في الديمقراطية و بناء الدولة
2015-2-19
هذه السطور مجموعة افكار متفرقة حول الديمقراطية و ماتعنيه للتنظيمات السياسية الشيعية في العراق قبل العام 2003 و هي في المعارضة، و بعد ذلك العام و هي في السلطة.
ربما تتشابه هذه التنظيمات في نظرتها الى الديمقراطية مع التنظيمات السياسية السنية، الا ان تلك التنظيمات ليست من اهتمام هذه السطور.
بالعودة الى تاريخ الاحزاب السياسية الشيعية نلاحظ تأثير حزب الدعوة الاسلامية على بقية الاحزاب الشيعية العراقية، (حيث ان كل ما نشأ من تنظيمات حزبية شيعية في مابعد، لايخلو من تأثير هذا الحزب)، و الذي بدوره تأسس كردة فعل لظهور الحزب الشيوعي العراقي بعد العام 1958.
و من خلال هذا التاريخ نفسه، كانت الاسس التي اعتمد في القيام عليها حزب الدعوة هي:
1 – الاسلام هو العقيدة و الشريعة.
2 – المسلم على نوعين: الواقعي و الظاهري.
3 – الوطن الاسلامي مايسكنه المسلمون مع استحقاق سياسي لا لدولة الاسلامية اخضاع جميع العالم سياسيا لها، مع حفظ حقوق غير المسلمين.
4 – الدولة الاسلامية: كل دولة لاتقوم على عقيدة الاسلام و قاعدته هي دولة كافرة، و على المسلمين لقضاء عليها بالطرق التبشيرية السلمية او الجهادية المسلحة.
5 – الدولة الاسلامية دولة فكرية، على اعتبار ان الدولة على ثلاثة اشكالا: اقليمية و قومية و فكرية.
6 – شكل الحكم في الاسلام، الحاكم هو الراعي و المحكومون هم الرعية، و لا بد من ان تكون الرعاية او الحاكمية تكتسب من رعاية الامة و التقيد بنظم الاسلام.
7 – تطبيق الشكل الشوري في ظروف الامة الحاضرة، و من شروط تحقيق الشورى اختيار الحاكم و شكل الحكم ضمن الشريعة، الاكثر تطابقا مع مصلحة الاسلام و المسلمين.
8 – احكام الشريعة و الفرق بينها و بين التعاليم فالاولى ثابتة، و الثانية انظمة الدولة التفصيلية و هي تستنبط من الشريعة.
9 – مهمة بيان احكام الشريعة و تعيين القضاة ليستا من مهام الحكم، فتلك من مهام المجتهدين، و ليس من حق الدولة منح وظيفة القضاء لغير المجتهدين.
يتفق المراقبون لهذه الاحزاب و منذ تأسيسها، انها لم تهتم بالمسألة الديمقراطية على المستوى الاعلامي او في بياناتها السياسية، بل على العكس من ذلك كثيرا ما اعتبرتها من الافكار الوضعية المناهضة للاسلام.
او كما يعبر عن ذلك محمد مهدي الاصفي (احد القادة التاريخيين لحزب الدعوة):
(اما الديمقراطية فهي مدرسة سياسية لها جذورها الفكرية و الفلسفية و التاريخية، لذا فلا يصح اعتبارها اساسا من اسس الحكم في الاسلام).
و هذه القوى، في تاريخها القريب و راهنها الحالي، لم تصدر عنها رؤى فكرية اسلامية تحدد شكل الدولة التي تريدها، و لا عن كيفية ممارسة السلطة فيها.
انتقاد اخر انشغل به الاسلام السياسي الشيعي في تعاطيه مع الديمقراطية، و خاصة ما يتعلق منها بمبدأ الاغلبية، منطلقين في النظرة اليه من خلال تفسير عدد من آيات القران الكريم و اعتبار الاغلبية مذمومة في النص القرآني، مع امتداح الاقلية، ليصلوا في استنتاجاتهم ان الديمقراطية غير صالحة كشكل من اشكال الحكم.
و بالتالي فان كل القراءات للديمقراطية كانت من موقع النقد المعارض و المتضمن طرح البديل الاسلامي.
عامل اخر ساعد على تهميش دور الديمقراطية في طروحات هذه الاحزاب و متبنياتها النظرية، و هو قدسية الفكر السياسي الديني للمنظر و الذي هو قراءة واحدة من ضمن قراءات متعددة لكن لايتم الاعتراف بها.
