ربيع جزيرة العرب..ربيع النفط و دبلوماسية دفاتر الشيكات.
موقع صوت ألمانيا.
.......
تحاول دول الخليج الغنية بالنفط الفرار من الموجة الثورية القائمة في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط.
و هي حتى الآن لم تنجح في ذلك فحسب،بل إنها تمكّنت من الاستفادة من الانتفاضة العربية لمصلحتها الإستراتيجية أيضاً.
.............
على عكس تونس و مصر و ليبيا و اليمن،و سوريا حالياً،بقيَت دول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء البحرين - في منأى عن الانتفاضات الكبرى،في الوقت الحاضر.
لكن هذه الأنظمة الاستبدادية،أي أنظمة المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و دولة قطر و مملكة البحرين و سلطنة عمان و دولة الكويت،كان لها منذ البداية فُرَص بقاء أفضل بكثير من نظام مبارك و نظام بن علي و غيرهما من الأنظمة.
فمن جانب،لدى معظم هذه الدول،بفضل عائداتها النفطية الكبيرة،إمكانية استرضاء مواطنيها من خلال منافع مادية،مثل منحهم وظائف في القطاع الحكومي أو رعايتهم رعاية صحية مجانية.
و من جانب آخر،أدرك بعض شيوخ النفط كيفية كسب احترام مرؤوسيهم عن طريق الاستثمارات الذكية لأموال النفط.
ففي الإمارات العربية المتحدة،على سبيل المثال،من الصعب العثور على إماراتيّين ناقمين على وضعهم إلى درجة قلب النظام على حُكّامهم.
كما أن هذا الاحترام يتجاوز مجرد الولاءات القبلية.
.......
المادّية و أزمة الهوية.
لكن ذلك لا يعني عدم وجود مشكلات في هذه البلدان،بل على العكس من ذلك: ففي الإمارات العربية المتحدة،أدت التنمية الاقتصادية السريعة،على سبيل المثال،إلى تدفق أعداد كبيرة من العمالة الوافدة،بحيث بات الإماراتيون يشكّلون حوالي 10% فقط من مجموع السكان.
و ترافَقَ ذلك مع وجود مادّي بلا حدود و مع نمط غربي في الحياة اليومية أو ما يُسمَّى "التغريب": ففي مراكز التسوق الكثيرة العدد في هذا البلد مثلاً،ليس من النادر أن يرى المرء مُسلمات منقّبات إلى جانب نساء شقراوات طويلات السيقان و مُرتديات سراويل مُغرية.
و هذا يعني أن هذا التطور أدى إلى أزمة هوية كاملة لكثير من السكان الأصليين.
و إزاء هذه الخلفية،فليس من المدهش أن تَصدُر انتقادات ضد سياسات بعض الحُكّام في هذه البلدان. و هذا يحدث في الدول الخليجية التي تكون المشكلات الاجتماعية و الاقتصادية فيها أكثر منها في غيرها.
ففي سلطنة عُمان الأقل شُهرَة،و التي ليس لديها عائدات نفطية كبيرة كتلك التي تتمتع بها الإمارات العربية المتحدة،خرج الآلاف في فبراير عام 2011 إلى الشوارع مُطالبين بتحسين ظروفهم المعيشة.
أما النظام الحاكم في البحرين،التي أصبحت عائداتها النفطية منخفضة أيضاً،فهو يمارس التمييز ضد الأغلبية الشيعية،كما أنه قَمَعَ بشكل دمويّ الانتفاضة التي انطلقت في فبراير عام 2011.
و حتى في المملكة العربية السعودية الغنية،حدثَت انتفاضات صغيرة في المنطقة الشرقية الشيعية القريبة من البحرين،و لكن تم قمعها بسرعة.
و في الكويت،وضَعَ البرلمان كُلاً من أمير البلاد و حكومتها تحت ضغط هائل.
و في نوفمبر عام 2011،سارَ نحو 50 ألف شخص في الشوارع و أجبروا رئيس الوزراء على الاستقالة للاشتباه بتورُّطه في قضايا فساد.
............
الخوف يُساوِر الحُكَّام.
و الآن،أمسى الخوف يُساوِر حُكّام هذه الدول.فَهُم لا يريدون أن يتعرّضوا لأي نوع من الأخطار،تجعلهم في النهاية يعانون،رغم ثرواتهم،من نفس مصير حكام مصر و ليبيا و تونس،و أيضاً سوريا قريباً.
