رياح التغيير العربي وانجلاء الغبار.
...........
شبكة النبأ:
"في 14 أيار/مايو 2011، خاطب روبن رايت و روبرت كاغان و مارتن كريمر منتدى خاص رعته "ندوة سوريف" عنوانه "الشرق الأوسط في حوالي عام 2016".
والسيدة روبن رايت هي صحفية ومؤلفة بارزة وزميلة مشاركة في "معهد السلام الأمريكي" و"مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين".
السيد روبرت كاغان هو زميل أقدم في "مؤسسة بروكينغز" يركز على الولايات المتحدة وأوروبا وهو عضو سابق في "مكتب تخطيط السياسات" في وزارة الخارجية الأمريكية.
والسيد مارتن كريمر هو زميل ويكسلر فرومر السابق في معهد واشنطن ومؤلف: "أبراج عاجية على الرمال: فشل الدراسات الشرق أوسطية في أمريكا". وفيما يلي ملاحظاتهم.
تقول روبن رايت: تاريخياً كان التشاؤم أدق موقف يمكن اتخاذه حول التطورات السياسية في الشرق الأوسط. ولم يكن السؤال إذا ما كان الكوب نصفه مليء أو نصفه فارغ وإنما هل ثمة ماء بالكوب أصلاً أم لا. ومع ذلك، ففي ضوء "الربيع العربي" فقد بدأ يبرز إحساس متجدد بالتفاؤل حيال مستقبل المنطقة.
إن هذا الحراك المستمر هو إحدى النقاط التحولية الأربع الرئيسية للشرق الأوسط في القرن الماضي. وكان الأول هو انهيار الخلافة العثمانية وإنشاء تركيا والدول العربية الحديثة لاحقاً.
والثاني إقامة إسرائيل في عام 1948 والثالث اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979.
وهذه القضايا المميزة والمتداخلة في الوقت نفسه تجعل "الربيع العربي" على درجة كبيرة من الأهمية.
أولاً: تحدث الثورات في وقت واحد في في جميع أنحاء المنطقة في مجتمعات مختلفة بشكل ملحوظ بغض النظر عن التنظيم أو الحوكمة أو التجزؤ الديني. وبحلول عام 2016 ستكون كل دولة عربية قد مرت بقدر من التغير الكبير.
ثانياً: ترفض المنطقة التطرف فيما يشار إليه الآن بــ "الجهاد المضاد." وبالنسبة للكثير من المسلمين كانت هجمات 11 أيلول/سبتمبر حدثاً وجرحاً هز أسس عقيدتهم ولياقتهم.
وعلاوة على ذلك، أصبحت تكلفة دعم التطرف باهظة جداً.
فقد كان تنظيم «القاعدة» عاجزاً عن الوفاء بالاحتياجات الملموسة للوجود اليومي مثل الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف.
ونتيجة لذلك أظهر كل استطلاع أُجري منذ عام 2007 دعماً متقلصاً للتطرف. بل اصبح الناس يتحولون إلى العصيان المدني السلمي للتعبير عن أصواتهم.
ثالثاً: بدأت الشعوب في تحدي اللاهوت السياسي الإسلامي، ويبرز ذلك بصورة أكثر في إيران. والصفة المشتركة بين جميع هذا القضايا الثلاث هي رفض الوضع الراهن، إلى جانب وجود حافز للتحرك نحو الأمام بدلاً من الخلف.
وبالنظر إلى المستقبل ذو المدى القصير فلا مفر من تغيير النظام في اليمن وليبيا وسوريا. والمقياس الأكثر تعبيراً الذي يؤخذ بعين الاعتبار في جميع الحالات الثلاث هو النسبة المئوية من السكان الذين ما يزالون يدعمون كل حاكم على حدة. فعندما يهبط هذا الرقم إلى أدنى من 30 بالمائة يصبح التغيير راجحاً جداً. وحالياً يقف الرئيسان اليمني والسوري عند 30 بالمائة أو أعلى لكن الوضع متقلب على نحو كبير.
