الثورات العربية...تحول مفاجئ وآفاق ضبابية.
...............................................
شبكة النبأ: جيل واعي ومثقف من حملة الشهادات العليا بلا عمل ولا طموح، انعدمت أمامهم أفاق المستقبل على يد قلة احتكرت كل شيء في بلادهم، تلك هي السمة التي ميزت الجيل العربي الذي مل السكوت والخنوع وقام مع فئات الشعب الأخرى بصنع ربيع التغيير أملاً في واقع جديد قد يكون للشباب الثائر نصيب فيه، بعد أن عبر عن حيويته وتفاعله مع الواقع ونبض الشارع حيث قاد الثوار نحو ساحات الحرية لانتزاع الحياة من الجلادين اللذين ظلموهم لعقود طويلة وتمكنوا "رجالاً ونساء" من تحقيق غاياتهم المنشودة.
قوة الجيل الثوري.
فقد جاء الربيع العربي بشكل مفاجئ، وعلى النقيض من الربيع الأوروبي لم يبدأ الربيع العربي في الحادي والعشرين من آذار/مارس، بل في فصل الشتاء، وتحديدًا في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر عندما انطلقت انتفاضة شعبيَّة تونسية في المدينة الصغيرة سيدي بوزيد بعد أنْ قام بائعٌ متجولٌ بإشعال النار في جسده جراء تعرُّضه لمضايقاتٍ ومهاناتٍ من قِبَلِ الشرطة، لم تستيقظ هنا الطبيعة، بل نهض شعب بأكمله، واستيقظت منطقة بأكملها من سبات شتوي دام أكثر من ثلاثين عامًا، بعدما كانت تُعتَبَر في السابق متخلفة وتغط في نومٍ عميق، المسئولون عن هذا كانوا من جهة حكّام المنطقة، حيث كان زين العابدين بن علي رئيسًا لدولة بلده تونس منذ عام 1987، والرئيس المصري محمد حسني مبارك منذ عام 1981، أما زعيم الثورة الليبية معمر القذافي فمنذ عام 1969، ومن جهة أخرى شاركت الدول الأوروبية أيضًا في الاضطهاد، وحالَ قـُصر نظر أوروبا دون إدراك تطور الهبَّة العربيَّة، بالرغم من صدور كتبٍ قبل سنواتٍ توقعت هذا التطوّر، ومن هذه الكتب "الأبناء والقوة العالمية" (صدر عام 2003) لغونار هاينسون عالم الاجتماع ومؤسس معهد الرهاب من الغرباء والإبادة الجماعية في جامعة بريمن، وكذلك كتاب "الثورة التي لا مفرَّ منها" (صدر عام 2007) لعالمي الديموغرافيا يوسف كرباج وإيمانويل تود من المعهد الوطني للدراسات الديموغرافيَّة في باريس، ويشير الكتابان بناءً على بيانات ديموغرافيَّة إلى احتمالات الصراع وإلى تغييرٍ ثقافي جذري في المجتمعات العربية، ويعتبر هاينسون ظاهرة تزايد أعداد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا في مجتمعٍ ما، أنها السبب الرئيس للاضطرابات، والإرهاب، والحرب والتمرّد في العالم، ومن الممكن مراقبة هذا التطوّر في الوقت الراهن بشكلٍ جيدٍ في العالم العربي، ففي هذه المنطقة بالتحديد يوجد غالبية من الشباب المتعلمين، إلا أنَّ المجتمعات العربية لا يمكنها أنْ تقدم لهذا الجيل الشاب آفاقاً وآمالاً بمستقبل أفضل. بحسب قنطرة.
تحت الضغط.