و حتى شيوخ الإمارات العربية المتحدة الذين يتمتعون بشعبية في أوساط السُّكان،بدؤوا الآن بخنق أية معارضة أو مطالب سياسية و هي في مهدها: فوفقًا لِـ"مركز الإمارات لحقوق الإنسان" يوجد حاليا 50 سجيناً سياسياً في سجون الإمارات العربية المتحدة.
و في شهر يوليو/ تموز وحده،تم اعتقال ما لا يقل عن 37 من المدونين و الكُتّاب و الشعراء و المحامين.
و تمّ نفي بعضهم إلى الخارج بعد أن تمّ حرمانهم من جنسيتهم.
و وسائل الإعلام الحكومية تقوم بتبرير هذا النهج في كثير من الأحيان بعضوية هؤلاء في منظمة تُعادي الأهداف الدستورية للبلاد و تُعرِّض الأمن الوطني للخطر و يتم توجيهها من الخارج.
و المقصود هنا هي جماعة "الإصلاح"،و هي تجمُّع إسلامي قريب فكرياً من جماعة "الإخوان المسلمون".
.........
مرتزقة شيوخ النفط.
لكن الإجراءات التي اتخذتها دول الخليج ضد الاضطرابات السياسية تجاوزت ذلك بل و ذهبت أبعد من ذلك بكثير.
فقد عُرِفَ في شهر مايو / آيار من العام الماضي،أن الإمارات العربية المتحدة تقوم بتدريب مرتزقة من كولومبيا في صحراء أبوظبي بمشاركة مؤسِّس شركة "بلاك ووتر"،و هي شركة خاصة للمرتزقة و سيِّئة السُّمعة.
فالأنظمة الاستبدادية تستخدم هؤلاء المرتزقة الأجانب لأنهم أقل خشيةً و أكثر قساوة عند مواجهة شعب البلاد.
حاكِم البحرين قام كذلك بتجنيد عدد كبير من المقاتلين و خصوصاً من الباكستانيين في أجهزته الأمنية.
و حتى النقاش الدائر حول اتحاد مملكة البحرين الصغيرة مع المملكة العربية السعودية بالإمكان تأويله على أنه إجراء وقائي لتحسين و إحكام السيطرة على احتجاجات المشتعلة و المتجددة على الدوام ضد النظام هناك.
ممالك و إمارات الخليج تُظهِر معظم هذه الخطوات على أنها تدابير وقائية ضد التهديد المزعوم الذي تشكّله إيران.
و لكن،ما دفع دول الخليج إلى اتخاذ تدابير من هذا القبيل في النهاية هو الخوف من تصدير الثورة إليها،لاسيما من مصر التي بات يشارك في حكمها جماعة "الإخوان المسلمون".
كما يقدِّم الفساد و طريقة الحياة الغربية و كذلك سوء إدارة الظروف الاجتماعية مساحة خصبة للانتقادات الدينية ضد الأنظمة.
و لذلك،يستطيع المرء وصف سلوك دول الخليج تجاه دول الثورات بأنه سلوك عدواني.
............
الخليج باعتباره خَطّاً أحمر.
و في نهاية شهر يوليو/ تموز ساوى ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دُبي،في حديث له،بين جماعة "الإخوان المسلمون" بالعدو اللدود إيران،و وضعهما في نفس المستوى،حين قال: "على الإخوان و حكومات دمشق و شمال إفريقيا أن يعلموا أن الخليج خط أحمر،ليس لإيران فقط،بل للإخوان أيضاً. (...) علينا أن نكون متنبّهين و متأهبين لأنه كلما توسّعت هذه المجموعات ارتفع احتمال الاضطرابات".
و قد كان قائد الشرطة المذكور هاجم جماعة "الإخوان المسلمون" المصرية بانتقادات حادة مِراراً و تَكراراً في الأشهر الأخيرة.
علاقات مصر مع المملكة العربية السعودية مشحونة بالتوتر أيضاً.
و كان آخر تصعيد بعد اعتقال المحامي المصري أحمد الجيزاوي الناشط في حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية،و أدّى هذا إلى مظاهرات أمام السفارة السعودية في القاهرة و من ثم سحب السفير.