و على مدى السنوات الخمس المقبلة سيكون الهمُّ الرئيسي هو فشل التوقعات خاصة في المجال الاقتصادي. فعندما لا تحقق الثورات تغييراً حقيقياً أو عندما تفشل في الوفاء بوعودها فإن ثمة عواقب غير مقصودة تميل إلى البروز على السطح.
ومع ذلك، فإن الأنظمة الخليجية مختلفة لأن بإمكانها إرشاء سكانها بدون تغيير هيكلها الحالي. فعلى سبيل المثال، ضخت الرياض مؤخراً مائة مليار دولار في الاقتصاد السعودي للتغطية على قضايا البطالة وغيرها من المشاكل الهيكلية.
وبغض النظر عن عيوبها لن يكون لزاماً على دول الخليج أن تعالج المشاكل السياسية في أي وقت قريب.
وبالنسبة لمصر، فمن المرجح أن تعيد إقامة علاقة مع إيران على مر الزمن. ومما لاشك فيه أن القاهرة سترغب في إبعاد نفسها عن سياسات عهد مبارك وتتجنب أن يُنظر اليها كدمية أمريكية.
وعلى المدى الطويل، سيصبح الشرق الأوسط أكثر ديمقراطية وأكثر إسلامية أيضاً --لكن ليس النوع المتطرف من الإسلام الذي تعتنقه جماعات مثل «حزب الله» و «حماس»،وإنما تحوّل الشعب إلى الإسلام كوسيلة لتحقيق غاية وليس غاية في حد ذاتها.
وبهذا المعنى، من المهم التفريق بين الأحزاب الإسلامية والأخرى الإسلاموية بل وبين الأطياف العريضة من الأحزاب الإسلاموية. فالإسلامويون هم أولئك الذين يريدون تطبيق الشريعة كمصدر أساسي للقانون بما في ذلك الاستخدام الأكبر للإسلام في تطبيقات الحكومة اليومية. غير أنه سيكون لزاماً على هذه الفئة الإستجابة لما يحدث في الشارع.
وقد شهدنا ذلك بالفعل إلى درجة معينة مع جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر حيث انفصلت فئات بسبب قضايا مثل معارضة «الإخوان» لإتاحة الفرصة للمرأة والمسيحيين الأقباط بالترشح للرئاسة.
وسوف نرى على الأرجح المزيد من هذه الظاهرة بمعنى: جماعات سياسية لها هوية مسلمة أساسية لكن بدون مواقف إسلاموية متشددة في قضايا معينة.
اما رؤية روبرت كاغان فكانت: ذات مرة اعتقد معظم المطلعين على الأمور اعتقاداً راسخاً بأن الدول الكاثوليكية لا يمكن أن تصبح ديمقراطية، ثم أن الدول الآسيوية لا يمكن أن تصبح ديمقراطية، ثم أن الدول المسلمة لا يمكن أن تصبح ديمقراطية.
فهل ستنضم الرؤية التي تقول بأن الدول العربية لا يمكن أن تصبح ديمقراطية إلى هذه القائمة من الخرافات المتهافتة؟
ليس بالضرورة، فقد كان العقد الماضي دليلاً على المرونة المدهشة للأنظمة الاستبدادية. فبعد انتهاء الحرب الباردة توصلت الولايات المتحدة إلى نتيجة مفادها أن الليبرالية قد انتصرت وأن عصر الحكام المستبدين قد انتهى. ونظراً للبنية السياسية الحالية للصين وروسيا فقد أثبتت تلك النتيجة أنها خاطئة.
غير أن الأنظمة الاستبدادية قد مالت إلى الانهيار حالما أصبحت حليفة للولايات المتحدة أو حالما سعى سكانها إلى الدخول في غِمار العالم الغربي.