الى ذلك تواجه المجتمعات العربية المغاربية في الواقع ضغطًا داخليًا هائلاً من جراء نموها السكاني السريع، حيث ازداد في أقل من أربعين عامًا عدد سكان المملكة المغربية إلى أكثر من الضعف (من 14 مليون في عام 1967، إلى31 مليون نسمة في عام 2002) وكذلك حال مصر (من 30 مليون إلى 71 مليون نسمة في الفترة الزمنية ذاتها) وأيضًا تونس (من 4.6 إلى 9.8 مليون نسمة)، حتى أنَّ عدد السكان في ليبيا ازداد في غضون جيلٍ واحدٍ إلى أكثر من ثلاثة أضعاف (من 1.7 مليون إلى 5.3 مليون نسمة)، إنَّ ازدياد أعداد الشباب الهائل في بلدٍ ما، يضع البنية التحتية الاجتماعية أمام صعوبات في تأمين فرص التعليم والعمل بأعداد كافية، فضلا عن توفير نظام للرعاية الصحية ذي قدرة كافية، كما يمكن لوجود أغلبية شابة من السكان في مجتمعٍ ما مع وجود بنيةٍ تحتيةٍ قادرةٍ أنْ يكون أمرًا إيجابيًا، فالسكان الشباب أكثر ديناميكيةٍ، ويمكنهم من الناحية الاقتصادية زيادة الإنتاجية، أما عندما لا تتوفر للجيل الشاب المتعلم والحاصل على شهادات جامعية آفاق وآمال مستقبلية، فيمكن أنْ يؤدي هذا إلى صراعات داخلية، تماما كما يحدث اليوم في العالم العربي.
يتناسب مع كفاءاته.
في سياق متصل فان معدل محو الأمية لدى الرجال الشبّان في البلدان العربية يماثل المستوى الأوروبي تقريبا (يفوق بشكل عام معدّل 90 بالمائة، ما عدا في المغرب حيث يبلغ 81 بالمائة فقط)، إلا أنَّ المعدل لدى النساء الشابات فلا يزال أقل بعض الشيء، معظم الشابات والشبان أنهى المرحلة المدرسية بنجاح، والكثير منهم يحمل شهادة جامعية، بيد أنَّ هذا الشباب المتعلم والحامل للشهادات الجامعية لا يجد عملاً يتناسب مع كفاءاته، ولطالما عُرضت أثناء الثورات صور شباب يرفعون شهاداتهم الجامعية، وكأنهم يقولون، انظروا، نحن خريجون جامعيون، لكن هذا المجتمع لا يترك لنا إلا خيار التمرّد، لا يشكل العمل في المجتمعات العربية وما يجلبه من إيراداتٍ ماليةٍ ضمانًا للاحترام الاجتماعي وحسب، بل يعتبر أيضًا الطريق الوحيد للزواج وتكوين الأسرة، لذلك يتعلق الأمر في المغرب العربي بأغلبيةٍ من الشبان المُحبطين، الذين يناضلون في مجتمعٍ جامدٍ من أجل الحصول على الاعتراف بهم لكن بلا جدوى، والاقتصاد الضعيف ليس وحده المسئول عن عدم توفير آفاقٍ مستقبليةٍ للجيل الشاب، بل أيضًا البنى السياسية المتكلـِّسة المُحكمة الإغلاق تقريبًا في وجه الشباب من صفوف الشعب. بحسب قنطرة.
النساء الشابات.