و لم تلحظ هذه الاحزاب ان (الفكر الديني قراءة بشرية و الدين حقيقة الهية، لذا لامكان للادعاء بقدسية الفكر بالمعنى التنزيهي الخارج عن النقد و الرفض و القبول لانه قراءة انسانية للدين الالهي، و انما المقدس و المنزه هو الدين ذاته).
يذهب الكثير من الباحثين و المراقبين للأحزاب السياسية الدينية، ان ثمة تناقض جوهري صارخ بين الهوية الدينية (ستكون طائفية بالضرورة، لانتماء الهوية الى مذهب فقهي محدد) و الهوية الوطنية، فالأحزاب السياسية المدنية تؤسس على مبدأ الهوية الوطنية للبلد، بينما الاحزاب الدينية تعتمد الهوية الدينية، و التعارض بينهما قائم ايضا حول مفهوم الامة و مفهوم المواطنة، فالمواطنة تحد من مفهوم الامة، و تقتات عليه. بعد ان بدا واضحا ان تقديم الهوية الدينية على الهوية الوطنية كانت نتائجه كارثية لاتقل عن حرب اهلية او شبه حرب، و مع ملاحظة استمرار عدم الثقة بين ابناء الطوائف و المذاهب في مجتمعاتنا منذ الخلافة، فان مفهوم المواطنة ربما لن يترسخ بأفكار سياسية في الوقت القريب، قبل ان يترسخ بالممارسة السياسية بعد ان نكلّ من القتل و سيول الدماء الجارية بلا حساب في حروب الفتنة..
ماهي أبرز الملامح للمشهد السياسي العراقي منذ العام 2003 و حتى الان؟
سوف اتحدث عن ملمح واحد و الذي من خلاله تشكلت الحكومات السابقة و الحالية و هو (التوافق السياسي) و هو إتفاق عام، بين الأحزاب السياسية على إدارة شؤون البلد بناء على أُسس توافقية بغض النظر عن حجم تمثيلها البرلماني الحقيقي (الأحزاب الكبيرة و الأحزاب الصغيرة). و المثال الكلاسيكي على هذا المفهوم يتجلى بسياسات و أداء الحكومات الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية، و خصوصاً بريطانيا. و لأن هذا المفهوم ظهر مباشرة بعد الحرب، سُمي في بعض المراجع السياسية، بالتوافق السياسي لفترة ما بعد الحرب.
اما التوافق الوطني، فهو التوافق الذي يعبر عن الثوابت، و الأُسس التي تختارها أغلبية المواطنين في المجتمع، عن طريق الإنتخابات أو الإستفتاءات التي يشارك بها الشعب، حيث يتم تقرير تلك الثوابت عن طريق الاغلبية الناتجة من تلك الانتخابات أو الاستفتاءات. و هذه الثوابت ليست ثوابت أغلبية سياسية، اي إنها لاتعبر عن مواقف أو مصالح سياسية لمجموعة أحزاب سياسية فقط، بل هي ثوابت أغلبية مُجتمعية (و نعني بذلك المواطنين سواء المنتمين لأحزاب سياسية ام غير المنتمين)، تُعبر عن ثوابت يؤمن بها أغلبية المجتمع بأغلبية مواطنيه. لذلك، فهي مجموعة ثوابت يحدث بشأنها توافق بين مختلف المكونات المُشكِلة للمجتمع. و هكذا، فهي ليست أغلبية سياسية مُتغيرة، بل هي الأغلبية المجتمعية السائدة، و تلك الأُسس ليست برامج حزبية أو سياسية، و لكنها القواعد العامة التي يتفق عليها المجتمع، ويُبنى عليها النظام السياسي، والتي يتوافَقَ عليها المجتمع في الخيارات الكبرى مثل الدستور، وهوية الوطن وطبيعة النظام السياسي والوحدة الوطنية والتسامح وضمان الحرية والديمقراطية والعدالة والشفافية و المشاركة في الحياة السياسية لجميع المواطنين و المواطنات على قدم المساواة.
و تؤدي الثوابت التي يتوافق عليها المجتمع الى جعل النظام السياسي متوافقاً مع النظام الاجتماعي و منظومة القيم الثقافية و الحضارية السائدة، فتصبح الدولة بكل سُلطاتِها تعبيراً عن المجتمع، و ممثلة له، و تصبح القوى و الأحزاب السياسية ملزمة بما يتوافق عليه المجتمع، لا أن تفرض الاحزاب السياسية توافقاتها على المجتمع، في مسائل أساسية مثل الدستور.
