المدونات منبر إعلامي حر في متناول الجميع.
* تحقيق: ثناء عبدالعظيم
........
ظهرت المدونّات كوسيلة حديثة من وسائل التعبير،تتماشى مع جيل الشباب،ترصد مشكلاته و همومه و أحلامه و حياته،بكل ما فيها من أحداث..بكل حرية و من دون رقابة.
بدأت المدونات في الظهور على الشبكة العنكبوتية،في منتصف التسعينات من القرن الماضي في أمريكا ثمّ انتشرت عربياً في أوائل القرن الواحد و العشرين،أي قبل عشر سنوات بالتحديد،يبلغ عدد المدونّات النشطة على الإنترنت 75
مليون مدونة باللغات الحية كافة،و قد ذكرت شركتا "blogpulse"
و "technocratic"،أنهما أتاحتا ما يزيد على 20 مليون مدونة في العالم،و أن عدد المدونات يتضاعف تقريباً مرة كل خمسة أشهر،و تضيف شركة "blogpulse" وحدها،نحو 50 ألف مدونة جديدة إلى محرك البحث الخاص بها يومياً.
في هذا التحقيق تساؤلات عديدة حول أهمية المدونات،و مستقبلها و الضوابط التي تحكمها،و عن دورها في عصرنا الحالي،و ما إذا كانت ستؤثر في الصحافة التقليدية أم لا؟
..........
- تنوع:
تقول الإعلامية في شبكة "بي.بي.سي"،هدى الرشيد: "إنّ المدونات تتنوع بنوع اهتمامات المدون و أهدافه،فهناك المدونة الشخصية التي تُعنَى بالنشر المعلوماتي و الخَبَري،و الآراء و المقالات.
و هناك المدونة التخصصية في المجالات السياسية و العسكرية،و الإعلامية و الأدبية و التقنية،و هناك أيضاً الصحيفة الإلكترونية،التي تقدّم المعلومات الأكثر حداثة ليطالعها مَن يريد"،لافتة إلى أن "من أسباب انتشارها تميزها بالتفاعلية و الوصول المباشر،و تشكيل التجمعات الإلكترونية بين محرريها و المستفيدين منها".
.......
- تعزيز مكانة اللغة:
من ناحيته،و إذ يشدد على أهمية المدونات،يقول المدير العام لـ"دائرة الثقافة و الإعلام" في عجمان،إبراهيم الظاهري: "إنّ المدونات العربية عززت مكانة اللغة العربية،لتتبوأ المرتبة السابعة بين اللغات الحية على الشبكة العالمية،و رفعت عدد المتصفحين العرب على شبكة الإنترنت إلى 60 مليون متصفح".
و يشير الظاهري إلى أن "المدونات باتت تشكل ظاهرة إعلامية و معرفية و تقنية،و منبراً لنقل الأخبار و التقارير و التحليلات،و منصّة لتبادل الخبرات الإنسانية و الثقافية،فضلاً عن الأدوار الاجتماعية المختلفة التي تقوم بها".
......
- ملامح شخصية:
في مُوازاة ذلك،كيف ينظر المدونون إلى تجاربهم؟ و هل نجحوا في الوصول إلى مبتغاهم؟
تقول الكاتبة سحر حمزة: "إنّ المدوِّن يحمل هويته الوطنية في عالمه الافتراضي أينما حل و أينما وجد".
مُعربة عن اعتقادها بأن "القاسم المشترك بين الكاتب الافتراضي و الورقي،سيظل باقياً في ذَواتنا".
.......
- الأدب الرقمي:
و يؤكد المدِّون الأردني محمد سناجلة،الذي بدأ تجربته عام 2001،من خلال مدونته "ظلال الواحد"،و هو عنوان أول رواية رقميّة كتبها "أنّ العالم شهد ثورة رقمية،بات لها تأثيرات هائلة في شتى مناحي الحياة"،لافتاً إلى أن "هذه الثورة أنتجت الإنسان الافتراضي بمجتمعه الرقمي،الذي يختلف عن
المجتمع الأرضي الذي يعيش فيه".
و يشير سناجلة إلى أن "للإنسان في كل عصر وسيلة جديدة للتعبير عن مشاعره و آماله و طموحاته. و في هذا العصر أوجد الإنسان وسيلة اصطلح على تسميتها بالأدب الرقمي،أو أدب المدونات البسيط
الذي كنّا نفتقده من قبل".
..........
