذبح داعش لـ 21 قبطيا فقامت طائرات بضرب مواقع في "درنة" الليبية. خطوة يؤيدها معظم المصريين رغم مخاوف البعض من "صناعة مناخ مؤيد للنظام من لا شيء" و التغطية "على غياب إنجازات حقيقية في الداخل."
بعدما بث تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي المعروف باسم "داعش" الأحد الماضي (15 فبراير/ شباط) شريط فيديو يظهر فيه إعدامه لـ 21 قبطيا مصريا ذبحا، في مدينة سرت الليبية، خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مساء نفس اليوم ليعلن في رسالة متلفزة أن "مصر تحتفظ بحق الرد و بالأسلوب و التوقيت المناسب للقصاص، من هؤلاء القتلة المجرمين ..." و عليه وجه الجيش المصري فجر الاثنين ضربة جوية لمدينة "درنة" الليبية، استهدفت معسكرات و مناطق تمركز و تدريب تنظيم "داعش" بالأراضي الليبية، حسبما جاء في بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، تنفيذا لقرارات مجلس الدفاع الوطني المصري."
و بعدما طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتدخل عسكري دولي في الجارة الغربية لبلاده، تراجع سقف المطالب المصرية بمجلس الأمن الأربعاء (18 فبراير/ شباط) حينما طالب وزير الخارجية سامح شكري برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، و معلنا قبول مصر للحل السياسي للأزمة الليبية، لتكون الضربة المصرية الأولى بالتنسيق مع حكومة عبدالله الثني" هي الأخيرة كذلك.
لكن تأثير هذه الضربة لا يزال مستمرا في الشارع المصري حيث تداول مستخدمو الإنترنت لقطات تجسد العملية الجوية بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما بث الإعلام المصري الأغاني الوطنية، في مشهد أقرب لأجواء الحشد في حالة الحرب، و بالتزامن مع ذلك تزايدت أعداد العائدين عبر منفذ السلوم البري على الحدود المصرية الغربية بشكل يومي، كما أقيم جسر جوي بين مصر و تونس لنقل المصريين العائدين من ليبيا، بعد توقف الرحلات من المطارات الليبية.
تهدئة للشارع أم مغامرة و غياب تنسيق؟
و في حديث مع DW عربية يرى المهندس أحمد علي أن الضربات الجوية المصرية لتنظيم داعش هدأت من الأجواء في مصر و قال: "رد الفعل كان جيدا. لو لم تنفذ هذه الضربات لكان غضب الناس سيتصاعد خاصة أن قبلها حدثت العديد من أحداث قتل فيها مصريون بالداخل دون محاسبة لأحد."
بينما يعتبر مخرج الأفلام الوثائقية إسلام أمين أن الضربة الجوية المصرية الأولى كانت مغامرة، حيث ذكر لـDW عربية: "السيسي ضرب بعض المواقع في ليبيا و أراد أن يجرّ العالم لدعمه داخل مصر في مواجهة تنظيم الدولة في سيناء و الإخوان المسلمين، و في ليبيا كذلك لكن هذا لم يكن مقبولا من المجتمع الدولي."
و يرى أمين أن هذه الخطوات تهدف للتأثير على الداخل المصري، حيث لا توجد إنجازات داخلية حقيقية، و تابع "في الوقت نفسه يسعى السيسي لتدمير أي قوى سياسية بديلة في مصر، عن طريق شيطنة و تخوين شباب الثورة و الأحزاب و القوى المدنية، من خلال الإعلام المؤيد له و في المقابل يبرز البديل المتطرف مثل الجماعات الإرهابية."
و يضيف مخرج الأفلام الوثائقية: "كان اللافت خلال الأيام الماضية أن هناك غيابا للتنسيق بين الخارجية و الرئاسة، فبينما كان الرئيس يطالب بتحرك عسكري دولي، بدا أن وزير الخارجية يدعو الأمم المتحدة بألا تنشغل بما قاله رئيسه"، حسب تعبيره.