وللتعبير عن ذلك ببساطة تستطيع النظم الفردية الصمود لو بقيت خارج التأثير الأمريكي لكنها تسقط لو اقتربت بشدة من فخ المصالح الأمريكية. وليس واضحاً إلى أي مدى يتناسب العالم العربي مع هذا الإطار.
يجب على الولايات المتحدة أن تقرر فيما إذا كانت تريد دعم التغيير في الشرق الأوسط أو تبقى راضية عن الوضع الراهن. فالرئيس أوباما مثل سابقيه يميل إلى رؤية المنطقة بخوف وغموض شديدين. وفي الوقت الحالي تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى ضمان سقوط نظام القذافي كما يحتاجان إلى لعب دور مهم في الأزمة السورية. إن بعض الانخراط أمر لا مفر منه، لأن البقاء حالياً على الهامش سيؤدي فقط إلى إطالة الدور الأمريكي على المدى البعيد.
وبالنسبة لمصر، يجب على واشنطن التركيز على الاقتصاد حيث ستكون المعونة الغربية عاملاً حاسماً في نتائج الثورة.
وإذا ما انتشرت الديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط فهل ستساعد المصالح الأمريكية أم ستضرها؟ يُظهر التاريخ أنه عندما تزدهر الديمقراطية في منطقة ما فإنها عادة ما تفيد المصالح الأمريكية. إن كوريا الجنوبية هي خير مثال على ذلك، فعلى الرغم من أن الديمقراطية في البداية قد خولت الزعماء الذين لم تكن نواياهم طيبة تجاه الولايات المتحدة مثل أسلافهم المُستبدين إلا أن الحكومة قد تكيّفت في ظل جيل جديد من القادة الذين تقبلوا بأن يكونوا وطنيين وحلفاء الولايات المتحدة في الوقت نفسه.
وبالمثل، فإن مصر الأكثر ديمقراطية لن تكون في البداية بنفس المستوى من حسن النية تجاه الولايات المتحدة كما كان نظام مبارك، إذ هي تريد إبعاد نفسها عن كل شيء كان يناصره النظام السابق حتى لو كان ذلك يعني ارتباطاً محدوداً مع واشنطن. إلا أن الولايات المتحدة ستستفيد على المدى الطويل لو بقيت تلك الديمقراطيات الوليدة لما بعد عام 2016.
في حين يجد مارتن كريمر: يمكن النظر إلى التطورات في الشرق الأوسط في سياق التنافس بين الدائرة الموالية للولايات المتحدة والهلال المناهض لها. وتقليدياً تألفت تلك الدائرة من تركيا وإسرائيل والأردن ومصر والسعودية ودول الخليج وهو ائتلاف غير رسمي من الحلفاء غير الطبيعيين حافظ على تماسكه بواسطة مصداقية واشنطن واستعدادها على استخدام قوتها.
وفي مقابل الدائرة كان الهلال يتكون من إيران والعراق وسوريا ولبنان والإسلاميين الفلسطينيين. ومثلها مثل الولايات المتحدة استخدمت إيران كل قوتها لإبقاء هذا الفصيل متماسكاً. وعلى الرغم من أن الهلال كان أصغر، لكن كان له تماسك أفضل بسبب حجمه والعدد الكبير من سكانه الشيعة.
وسيكون المتغير الرئيسي في تحديد صورة المنطقة في حوالي عام 2016 هو قدرة الولايات المتحدة على إعادة بناء اتحاد مستقر من الحلفاء غير الطبيعيين. وتعمل حالياً القوى المتوسطة الأربع --تركيا وإيران وإسرائيل والسعودية--بشكل منتظم خارج حدودها. وبحلول عام 2016 ستكون أكثر انخراطاً في شؤون جيرانها.
وربما تعود مصر إلى الانضمام إلى هذه المجموعة في نهاية المطاف، لكن ذلك يبدو مستبعداً بحلول عام 2016. والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرة على تشكيل تحالف مع تركيا والسعودية وإسرائيل.