- صناعة المدونة:
و يكشف المدون المغربي محمد الساحلي،أنه بدأ تجربته عام 2005،"بهدف مشاركة آراء الناس و تعليقاتهم حول الأحداث الجارية"،لافتاً إلى أنه عاد و حولها إلى مدونة تُعنَى بتقنية التدوين، لتحفيز الشباب على دخول هذا العالم،و يشير إلى أن "المدونات بدأت كهواية من أجل اكتساب أصدقاء جُدد،و مشاركة الخبرات الذاتية و الانطباعات الشخصية في الأمور الحياتية،ثم تحولت إلى
وسيلة للتعبير،و أداة لتشكيل الرأي العام و التأثير في صنّاع القرار.
لتصبح مهنة عدد كبير من الناس،خصوصاً بعد أن أفصح الروّاد الأوائل عن عائداتهم المادية.
و ها هي الآن قد أضْحت بمثابة صناعة قائمة بذاتها لها مواردها و روادها،و تشكل سوقاً تسعى إليه كثير من الشركات".
.......
- الشبكات الاجتماعية:
"لقد تحولت المدونات إلى منبر إعلامي بديل لدى الكثيرين"،تقول مريم الزعابي (صحافية)،لافتة إلى أن مدونتها أصبحت منبرها الإعلامي.
مُضيفة: "إنّ المدونات الاجتماعية هي الأكثر انتشاراً و تفاعلاً بين الناس،فالمرأة تستطيع أن تكتب عن معاناتها بكل سهولة،تثير قضاياها الاجتماعية".
و تؤكد الزعابي أنها أثارت في مدونتها "قضايا العنف الأسرى،و الطلاق،و العنوسة،و كانت ردود الفعل واسعة من خلال التعليقات التي وردت إلى المدونة".
تتابع: "بعد أن تربَّعت المدونات على عرض المواقع الإلكترونية سنوات عديدة،جاءت الشبكات الاجتماعية لتنافسها و تسحب البساط من تحت أقدامها.
لكن أهمية التدوين و حجم جمهوره الكبير،فرض وجوده كجزء مهم لخدمات الشبكات الاجتماعية
المشهورة،كـ"فيس بوك"،و "تويتر" و غيرهما".
..........
- تجاوزات شخصية:
بدأت المدونة الإماراتية،آلاء الصديق،تجربتها الشخصية منذ ست سنوات،من خلال موقع "آلاء"،و هي تشير إلى أن "الأمر بدأ كمنتدى يضم مجموعة من الشباب،و بعدها تحوّل إلى مدونة شخصية للتعبير عن آرائي الاجتماعية و السياسية".
تضيف: "من خلال مدونتي،أستطيع أن أنشر رسالتي عبر العالم بكبسة زر،و أنا لا أحتاج إلى جريدة أو مجلة،لأن الإعلام القديم يحتاج إلى موافقات و تخصُّص".
تتابع: "المدونات هي بمثابة إعلام جديد،و هو أكثر سهولة في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، من دون أن يتأثر بمقَص الرَّقيب".
تضيف: "إنّ المدونة هي عبارة عن وسيلة لإيصال الصوت الحر،و هذا ما جعل بعض المدونين يتعرضون لمضايقات،و إلى حجب مدوناتهم في بعض البلدان العربية".
مُشيرة إلى أن التجاوزات التي يقوم بها البعض،خصوصاً أولئك الذين يَتعدّون على حريات الآخرين،و يقومون بنشر الشائعات المغرضة،قد يؤثر فيهم.
..........
- متنفس:
و في سياق تصاعُد الكلام عن تحول الإعلاميين التقليديين إلى الإعلام الجديد،يقول عاطف الفراي: "لقد تحول التدوين إلى ظاهرة بسبب الحرمان الطويل،و السيطرة التي كانت مفروضة على الملاحق و المجلات الورقية"،لافتاً إلى أن "المدونات تشكل متنفَّساً و فضاء رحباً لكل الشعراء و الروائيين و النقاد،و لكل مَن لم يجد الفرصة على أرض الواقع،ليتواصل مع العالم و يترافق مع التجمعات الإلكترونية من الكتاب،و ليقوم بإرسال الرسائل بشكل مكثف،لتصل إلى آلاف الناس خلال ثوان". يضيف: "إن المدونات الأدبية كانت الأكثر شيوعاً،ثم جاء دور المدونات الإعلامية التي تقوم بمتابعة الحدث،إلا أن هذه الظاهرة بدأت تنحسر بسبب شيوع المواقع الاجتماعية و "فيس بوك"،لأنها
تسمح بالتواصل بشكل أسرع"،مشيراً إلى "أنّ بعض المدونين قد يسبّبون إزعاجاً للحكومات أحياناً، لأنهم يتعاملون مع الواقع الإلكتروني خارج حدود الرقابة،و لا يمكن ضبطهم".