من ناحية أخرى كشف استطلاع للرأي، أجراه مركز بحوث الرأي العام "بصيرة" أن نسبة 85 في المائة من المصريين يؤيدون الضربات الجوية على معاقل داعش في ليبيا، و ترتفع نسبة الشباب لتصل إلى 82 في المائة، و لم يرفض منهم هذه الضربات إلا ثمانية في المائة فقط. و قد تمّ إجراء هذا الاستطلاع يوم الاثنين 16 فبراير/ شباط أي بعيد ساعات من الضربات الجوية، حسبما يؤكد المركز. كما تؤيد نسبة 76 في المائة من المصريين القيام بضربات جديدة، و يرفضها في المقابل 11 بالمائة ممن استطلعت آراؤهم.
المشاكل الاقتصادية أولوية غائبة
من جانبه يذكر المحلل السياسي محمد منيب في حديث مع DW عربية أن الضربة كانت لهدفين: "أولهما حتى لا يفكر هؤلاء المجرمون مرة أخرى في تكرار هذه الخطوة، لأن هذه الدولة سترد بشكل يتناسب مع ما تراه يهدد أمنها القومي، أما الآخر-و هو الأخطر في التحليل السياسي- فهو أن تدخلَ الدولة المصرية خط المواجهة الرئيسية للإرهاب المنظم خصوصا ضد تنظيم الدولة." كما يشير المحلل السياسي إلى أن مصر كانت تعلن تأييدها بشكل معنوي لضربات التحالف الدولي لهذا التنظيم في سوريا و العراق، لكن الأمر يختلف عندما نتحدث عن حدود مصر الغربية.
و سألته DW عربية هل ستتورط مصر أكثر في المستنقع الليبي؟ فأجاب: "نحن أمام وضع لا ينبغي أن يستمر أو يتطور، هناك قوات تستقر في شرق ليبيا، بما يهدد بحدوث حرب عصابات تستطيع أن تثير الكثير من القلاقل على الحدود أو في الداخل المصري".
كما يرى المحلل السياسي أن نسبة كبيرة من الشعب المصري تأمل أن يكون هناك برنامج زمني مطول لضرب معاقل هذا التنظيم في ليبيا، لكنه يشدد على أهمية ألا يترك النظام المصري المشاعر و الحماس وحدهما يحركانه، و يوضح: "القيادة السياسية يجب أن تقدر الموقف الاستراتيجي بشكل جيد، لأن المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية يجب أن يكون لها الأولوية لدى النظام السياسي حالياً."
أمَّا هاني دانيال، الباحث بالمركز العربي للبحوث و الدارسات، فيعتبر أن رد الفعل المصري جاء تلبية لرغبة شعبية حيث يقول لـ DW عربية: "كانت هناك مطالب من المصريين بوجود رد مشابه لما قام به الأردن بعد الحادث البشع لإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، و قد شعر النظام أنه قد يخسر الثقة بينه و بين الشارع إذا لم يفعل ذلك."
كما يؤكد دانيال أن هذا ليس أول حادث يقع للأقباط في ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث سبق أن قُتِلت أسرة مصرية، على يد جماعة "أنصار الشريعة" أواخر عام 2014، لهذا لم يكن كافيا القبول بالجهود الدبلوماسية فقط، حسبما يؤكد المحلل السياسي.
و يشير دانيال إلى وجود مزايا داخلية لهذه الضربات و يوضح: "يؤدي ذلك الوضع لصناعة مناخ مؤيد للنظام من لا شيء، خاصة أن دعاة حقوق الإنسان و الديمقراطية اختفت أصواتهم، و لا يكون هناك مجال للحديث عن حرية رأي أو تظاهر سلمي، حيث يتم إعلاء (شعار) الأمن القومي فقط، حيث انتشرت مثلا قوات الجيش في المحافظات المصرية بعد الضربات"، حسب ما ذكر الباحث بالمركز العربي للبحوث و الدارسات.
