الديكتاتوريّة
رغم بحثه الدائم عن الحرية، لايجد الانسان العربي او المسلم ضالته المنشودة، و يتكرر في بلاده مجيء الحكام الدكتاتوريين، لأنه يعتقد في غياب تلك الحرية و هذه الصور المتعددة للحكم الدكتاتوري اعتقادات شتى، يراها تتوزع و ان بدرجات متفاوتة على (القومية - الحدود الجغرافية - التراث الإسلامي - الفرد المسلم نفسه - توسع جهاز الحكم)، و هذه الاعتقادات و الاسباب و ان كانت تحمل بعض الصحة، الا انها ليست الصحة الكاملة على الاطلاق.
لكن السبب الحقيقي في مجيء الدكتاتور الى الحكم في بلداننا و تكرار مجيئه بصور متعددة و شتى، هو الجهل، جهل الامة، و هو جهل مستحكم دون علاجه فان المأساة تتكرر كل مرة.
في مقاربته لموضوع الدكتاتورية، تاريخا و ماضيا قريب، و حتى على مستوى الزمن الحاضر، يطرح المرجع الراحل الامام محمد الحسيني الشيرازي في كتابه (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) سؤالا واحدا يتفرع الى اربعة استفهامات يعتقدها مهمة و ضرورية لتفكيك المنظومة الدكتاتورية لو استطعنا الاجابة عليها.
تلك الاستفهامات تأتي مترابطة على الشكل التالي:
(كيف يأتي الدكتاتور إلى الحكم، و ما هي مقومات بقائه؟ و لماذا يسقط؟ و كيف يبنى الحكم بعد سقوط الدكتاتور؟).
في اجابته على هذا السؤال باستفهاماته الرئيسية، يؤكد ان (جهل الأمة)، هو السبب الرئيسي في مجيء الدكتاتور و تكرار مجيئه الذي نشاهده باستمرار في انظمة حكمنا، و هذا الجهل (إما جهلاً سلبياً بأن يجهلوا أن مشاكلهم نابعة من الحكم، بل يتصوروا أنها نابعة من شيء آخر، أو جهلاً إيجابياً و هو أسوأ الجهلين لأنه جهل مركب و هو أن يتصوروا أن من (الدين) الإبقاء على هذا النحو من الحكم، أو يتصوروا أن قدر المسلمين البقاء في ذيل القافلة و التخلف إلى ما شاء الله، أو ما أشبه ذلك من أنحاء الجهل بكلا قسميه).
و لا يكتفي الامام الراحل في تأكيد هذا السبب بل هو يتوسع في الحديث عنه، من خلال خاصية او ركيزة اساسية يعتمد عليها الدكتاتور و المستبد، و هو تصوير ارتباط موقعه و مكانته بالدين، و الايحاء الى محكوميه بان تلك المكانة تستدعي التقديس و التبجيل من قبلهم.
لهذا نجد كثيرا من هؤلاء الحكام يقوم اتباعهم بتقديم فروض التبجيل و التقديس لهم، و يؤدي هذا تدريجياً الى ان (يغترّ الزعماء بما يسمعونه من زبانيتهم، و لهذا تراهم يعبرون - هم - عن أنفسهم بأنهم رسل عقيدة و أنه لا تحيط بقدرتهم قوة البشر، و يصفون أنفسهم كما يصفهم أتباعهم أيضاً، بأنهم جاءوا و أصلحوا بما لم يكن له مثيل في سالف الزمان حتى إلى عشرات القرون).
و يعيد الامام الشيرازي السبب في العمل على تلك النزعة (هو جهل الجماهير و تطبعها بنزعة منحرفة تجعل من عبادة الفرد و التسليم له مذهباً دينياً و تريهم أن كل ميل إلى الحاكم يكون كالميل إلى الدين).
كل مظاهر التقديس تلك التي يلجأ اليها الدكتاتوريون تتم من خلال احاطة أنفسهم (بغموض إلهي غيبي خارج عن قدرة البشر فهم لا يخضعون لفحص العمليات العقلية العادية، كما أنه ليس من المناسب أن يخضعوا للإجراءات الاستشارية، فإذا أراد إنسان أن يفعل الصواب كان عليه أن يطيعهم طاعة عمياء، و إذا أراد أن يفعل الخطأ فهو أن يشك في حكمة الرئيس الأوحد أو ممثله، و أحكام الممثلية تجري حتى بالنسبة إلى الشرطي العادي الذي يمشي في الشارع، فهو ممثل الزعيم الأوحد و قد قال أحدهم: (حكمي حكم الرئيس و حكم الرئيس هو حكم الله).