و عبر التوافق يتم التفاهم و الحوار بين الاطراف السياسية المتعددة، للوصول الى حل للمشكلات السياسية من خلال التوفيق بين مطالبهم، اي التنازل المتبادل لتمرير صفقات سياسية.
في العراق تم فرض مبدأ التوافق بسبب الافتقار الى قوة سياسية اجتماعية مدنية قادرة على فرز البديل عن النظام السابق بعد العام 2003.
و جرى هذا التوافق بين الاطراف العراقية الحاكمة و المنتمية الى تكويناتها الاولية (الطائفية و القومية و الدينية و العشائرية) و المنتجة للهويات المتصارعة، مما ادى استمرار العمل به الى تعطيل المسار الديمقراطي و بناء المشاركة الشعبية الواسعة.
سمح هذا المبدأ مع المحاصصة الى تدعيم بناء سلطة الاحزاب السياسية الشيعية و تسلطها، بعيدا عن تفكيرها و انشغالها في بناء الدولة.
ماهي شروط الانتقال الديمقراطي؟:
1 – دستور تحقق الاجماع عليه.
2 – اصلاح اقتصادي يقوم على الانتاج المتنوع و عدم الاقتصار على سلعة ريعية مثل النفط كما في الحالة العراقية.
3 – اصلاح اجتماعي يحقق العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين.
4 - مجتمع مدني، فاعل و قوي من شأنه ان يكون ندا للحكومة و مكملا لدورها في الكثير من الامور مع مراقبتها و نقدها.
5 – توفير بيئة سياسية تساعد على عملية الانتقال الديمقراطي، من خلال العمل السياسي المرتبط بقيم المواطنة و دولة الحق والقانون.
...................................
مصادر و احالات:
رشيد الخيون: تاريخ الاسلاميين و تجربة حكمهم في العراق: في كتاب (الاسلاميون و نظام الحكم الديمقراطي، اتجاهات و تجارب).
حسين درويش العادلي: نحو عراق جديد: الديمقراطية بين التوظيف و التراشق الجدلي، العراق نموذجا..
عبد الرحمن الحاج / جريدة الحياة
غانم جواد: الشيعة و الانتقال الديمقراطي، كيف تعاملت قوى التيار الاسلامي الشيعي مع المتغيرات السياسية في شؤون الحكم و بناء الدولة في العراق؟
شبكة النبأ المعلوماتية
2015-2-19
هذه السطور مجموعة افكار متفرقة حول الديمقراطية و ماتعنيه للتنظيمات السياسية الشيعية في العراق قبل العام 2003 و هي في المعارضة، و بعد ذلك العام و هي في السلطة.
ربما تتشابه هذه التنظيمات في نظرتها الى الديمقراطية مع التنظيمات السياسية السنية، الا ان تلك التنظيمات ليست من اهتمام هذه السطور.
بالعودة الى تاريخ الاحزاب السياسية الشيعية نلاحظ تأثير حزب الدعوة الاسلامية على بقية الاحزاب الشيعية العراقية، (حيث ان كل ما نشأ من تنظيمات حزبية شيعية في مابعد، لايخلو من تأثير هذا الحزب)، و الذي بدوره تأسس كردة فعل لظهور الحزب الشيوعي العراقي بعد العام 1958.
و من خلال هذا التاريخ نفسه، كانت الاسس التي اعتمد في القيام عليها حزب الدعوة هي:
1 – الاسلام هو العقيدة و الشريعة.
2 – المسلم على نوعين: الواقعي و الظاهري.
3 – الوطن الاسلامي مايسكنه المسلمون مع استحقاق سياسي لا لدولة الاسلامية اخضاع جميع العالم سياسيا لها، مع حفظ حقوق غير المسلمين.
4 – الدولة الاسلامية: كل دولة لاتقوم على عقيدة الاسلام و قاعدته هي دولة كافرة، و على المسلمين لقضاء عليها بالطرق التبشيرية السلمية او الجهادية المسلحة.
5 – الدولة الاسلامية دولة فكرية، على اعتبار ان الدولة على ثلاثة اشكالا: اقليمية و قومية و فكرية.
6 – شكل الحكم في الاسلام، الحاكم هو الراعي و المحكومون هم الرعية، و لا بد من ان تكون الرعاية او الحاكمية تكتسب من رعاية الامة و التقيد بنظم الاسلام.
7 – تطبيق الشكل الشوري في ظروف الامة الحاضرة، و من شروط تحقيق الشورى اختيار الحاكم و شكل الحكم ضمن الشريعة، الاكثر تطابقا مع مصلحة الاسلام و المسلمين.