من جهتهم لا يعرف معظم الناس وبالأخص الشباب منهم طوال حياتهم إلا رئيس واحد للبلاد، عندما وُلد الشباب، الذي يبلغون اليوم العشرين من العمر، كان كل من زين الدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي ممسك بزمام السلطة، وكذلك حال علي عبد الله صالح في اليمن أو أيضًا عائلة الأسد في سورية، وكانت المشاركة السياسية في هذه البلدان متوفرةً فقط وبشكلَ محدودٍ لمن ينتمي إلى عشيرة الحاكم أو الأسرة الحاكمة، هذا الوضع اليائس، أكان على صعيد فرص العمل أو على الصعيد السياسي، دفع الكثيرين في ظل الربيع العربي للخروج إلى الشارع، يؤكد إيمانويل تود ويوسف كرباج على أنَّ معدلات الولادة في العالم الإسلامي قد تراجعت بحدة في العقود الماضية، ففي حين كان معدل الولادة للمرأة الواحدة في عام 1975 يبلغ 6.8 طفل، أصبح في عام 2005 "فقط" 3.7 طفل، ويُفسر علماء الديموغرافيا هذا على الأغلب في محو الأمية لدى النساء، إذ حيث تتعلم النساء القراءة والكتابة، تتراجع معدلات الولادة عادة، ولا يعود هذا لأسبابٍ اقتصاديةٍ وحسب، بل أيضًا إلى تغييرٍ في الموقف وبخاصةٍ تجاه الأسرة، ويشير العالمان إلى الدور الرئيس للنساء في هذه التغيرات الثقافية، وفي عام 1996 تم تجاوز عتبة محو الأمية للنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و 24 سنة في المغرب، أما في مصر فقد حدث هذا في عام 1988، وفي ليبيا في عام 1978 وفي تونس منذ عام 1975، وقد أدى هذا التطوّر إلى إحداث تغييرٍ عميق، واتسمت معظم الدول الإسلامية "باستثناء ماليزيا واندونيسيا وأفريقيا السوداء" بالمكانة المتدنية للمرأة، لكن تغيّر هذا بفعل محو الأمية والتعليم، كما تغيرت تربية الأطفال، ما انعكس بدوره على مجمل التطوّر الثقافي للمجتمع. بحسب قنطرة.
ارتفاع معدلات الانتحار.
من جهة اخرى فان البلد والمجتمع بأسره يشق من خلال محو الأمية طريق التحديث، كما يؤثر ارتفاع مستوى التعليم على معدل الولادات وكذلك على التنمية الاقتصادية العامة، لكن حيثما يكون ضوء يكون ظل أيضً، يشير إيمانويل تود ويوسف كرباج إلى أعباءٍ تقع على نفس الإنسان، تكمن في طيات المسار نحو التحديث، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يبحث إميل دوركهايم أبو علم الاجتماع الفرنسي في دراسةٍ له تناولت الانتحار ومعدلات الانتحار العالية في أوساط السكان المتعلمين، كما في الهند والصين، حيث ترتفع معدلات الانتحار جنبًا إلى جنبٍ مع النمو الاقتصادي، وأثبتت الهجمات الانتحارية في العالم العربي أيضًا أنَّ الاستعداد للانتحار يزداد في مجتمع يمر بمرحلة للتغيير، ويمكن للتقدّم الثقافي أنْ يؤثر بشكل سلبي على استقرار الناس، وتتزعزع سلطة الآباء (الأميين) نتيجة تزايد محو الأمية لدى الأبناء، كما لدى الزوجات والبنات، وتهتز بالإضافة إلى ذلك صورة الأسرة التقليدية من خلال تحديد النسل، ويغدو تعريف العلاقات بين الجنسين من جديد ضروريً، لذلك تشهد المجتمعات في فترة التغيير فقدان البوصلة وفقدان القيم، ويتحدث علماء الاجتماع في هذا السياق عن اللامعيارية، أي أنَّ الشباب في العالم العربي لا ينتفض على اضطهاد النظام السياسي بحد ذاته، بل على اضطهاد نظام الأسرة التقليدي، الذي ينعكس بدوره على البنى السياسية، بيد أن مرحلة تأجج الصراع لن تدوم طويلاً في المجتمعات العربية، هذا ما ينتج عن الرؤية الديموغرافية لهاينسون وكذلك عن علم اجتماع التحديث لدى تود وكرباج، فمن جهة سوف تتراجع نسبة الجيل الشاب بالنسبة لمجمل السكان، ومن جهة أخرى سوف تنتهي مرحلة التغيير في المجتمع العربي، كما حدث في أوروب، إنَّ التطوّر الحالي ليس فريدًا من نوعه بحال من الأحوال، ذلك لأنه بحسب إيمانويل تود ويوسف كرباج، "تجري في العالم الإسلامي تلك الثورة الديموغرافية والثقافية والمعنوية، التي شكلت الأساس لتطوّر تلك المناطق التي تعد اليوم الأحدث في العالم"، وبهذا يتحرك العالم الإسلامي أيضًا بحسب قوانين أكثر شمولية من ما يريد المستشرق الأوروبي المتواطئ أن يرى.
