السعودية:هل يُفاقم الربيع العربي معاناة المثقفين في مواجهة الإسلاميين؟
موقع صوت ألمانيا.
..........
في أقل من شهر تم اعتقال مدون ثم كاتب سعوديين بسبب نشرهما لأفكار اعتبرت مسيئة للدين الإسلامي. و هو ما أثار تخوفات حول مستقبل و دور المثقف السعودي،خاصة في ظل هيمنة الإسلاميين المتشددين على المشهد السياسي في المملكة.
..........
مازالت قضية اعتقال الكاتب السعودي المعروف تركي الحمد تثير جدلا و ردود أفعال متباينة في صفوف السعوديين،لكنها تثير بالخصوص مخاوف حول دور المثقفين و مستقبلهم في البلد.
فتيار الإسلاميين المتشددين بات يتقوى أكثر ليطغى على دور المثقفين و خصوصا ذوي التوجهات الليبيرالية و الحداثية،في مجتمع يسود فيه الطابع الديني كما أكد ذلك خبراء سعوديون لـ DW. هذا المعطى حسب مراقبين عززه صعود الإسلاميين في الدول التي عرفت ثورات الربيع العربي.
تركي الحمد و قبله رائف البدوي يشكلان نماذج لهامش الحرية المسموح به للمثقف في الممكلة السعودية،و رغم أن البلاد عرفت نقاشات و انتقادات بخصوص سياسة الدولة إزاء عدد من المواضيع من بينها حقوق المرأة،إلا أن قضية الإسلام ما تزال من المواضيع الحساسة و المحرم تناولها.
.........
رِدة أم دعوة لإسلام معتدل؟
و بدا المجتمع السعودي منقسما حيال قضية تركي الحمد بين من اعتبره مرتدا و مسيئا للإسلام و النبي محمد،و بين من اعتبره "ضحية" تم تأويل أفكاره بشكل خاطئ،و أن ما كان يقصده بكلامه هو الدعوة إلى إسلام معتدل.
و ليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها الكاتب الليبيرالي جدلا في بلاده فأشهر مؤلفاته "ثلاثية الأزقة المهجورة" المكونة من ثلاث روايات،كانت أثارت نقاشا كبيرا بسبب تطرقها لمواضيع حساسة في المجتمع السعودي،كما كان الحمد يكتب أيضا في صحف سعودية،و عرف بمواقفه و تصريحاته الجريئة بخصوص سياسة بلاده.
أما هذه المرة فقد اندلع الجدل عندما نشر الحمد تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر جاء في إحداها "جاء رسولنا الكريم ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل،و جاء زمن نحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبد الله...سيد الخلق جاء بعقيدة الإنسان...فحولها البعض إلى عقيدة بغضاء الإنسان". ليتم بعدها اعتقاله.
و يقول عبد العزيز الخميس رئيس تحرير مجلة المراقب العربي الصادرة بلندن و عضو المركز السعودي لحقوق الإنسان في لندن،أن تركي الحمد اُستخدم لتوجيه إشارة سياسية من الدولة للإسلاميين مفادها أنها مازالت متمسكة بتعاليم و ثوابت الدين الإسلامي،و أنها ليست مع العلمانيين و القيم الغربية.
و يضيف في حوار مع DW " أعتقد أن ما حدث سيلغي ادعاءات الإسلاميين بأن الحكومة السعودية تقف في صف العلمانيين"،لهذا يعتبر الخميس أن ما حدث هو رسالة سياسية أكثر مما هو مظهر للتشدد الديني.
و تأتي هذه الاعتقالات بعدما أصدر عدد من العلماء و المشايخ السعوديين بيانا يستنكرون فيه "الهجمة الإلحادية"،و إهانة النبي محمد و المقدسات الدينية،بالإضافة إلى مواقف صادرة عن مجمع الفقه الإسلامي و إمام الحرم المكي تحذر مما وصفته ب "انتشار مظاهر الإلحاد" في المجتمعات الإسلامية.
........
الثورات العربية هي السبب؟
من جانبه يعتبر محمد عبد الله آل زلفى عضو سابق في مجلس الشورى أن المثقف يجب أن لا يقحم نفسه في انتقاد المقدس و يضيع وقته في ذلك،لأنه هناك قضايا أهم من ذلك في المجتمع السعودي.
