الاصلاح بين اليأس و الأمل
عندما تتعرض الامم و الشعوب الى هزات كبيرة و شاملة، خاصة تلك التي يكون مصدرها الانسان و ليس الطبيعة، و نعني بها حالات الغزو و الحروب الكبرى، كما كان يحدث إبان الاستعمار العسكري، فإن الفوضى تسود الدولة و المجتمع برمته، و تهتز القيم بصورة شاملة، لتطول كل مفاصل الحياة، عندئذ تنتشر حالة اليأس بين الجميع، و تسود حالات الفساد، و تعم الفوضى كل شيء، فيشعر المفكرون و بناة الاصلاح، بحالة من اليأس نظرا للتدمير الذي يطول البنى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية كلها، الامر الذي يؤدي انتشار حالات القنوط بين الجميع، لكنها تصبح اكثر تأثيرا على العقول المتميزة، فتتلكأ درجة الاصلاح و تتراجع كثيرا بسبب تراجع المصلحين أنفسهم، و انتعاش اليأس في نفوسهم و عقولهم، و هذا ينعكس بصورة غير مباشرة على الدولة و المجتمع.
و يمكننا أن نتصور كيف يصبح حال البلد - أي بلد- فيما لو تخلى عنه أبناؤه المصلحون من قادة البناء و الاصلاح، علما أن إعادة ما دمرته الحروب و الغزوات و ما شابه، لا يمكن أن يتم بين ليلة و ضحاها، بمعنى أن البناء بكل اشكاله و صوره و مستوياته، يحتاج الى الصبر و الأناة و الارادة الفولاذية، مع الاستعداد التام و التوقّع بأن إعادة البناء يحتاج الى فترات زمنية طويلة، لذلك لا يصح أن يُصاب البُناة باليأس، لأنهم بمثابة النموذج الافضل و مصدر الابداع، و محرك طاقات المجتمع كافة، فإذا أصيبوا بالتردد و المبالاة و ما شابه بخصوص القضايا المصيرية، فإن الآخرين سوف يحذون حذوهم و يتعقبون خطواتهم المتراجعة، فيعيش المجتمع كله و الدولة بجميع مفاصلها حالة شاملة من القنوط و الكسل و الخمول، و السعي نحو استثمار الفرص الآنية السهلة، حتى لو كانت السبل المؤدية لها غير قانون و لا مشروعة، فيعم الفساد و تتضاعف حالات التجاوز على المال العام بشتى طرق الاحتيال و الخداع، و تصبح الدولة هزيلة ينخرها الضعف، و يكون الشعب مستهلكا لا ينتج أي شيء، بل تصبح نخب المجتمع و قادته غير مبالين بما سؤول إليه مصير البلاد، و لا يفكرون سوى بمكاسبهم و منافعهم الفردية او العائلية، او الفئوية والحزبية في افضل الاحوال.
فيسعى الناس صغارا و كبارا الى الربح و البحث عن تحصيل المال، بغض النظر عن الطريقة التي يحصلون بها على تلك الاموال، حيث الطمع يعمي عيونهم و بصائرهم، فهؤلاء و امثالهم، مستعدون ان يخسروا حتى دينهم بسبب اطماعهم، لذا فإن اللاهثين وراء المال هم أنفسهم يلهثون وراء المناصب بشتى السبل يتلبسهم الذل و الهوان، فتصير السلطة ديدنهم و أهم اهدافهم، و تصبح الاموال هدفهم الاول و الاخير، فيما يتنكرون للفقراء، و يبتعدون عن كل ما يصب في صالح المجتمع، و لا يسعون للبناء و التطوير، و هم يخالفون بذلك تعاليم الدين وكل ما يرد في توجيهات و احاديث أهل البيت عليهم السلام.
فقد قال الامام الكاظم عليه السلام في السلطة والسلطان: (كفّارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان)، لكن بعض اصحاب السلطة و الباحثين عنها و الجاعلين منها هما اساسيا لهم، يبتغون السلطة من اجل المال و الجاه و الاستحواذ، و لا تهمهم خدمة الناس او البلاد، و هذا الحال يصيب رجال الاصلاح بحالة مزمنة من اليأس و الانعزال و التخلي عن الدور الأساس في اعادة البناء المجتمعي، في حين ان المطلوب منهم عكس ذلك تماما، كونهم عماد الدولة و بُناتها.