إن أفضل طريقة للقيام بذلك هي الثبات على مبدأ مكافأة الأصدقاء ومعاقبة الأعداء، وبالتالي إقناع الدول بضرورة إقامة علاقات صداقة مع واشنطن حتى لو لم تكن تودد الأصدقاء الذين تصاحبهم.
وأما دول المنطقة الأخرى -- وخصوصاً العراق وسوريا والأردن ولبنان وليبيا واليمن -- فقد لعبت أدواراً مهمة في الماضي تحت حكم طغاة قاسين. إلا أن هذه الدول مجزأة بشكل كبير، كما أنه في ظل سقوط الطغاة فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً ستكون خليطاً من الممارسات شبه الديمقراطية المرصعة بالإقليمية والطائفية والعنف المستوطن.
وعلى هذا النحو، ستكون إسرائيل على الأرجح غير راغبة في التخلي عن أفضل خطوط دفاعها وهي وادي الأردن ومرتفعات الجولان. إن إحدى النتائج الثانوية السارة لـ "الربيع العربي" هي أن كلاً من إسرائيل والفلسطينيين قد أصبح جزيرة في حد ذاته [منعزلاً عما يحدث].
غير أنه حالما ينخرط أي من الطرفين في الحراك الإقليمي سيتآكل هذا الاستقرار.
وبالنسبة للإسلامويين في المنطقة فهم بالفعل أقوياء ويزدادون قوة. فهم الذين يمارسون السلطة في لبنان ويحددون الأجندة في مصر ويهيمنون على المشهد في تركيا. وفي كل حالة من هذه الحالات نجد أن الديمقراطية قد مكَّنت الإسلاموية.
ونظراً لأن الحركات الإسلاموية قد وُلدت في الأصل من أعمال القمع فقد كانت حذرة ومراوغة وقادت من الخلف. ولمواجهة هذا الاتجاه سيحتاج خصوم الإسلاموية أن يصبحوا أكثر حنكة من أي وقت مضى.
................................................
نبذة عن معهد واشنطن.
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
...........
شبكة النبأ:
"في 14 أيار/مايو 2011، خاطب روبن رايت و روبرت كاغان و مارتن كريمر منتدى خاص رعته "ندوة سوريف" عنوانه "الشرق الأوسط في حوالي عام 2016".
والسيدة روبن رايت هي صحفية ومؤلفة بارزة وزميلة مشاركة في "معهد السلام الأمريكي" و"مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين".
السيد روبرت كاغان هو زميل أقدم في "مؤسسة بروكينغز" يركز على الولايات المتحدة وأوروبا وهو عضو سابق في "مكتب تخطيط السياسات" في وزارة الخارجية الأمريكية.
والسيد مارتن كريمر هو زميل ويكسلر فرومر السابق في معهد واشنطن ومؤلف: "أبراج عاجية على الرمال: فشل الدراسات الشرق أوسطية في أمريكا". وفيما يلي ملاحظاتهم.
تقول روبن رايت: تاريخياً كان التشاؤم أدق موقف يمكن اتخاذه حول التطورات السياسية في الشرق الأوسط. ولم يكن السؤال إذا ما كان الكوب نصفه مليء أو نصفه فارغ وإنما هل ثمة ماء بالكوب أصلاً أم لا. ومع ذلك، ففي ضوء "الربيع العربي" فقد بدأ يبرز إحساس متجدد بالتفاؤل حيال مستقبل المنطقة.
إن هذا الحراك المستمر هو إحدى النقاط التحولية الأربع الرئيسية للشرق الأوسط في القرن الماضي. وكان الأول هو انهيار الخلافة العثمانية وإنشاء تركيا والدول العربية الحديثة لاحقاً.
والثاني إقامة إسرائيل في عام 1948 والثالث اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979.
وهذه القضايا المميزة والمتداخلة في الوقت نفسه تجعل "الربيع العربي" على درجة كبيرة من الأهمية.
