ربيع عربي بلا ثمار.
عدنان الصالحي.
............
الربيع العربي الذي انهمرت عليه امطار التغيير بدء من أول قطرة (بوعزيزي)في تونس لتجري رياح التغيير الى الدول العربية الأخرى،شكَل صدمة كبيرة للحكومات الدكتاتورية و مفاجأة غير متوقعة للدول الغربية،هذه الانعطافة عبرت بشكل صريح عن مدى تشارك الشعوب في مظلوميتها و أظهرت بما لا يقبل الشك صور الحكومات الفاشية و الفاسدة التي لم تدخر جهدا و وسيلة إلا واستخدمتها للبقاء في عروشها و لو كان على حساب انهر من دماء الأبرياء.
و بعد مرور اكثر من عام على بداية ذلك الربيع،ظهرت مخاوف لدى الشعوب العربية و المراقبين من احتمالية تحول مسار ذلك الربيع الدافئ الى صيف (جاف)و طويل مرة أخرى،هذه المخاوف ظهرت و بشكل لافت بعد السير المتخبط و النمو البطيء و الضبابية و عدم الوضوح في الدول التي طالها التغيير،سواء كان ذلك بتدخل خارجي لوقف حركة التغيير او بطبيعة ذاتية فان كلا الحالتين تسير الى نتيجة واحدة.
وهناك أسباب عدة لظهور هذه المخاوف أهمها:
1- الانفلات الأمني و الفوضى التي تحدث غالبا في الدول التي يطالها التغيير،في وقت يحاول اغلب الحكومات رفد سوق التخريب و الفوضى بكل ما لديه من وسائل و جعلها مصد رياح دون نهاية حكمها.
2- محاولة انهاك الشعوب الطالبة للتغيير عن طريق إطالة أمد التحول او التقليل من نتائجه الايجابية إضافة الى التحريض على الحروب الداخلية،و بذر الانشقاقات بشكل قومي او طائفي،بشكل يوحي لأغلب الشعوب بان البقاء تحت سياط الدكتاتورية أفضل من مذابح الحرية والفوضى و الانفلات.
3- العمل العشوائي للكتل السياسية البديلة للأنظمة السابقة و احتوائها خليطا غير متجانس يتبادل اغلبها العداء و الحقد و التنافر و التحريض.
4- فقدان البدلاء السياسيين لرؤية بناء الدولة و تركز جهودهم على أحكام القبضة على السلطة معتمدين على نظام محاصصة طائفية او سياسية،و غير مكترثين بعامل الرأي العام و دوره في وصولهم للسلطة.
5- عدم ظهور بوادر الدولة المدنية و المؤسساتية بشكل واضح في الدول العربية التي شهدت التغيير رغم قناعة الجميع بضرورة التخلص من نظم فاسدة و فاشلة،لم تستطع خلال قرون تقديم اي شيء لدولها.
6- خلق جهات معادية للتغيير،نتيجة وجود أخطاء بطرق التغيير و أساليب التعبير أدت الى ظهور طبقات غير متحفزة للتعاون مع الوضع الجديد،و رأت في الوضع السابق حالا أفضل مما عليه الآن.
7- إثارة الشحن الطائفي من خلال محاولة بعض الحكومات الفاسدة تصوير الربيع العربي على انه موجة طائفية قادمة من دول معينة الغاية منها ضرب الطائفة التي يحاول الحاكم او الملك التشبث بالانتماء اليها،و تصوير المعركة على أنها بين طائفتين لا بين شعب مضطهد و حاكم فاسد.
8- دور بعض القنوات الإعلامية الموجه في تصنيف الثورات،بحسب البلدان لمحاولة زجها في أتون حرب أهلية و اقتتال داخلي لصرف الأنظار عن الهدف الأسمى و هو التحرر من قبضة الدكتاتورية،ففي سوريا يحاول الأغلب وصف الحالة بأنها حرب سنية ضد طائفة علوية،فيما تكون الصورة معكوسة في البحرين حيث يصورون مطالب الشعب البحريني المشروعة بأنها ثورة شيعية ضد طائفة سنية و هكذا دواليك.
9- التدخل الواضح من قبل أطراف دولية فاعلة في الساحة العربية لإعطاء صورة باهتة عن التغيير العربي و الدفع لإيجاد موانع و عوائق لاستمرارية الربيع العربي،و محاولة إقناع باقي شعوب المنطقة بعدم المسير بنفس المسلك مع حكوماتها كون اغلب تلك الأنظمة القائمة تنتمي الى معسكر تلك الدول الغربية و تغييرها يعني ضياع مكسب اقتصادي و سياسي كبير لتلك الدول الكبرى.