بالنتيجة، يصبح الزعيم و الحاكم و القائد كالإله، و حينئذ اي اعتراض عليه من قبل معبوديه تكون عقوبة ذلك (عقوبة من مس كرامة الإله لا عقوبة عادية، فإذا أهان إنسان الزعيم في وقت ما و لو عند كونه إنساناً عادياً يكون جزاؤه الإبادة الكاملة لنفسه و عائلته و مصادرة ممتلكاته).
ثم لتأكيد سبب مجيء الدكتاتور و بقائه متسلطا على الرقاب، و هو الجهل الذي حدده كسبب رئيسي لذلك، فان الامام الراحل يحاور قارئه عبر طرح سؤال اخر، و هو سؤال شرعية هذا الحاكم الدكتاتور من خلال هذه الصيغة التساؤلية: (النظام الدكتاتوري إذا لم يكن مستنداً إلى الأمة، و لا إلى الواقع و المنطق و البرهان، فكيف يتمكن أن يترعرع و يشب و يعيش و يصل إلى الحكم، ثم كيف يتمكن من البقاء على الحكم لفترات طويلة؟).
في جوابه يعيد الامام الراحل التأكيد على ذلك السبب الجوهري، حيث (إن الاستبداد إنما ينمو و يترعرع و يعيش و يقفز على الحكم و يبقى بسبب جهل الناس و لذا يصر الإستبداد دائماً على سياسة التجهيل، و يغلق نوافذ المعرفة على الناس بألف وسيلة و وسيلة).
و يرى الامام الراحل، ان المشكلة الرئيسية و التي تتعلق في صلب بنية النظام الدكتاتوري هذه المرة، انما تعود حسب رايه الى (تمركز القدرة في أيدي جماعة قليلة تنتهي بالآخرة إلى فرد واحد، فإن من طبيعة القدرة المتمركزة كبت القابليات و إبادة الكفاءات و منع الناس من أن يفكروا أو يقولوا - فإن وضع الجو إذا صار جواً دكتاتورياً مات فيه الفكر أيضاً - و في مقابل ذلك يلف الدكتاتور حول نفسه جماعة من الامّعات الذين لا يهمهم إلا البطن و الشهوات).
2015-3-11
شبكة النبأ المعلوماتية
رغم بحثه الدائم عن الحرية، لايجد الانسان العربي او المسلم ضالته المنشودة، و يتكرر في بلاده مجيء الحكام الدكتاتوريين، لأنه يعتقد في غياب تلك الحرية و هذه الصور المتعددة للحكم الدكتاتوري اعتقادات شتى، يراها تتوزع و ان بدرجات متفاوتة على (القومية - الحدود الجغرافية - التراث الإسلامي - الفرد المسلم نفسه - توسع جهاز الحكم)، و هذه الاعتقادات و الاسباب و ان كانت تحمل بعض الصحة، الا انها ليست الصحة الكاملة على الاطلاق.
لكن السبب الحقيقي في مجيء الدكتاتور الى الحكم في بلداننا و تكرار مجيئه بصور متعددة و شتى، هو الجهل، جهل الامة، و هو جهل مستحكم دون علاجه فان المأساة تتكرر كل مرة.
في مقاربته لموضوع الدكتاتورية، تاريخا و ماضيا قريب، و حتى على مستوى الزمن الحاضر، يطرح المرجع الراحل الامام محمد الحسيني الشيرازي في كتابه (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) سؤالا واحدا يتفرع الى اربعة استفهامات يعتقدها مهمة و ضرورية لتفكيك المنظومة الدكتاتورية لو استطعنا الاجابة عليها.
تلك الاستفهامات تأتي مترابطة على الشكل التالي:
(كيف يأتي الدكتاتور إلى الحكم، و ما هي مقومات بقائه؟ و لماذا يسقط؟ و كيف يبنى الحكم بعد سقوط الدكتاتور؟).
في اجابته على هذا السؤال باستفهاماته الرئيسية، يؤكد ان (جهل الأمة)، هو السبب الرئيسي في مجيء الدكتاتور و تكرار مجيئه الذي نشاهده باستمرار في انظمة حكمنا، و هذا الجهل (إما جهلاً سلبياً بأن يجهلوا أن مشاكلهم نابعة من الحكم، بل يتصوروا أنها نابعة من شيء آخر، أو جهلاً إيجابياً و هو أسوأ الجهلين لأنه جهل مركب و هو أن يتصوروا أن من (الدين) الإبقاء على هذا النحو من الحكم، أو يتصوروا أن قدر المسلمين البقاء في ذيل القافلة و التخلف إلى ما شاء الله، أو ما أشبه ذلك من أنحاء الجهل بكلا قسميه).