أولاً: تحدث الثورات في وقت واحد في في جميع أنحاء المنطقة في مجتمعات مختلفة بشكل ملحوظ بغض النظر عن التنظيم أو الحوكمة أو التجزؤ الديني. وبحلول عام 2016 ستكون كل دولة عربية قد مرت بقدر من التغير الكبير.
ثانياً: ترفض المنطقة التطرف فيما يشار إليه الآن بــ "الجهاد المضاد." وبالنسبة للكثير من المسلمين كانت هجمات 11 أيلول/سبتمبر حدثاً وجرحاً هز أسس عقيدتهم ولياقتهم.
وعلاوة على ذلك، أصبحت تكلفة دعم التطرف باهظة جداً.
فقد كان تنظيم «القاعدة» عاجزاً عن الوفاء بالاحتياجات الملموسة للوجود اليومي مثل الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف.
ونتيجة لذلك أظهر كل استطلاع أُجري منذ عام 2007 دعماً متقلصاً للتطرف. بل اصبح الناس يتحولون إلى العصيان المدني السلمي للتعبير عن أصواتهم.
ثالثاً: بدأت الشعوب في تحدي اللاهوت السياسي الإسلامي، ويبرز ذلك بصورة أكثر في إيران. والصفة المشتركة بين جميع هذا القضايا الثلاث هي رفض الوضع الراهن، إلى جانب وجود حافز للتحرك نحو الأمام بدلاً من الخلف.
وبالنظر إلى المستقبل ذو المدى القصير فلا مفر من تغيير النظام في اليمن وليبيا وسوريا. والمقياس الأكثر تعبيراً الذي يؤخذ بعين الاعتبار في جميع الحالات الثلاث هو النسبة المئوية من السكان الذين ما يزالون يدعمون كل حاكم على حدة. فعندما يهبط هذا الرقم إلى أدنى من 30 بالمائة يصبح التغيير راجحاً جداً. وحالياً يقف الرئيسان اليمني والسوري عند 30 بالمائة أو أعلى لكن الوضع متقلب على نحو كبير.
و على مدى السنوات الخمس المقبلة سيكون الهمُّ الرئيسي هو فشل التوقعات خاصة في المجال الاقتصادي. فعندما لا تحقق الثورات تغييراً حقيقياً أو عندما تفشل في الوفاء بوعودها فإن ثمة عواقب غير مقصودة تميل إلى البروز على السطح.
ومع ذلك، فإن الأنظمة الخليجية مختلفة لأن بإمكانها إرشاء سكانها بدون تغيير هيكلها الحالي. فعلى سبيل المثال، ضخت الرياض مؤخراً مائة مليار دولار في الاقتصاد السعودي للتغطية على قضايا البطالة وغيرها من المشاكل الهيكلية.
وبغض النظر عن عيوبها لن يكون لزاماً على دول الخليج أن تعالج المشاكل السياسية في أي وقت قريب.
وبالنسبة لمصر، فمن المرجح أن تعيد إقامة علاقة مع إيران على مر الزمن. ومما لاشك فيه أن القاهرة سترغب في إبعاد نفسها عن سياسات عهد مبارك وتتجنب أن يُنظر اليها كدمية أمريكية.
وعلى المدى الطويل، سيصبح الشرق الأوسط أكثر ديمقراطية وأكثر إسلامية أيضاً --لكن ليس النوع المتطرف من الإسلام الذي تعتنقه جماعات مثل «حزب الله» و «حماس»،وإنما تحوّل الشعب إلى الإسلام كوسيلة لتحقيق غاية وليس غاية في حد ذاتها.
وبهذا المعنى، من المهم التفريق بين الأحزاب الإسلامية والأخرى الإسلاموية بل وبين الأطياف العريضة من الأحزاب الإسلاموية. فالإسلامويون هم أولئك الذين يريدون تطبيق الشريعة كمصدر أساسي للقانون بما في ذلك الاستخدام الأكبر للإسلام في تطبيقات الحكومة اليومية. غير أنه سيكون لزاماً على هذه الفئة الإستجابة لما يحدث في الشارع.