8 – احكام الشريعة و الفرق بينها و بين التعاليم فالاولى ثابتة، و الثانية انظمة الدولة التفصيلية و هي تستنبط من الشريعة.
9 – مهمة بيان احكام الشريعة و تعيين القضاة ليستا من مهام الحكم، فتلك من مهام المجتهدين، و ليس من حق الدولة منح وظيفة القضاء لغير المجتهدين.
يتفق المراقبون لهذه الاحزاب و منذ تأسيسها، انها لم تهتم بالمسألة الديمقراطية على المستوى الاعلامي او في بياناتها السياسية، بل على العكس من ذلك كثيرا ما اعتبرتها من الافكار الوضعية المناهضة للاسلام.
او كما يعبر عن ذلك محمد مهدي الاصفي (احد القادة التاريخيين لحزب الدعوة):
(اما الديمقراطية فهي مدرسة سياسية لها جذورها الفكرية و الفلسفية و التاريخية، لذا فلا يصح اعتبارها اساسا من اسس الحكم في الاسلام).
و هذه القوى، في تاريخها القريب و راهنها الحالي، لم تصدر عنها رؤى فكرية اسلامية تحدد شكل الدولة التي تريدها، و لا عن كيفية ممارسة السلطة فيها.
انتقاد اخر انشغل به الاسلام السياسي الشيعي في تعاطيه مع الديمقراطية، و خاصة ما يتعلق منها بمبدأ الاغلبية، منطلقين في النظرة اليه من خلال تفسير عدد من آيات القران الكريم و اعتبار الاغلبية مذمومة في النص القرآني، مع امتداح الاقلية، ليصلوا في استنتاجاتهم ان الديمقراطية غير صالحة كشكل من اشكال الحكم.
و بالتالي فان كل القراءات للديمقراطية كانت من موقع النقد المعارض و المتضمن طرح البديل الاسلامي.
عامل اخر ساعد على تهميش دور الديمقراطية في طروحات هذه الاحزاب و متبنياتها النظرية، و هو قدسية الفكر السياسي الديني للمنظر و الذي هو قراءة واحدة من ضمن قراءات متعددة لكن لايتم الاعتراف بها.
و لم تلحظ هذه الاحزاب ان (الفكر الديني قراءة بشرية و الدين حقيقة الهية، لذا لامكان للادعاء بقدسية الفكر بالمعنى التنزيهي الخارج عن النقد و الرفض و القبول لانه قراءة انسانية للدين الالهي، و انما المقدس و المنزه هو الدين ذاته).
يذهب الكثير من الباحثين و المراقبين للأحزاب السياسية الدينية، ان ثمة تناقض جوهري صارخ بين الهوية الدينية (ستكون طائفية بالضرورة، لانتماء الهوية الى مذهب فقهي محدد) و الهوية الوطنية، فالأحزاب السياسية المدنية تؤسس على مبدأ الهوية الوطنية للبلد، بينما الاحزاب الدينية تعتمد الهوية الدينية، و التعارض بينهما قائم ايضا حول مفهوم الامة و مفهوم المواطنة، فالمواطنة تحد من مفهوم الامة، و تقتات عليه. بعد ان بدا واضحا ان تقديم الهوية الدينية على الهوية الوطنية كانت نتائجه كارثية لاتقل عن حرب اهلية او شبه حرب، و مع ملاحظة استمرار عدم الثقة بين ابناء الطوائف و المذاهب في مجتمعاتنا منذ الخلافة، فان مفهوم المواطنة ربما لن يترسخ بأفكار سياسية في الوقت القريب، قبل ان يترسخ بالممارسة السياسية بعد ان نكلّ من القتل و سيول الدماء الجارية بلا حساب في حروب الفتنة..
ماهي أبرز الملامح للمشهد السياسي العراقي منذ العام 2003 و حتى الان؟
سوف اتحدث عن ملمح واحد و الذي من خلاله تشكلت الحكومات السابقة و الحالية و هو (التوافق السياسي) و هو إتفاق عام، بين الأحزاب السياسية على إدارة شؤون البلد بناء على أُسس توافقية بغض النظر عن حجم تمثيلها البرلماني الحقيقي (الأحزاب الكبيرة و الأحزاب الصغيرة). و المثال الكلاسيكي على هذا المفهوم يتجلى بسياسات و أداء الحكومات الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية، و خصوصاً بريطانيا. و لأن هذا المفهوم ظهر مباشرة بعد الحرب، سُمي في بعض المراجع السياسية، بالتوافق السياسي لفترة ما بعد الحرب.