و لا يكتفي الامام الراحل في تأكيد هذا السبب بل هو يتوسع في الحديث عنه، من خلال خاصية او ركيزة اساسية يعتمد عليها الدكتاتور و المستبد، و هو تصوير ارتباط موقعه و مكانته بالدين، و الايحاء الى محكوميه بان تلك المكانة تستدعي التقديس و التبجيل من قبلهم.
لهذا نجد كثيرا من هؤلاء الحكام يقوم اتباعهم بتقديم فروض التبجيل و التقديس لهم، و يؤدي هذا تدريجياً الى ان (يغترّ الزعماء بما يسمعونه من زبانيتهم، و لهذا تراهم يعبرون - هم - عن أنفسهم بأنهم رسل عقيدة و أنه لا تحيط بقدرتهم قوة البشر، و يصفون أنفسهم كما يصفهم أتباعهم أيضاً، بأنهم جاءوا و أصلحوا بما لم يكن له مثيل في سالف الزمان حتى إلى عشرات القرون).
و يعيد الامام الشيرازي السبب في العمل على تلك النزعة (هو جهل الجماهير و تطبعها بنزعة منحرفة تجعل من عبادة الفرد و التسليم له مذهباً دينياً و تريهم أن كل ميل إلى الحاكم يكون كالميل إلى الدين).
كل مظاهر التقديس تلك التي يلجأ اليها الدكتاتوريون تتم من خلال احاطة أنفسهم (بغموض إلهي غيبي خارج عن قدرة البشر فهم لا يخضعون لفحص العمليات العقلية العادية، كما أنه ليس من المناسب أن يخضعوا للإجراءات الاستشارية، فإذا أراد إنسان أن يفعل الصواب كان عليه أن يطيعهم طاعة عمياء، و إذا أراد أن يفعل الخطأ فهو أن يشك في حكمة الرئيس الأوحد أو ممثله، و أحكام الممثلية تجري حتى بالنسبة إلى الشرطي العادي الذي يمشي في الشارع، فهو ممثل الزعيم الأوحد و قد قال أحدهم: (حكمي حكم الرئيس و حكم الرئيس هو حكم الله).
بالنتيجة، يصبح الزعيم و الحاكم و القائد كالإله، و حينئذ اي اعتراض عليه من قبل معبوديه تكون عقوبة ذلك (عقوبة من مس كرامة الإله لا عقوبة عادية، فإذا أهان إنسان الزعيم في وقت ما و لو عند كونه إنساناً عادياً يكون جزاؤه الإبادة الكاملة لنفسه و عائلته و مصادرة ممتلكاته).
ثم لتأكيد سبب مجيء الدكتاتور و بقائه متسلطا على الرقاب، و هو الجهل الذي حدده كسبب رئيسي لذلك، فان الامام الراحل يحاور قارئه عبر طرح سؤال اخر، و هو سؤال شرعية هذا الحاكم الدكتاتور من خلال هذه الصيغة التساؤلية: (النظام الدكتاتوري إذا لم يكن مستنداً إلى الأمة، و لا إلى الواقع و المنطق و البرهان، فكيف يتمكن أن يترعرع و يشب و يعيش و يصل إلى الحكم، ثم كيف يتمكن من البقاء على الحكم لفترات طويلة؟).
في جوابه يعيد الامام الراحل التأكيد على ذلك السبب الجوهري، حيث (إن الاستبداد إنما ينمو و يترعرع و يعيش و يقفز على الحكم و يبقى بسبب جهل الناس و لذا يصر الإستبداد دائماً على سياسة التجهيل، و يغلق نوافذ المعرفة على الناس بألف وسيلة و وسيلة).
و يرى الامام الراحل، ان المشكلة الرئيسية و التي تتعلق في صلب بنية النظام الدكتاتوري هذه المرة، انما تعود حسب رايه الى (تمركز القدرة في أيدي جماعة قليلة تنتهي بالآخرة إلى فرد واحد، فإن من طبيعة القدرة المتمركزة كبت القابليات و إبادة الكفاءات و منع الناس من أن يفكروا أو يقولوا - فإن وضع الجو إذا صار جواً دكتاتورياً مات فيه الفكر أيضاً - و في مقابل ذلك يلف الدكتاتور حول نفسه جماعة من الامّعات الذين لا يهمهم إلا البطن و الشهوات).
2015-3-11
شبكة النبأ المعلوماتية