وقد شهدنا ذلك بالفعل إلى درجة معينة مع جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر حيث انفصلت فئات بسبب قضايا مثل معارضة «الإخوان» لإتاحة الفرصة للمرأة والمسيحيين الأقباط بالترشح للرئاسة.
وسوف نرى على الأرجح المزيد من هذه الظاهرة بمعنى: جماعات سياسية لها هوية مسلمة أساسية لكن بدون مواقف إسلاموية متشددة في قضايا معينة.
اما رؤية روبرت كاغان فكانت: ذات مرة اعتقد معظم المطلعين على الأمور اعتقاداً راسخاً بأن الدول الكاثوليكية لا يمكن أن تصبح ديمقراطية، ثم أن الدول الآسيوية لا يمكن أن تصبح ديمقراطية، ثم أن الدول المسلمة لا يمكن أن تصبح ديمقراطية.
فهل ستنضم الرؤية التي تقول بأن الدول العربية لا يمكن أن تصبح ديمقراطية إلى هذه القائمة من الخرافات المتهافتة؟
ليس بالضرورة، فقد كان العقد الماضي دليلاً على المرونة المدهشة للأنظمة الاستبدادية. فبعد انتهاء الحرب الباردة توصلت الولايات المتحدة إلى نتيجة مفادها أن الليبرالية قد انتصرت وأن عصر الحكام المستبدين قد انتهى. ونظراً للبنية السياسية الحالية للصين وروسيا فقد أثبتت تلك النتيجة أنها خاطئة.
غير أن الأنظمة الاستبدادية قد مالت إلى الانهيار حالما أصبحت حليفة للولايات المتحدة أو حالما سعى سكانها إلى الدخول في غِمار العالم الغربي.
وللتعبير عن ذلك ببساطة تستطيع النظم الفردية الصمود لو بقيت خارج التأثير الأمريكي لكنها تسقط لو اقتربت بشدة من فخ المصالح الأمريكية. وليس واضحاً إلى أي مدى يتناسب العالم العربي مع هذا الإطار.
يجب على الولايات المتحدة أن تقرر فيما إذا كانت تريد دعم التغيير في الشرق الأوسط أو تبقى راضية عن الوضع الراهن. فالرئيس أوباما مثل سابقيه يميل إلى رؤية المنطقة بخوف وغموض شديدين. وفي الوقت الحالي تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى ضمان سقوط نظام القذافي كما يحتاجان إلى لعب دور مهم في الأزمة السورية. إن بعض الانخراط أمر لا مفر منه، لأن البقاء حالياً على الهامش سيؤدي فقط إلى إطالة الدور الأمريكي على المدى البعيد.
وبالنسبة لمصر، يجب على واشنطن التركيز على الاقتصاد حيث ستكون المعونة الغربية عاملاً حاسماً في نتائج الثورة.
وإذا ما انتشرت الديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط فهل ستساعد المصالح الأمريكية أم ستضرها؟ يُظهر التاريخ أنه عندما تزدهر الديمقراطية في منطقة ما فإنها عادة ما تفيد المصالح الأمريكية. إن كوريا الجنوبية هي خير مثال على ذلك، فعلى الرغم من أن الديمقراطية في البداية قد خولت الزعماء الذين لم تكن نواياهم طيبة تجاه الولايات المتحدة مثل أسلافهم المُستبدين إلا أن الحكومة قد تكيّفت في ظل جيل جديد من القادة الذين تقبلوا بأن يكونوا وطنيين وحلفاء الولايات المتحدة في الوقت نفسه.
وبالمثل، فإن مصر الأكثر ديمقراطية لن تكون في البداية بنفس المستوى من حسن النية تجاه الولايات المتحدة كما كان نظام مبارك، إذ هي تريد إبعاد نفسها عن كل شيء كان يناصره النظام السابق حتى لو كان ذلك يعني ارتباطاً محدوداً مع واشنطن. إلا أن الولايات المتحدة ستستفيد على المدى الطويل لو بقيت تلك الديمقراطيات الوليدة لما بعد عام 2016.