و كان المحامي يسعي في المملكة العربية السعودية إلى فتح إجراء قضائي لتأمين الإفراج عن عُمال مصريين مهاجرين،تم احتجازهم في السجون السعودية دون توجيه اتهامات إليهم.
و تم اعتقال المحامي عند دخوله إلى البلاد بتهمة تهريب مزعوم للمخدرات،و أصبحت قضيته منذ ذلك الحين قضية سياسية.
الخوف من تصدير الثورة ازداد في المملكة إلى أبعد من ذلك،منذ أن شاركت جماعة "الإخوان المسلمون" مشاركةً مباشرة في حكم مصر عبر الانتخابات الديمقراطية التي اِختير فيها محمد مرسي رئيساً جديداً للبلاد.
و هو وضع خطير للعائلة المالكة في السعودية،فالإخوان المسلمون كانوا يمثلون دور الإسلام السياسي النشِط: و منذ بداية اضطهادهم من قِبَل جمال عبد الناصر في منتصف خمسينيات القرن الماضي وقفت جماعتهم في موقف معارض للنظام الحاكم.
و منذ ذلك الحين،أصبح الحق في المقاومة ضد الحُكام الديكتاتوريين جزءاً من أيديولوجية جماعة الإخوان.
على العكس تماماً من ذلك في المملكة العربية السعودية: حيث يتمتع رجال الدين المحافظون و المتشددون بحريات دينية كبيرة محلياً،و تراعيهم العائلة المالكة من الناحية المالية بكَرم.
..............
انتفاضات "غير إسلامية".
في المقابل،فإن رجال الدين في السعودية يؤيدون نظام آل سعود الاستبدادي،دون قيد أو شرط تقريبا.
و ينعكس هذا،على سبيل المثال،في تصريحات مفتي العام للسعودية الذي ندّد بالانتفاضات العربية معتبراً إياها بأنها غير إسلامية.
و في أبريل/ نيسان الماضي، قال المفتي العام في تصريح لصحيفة الوطن إن: "الانقسام و عدم الاستقرار و تردِّي الوضع الأمني و انهيار وحدة البلدان الإسلامية،التي تواجهها الدول الإسلامية في الوقت الراهن،ما هي إلا نتيجة لذنوب الشعوب و مغالاتها في الخطايا".
و لكن جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر تراجعت مؤخراً عن موقفها و أكدت للسعوديين عدم رغبتها في تصدير الثورة إلى منطقة الخليج.
فالرئيس مرسي،الواقع تحت ضغط شديد،يدرك جيداً أنه يجب أن يُبرهن للمصريين في الأشهر المقبلة تحقيقه لتحسينات اجتماعية و اقتصادية ملموسة.
من شأن الصراع مع المملكة العربية السعودية أن يكون بمثابة السُمّ في العلاقات بين البلدين: فهذا قد يُعرِّض التحويلات المالية الشهرية للعمال المصريين (التي بلغَت ما مجموعه حوالي ثمانية مليارات دولار أمريكي) إلى الخطر،مع العلم بأن عدد العُمال المصريين في السعودية يبلغ أكثر من مليون و سبعمئة ألف مهاجر مصري.
كما أن المساعدات الخليجية المقدَّرة بمليارات الدولارات قد تتراجع كثيراً،في تلك الحالة،التي قد تتفاقم معها الأحوال الاقتصادية و المالية الكارثية في مصر لتصبِح أكثر تردّياً و سوءاً،و لا يمكن تحملها.
و بذلك،تكون دول الخليج مَحْميّة،على الأقل في المستقبل المنظور،من تصدير الثورة إليها.
و يمكنها أن تفاخِر في الوقت ذاته أمام شعوبها بدعمها لمقاتلي المقاومة في الجيش السوري الحر ضد نظام بشار الأسد.
في السنوات المقبلة فقط سيتبيّن ما إذا كانت هذه الإستراتيجية التي تُشكّل مزيجاً من الإعانات المالية و دبلوماسية دفاتِر الشيكات و القمع: ستُبْقي الأنظمة الخليجية على شكلها الحالي،أم لا. و لكن ستظلّ احتمالات بقاء هذه الأنظمة قائمة على المدى القصير و المتوسط،على الأقل.
...........
ماتياس سيلَر.
ترجمة: علي المخلافي.
مراجعة: هشام العدم.