من هنا لابد أن يبقى المصلحون في حالة استعداد دائم لمؤازرة الامة و الدولة و المجتمع في محنته، و لا يجوز في أي حال أن ينزلقوا نحو منزلق المنافع و المناصب وا لكسب المادي غير المشروع، بسبب حالات القنوط التي تنتشر بين مكونات المجتمع، و هذا وضع نفسي تدميري يحاول المستعمرون و الطامعون بخيرات الشعوب، أن يزرعوه و يبثوه بين مكونات المجتمع المستباح، لكي تسهل لهم عمليات النهب و الهيمنة و ما شابه.
و لذلك مع انتشار اليأس و فقدان الامل بالقضاء على الفساد و حالات التردي الاخلاقي و الانحراف الذي يزداد يوما بعد آخر بين افرد المجتمع و مكوناته، و مع ازدياد ظاهرة الفساد المالي و الاداري في معظم المرافق و الدوائر الحكومية، (و هذه امور تحاول ان تزرعها الجهات المستفيدة منها في المجتمع)، مع هذه الحالات كلها يزداد المصلحون يأسا و قنوطا و تراجعا، تاركين مهمة الاصلاح لمن هم ليسوا اهلا لهذه المهمة و لاهم أهل لحملها، و السبب ضبابية الاوضاع و تردي الواقع و تراجع القيم الانسانية و ظهور قيم بديلة لها، لا تمت للانسانية بصلة، لكن يبقى الامل موجودا بقوة.
لذلك ينبغي على النخب الاصلاحية من علماء و مثقفين و مفكرين و غيرهم، أن يغذوا حالات الامل بدحر القيم الضالة و المظلمة، و لابد من الشروع و الاستمرار بحالات البناء على المستوين المادي و الروحي، و طالما كان الامل حاضرا في النفوس فإم العقول سوف تعطي أفضل ما لديها، بخصوص خطوات اعادة البناء وت حصين المجتمع من المردودات السلبية التي يحاول الاعداء نشرها و ترويجها بين الاوساط المجتمعية المختلفة لاسيما الشباب، و عندما يكون الاصلاحيون بناة حقيقيين، عند ذاك سوف يزدهر الأمل و سوف تتراجع القيم الدخيلة، و يشرع الجميع في بناء افضل و اجمل للدولة و المجتمع معا.
14/02/2015
شبكة النبأ المعلوماتية
عندما تتعرض الامم و الشعوب الى هزات كبيرة و شاملة، خاصة تلك التي يكون مصدرها الانسان و ليس الطبيعة، و نعني بها حالات الغزو و الحروب الكبرى، كما كان يحدث إبان الاستعمار العسكري، فإن الفوضى تسود الدولة و المجتمع برمته، و تهتز القيم بصورة شاملة، لتطول كل مفاصل الحياة، عندئذ تنتشر حالة اليأس بين الجميع، و تسود حالات الفساد، و تعم الفوضى كل شيء، فيشعر المفكرون و بناة الاصلاح، بحالة من اليأس نظرا للتدمير الذي يطول البنى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية كلها، الامر الذي يؤدي انتشار حالات القنوط بين الجميع، لكنها تصبح اكثر تأثيرا على العقول المتميزة، فتتلكأ درجة الاصلاح و تتراجع كثيرا بسبب تراجع المصلحين أنفسهم، و انتعاش اليأس في نفوسهم و عقولهم، و هذا ينعكس بصورة غير مباشرة على الدولة و المجتمع.
و يمكننا أن نتصور كيف يصبح حال البلد - أي بلد- فيما لو تخلى عنه أبناؤه المصلحون من قادة البناء و الاصلاح، علما أن إعادة ما دمرته الحروب و الغزوات و ما شابه، لا يمكن أن يتم بين ليلة و ضحاها، بمعنى أن البناء بكل اشكاله و صوره و مستوياته، يحتاج الى الصبر و الأناة و الارادة الفولاذية، مع الاستعداد التام و التوقّع بأن إعادة البناء يحتاج الى فترات زمنية طويلة، لذلك لا يصح أن يُصاب البُناة باليأس، لأنهم بمثابة النموذج الافضل و مصدر الابداع، و محرك طاقات المجتمع كافة، فإذا أصيبوا بالتردد و المبالاة و ما شابه بخصوص القضايا المصيرية، فإن الآخرين سوف يحذون حذوهم و يتعقبون خطواتهم المتراجعة، فيعيش المجتمع كله و الدولة بجميع مفاصلها حالة شاملة من القنوط و الكسل و الخمول، و السعي نحو استثمار الفرص الآنية السهلة، حتى لو كانت السبل المؤدية لها غير قانون و لا مشروعة، فيعم الفساد و تتضاعف حالات التجاوز على المال العام بشتى طرق الاحتيال و الخداع، و تصبح الدولة هزيلة ينخرها الضعف، و يكون الشعب مستهلكا لا ينتج أي شيء، بل تصبح نخب المجتمع و قادته غير مبالين بما سؤول إليه مصير البلاد، و لا يفكرون سوى بمكاسبهم و منافعهم الفردية او العائلية، او الفئوية والحزبية في افضل الاحوال.