...............................................
شبكة النبأ: جيل واعي ومثقف من حملة الشهادات العليا بلا عمل ولا طموح، انعدمت أمامهم أفاق المستقبل على يد قلة احتكرت كل شيء في بلادهم، تلك هي السمة التي ميزت الجيل العربي الذي مل السكوت والخنوع وقام مع فئات الشعب الأخرى بصنع ربيع التغيير أملاً في واقع جديد قد يكون للشباب الثائر نصيب فيه، بعد أن عبر عن حيويته وتفاعله مع الواقع ونبض الشارع حيث قاد الثوار نحو ساحات الحرية لانتزاع الحياة من الجلادين اللذين ظلموهم لعقود طويلة وتمكنوا "رجالاً ونساء" من تحقيق غاياتهم المنشودة.
قوة الجيل الثوري.
فقد جاء الربيع العربي بشكل مفاجئ، وعلى النقيض من الربيع الأوروبي لم يبدأ الربيع العربي في الحادي والعشرين من آذار/مارس، بل في فصل الشتاء، وتحديدًا في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر عندما انطلقت انتفاضة شعبيَّة تونسية في المدينة الصغيرة سيدي بوزيد بعد أنْ قام بائعٌ متجولٌ بإشعال النار في جسده جراء تعرُّضه لمضايقاتٍ ومهاناتٍ من قِبَلِ الشرطة، لم تستيقظ هنا الطبيعة، بل نهض شعب بأكمله، واستيقظت منطقة بأكملها من سبات شتوي دام أكثر من ثلاثين عامًا، بعدما كانت تُعتَبَر في السابق متخلفة وتغط في نومٍ عميق، المسئولون عن هذا كانوا من جهة حكّام المنطقة، حيث كان زين العابدين بن علي رئيسًا لدولة بلده تونس منذ عام 1987، والرئيس المصري محمد حسني مبارك منذ عام 1981، أما زعيم الثورة الليبية معمر القذافي فمنذ عام 1969، ومن جهة أخرى شاركت الدول الأوروبية أيضًا في الاضطهاد، وحالَ قـُصر نظر أوروبا دون إدراك تطور الهبَّة العربيَّة، بالرغم من صدور كتبٍ قبل سنواتٍ توقعت هذا التطوّر، ومن هذه الكتب "الأبناء والقوة العالمية" (صدر عام 2003) لغونار هاينسون عالم الاجتماع ومؤسس معهد الرهاب من الغرباء والإبادة الجماعية في جامعة بريمن، وكذلك كتاب "الثورة التي لا مفرَّ منها" (صدر عام 2007) لعالمي الديموغرافيا يوسف كرباج وإيمانويل تود من المعهد الوطني للدراسات الديموغرافيَّة في باريس، ويشير الكتابان بناءً على بيانات ديموغرافيَّة إلى احتمالات الصراع وإلى تغييرٍ ثقافي جذري في المجتمعات العربية، ويعتبر هاينسون ظاهرة تزايد أعداد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا في مجتمعٍ ما، أنها السبب الرئيس للاضطرابات، والإرهاب، والحرب والتمرّد في العالم، ومن الممكن مراقبة هذا التطوّر في الوقت الراهن بشكلٍ جيدٍ في العالم العربي، ففي هذه المنطقة بالتحديد يوجد غالبية من الشباب المتعلمين، إلا أنَّ المجتمعات العربية لا يمكنها أنْ تقدم لهذا الجيل الشاب آفاقاً وآمالاً بمستقبل أفضل. بحسب قنطرة.
تحت الضغط.