حقوق النشر: قنطرة 2012
موقع صوت ألمانيا.
.......
تحاول دول الخليج الغنية بالنفط الفرار من الموجة الثورية القائمة في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط.
و هي حتى الآن لم تنجح في ذلك فحسب،بل إنها تمكّنت من الاستفادة من الانتفاضة العربية لمصلحتها الإستراتيجية أيضاً.
.............
على عكس تونس و مصر و ليبيا و اليمن،و سوريا حالياً،بقيَت دول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء البحرين - في منأى عن الانتفاضات الكبرى،في الوقت الحاضر.
لكن هذه الأنظمة الاستبدادية،أي أنظمة المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و دولة قطر و مملكة البحرين و سلطنة عمان و دولة الكويت،كان لها منذ البداية فُرَص بقاء أفضل بكثير من نظام مبارك و نظام بن علي و غيرهما من الأنظمة.
فمن جانب،لدى معظم هذه الدول،بفضل عائداتها النفطية الكبيرة،إمكانية استرضاء مواطنيها من خلال منافع مادية،مثل منحهم وظائف في القطاع الحكومي أو رعايتهم رعاية صحية مجانية.
و من جانب آخر،أدرك بعض شيوخ النفط كيفية كسب احترام مرؤوسيهم عن طريق الاستثمارات الذكية لأموال النفط.
ففي الإمارات العربية المتحدة،على سبيل المثال،من الصعب العثور على إماراتيّين ناقمين على وضعهم إلى درجة قلب النظام على حُكّامهم.
كما أن هذا الاحترام يتجاوز مجرد الولاءات القبلية.
.......
المادّية و أزمة الهوية.
لكن ذلك لا يعني عدم وجود مشكلات في هذه البلدان،بل على العكس من ذلك: ففي الإمارات العربية المتحدة،أدت التنمية الاقتصادية السريعة،على سبيل المثال،إلى تدفق أعداد كبيرة من العمالة الوافدة،بحيث بات الإماراتيون يشكّلون حوالي 10% فقط من مجموع السكان.
و ترافَقَ ذلك مع وجود مادّي بلا حدود و مع نمط غربي في الحياة اليومية أو ما يُسمَّى "التغريب": ففي مراكز التسوق الكثيرة العدد في هذا البلد مثلاً،ليس من النادر أن يرى المرء مُسلمات منقّبات إلى جانب نساء شقراوات طويلات السيقان و مُرتديات سراويل مُغرية.
و هذا يعني أن هذا التطور أدى إلى أزمة هوية كاملة لكثير من السكان الأصليين.
و إزاء هذه الخلفية،فليس من المدهش أن تَصدُر انتقادات ضد سياسات بعض الحُكّام في هذه البلدان. و هذا يحدث في الدول الخليجية التي تكون المشكلات الاجتماعية و الاقتصادية فيها أكثر منها في غيرها.
ففي سلطنة عُمان الأقل شُهرَة،و التي ليس لديها عائدات نفطية كبيرة كتلك التي تتمتع بها الإمارات العربية المتحدة،خرج الآلاف في فبراير عام 2011 إلى الشوارع مُطالبين بتحسين ظروفهم المعيشة.
أما النظام الحاكم في البحرين،التي أصبحت عائداتها النفطية منخفضة أيضاً،فهو يمارس التمييز ضد الأغلبية الشيعية،كما أنه قَمَعَ بشكل دمويّ الانتفاضة التي انطلقت في فبراير عام 2011.
و حتى في المملكة العربية السعودية الغنية،حدثَت انتفاضات صغيرة في المنطقة الشرقية الشيعية القريبة من البحرين،و لكن تم قمعها بسرعة.
و في الكويت،وضَعَ البرلمان كُلاً من أمير البلاد و حكومتها تحت ضغط هائل.
و في نوفمبر عام 2011،سارَ نحو 50 ألف شخص في الشوارع و أجبروا رئيس الوزراء على الاستقالة للاشتباه بتورُّطه في قضايا فساد.
............
الخوف يُساوِر الحُكَّام.
و الآن،أمسى الخوف يُساوِر حُكّام هذه الدول.فَهُم لا يريدون أن يتعرّضوا لأي نوع من الأخطار،تجعلهم في النهاية يعانون،رغم ثرواتهم،من نفس مصير حكام مصر و ليبيا و تونس،و أيضاً سوريا قريباً.