في حين يجد مارتن كريمر: يمكن النظر إلى التطورات في الشرق الأوسط في سياق التنافس بين الدائرة الموالية للولايات المتحدة والهلال المناهض لها. وتقليدياً تألفت تلك الدائرة من تركيا وإسرائيل والأردن ومصر والسعودية ودول الخليج وهو ائتلاف غير رسمي من الحلفاء غير الطبيعيين حافظ على تماسكه بواسطة مصداقية واشنطن واستعدادها على استخدام قوتها.
وفي مقابل الدائرة كان الهلال يتكون من إيران والعراق وسوريا ولبنان والإسلاميين الفلسطينيين. ومثلها مثل الولايات المتحدة استخدمت إيران كل قوتها لإبقاء هذا الفصيل متماسكاً. وعلى الرغم من أن الهلال كان أصغر، لكن كان له تماسك أفضل بسبب حجمه والعدد الكبير من سكانه الشيعة.
وسيكون المتغير الرئيسي في تحديد صورة المنطقة في حوالي عام 2016 هو قدرة الولايات المتحدة على إعادة بناء اتحاد مستقر من الحلفاء غير الطبيعيين. وتعمل حالياً القوى المتوسطة الأربع --تركيا وإيران وإسرائيل والسعودية--بشكل منتظم خارج حدودها. وبحلول عام 2016 ستكون أكثر انخراطاً في شؤون جيرانها.
وربما تعود مصر إلى الانضمام إلى هذه المجموعة في نهاية المطاف، لكن ذلك يبدو مستبعداً بحلول عام 2016. والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرة على تشكيل تحالف مع تركيا والسعودية وإسرائيل.
إن أفضل طريقة للقيام بذلك هي الثبات على مبدأ مكافأة الأصدقاء ومعاقبة الأعداء، وبالتالي إقناع الدول بضرورة إقامة علاقات صداقة مع واشنطن حتى لو لم تكن تودد الأصدقاء الذين تصاحبهم.
وأما دول المنطقة الأخرى -- وخصوصاً العراق وسوريا والأردن ولبنان وليبيا واليمن -- فقد لعبت أدواراً مهمة في الماضي تحت حكم طغاة قاسين. إلا أن هذه الدول مجزأة بشكل كبير، كما أنه في ظل سقوط الطغاة فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً ستكون خليطاً من الممارسات شبه الديمقراطية المرصعة بالإقليمية والطائفية والعنف المستوطن.
وعلى هذا النحو، ستكون إسرائيل على الأرجح غير راغبة في التخلي عن أفضل خطوط دفاعها وهي وادي الأردن ومرتفعات الجولان. إن إحدى النتائج الثانوية السارة لـ "الربيع العربي" هي أن كلاً من إسرائيل والفلسطينيين قد أصبح جزيرة في حد ذاته [منعزلاً عما يحدث].
غير أنه حالما ينخرط أي من الطرفين في الحراك الإقليمي سيتآكل هذا الاستقرار.
وبالنسبة للإسلامويين في المنطقة فهم بالفعل أقوياء ويزدادون قوة. فهم الذين يمارسون السلطة في لبنان ويحددون الأجندة في مصر ويهيمنون على المشهد في تركيا. وفي كل حالة من هذه الحالات نجد أن الديمقراطية قد مكَّنت الإسلاموية.
ونظراً لأن الحركات الإسلاموية قد وُلدت في الأصل من أعمال القمع فقد كانت حذرة ومراوغة وقادت من الخلف. ولمواجهة هذا الاتجاه سيحتاج خصوم الإسلاموية أن يصبحوا أكثر حنكة من أي وقت مضى.
................................................
نبذة عن معهد واشنطن.
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]