الى ذلك تواجه المجتمعات العربية المغاربية في الواقع ضغطًا داخليًا هائلاً من جراء نموها السكاني السريع، حيث ازداد في أقل من أربعين عامًا عدد سكان المملكة المغربية إلى أكثر من الضعف (من 14 مليون في عام 1967، إلى31 مليون نسمة في عام 2002) وكذلك حال مصر (من 30 مليون إلى 71 مليون نسمة في الفترة الزمنية ذاتها) وأيضًا تونس (من 4.6 إلى 9.8 مليون نسمة)، حتى أنَّ عدد السكان في ليبيا ازداد في غضون جيلٍ واحدٍ إلى أكثر من ثلاثة أضعاف (من 1.7 مليون إلى 5.3 مليون نسمة)، إنَّ ازدياد أعداد الشباب الهائل في بلدٍ ما، يضع البنية التحتية الاجتماعية أمام صعوبات في تأمين فرص التعليم والعمل بأعداد كافية، فضلا عن توفير نظام للرعاية الصحية ذي قدرة كافية، كما يمكن لوجود أغلبية شابة من السكان في مجتمعٍ ما مع وجود بنيةٍ تحتيةٍ قادرةٍ أنْ يكون أمرًا إيجابيًا، فالسكان الشباب أكثر ديناميكيةٍ، ويمكنهم من الناحية الاقتصادية زيادة الإنتاجية، أما عندما لا تتوفر للجيل الشاب المتعلم والحاصل على شهادات جامعية آفاق وآمال مستقبلية، فيمكن أنْ يؤدي هذا إلى صراعات داخلية، تماما كما يحدث اليوم في العالم العربي.
يتناسب مع كفاءاته.
في سياق متصل فان معدل محو الأمية لدى الرجال الشبّان في البلدان العربية يماثل المستوى الأوروبي تقريبا (يفوق بشكل عام معدّل 90 بالمائة، ما عدا في المغرب حيث يبلغ 81 بالمائة فقط)، إلا أنَّ المعدل لدى النساء الشابات فلا يزال أقل بعض الشيء، معظم الشابات والشبان أنهى المرحلة المدرسية بنجاح، والكثير منهم يحمل شهادة جامعية، بيد أنَّ هذا الشباب المتعلم والحامل للشهادات الجامعية لا يجد عملاً يتناسب مع كفاءاته، ولطالما عُرضت أثناء الثورات صور شباب يرفعون شهاداتهم الجامعية، وكأنهم يقولون، انظروا، نحن خريجون جامعيون، لكن هذا المجتمع لا يترك لنا إلا خيار التمرّد، لا يشكل العمل في المجتمعات العربية وما يجلبه من إيراداتٍ ماليةٍ ضمانًا للاحترام الاجتماعي وحسب، بل يعتبر أيضًا الطريق الوحيد للزواج وتكوين الأسرة، لذلك يتعلق الأمر في المغرب العربي بأغلبيةٍ من الشبان المُحبطين، الذين يناضلون في مجتمعٍ جامدٍ من أجل الحصول على الاعتراف بهم لكن بلا جدوى، والاقتصاد الضعيف ليس وحده المسئول عن عدم توفير آفاقٍ مستقبليةٍ للجيل الشاب، بل أيضًا البنى السياسية المتكلـِّسة المُحكمة الإغلاق تقريبًا في وجه الشباب من صفوف الشعب. بحسب قنطرة.
النساء الشابات.