و حتى شيوخ الإمارات العربية المتحدة الذين يتمتعون بشعبية في أوساط السُّكان،بدؤوا الآن بخنق أية معارضة أو مطالب سياسية و هي في مهدها: فوفقًا لِـ"مركز الإمارات لحقوق الإنسان" يوجد حاليا 50 سجيناً سياسياً في سجون الإمارات العربية المتحدة.
و في شهر يوليو/ تموز وحده،تم اعتقال ما لا يقل عن 37 من المدونين و الكُتّاب و الشعراء و المحامين.
و تمّ نفي بعضهم إلى الخارج بعد أن تمّ حرمانهم من جنسيتهم.
و وسائل الإعلام الحكومية تقوم بتبرير هذا النهج في كثير من الأحيان بعضوية هؤلاء في منظمة تُعادي الأهداف الدستورية للبلاد و تُعرِّض الأمن الوطني للخطر و يتم توجيهها من الخارج.
و المقصود هنا هي جماعة "الإصلاح"،و هي تجمُّع إسلامي قريب فكرياً من جماعة "الإخوان المسلمون".
.........
مرتزقة شيوخ النفط.
لكن الإجراءات التي اتخذتها دول الخليج ضد الاضطرابات السياسية تجاوزت ذلك بل و ذهبت أبعد من ذلك بكثير.
فقد عُرِفَ في شهر مايو / آيار من العام الماضي،أن الإمارات العربية المتحدة تقوم بتدريب مرتزقة من كولومبيا في صحراء أبوظبي بمشاركة مؤسِّس شركة "بلاك ووتر"،و هي شركة خاصة للمرتزقة و سيِّئة السُّمعة.
فالأنظمة الاستبدادية تستخدم هؤلاء المرتزقة الأجانب لأنهم أقل خشيةً و أكثر قساوة عند مواجهة شعب البلاد.
حاكِم البحرين قام كذلك بتجنيد عدد كبير من المقاتلين و خصوصاً من الباكستانيين في أجهزته الأمنية.
و حتى النقاش الدائر حول اتحاد مملكة البحرين الصغيرة مع المملكة العربية السعودية بالإمكان تأويله على أنه إجراء وقائي لتحسين و إحكام السيطرة على احتجاجات المشتعلة و المتجددة على الدوام ضد النظام هناك.
ممالك و إمارات الخليج تُظهِر معظم هذه الخطوات على أنها تدابير وقائية ضد التهديد المزعوم الذي تشكّله إيران.
و لكن،ما دفع دول الخليج إلى اتخاذ تدابير من هذا القبيل في النهاية هو الخوف من تصدير الثورة إليها،لاسيما من مصر التي بات يشارك في حكمها جماعة "الإخوان المسلمون".
كما يقدِّم الفساد و طريقة الحياة الغربية و كذلك سوء إدارة الظروف الاجتماعية مساحة خصبة للانتقادات الدينية ضد الأنظمة.
و لذلك،يستطيع المرء وصف سلوك دول الخليج تجاه دول الثورات بأنه سلوك عدواني.
............
الخليج باعتباره خَطّاً أحمر.
و في نهاية شهر يوليو/ تموز ساوى ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دُبي،في حديث له،بين جماعة "الإخوان المسلمون" بالعدو اللدود إيران،و وضعهما في نفس المستوى،حين قال: "على الإخوان و حكومات دمشق و شمال إفريقيا أن يعلموا أن الخليج خط أحمر،ليس لإيران فقط،بل للإخوان أيضاً. (...) علينا أن نكون متنبّهين و متأهبين لأنه كلما توسّعت هذه المجموعات ارتفع احتمال الاضطرابات".
و قد كان قائد الشرطة المذكور هاجم جماعة "الإخوان المسلمون" المصرية بانتقادات حادة مِراراً و تَكراراً في الأشهر الأخيرة.
علاقات مصر مع المملكة العربية السعودية مشحونة بالتوتر أيضاً.
و كان آخر تصعيد بعد اعتقال المحامي المصري أحمد الجيزاوي الناشط في حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية،و أدّى هذا إلى مظاهرات أمام السفارة السعودية في القاهرة و من ثم سحب السفير.