و يضيف خلال حوار DW "أعتقد أن تركي أخطأ استعمال هذه العبارات و في هذا الوقت بالذات، فذلك يخدم الإسلاميين الذين اعتبروا أن هناك مثقفين يدعون إلى دين جديد".
و يقصد آل زلفى بالوقت الحالي،التأثير الذي خلفه صعود الإسلاميين بعد الربيع العربي
"في السابق كان هناك توجه في المملكة نحو الإسلام المعتدل لكن بعد الثورات الإسلامية المتخلفة، فالإسلاميون السعوديون صاروا يرغبون في أن يكونوا أكثر تشددا من الشيعة و من إسلاميي مصر و تونس..."
و يضيف آل زلفى أنه مع الدعوة إلى "إسلام حقيقي معتدل و غير مسيس و متشدد لكن ليس بالطريقة التي عبر بها تركي الحمد عن ذلك".
............
و يسعى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اتخاذ موقف الوسط بشأن الصراع بين الإسلاميين المتطرفين و العلمانيين في البلد،إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة تلعب لصالح الإسلاميين الذين صاروا يتمتعون بنفوذ أكبر حسب المراقبين،و تشكل قضايا المرأة و الحريات الفردية و الدينية أكثر المواضيع إثارة للجدل و الانتقاد في السعودية،رغم أن العاهل السعودي يحاول بين الفينة و الأخرى تلميع صورة بلاده من خلال إجراءات إصلاحية،إلا أن ذلك لا يرقى لتطلعات الناشطين و المنظمات المحلية و الدولية،كما أن الإسلاميين المتشددين يعتبرونها أحيانا "تعاطفا مع العلمانيين".
............
"المثقف السعودي،فاعل مع وقف التنفيذ".
بينما يعتقد الخميس "أن هناك تيارا علمانيا شبابيا جديدا في السعودية و له أنصار و مريدون كثر،بسبب ضيق الأفق أمام التيارات الإسلامية المتطرفة،لكن لا مجال للحديث حسب اعتقاده،عن دور المثقفين و الليبراليين في البلد لأنه لا يفتح المجال سوى لمن يكتب و ينشط في الاتجاه الذي تسير فيه إرادة السلطة".
و يضيف متسائلا " متى كانت هناك حرية أصلا حتى يتم التضييق عليها الآن؟"
و يقول آل زلفى إن الدولة تمسك العصا من الوسط فيما يتعلق بموضوع الإسلاميين و العلمانيين فإن "اشتد المتشددون أرخوا الحيل قليلا للمثقفين و إن ارتفعت مطالب هؤلاء يحدث العكس".
لكنه يعتقد أن دور المثقف السعودي مازال مهما و حاضرا "فالمثقف السعودي مازال يكتب و ينتقد و مازلنا نرى كتاب الأعمدة الصحفية ينتقدون و يهاجمون المتشددين و الإسلام السياسي و الديكتاتورية..."
و يشير الخميس إلى أن الطبيعة الدينية للمجتمع السعودي نفسه ترفض أي توجه علماني حتى لو قررت الدولة التسامح مع الليبرالية فالشعب بنفسه سيرفض ذلك،و هذا ما يجعل بحسب الناشط السعودي،الطريق سهلا أمام التضييق على هذه التوجهات.
و يضيف " حتى إن كانت هناك شرائح من المجتمع تدعو للإصلاحات فهي تريدها أيضا إصلاحات متماشية مع الدين".
..........
الإمام و الأمير.
و يسعى الإسلاميون في السعودية و خصوصا منهم التيار الذي يعرف بالسلفي الوهابي المتشدد عبر نفوذه في القضاء و التعليم و في مجالس علماء الدين و جهاز هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،إلى توظيف الخلفية الدينية للدولة السعودية و العلاقة الخاصة التي تأسست عليها المملكة السعودية،في صراعهم ضد الليبراليين و العلمانيين،كما يستخدمون هذه الورقة في الضغط على الحكم من أجل كبح الإصلاحات في النظام السياسي و الإجتماعي بالبلاد.
حيث يعتبر المذهب الحنبلي الذي تستند إليه الوهابية،المذهب الرسمي للدولة،كما أن الأسرة المالكة السعودية محكومة برباط تعاقد تاريخي بين "الإمام و الأمير"،و هو يرمز للإمام محمد بن عبد الوهاب مؤسس الدعوة الوهابية و الأمير محمد بن سعود مؤسس المملكة.