من جهتهم لا يعرف معظم الناس وبالأخص الشباب منهم طوال حياتهم إلا رئيس واحد للبلاد، عندما وُلد الشباب، الذي يبلغون اليوم العشرين من العمر، كان كل من زين الدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي ممسك بزمام السلطة، وكذلك حال علي عبد الله صالح في اليمن أو أيضًا عائلة الأسد في سورية، وكانت المشاركة السياسية في هذه البلدان متوفرةً فقط وبشكلَ محدودٍ لمن ينتمي إلى عشيرة الحاكم أو الأسرة الحاكمة، هذا الوضع اليائس، أكان على صعيد فرص العمل أو على الصعيد السياسي، دفع الكثيرين في ظل الربيع العربي للخروج إلى الشارع، يؤكد إيمانويل تود ويوسف كرباج على أنَّ معدلات الولادة في العالم الإسلامي قد تراجعت بحدة في العقود الماضية، ففي حين كان معدل الولادة للمرأة الواحدة في عام 1975 يبلغ 6.8 طفل، أصبح في عام 2005 "فقط" 3.7 طفل، ويُفسر علماء الديموغرافيا هذا على الأغلب في محو الأمية لدى النساء، إذ حيث تتعلم النساء القراءة والكتابة، تتراجع معدلات الولادة عادة، ولا يعود هذا لأسبابٍ اقتصاديةٍ وحسب، بل أيضًا إلى تغييرٍ في الموقف وبخاصةٍ تجاه الأسرة، ويشير العالمان إلى الدور الرئيس للنساء في هذه التغيرات الثقافية، وفي عام 1996 تم تجاوز عتبة محو الأمية للنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و 24 سنة في المغرب، أما في مصر فقد حدث هذا في عام 1988، وفي ليبيا في عام 1978 وفي تونس منذ عام 1975، وقد أدى هذا التطوّر إلى إحداث تغييرٍ عميق، واتسمت معظم الدول الإسلامية "باستثناء ماليزيا واندونيسيا وأفريقيا السوداء" بالمكانة المتدنية للمرأة، لكن تغيّر هذا بفعل محو الأمية والتعليم، كما تغيرت تربية الأطفال، ما انعكس بدوره على مجمل التطوّر الثقافي للمجتمع. بحسب قنطرة.
ارتفاع معدلات الانتحار.
من جهة اخرى فان البلد والمجتمع بأسره يشق من خلال محو الأمية طريق التحديث، كما يؤثر ارتفاع مستوى التعليم على معدل الولادات وكذلك على التنمية الاقتصادية العامة، لكن حيثما يكون ضوء يكون ظل أيضً، يشير إيمانويل تود ويوسف كرباج إلى أعباءٍ تقع على نفس الإنسان، تكمن في طيات المسار نحو التحديث، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يبحث إميل دوركهايم أبو علم الاجتماع الفرنسي في دراسةٍ له تناولت الانتحار ومعدلات الانتحار العالية في أوساط السكان المتعلمين، كما في الهند والصين، حيث ترتفع معدلات الانتحار جنبًا إلى جنبٍ مع النمو الاقتصادي، وأثبتت الهجمات الانتحارية في العالم العربي أيضًا أنَّ الاستعداد للانتحار يزداد في مجتمع يمر بمرحلة للتغيير، ويمكن للتقدّم الثقافي أنْ يؤثر بشكل سلبي على استقرار الناس، وتتزعزع سلطة الآباء (الأميين) نتيجة تزايد محو الأمية لدى الأبناء، كما لدى الزوجات والبنات، وتهتز بالإضافة إلى ذلك صورة الأسرة التقليدية من خلال تحديد النسل، ويغدو تعريف العلاقات بين الجنسين من جديد ضروريً، لذلك تشهد المجتمعات في فترة التغيير فقدان البوصلة وفقدان القيم، ويتحدث علماء الاجتماع في هذا السياق عن اللامعيارية، أي أنَّ الشباب في العالم العربي لا ينتفض على اضطهاد النظام السياسي بحد ذاته، بل على اضطهاد نظام الأسرة التقليدي، الذي ينعكس بدوره على البنى السياسية، بيد أن مرحلة تأجج الصراع لن تدوم طويلاً في المجتمعات العربية، هذا ما ينتج عن الرؤية الديموغرافية لهاينسون وكذلك عن علم اجتماع التحديث لدى تود وكرباج، فمن جهة سوف تتراجع نسبة الجيل الشاب بالنسبة لمجمل السكان، ومن جهة أخرى سوف تنتهي مرحلة التغيير في المجتمع العربي، كما حدث في أوروب، إنَّ التطوّر الحالي ليس فريدًا من نوعه بحال من الأحوال، ذلك لأنه بحسب إيمانويل تود ويوسف كرباج، "تجري في العالم الإسلامي تلك الثورة الديموغرافية والثقافية والمعنوية، التي شكلت الأساس لتطوّر تلك المناطق التي تعد اليوم الأحدث في العالم"، وبهذا يتحرك العالم الإسلامي أيضًا بحسب قوانين أكثر شمولية من ما يريد المستشرق الأوروبي المتواطئ أن يرى.