و كان المحامي يسعي في المملكة العربية السعودية إلى فتح إجراء قضائي لتأمين الإفراج عن عُمال مصريين مهاجرين،تم احتجازهم في السجون السعودية دون توجيه اتهامات إليهم.
و تم اعتقال المحامي عند دخوله إلى البلاد بتهمة تهريب مزعوم للمخدرات،و أصبحت قضيته منذ ذلك الحين قضية سياسية.
الخوف من تصدير الثورة ازداد في المملكة إلى أبعد من ذلك،منذ أن شاركت جماعة "الإخوان المسلمون" مشاركةً مباشرة في حكم مصر عبر الانتخابات الديمقراطية التي اِختير فيها محمد مرسي رئيساً جديداً للبلاد.
و هو وضع خطير للعائلة المالكة في السعودية،فالإخوان المسلمون كانوا يمثلون دور الإسلام السياسي النشِط: و منذ بداية اضطهادهم من قِبَل جمال عبد الناصر في منتصف خمسينيات القرن الماضي وقفت جماعتهم في موقف معارض للنظام الحاكم.
و منذ ذلك الحين،أصبح الحق في المقاومة ضد الحُكام الديكتاتوريين جزءاً من أيديولوجية جماعة الإخوان.
على العكس تماماً من ذلك في المملكة العربية السعودية: حيث يتمتع رجال الدين المحافظون و المتشددون بحريات دينية كبيرة محلياً،و تراعيهم العائلة المالكة من الناحية المالية بكَرم.
..............
انتفاضات "غير إسلامية".
في المقابل،فإن رجال الدين في السعودية يؤيدون نظام آل سعود الاستبدادي،دون قيد أو شرط تقريبا.
و ينعكس هذا،على سبيل المثال،في تصريحات مفتي العام للسعودية الذي ندّد بالانتفاضات العربية معتبراً إياها بأنها غير إسلامية.
و في أبريل/ نيسان الماضي، قال المفتي العام في تصريح لصحيفة الوطن إن: "الانقسام و عدم الاستقرار و تردِّي الوضع الأمني و انهيار وحدة البلدان الإسلامية،التي تواجهها الدول الإسلامية في الوقت الراهن،ما هي إلا نتيجة لذنوب الشعوب و مغالاتها في الخطايا".
و لكن جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر تراجعت مؤخراً عن موقفها و أكدت للسعوديين عدم رغبتها في تصدير الثورة إلى منطقة الخليج.
فالرئيس مرسي،الواقع تحت ضغط شديد،يدرك جيداً أنه يجب أن يُبرهن للمصريين في الأشهر المقبلة تحقيقه لتحسينات اجتماعية و اقتصادية ملموسة.
من شأن الصراع مع المملكة العربية السعودية أن يكون بمثابة السُمّ في العلاقات بين البلدين: فهذا قد يُعرِّض التحويلات المالية الشهرية للعمال المصريين (التي بلغَت ما مجموعه حوالي ثمانية مليارات دولار أمريكي) إلى الخطر،مع العلم بأن عدد العُمال المصريين في السعودية يبلغ أكثر من مليون و سبعمئة ألف مهاجر مصري.
كما أن المساعدات الخليجية المقدَّرة بمليارات الدولارات قد تتراجع كثيراً،في تلك الحالة،التي قد تتفاقم معها الأحوال الاقتصادية و المالية الكارثية في مصر لتصبِح أكثر تردّياً و سوءاً،و لا يمكن تحملها.
و بذلك،تكون دول الخليج مَحْميّة،على الأقل في المستقبل المنظور،من تصدير الثورة إليها.
و يمكنها أن تفاخِر في الوقت ذاته أمام شعوبها بدعمها لمقاتلي المقاومة في الجيش السوري الحر ضد نظام بشار الأسد.
في السنوات المقبلة فقط سيتبيّن ما إذا كانت هذه الإستراتيجية التي تُشكّل مزيجاً من الإعانات المالية و دبلوماسية دفاتِر الشيكات و القمع: ستُبْقي الأنظمة الخليجية على شكلها الحالي،أم لا. و لكن ستظلّ احتمالات بقاء هذه الأنظمة قائمة على المدى القصير و المتوسط،على الأقل.
...........
ماتياس سيلَر.
ترجمة: علي المخلافي.
مراجعة: هشام العدم.
حقوق النشر: قنطرة 2012