............
29.12.2012
سهام أشطو.
موقع صوت ألمانيا.
..........
في أقل من شهر تم اعتقال مدون ثم كاتب سعوديين بسبب نشرهما لأفكار اعتبرت مسيئة للدين الإسلامي. و هو ما أثار تخوفات حول مستقبل و دور المثقف السعودي،خاصة في ظل هيمنة الإسلاميين المتشددين على المشهد السياسي في المملكة.
..........
مازالت قضية اعتقال الكاتب السعودي المعروف تركي الحمد تثير جدلا و ردود أفعال متباينة في صفوف السعوديين،لكنها تثير بالخصوص مخاوف حول دور المثقفين و مستقبلهم في البلد.
فتيار الإسلاميين المتشددين بات يتقوى أكثر ليطغى على دور المثقفين و خصوصا ذوي التوجهات الليبيرالية و الحداثية،في مجتمع يسود فيه الطابع الديني كما أكد ذلك خبراء سعوديون لـ DW. هذا المعطى حسب مراقبين عززه صعود الإسلاميين في الدول التي عرفت ثورات الربيع العربي.
تركي الحمد و قبله رائف البدوي يشكلان نماذج لهامش الحرية المسموح به للمثقف في الممكلة السعودية،و رغم أن البلاد عرفت نقاشات و انتقادات بخصوص سياسة الدولة إزاء عدد من المواضيع من بينها حقوق المرأة،إلا أن قضية الإسلام ما تزال من المواضيع الحساسة و المحرم تناولها.
.........
رِدة أم دعوة لإسلام معتدل؟
و بدا المجتمع السعودي منقسما حيال قضية تركي الحمد بين من اعتبره مرتدا و مسيئا للإسلام و النبي محمد،و بين من اعتبره "ضحية" تم تأويل أفكاره بشكل خاطئ،و أن ما كان يقصده بكلامه هو الدعوة إلى إسلام معتدل.
و ليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها الكاتب الليبيرالي جدلا في بلاده فأشهر مؤلفاته "ثلاثية الأزقة المهجورة" المكونة من ثلاث روايات،كانت أثارت نقاشا كبيرا بسبب تطرقها لمواضيع حساسة في المجتمع السعودي،كما كان الحمد يكتب أيضا في صحف سعودية،و عرف بمواقفه و تصريحاته الجريئة بخصوص سياسة بلاده.
أما هذه المرة فقد اندلع الجدل عندما نشر الحمد تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر جاء في إحداها "جاء رسولنا الكريم ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل،و جاء زمن نحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبد الله...سيد الخلق جاء بعقيدة الإنسان...فحولها البعض إلى عقيدة بغضاء الإنسان". ليتم بعدها اعتقاله.
و يقول عبد العزيز الخميس رئيس تحرير مجلة المراقب العربي الصادرة بلندن و عضو المركز السعودي لحقوق الإنسان في لندن،أن تركي الحمد اُستخدم لتوجيه إشارة سياسية من الدولة للإسلاميين مفادها أنها مازالت متمسكة بتعاليم و ثوابت الدين الإسلامي،و أنها ليست مع العلمانيين و القيم الغربية.
و يضيف في حوار مع DW " أعتقد أن ما حدث سيلغي ادعاءات الإسلاميين بأن الحكومة السعودية تقف في صف العلمانيين"،لهذا يعتبر الخميس أن ما حدث هو رسالة سياسية أكثر مما هو مظهر للتشدد الديني.
و تأتي هذه الاعتقالات بعدما أصدر عدد من العلماء و المشايخ السعوديين بيانا يستنكرون فيه "الهجمة الإلحادية"،و إهانة النبي محمد و المقدسات الدينية،بالإضافة إلى مواقف صادرة عن مجمع الفقه الإسلامي و إمام الحرم المكي تحذر مما وصفته ب "انتشار مظاهر الإلحاد" في المجتمعات الإسلامية.
........
الثورات العربية هي السبب؟
من جانبه يعتبر محمد عبد الله آل زلفى عضو سابق في مجلس الشورى أن المثقف يجب أن لا يقحم نفسه في انتقاد المقدس و يضيع وقته في ذلك،لأنه هناك قضايا أهم من ذلك في المجتمع السعودي.