اما التوافق الوطني، فهو التوافق الذي يعبر عن الثوابت، و الأُسس التي تختارها أغلبية المواطنين في المجتمع، عن طريق الإنتخابات أو الإستفتاءات التي يشارك بها الشعب، حيث يتم تقرير تلك الثوابت عن طريق الاغلبية الناتجة من تلك الانتخابات أو الاستفتاءات. و هذه الثوابت ليست ثوابت أغلبية سياسية، اي إنها لاتعبر عن مواقف أو مصالح سياسية لمجموعة أحزاب سياسية فقط، بل هي ثوابت أغلبية مُجتمعية (و نعني بذلك المواطنين سواء المنتمين لأحزاب سياسية ام غير المنتمين)، تُعبر عن ثوابت يؤمن بها أغلبية المجتمع بأغلبية مواطنيه. لذلك، فهي مجموعة ثوابت يحدث بشأنها توافق بين مختلف المكونات المُشكِلة للمجتمع. و هكذا، فهي ليست أغلبية سياسية مُتغيرة، بل هي الأغلبية المجتمعية السائدة، و تلك الأُسس ليست برامج حزبية أو سياسية، و لكنها القواعد العامة التي يتفق عليها المجتمع، ويُبنى عليها النظام السياسي، والتي يتوافَقَ عليها المجتمع في الخيارات الكبرى مثل الدستور، وهوية الوطن وطبيعة النظام السياسي والوحدة الوطنية والتسامح وضمان الحرية والديمقراطية والعدالة والشفافية و المشاركة في الحياة السياسية لجميع المواطنين و المواطنات على قدم المساواة.
و تؤدي الثوابت التي يتوافق عليها المجتمع الى جعل النظام السياسي متوافقاً مع النظام الاجتماعي و منظومة القيم الثقافية و الحضارية السائدة، فتصبح الدولة بكل سُلطاتِها تعبيراً عن المجتمع، و ممثلة له، و تصبح القوى و الأحزاب السياسية ملزمة بما يتوافق عليه المجتمع، لا أن تفرض الاحزاب السياسية توافقاتها على المجتمع، في مسائل أساسية مثل الدستور.
و عبر التوافق يتم التفاهم و الحوار بين الاطراف السياسية المتعددة، للوصول الى حل للمشكلات السياسية من خلال التوفيق بين مطالبهم، اي التنازل المتبادل لتمرير صفقات سياسية.
في العراق تم فرض مبدأ التوافق بسبب الافتقار الى قوة سياسية اجتماعية مدنية قادرة على فرز البديل عن النظام السابق بعد العام 2003.
و جرى هذا التوافق بين الاطراف العراقية الحاكمة و المنتمية الى تكويناتها الاولية (الطائفية و القومية و الدينية و العشائرية) و المنتجة للهويات المتصارعة، مما ادى استمرار العمل به الى تعطيل المسار الديمقراطي و بناء المشاركة الشعبية الواسعة.
سمح هذا المبدأ مع المحاصصة الى تدعيم بناء سلطة الاحزاب السياسية الشيعية و تسلطها، بعيدا عن تفكيرها و انشغالها في بناء الدولة.
ماهي شروط الانتقال الديمقراطي؟:
1 – دستور تحقق الاجماع عليه.
2 – اصلاح اقتصادي يقوم على الانتاج المتنوع و عدم الاقتصار على سلعة ريعية مثل النفط كما في الحالة العراقية.
3 – اصلاح اجتماعي يحقق العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين.
4 - مجتمع مدني، فاعل و قوي من شأنه ان يكون ندا للحكومة و مكملا لدورها في الكثير من الامور مع مراقبتها و نقدها.
5 – توفير بيئة سياسية تساعد على عملية الانتقال الديمقراطي، من خلال العمل السياسي المرتبط بقيم المواطنة و دولة الحق والقانون.
...................................
مصادر و احالات:
رشيد الخيون: تاريخ الاسلاميين و تجربة حكمهم في العراق: في كتاب (الاسلاميون و نظام الحكم الديمقراطي، اتجاهات و تجارب).
حسين درويش العادلي: نحو عراق جديد: الديمقراطية بين التوظيف و التراشق الجدلي، العراق نموذجا..
عبد الرحمن الحاج / جريدة الحياة
غانم جواد: الشيعة و الانتقال الديمقراطي، كيف تعاملت قوى التيار الاسلامي الشيعي مع المتغيرات السياسية في شؤون الحكم و بناء الدولة في العراق؟
شبكة النبأ المعلوماتية