و يؤكد أنه "مع أن يكون الفضاء حُرَّاً لكل العصافير من كل الألوان و الأجناس،و أن يملك الإنسان الوسيلة للتعبير".
يتابع: "في اعتقادي،أن الصحافة الورقية هي إلى زَوَال يوماً ما،و سيصبح التعامل مع المادة الإعلامية إلكترونياً.
و ما دامت المعلومة تصل إليك و أنت في منزلك،فأنت غير مضطر إلى شراء صحيفة و لا مجلة،و مادمت قادراً على نشر معلوماتك،فلماذا تذهب إلى الكتاب،في حين أن الناشر الإلكتروني يضع كل ما
يصدر من كتب بين يديك؟".
.........
- الحياة بنظرة مختلفة:
بدوره،و إذ يتحدث المدون المصري،السيد نجم عن مدونته التي أسسها عام 2004،بهدف التعريف بمفهوم أدب الحرب و المقاومة،بعد أن كان قد شارك في حرب
1973،يقول: "لقد أردت تعريف المعنى الحقيقي لأدب المقاومة،و أنه ليس إرهاباً،و لا مُوجَّهاً ضد فئة أو سُلطة،لكنه لحماية الإنسان و مواجهة الآخر المعتدي".
مشيراً إلى أن "فكرة المدونات تنحصر في الفضفضة و هي أنواع".
يضيف: هناك مدونات لعبت دوراً في التأثير في الرأي العام،و ركزت على محاربة الفتنة الطائفية،و تناولت العديد من القضايا و المشاكل الاجتماعية.
........
- قواعد و معايير:
من ناحيتها،تشير المدونة عبير كارم،إلى أنها تخوض تجربتها بشكل مختلف،و تَعتبر أن "ما يكتب هو بمثابة تنفيس عن رغبات،لأن المدونات هي عبارة عن تأريخ للواقع المَعيش للأمة العربية و العالم".
تقول: "إنّ المدونات قليلة المحتوى،كثيرة الهَمّ.فهناك مَن يعرضون سخافات و تفاهات"،لافتة إلى أن
"هناك دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية،أكدت أن 67 في المئة من المدونات،تُستخدم لأغراض الفضفضة و التسلية،و كذلك الحال في الوطن العربي،حيث يستخدم 31 في المئة منها في هذا الإطار". و تشير كارم إلى أن "القضية ليست في محتوى الأفكار،إنما في طريقة التعبير التي يجب ألاّ تتنافَى مع
العُرف العام و القانون".
و تكشف أن "البعض يكتبون الألفاظ التي تسيء إلى أنفسهم و إلى الآخرين،و هذه السلبيات ليست موجودة على المواقع العربية وحدها،بل تم رصدها في العديد من المدونات على مستوى العالم.
لذا،اتَّّجه البعض إلى وضع بعض القواعد و المعايير و النصائح،لترشيد المتعاملين مع المدونات".
...........
- رؤية شخصية:
أما المدون السوداني إبراهيم البدوني،فيقول: "بدأت مدونتي عام 2010،و هي متخصصة في تقنيات الجيل الثاني من الإنترنت،و الاستفادة منه في مختلف جوانب الحياة،و رصد المستجدات حول العالم، بصفتي باحثاً أكاديمياً في هذا المجال"،لافتاً إلى أن "ما دفعني إلى ذلك،هو أني لاحظت تغييرات كثيرة
و متسارعة في مجال التقنيات.و وجدت أن من الأفضل أن أضع هذه المستجدات بشكل واضح و دقيق".
يضيف: "لقد منحتني المدونة فرصة للتواصل مع أكبر عدد من الناس،إضافة إلى أنه يمكن تحقيق مَكسَب مادي من خلالها،و لكن الأمر يستلزم دراسة متخصصة و الحصول على ترخيص".
..........
- الملكية الفكرية:
و ردّاً على سؤال حول كيفية حماية الملكية الفكرية في المدونات،يعترف المدون خالد نور بأن "أصحاب المواد و المؤلفات المنشورة على الشبكة الإلكترونية،يواجهون مشكلات بسبب سهولة استنساخ المواد".
يقول: "يختلف قانون حق التأليف من دولة إلى أخرى،إلا أن معظم الدول تحكمها معاهدات و اتفاقيات دولية،و تعتمد طرق الحماية على التحذير من قبل المستخدم،و المعاقبة بعد إساءة الاستخدام".
........