و يضيف خلال حوار DW "أعتقد أن تركي أخطأ استعمال هذه العبارات و في هذا الوقت بالذات، فذلك يخدم الإسلاميين الذين اعتبروا أن هناك مثقفين يدعون إلى دين جديد".
و يقصد آل زلفى بالوقت الحالي،التأثير الذي خلفه صعود الإسلاميين بعد الربيع العربي
"في السابق كان هناك توجه في المملكة نحو الإسلام المعتدل لكن بعد الثورات الإسلامية المتخلفة، فالإسلاميون السعوديون صاروا يرغبون في أن يكونوا أكثر تشددا من الشيعة و من إسلاميي مصر و تونس..."
و يضيف آل زلفى أنه مع الدعوة إلى "إسلام حقيقي معتدل و غير مسيس و متشدد لكن ليس بالطريقة التي عبر بها تركي الحمد عن ذلك".
............
و يسعى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اتخاذ موقف الوسط بشأن الصراع بين الإسلاميين المتطرفين و العلمانيين في البلد،إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة تلعب لصالح الإسلاميين الذين صاروا يتمتعون بنفوذ أكبر حسب المراقبين،و تشكل قضايا المرأة و الحريات الفردية و الدينية أكثر المواضيع إثارة للجدل و الانتقاد في السعودية،رغم أن العاهل السعودي يحاول بين الفينة و الأخرى تلميع صورة بلاده من خلال إجراءات إصلاحية،إلا أن ذلك لا يرقى لتطلعات الناشطين و المنظمات المحلية و الدولية،كما أن الإسلاميين المتشددين يعتبرونها أحيانا "تعاطفا مع العلمانيين".
............
"المثقف السعودي،فاعل مع وقف التنفيذ".
بينما يعتقد الخميس "أن هناك تيارا علمانيا شبابيا جديدا في السعودية و له أنصار و مريدون كثر،بسبب ضيق الأفق أمام التيارات الإسلامية المتطرفة،لكن لا مجال للحديث حسب اعتقاده،عن دور المثقفين و الليبراليين في البلد لأنه لا يفتح المجال سوى لمن يكتب و ينشط في الاتجاه الذي تسير فيه إرادة السلطة".
و يضيف متسائلا " متى كانت هناك حرية أصلا حتى يتم التضييق عليها الآن؟"
و يقول آل زلفى إن الدولة تمسك العصا من الوسط فيما يتعلق بموضوع الإسلاميين و العلمانيين فإن "اشتد المتشددون أرخوا الحيل قليلا للمثقفين و إن ارتفعت مطالب هؤلاء يحدث العكس".
لكنه يعتقد أن دور المثقف السعودي مازال مهما و حاضرا "فالمثقف السعودي مازال يكتب و ينتقد و مازلنا نرى كتاب الأعمدة الصحفية ينتقدون و يهاجمون المتشددين و الإسلام السياسي و الديكتاتورية..."
و يشير الخميس إلى أن الطبيعة الدينية للمجتمع السعودي نفسه ترفض أي توجه علماني حتى لو قررت الدولة التسامح مع الليبرالية فالشعب بنفسه سيرفض ذلك،و هذا ما يجعل بحسب الناشط السعودي،الطريق سهلا أمام التضييق على هذه التوجهات.
و يضيف " حتى إن كانت هناك شرائح من المجتمع تدعو للإصلاحات فهي تريدها أيضا إصلاحات متماشية مع الدين".
..........
الإمام و الأمير.
و يسعى الإسلاميون في السعودية و خصوصا منهم التيار الذي يعرف بالسلفي الوهابي المتشدد عبر نفوذه في القضاء و التعليم و في مجالس علماء الدين و جهاز هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،إلى توظيف الخلفية الدينية للدولة السعودية و العلاقة الخاصة التي تأسست عليها المملكة السعودية،في صراعهم ضد الليبراليين و العلمانيين،كما يستخدمون هذه الورقة في الضغط على الحكم من أجل كبح الإصلاحات في النظام السياسي و الإجتماعي بالبلاد.
حيث يعتبر المذهب الحنبلي الذي تستند إليه الوهابية،المذهب الرسمي للدولة،كما أن الأسرة المالكة السعودية محكومة برباط تعاقد تاريخي بين "الإمام و الأمير"،و هو يرمز للإمام محمد بن عبد الوهاب مؤسس الدعوة الوهابية و الأمير محمد بن سعود مؤسس المملكة.
............
29.12.2012
سهام أشطو.