10- عجز واضح للسلطة القضائية في اغلب دول المنطقة في مكافحة الفساد و القصاص او محاسبة المتورطين بدماء الأبرياء و خصوصا المشاركين في تظاهرات التغيير،او تمييع القضايا الكبرى و لو كانت بمستوى جرائم الرؤساء او من على شاكلتهم.
فترات التغيير لا تأتي على فواصل زمنية قريبة بل إنها قد تستغرق قرونا طويلة كي تثمر مثلما أنتجته الشعوب في الوقت الحاضر و فقدان زخمها يعني ضياع فرصة كبيرة في إحداث التغيير المنشود في خلق دول مدنية دستورية حقيقية و مؤسسات مهنية بعد سنوات عجاف من حكومات لم تكن تخلق سوى الأزمات،و كان دورها لا يتعدّى دور المحافظ على الأمن الخاص بها،عن طريق كبت الشعوب و سحق حركات التمرد أو الثورة،طمعاً في البقاء في سلطاتها أطول فترة ممكنة.
من جانبها كان بإمكان قوى المعارضة و الحركات السياسية المناوئة للأنظمة أن تكون بمستوى أفضل من حيث استغلال هذا الجو المهيأ لقيام حكومات كفوءة تعطي نموذجا يقتدى به،و بناء جسور الثقة فيما بينها عن طريق التخفيف من غلواء شروطهم على الطرف الآخر،في خضم الصراع على البقاء في السلطة،أو محاولة الوصول إليها عن طريق انتزاعها من الطرف الآخر.
فبين سوء أداء المعارضة و عشوائيتها و فساد و تهري منظومة الحكومات الحالية بقيت الشعوب في حيرة من أمرها فالأخيرة أيقنت بان لا جدوى من البقاء على وضعها الحالي المزري حتى تلك التي تعيش أوضاع اقتصادية جيدة إلا إنها في حقيقة الأمر تعيش حياة لا كرامة فيها تحت رحمة ملوك و سلاطين للفساد و رعاة الإرهاب الحكومي و البقاء على دولة العسكر و النظام البوليسي إنما هو العيش في سجن كبير و لو كان بحجم دولة.
و من جانب آخر فالطريق الربيعي لن يكون ورديا و لا نزهة للتغيير بل إنه بدا يتعقد يوما بعد آخر،و هو يمر اليوم بمنعطف خطير يتمثل في إمكانية استمراره او ذبوله و تلاشيه،و إذا ما انتهى بحجمه الحالي فهذا يعني بقاء الخريطة السياسية للعسكر القديم بحالها،و لن يكون هنالك تأثير كبير في ما جرى من تغييرات في بعض الدول على المنطقة برمتها كون أقطاب المنطقة الأخرى لم تتأثر بهذه الموجة.
لذا فان الجميع اليوم يتحمل مسؤولية تضامنية مشتركة سواء حركات معارضة او جهات دينية او مؤسسات مجتمع مدني أو إعلام حر مهني في الحفاظ على ديمومة واستمرارية (ربيع المظلومين)،و علينا أن لا نقف متفرجين او بالضد منه حتى و ان كنا نختلف مع بعضه بطرق و أساليب التعبير لكننا نتفق جميعا بان التغيير يجب أن يطال كل فساد و دكتاتورية،بغض النظر عن انتماء هذا الحاكم أو تلك الحكومة و يجب أن لا نصنف و لا نميز و لا نلون حركات التغيير بألوان طائفية أو قومية او عرقية فالجميع بني الإنسان و من حقه ان يقرر كيف يعيش و أي الطرق يسلك.
إننا نؤمن بان طريقة التوريث و الملوكية و حكومات الانقلابات و العسكرة هي من جرت الويلات على بلدان المنطقة و جعلت شعوبها من أفقر دول العالم رغم إمكانياتها الهائلة،فالشعوب اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى للمشاركة في بناء بلدانها و إسماع صوتها و الإصغاء له،إما طريقة سياط الدكتاتورية و الدولة البوليسية فقد أثبتت فشلها و ان بقيت فترة من الزمن إلا إنها في حقيقة الأمر بناء هش و نظام قلق لا يبني الإنسان و لا يضمن لأي شخص بقاء في سلطة،لذا فان الربيع العربي ظاهرة صحية يجب ان لا توأد و لا تترك لتذبل دون قطف ثمارها،و عدم جرها الى العنف و العسكرة من أهم المقدمات لذلك.
...........
شبكة النبأ المعلوماتية-16/نيسان/2012
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات و البحوث.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
عدنان الصالحي.
............