أحمد وائل - القاهرة
صوت ألمانيا
22/02/2015
لم يتأخر الرد المصري على فيديو ذبح داعش لـ 21 قبطيا فقامت طائرات بضرب مواقع في "درنة" الليبية. خطوة يؤيدها معظم المصريين رغم مخاوف البعض من "صناعة مناخ مؤيد للنظام من لا شيء" و التغطية "على غياب إنجازات حقيقية في الداخل."
بعدما بث تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي المعروف باسم "داعش" الأحد الماضي (15 فبراير/ شباط) شريط فيديو يظهر فيه إعدامه لـ 21 قبطيا مصريا ذبحا، في مدينة سرت الليبية، خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مساء نفس اليوم ليعلن في رسالة متلفزة أن "مصر تحتفظ بحق الرد و بالأسلوب و التوقيت المناسب للقصاص، من هؤلاء القتلة المجرمين ..." و عليه وجه الجيش المصري فجر الاثنين ضربة جوية لمدينة "درنة" الليبية، استهدفت معسكرات و مناطق تمركز و تدريب تنظيم "داعش" بالأراضي الليبية، حسبما جاء في بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، تنفيذا لقرارات مجلس الدفاع الوطني المصري."
و بعدما طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتدخل عسكري دولي في الجارة الغربية لبلاده، تراجع سقف المطالب المصرية بمجلس الأمن الأربعاء (18 فبراير/ شباط) حينما طالب وزير الخارجية سامح شكري برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، و معلنا قبول مصر للحل السياسي للأزمة الليبية، لتكون الضربة المصرية الأولى بالتنسيق مع حكومة عبدالله الثني" هي الأخيرة كذلك.
لكن تأثير هذه الضربة لا يزال مستمرا في الشارع المصري حيث تداول مستخدمو الإنترنت لقطات تجسد العملية الجوية بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما بث الإعلام المصري الأغاني الوطنية، في مشهد أقرب لأجواء الحشد في حالة الحرب، و بالتزامن مع ذلك تزايدت أعداد العائدين عبر منفذ السلوم البري على الحدود المصرية الغربية بشكل يومي، كما أقيم جسر جوي بين مصر و تونس لنقل المصريين العائدين من ليبيا، بعد توقف الرحلات من المطارات الليبية.
تهدئة للشارع أم مغامرة و غياب تنسيق؟
و في حديث مع DW عربية يرى المهندس أحمد علي أن الضربات الجوية المصرية لتنظيم داعش هدأت من الأجواء في مصر و قال: "رد الفعل كان جيدا. لو لم تنفذ هذه الضربات لكان غضب الناس سيتصاعد خاصة أن قبلها حدثت العديد من أحداث قتل فيها مصريون بالداخل دون محاسبة لأحد."
بينما يعتبر مخرج الأفلام الوثائقية إسلام أمين أن الضربة الجوية المصرية الأولى كانت مغامرة، حيث ذكر لـDW عربية: "السيسي ضرب بعض المواقع في ليبيا و أراد أن يجرّ العالم لدعمه داخل مصر في مواجهة تنظيم الدولة في سيناء و الإخوان المسلمين، و في ليبيا كذلك لكن هذا لم يكن مقبولا من المجتمع الدولي."
و يرى أمين أن هذه الخطوات تهدف للتأثير على الداخل المصري، حيث لا توجد إنجازات داخلية حقيقية، و تابع "في الوقت نفسه يسعى السيسي لتدمير أي قوى سياسية بديلة في مصر، عن طريق شيطنة و تخوين شباب الثورة و الأحزاب و القوى المدنية، من خلال الإعلام المؤيد له و في المقابل يبرز البديل المتطرف مثل الجماعات الإرهابية."
و يضيف مخرج الأفلام الوثائقية: "كان اللافت خلال الأيام الماضية أن هناك غيابا للتنسيق بين الخارجية و الرئاسة، فبينما كان الرئيس يطالب بتحرك عسكري دولي، بدا أن وزير الخارجية يدعو الأمم المتحدة بألا تنشغل بما قاله رئيسه"، حسب تعبيره.