فيسعى الناس صغارا و كبارا الى الربح و البحث عن تحصيل المال، بغض النظر عن الطريقة التي يحصلون بها على تلك الاموال، حيث الطمع يعمي عيونهم و بصائرهم، فهؤلاء و امثالهم، مستعدون ان يخسروا حتى دينهم بسبب اطماعهم، لذا فإن اللاهثين وراء المال هم أنفسهم يلهثون وراء المناصب بشتى السبل يتلبسهم الذل و الهوان، فتصير السلطة ديدنهم و أهم اهدافهم، و تصبح الاموال هدفهم الاول و الاخير، فيما يتنكرون للفقراء، و يبتعدون عن كل ما يصب في صالح المجتمع، و لا يسعون للبناء و التطوير، و هم يخالفون بذلك تعاليم الدين وكل ما يرد في توجيهات و احاديث أهل البيت عليهم السلام.
فقد قال الامام الكاظم عليه السلام في السلطة والسلطان: (كفّارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان)، لكن بعض اصحاب السلطة و الباحثين عنها و الجاعلين منها هما اساسيا لهم، يبتغون السلطة من اجل المال و الجاه و الاستحواذ، و لا تهمهم خدمة الناس او البلاد، و هذا الحال يصيب رجال الاصلاح بحالة مزمنة من اليأس و الانعزال و التخلي عن الدور الأساس في اعادة البناء المجتمعي، في حين ان المطلوب منهم عكس ذلك تماما، كونهم عماد الدولة و بُناتها.
من هنا لابد أن يبقى المصلحون في حالة استعداد دائم لمؤازرة الامة و الدولة و المجتمع في محنته، و لا يجوز في أي حال أن ينزلقوا نحو منزلق المنافع و المناصب وا لكسب المادي غير المشروع، بسبب حالات القنوط التي تنتشر بين مكونات المجتمع، و هذا وضع نفسي تدميري يحاول المستعمرون و الطامعون بخيرات الشعوب، أن يزرعوه و يبثوه بين مكونات المجتمع المستباح، لكي تسهل لهم عمليات النهب و الهيمنة و ما شابه.
و لذلك مع انتشار اليأس و فقدان الامل بالقضاء على الفساد و حالات التردي الاخلاقي و الانحراف الذي يزداد يوما بعد آخر بين افرد المجتمع و مكوناته، و مع ازدياد ظاهرة الفساد المالي و الاداري في معظم المرافق و الدوائر الحكومية، (و هذه امور تحاول ان تزرعها الجهات المستفيدة منها في المجتمع)، مع هذه الحالات كلها يزداد المصلحون يأسا و قنوطا و تراجعا، تاركين مهمة الاصلاح لمن هم ليسوا اهلا لهذه المهمة و لاهم أهل لحملها، و السبب ضبابية الاوضاع و تردي الواقع و تراجع القيم الانسانية و ظهور قيم بديلة لها، لا تمت للانسانية بصلة، لكن يبقى الامل موجودا بقوة.
لذلك ينبغي على النخب الاصلاحية من علماء و مثقفين و مفكرين و غيرهم، أن يغذوا حالات الامل بدحر القيم الضالة و المظلمة، و لابد من الشروع و الاستمرار بحالات البناء على المستوين المادي و الروحي، و طالما كان الامل حاضرا في النفوس فإم العقول سوف تعطي أفضل ما لديها، بخصوص خطوات اعادة البناء وت حصين المجتمع من المردودات السلبية التي يحاول الاعداء نشرها و ترويجها بين الاوساط المجتمعية المختلفة لاسيما الشباب، و عندما يكون الاصلاحيون بناة حقيقيين، عند ذاك سوف يزدهر الأمل و سوف تتراجع القيم الدخيلة، و يشرع الجميع في بناء افضل و اجمل للدولة و المجتمع معا.
14/02/2015
شبكة النبأ المعلوماتية