الربيع العربي الذي انهمرت عليه امطار التغيير بدء من أول قطرة (بوعزيزي)في تونس لتجري رياح التغيير الى الدول العربية الأخرى،شكَل صدمة كبيرة للحكومات الدكتاتورية و مفاجأة غير متوقعة للدول الغربية،هذه الانعطافة عبرت بشكل صريح عن مدى تشارك الشعوب في مظلوميتها و أظهرت بما لا يقبل الشك صور الحكومات الفاشية و الفاسدة التي لم تدخر جهدا و وسيلة إلا واستخدمتها للبقاء في عروشها و لو كان على حساب انهر من دماء الأبرياء.
و بعد مرور اكثر من عام على بداية ذلك الربيع،ظهرت مخاوف لدى الشعوب العربية و المراقبين من احتمالية تحول مسار ذلك الربيع الدافئ الى صيف (جاف)و طويل مرة أخرى،هذه المخاوف ظهرت و بشكل لافت بعد السير المتخبط و النمو البطيء و الضبابية و عدم الوضوح في الدول التي طالها التغيير،سواء كان ذلك بتدخل خارجي لوقف حركة التغيير او بطبيعة ذاتية فان كلا الحالتين تسير الى نتيجة واحدة.
وهناك أسباب عدة لظهور هذه المخاوف أهمها:
1- الانفلات الأمني و الفوضى التي تحدث غالبا في الدول التي يطالها التغيير،في وقت يحاول اغلب الحكومات رفد سوق التخريب و الفوضى بكل ما لديه من وسائل و جعلها مصد رياح دون نهاية حكمها.
2- محاولة انهاك الشعوب الطالبة للتغيير عن طريق إطالة أمد التحول او التقليل من نتائجه الايجابية إضافة الى التحريض على الحروب الداخلية،و بذر الانشقاقات بشكل قومي او طائفي،بشكل يوحي لأغلب الشعوب بان البقاء تحت سياط الدكتاتورية أفضل من مذابح الحرية والفوضى و الانفلات.
3- العمل العشوائي للكتل السياسية البديلة للأنظمة السابقة و احتوائها خليطا غير متجانس يتبادل اغلبها العداء و الحقد و التنافر و التحريض.
4- فقدان البدلاء السياسيين لرؤية بناء الدولة و تركز جهودهم على أحكام القبضة على السلطة معتمدين على نظام محاصصة طائفية او سياسية،و غير مكترثين بعامل الرأي العام و دوره في وصولهم للسلطة.
5- عدم ظهور بوادر الدولة المدنية و المؤسساتية بشكل واضح في الدول العربية التي شهدت التغيير رغم قناعة الجميع بضرورة التخلص من نظم فاسدة و فاشلة،لم تستطع خلال قرون تقديم اي شيء لدولها.
6- خلق جهات معادية للتغيير،نتيجة وجود أخطاء بطرق التغيير و أساليب التعبير أدت الى ظهور طبقات غير متحفزة للتعاون مع الوضع الجديد،و رأت في الوضع السابق حالا أفضل مما عليه الآن.
7- إثارة الشحن الطائفي من خلال محاولة بعض الحكومات الفاسدة تصوير الربيع العربي على انه موجة طائفية قادمة من دول معينة الغاية منها ضرب الطائفة التي يحاول الحاكم او الملك التشبث بالانتماء اليها،و تصوير المعركة على أنها بين طائفتين لا بين شعب مضطهد و حاكم فاسد.
8- دور بعض القنوات الإعلامية الموجه في تصنيف الثورات،بحسب البلدان لمحاولة زجها في أتون حرب أهلية و اقتتال داخلي لصرف الأنظار عن الهدف الأسمى و هو التحرر من قبضة الدكتاتورية،ففي سوريا يحاول الأغلب وصف الحالة بأنها حرب سنية ضد طائفة علوية،فيما تكون الصورة معكوسة في البحرين حيث يصورون مطالب الشعب البحريني المشروعة بأنها ثورة شيعية ضد طائفة سنية و هكذا دواليك.
9- التدخل الواضح من قبل أطراف دولية فاعلة في الساحة العربية لإعطاء صورة باهتة عن التغيير العربي و الدفع لإيجاد موانع و عوائق لاستمرارية الربيع العربي،و محاولة إقناع باقي شعوب المنطقة بعدم المسير بنفس المسلك مع حكوماتها كون اغلب تلك الأنظمة القائمة تنتمي الى معسكر تلك الدول الغربية و تغييرها يعني ضياع مكسب اقتصادي و سياسي كبير لتلك الدول الكبرى.