من ناحية أخرى كشف استطلاع للرأي، أجراه مركز بحوث الرأي العام "بصيرة" أن نسبة 85 في المائة من المصريين يؤيدون الضربات الجوية على معاقل داعش في ليبيا، و ترتفع نسبة الشباب لتصل إلى 82 في المائة، و لم يرفض منهم هذه الضربات إلا ثمانية في المائة فقط. و قد تمّ إجراء هذا الاستطلاع يوم الاثنين 16 فبراير/ شباط أي بعيد ساعات من الضربات الجوية، حسبما يؤكد المركز. كما تؤيد نسبة 76 في المائة من المصريين القيام بضربات جديدة، و يرفضها في المقابل 11 بالمائة ممن استطلعت آراؤهم.
المشاكل الاقتصادية أولوية غائبة
من جانبه يذكر المحلل السياسي محمد منيب في حديث مع DW عربية أن الضربة كانت لهدفين: "أولهما حتى لا يفكر هؤلاء المجرمون مرة أخرى في تكرار هذه الخطوة، لأن هذه الدولة سترد بشكل يتناسب مع ما تراه يهدد أمنها القومي، أما الآخر-و هو الأخطر في التحليل السياسي- فهو أن تدخلَ الدولة المصرية خط المواجهة الرئيسية للإرهاب المنظم خصوصا ضد تنظيم الدولة." كما يشير المحلل السياسي إلى أن مصر كانت تعلن تأييدها بشكل معنوي لضربات التحالف الدولي لهذا التنظيم في سوريا و العراق، لكن الأمر يختلف عندما نتحدث عن حدود مصر الغربية.
و سألته DW عربية هل ستتورط مصر أكثر في المستنقع الليبي؟ فأجاب: "نحن أمام وضع لا ينبغي أن يستمر أو يتطور، هناك قوات تستقر في شرق ليبيا، بما يهدد بحدوث حرب عصابات تستطيع أن تثير الكثير من القلاقل على الحدود أو في الداخل المصري".
كما يرى المحلل السياسي أن نسبة كبيرة من الشعب المصري تأمل أن يكون هناك برنامج زمني مطول لضرب معاقل هذا التنظيم في ليبيا، لكنه يشدد على أهمية ألا يترك النظام المصري المشاعر و الحماس وحدهما يحركانه، و يوضح: "القيادة السياسية يجب أن تقدر الموقف الاستراتيجي بشكل جيد، لأن المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية يجب أن يكون لها الأولوية لدى النظام السياسي حالياً."
أمَّا هاني دانيال، الباحث بالمركز العربي للبحوث و الدارسات، فيعتبر أن رد الفعل المصري جاء تلبية لرغبة شعبية حيث يقول لـ DW عربية: "كانت هناك مطالب من المصريين بوجود رد مشابه لما قام به الأردن بعد الحادث البشع لإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، و قد شعر النظام أنه قد يخسر الثقة بينه و بين الشارع إذا لم يفعل ذلك."
كما يؤكد دانيال أن هذا ليس أول حادث يقع للأقباط في ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث سبق أن قُتِلت أسرة مصرية، على يد جماعة "أنصار الشريعة" أواخر عام 2014، لهذا لم يكن كافيا القبول بالجهود الدبلوماسية فقط، حسبما يؤكد المحلل السياسي.
و يشير دانيال إلى وجود مزايا داخلية لهذه الضربات و يوضح: "يؤدي ذلك الوضع لصناعة مناخ مؤيد للنظام من لا شيء، خاصة أن دعاة حقوق الإنسان و الديمقراطية اختفت أصواتهم، و لا يكون هناك مجال للحديث عن حرية رأي أو تظاهر سلمي، حيث يتم إعلاء (شعار) الأمن القومي فقط، حيث انتشرت مثلا قوات الجيش في المحافظات المصرية بعد الضربات"، حسب ما ذكر الباحث بالمركز العربي للبحوث و الدارسات.
أحمد وائل - القاهرة
صوت ألمانيا