10- عجز واضح للسلطة القضائية في اغلب دول المنطقة في مكافحة الفساد و القصاص او محاسبة المتورطين بدماء الأبرياء و خصوصا المشاركين في تظاهرات التغيير،او تمييع القضايا الكبرى و لو كانت بمستوى جرائم الرؤساء او من على شاكلتهم.
فترات التغيير لا تأتي على فواصل زمنية قريبة بل إنها قد تستغرق قرونا طويلة كي تثمر مثلما أنتجته الشعوب في الوقت الحاضر و فقدان زخمها يعني ضياع فرصة كبيرة في إحداث التغيير المنشود في خلق دول مدنية دستورية حقيقية و مؤسسات مهنية بعد سنوات عجاف من حكومات لم تكن تخلق سوى الأزمات،و كان دورها لا يتعدّى دور المحافظ على الأمن الخاص بها،عن طريق كبت الشعوب و سحق حركات التمرد أو الثورة،طمعاً في البقاء في سلطاتها أطول فترة ممكنة.
من جانبها كان بإمكان قوى المعارضة و الحركات السياسية المناوئة للأنظمة أن تكون بمستوى أفضل من حيث استغلال هذا الجو المهيأ لقيام حكومات كفوءة تعطي نموذجا يقتدى به،و بناء جسور الثقة فيما بينها عن طريق التخفيف من غلواء شروطهم على الطرف الآخر،في خضم الصراع على البقاء في السلطة،أو محاولة الوصول إليها عن طريق انتزاعها من الطرف الآخر.
فبين سوء أداء المعارضة و عشوائيتها و فساد و تهري منظومة الحكومات الحالية بقيت الشعوب في حيرة من أمرها فالأخيرة أيقنت بان لا جدوى من البقاء على وضعها الحالي المزري حتى تلك التي تعيش أوضاع اقتصادية جيدة إلا إنها في حقيقة الأمر تعيش حياة لا كرامة فيها تحت رحمة ملوك و سلاطين للفساد و رعاة الإرهاب الحكومي و البقاء على دولة العسكر و النظام البوليسي إنما هو العيش في سجن كبير و لو كان بحجم دولة.
و من جانب آخر فالطريق الربيعي لن يكون ورديا و لا نزهة للتغيير بل إنه بدا يتعقد يوما بعد آخر،و هو يمر اليوم بمنعطف خطير يتمثل في إمكانية استمراره او ذبوله و تلاشيه،و إذا ما انتهى بحجمه الحالي فهذا يعني بقاء الخريطة السياسية للعسكر القديم بحالها،و لن يكون هنالك تأثير كبير في ما جرى من تغييرات في بعض الدول على المنطقة برمتها كون أقطاب المنطقة الأخرى لم تتأثر بهذه الموجة.
لذا فان الجميع اليوم يتحمل مسؤولية تضامنية مشتركة سواء حركات معارضة او جهات دينية او مؤسسات مجتمع مدني أو إعلام حر مهني في الحفاظ على ديمومة واستمرارية (ربيع المظلومين)،و علينا أن لا نقف متفرجين او بالضد منه حتى و ان كنا نختلف مع بعضه بطرق و أساليب التعبير لكننا نتفق جميعا بان التغيير يجب أن يطال كل فساد و دكتاتورية،بغض النظر عن انتماء هذا الحاكم أو تلك الحكومة و يجب أن لا نصنف و لا نميز و لا نلون حركات التغيير بألوان طائفية أو قومية او عرقية فالجميع بني الإنسان و من حقه ان يقرر كيف يعيش و أي الطرق يسلك.
إننا نؤمن بان طريقة التوريث و الملوكية و حكومات الانقلابات و العسكرة هي من جرت الويلات على بلدان المنطقة و جعلت شعوبها من أفقر دول العالم رغم إمكانياتها الهائلة،فالشعوب اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى للمشاركة في بناء بلدانها و إسماع صوتها و الإصغاء له،إما طريقة سياط الدكتاتورية و الدولة البوليسية فقد أثبتت فشلها و ان بقيت فترة من الزمن إلا إنها في حقيقة الأمر بناء هش و نظام قلق لا يبني الإنسان و لا يضمن لأي شخص بقاء في سلطة،لذا فان الربيع العربي ظاهرة صحية يجب ان لا توأد و لا تترك لتذبل دون قطف ثمارها،و عدم جرها الى العنف و العسكرة من أهم المقدمات لذلك.
...........
شبكة النبأ المعلوماتية-16/نيسان/2012
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات و البحوث.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
عدل سابقا من قبل In The Zone في الأحد ديسمبر 09, 2012 6:56 pm عدل 1 مرات