- انفلات:
في المقابل،و في ما يتعلق بالقوانين التي تنظِّم عملية التدوين،يكشف الدكتور باسم شاهين،الذي يعمل في "الهيئة العامة للمعلومات"،أنه "لا توجد قوانين تنظم العلاقة بين المدونين و الحكومات،و أن القوانين تركت الحرية المطلقة القريبة من الانفلات للمدونات،ما أدى إلى حدوث اضطرابات في
العلاقة بين المدونين و المؤسسات،اتَّسمت بشعور الخوف و الحذر من الآخر".
يضيف: "عام 2006،تفجّرت في ولاية لوس أنجلوس،قضية شاب أميركي،كتب في مدونته بعض الملاحظات السيئة للمؤسسة التي يعمل فيها،ما أدى إلى فصله من العمل بشكل مؤقت،نتيجة سلوكه في مدونته الخاصة".
و يشير إلى أن "هذه الواقعة،فتحت النقاش حول العلاقة بين المدون و المؤسسة،و بدأ البحث عن
سياسات و قيَم من أجل اتباعها في الجهات الحكومية"،لافتاً إلى أن "الحكومة اَلأميركية فرضت رقابة على تعليقات الناس،و هي بلد الديمقراطية و الحرية،و بدأت مؤسسات و حكومات على مستوى العالم بمراقبة عملية التدوين".
يقول: "إن الحكومات في حاجة إلى معرفة ما يدور في أوساط الناس،و الاطِّلاع على آرائهم في خدماتها و سياستها بصورة عامة،من خلال المدونات و المواقع".
مشيراً إلى أن "إثراء النقاش،يساعد الحكومات على اتِّخاذ القرار".
يختم: "لا يجب أن تنسحب مساوئ التدوين على مَن يسيؤون الاستخدام،ففي مصر وحدها،يوجد ربع
مليون مدونة أفادت الرأي العام،بينما تمت مقاضاة خمسة من المدونين الذين أزعجوا الحكومة".
.....
البلاغ
* تحقيق: ثناء عبدالعظيم
........
ظهرت المدونّات كوسيلة حديثة من وسائل التعبير،تتماشى مع جيل الشباب،ترصد مشكلاته و همومه و أحلامه و حياته،بكل ما فيها من أحداث..بكل حرية و من دون رقابة.
بدأت المدونات في الظهور على الشبكة العنكبوتية،في منتصف التسعينات من القرن الماضي في أمريكا ثمّ انتشرت عربياً في أوائل القرن الواحد و العشرين،أي قبل عشر سنوات بالتحديد،يبلغ عدد المدونّات النشطة على الإنترنت 75
مليون مدونة باللغات الحية كافة،و قد ذكرت شركتا "blogpulse"
و "technocratic"،أنهما أتاحتا ما يزيد على 20 مليون مدونة في العالم،و أن عدد المدونات يتضاعف تقريباً مرة كل خمسة أشهر،و تضيف شركة "blogpulse" وحدها،نحو 50 ألف مدونة جديدة إلى محرك البحث الخاص بها يومياً.
في هذا التحقيق تساؤلات عديدة حول أهمية المدونات،و مستقبلها و الضوابط التي تحكمها،و عن دورها في عصرنا الحالي،و ما إذا كانت ستؤثر في الصحافة التقليدية أم لا؟
..........
- تنوع:
تقول الإعلامية في شبكة "بي.بي.سي"،هدى الرشيد: "إنّ المدونات تتنوع بنوع اهتمامات المدون و أهدافه،فهناك المدونة الشخصية التي تُعنَى بالنشر المعلوماتي و الخَبَري،و الآراء و المقالات.
و هناك المدونة التخصصية في المجالات السياسية و العسكرية،و الإعلامية و الأدبية و التقنية،و هناك أيضاً الصحيفة الإلكترونية،التي تقدّم المعلومات الأكثر حداثة ليطالعها مَن يريد"،لافتة إلى أن "من أسباب انتشارها تميزها بالتفاعلية و الوصول المباشر،و تشكيل التجمعات الإلكترونية بين محرريها و المستفيدين منها".
.......
- تعزيز مكانة اللغة:
من ناحيته،و إذ يشدد على أهمية المدونات،يقول المدير العام لـ"دائرة الثقافة و الإعلام" في عجمان،إبراهيم الظاهري: "إنّ المدونات العربية عززت مكانة اللغة العربية،لتتبوأ المرتبة السابعة بين اللغات الحية على الشبكة العالمية،و رفعت عدد المتصفحين العرب على شبكة الإنترنت إلى 60 مليون متصفح".
و يشير الظاهري إلى أن "المدونات باتت تشكل ظاهرة إعلامية و معرفية و تقنية،و منبراً لنقل الأخبار و التقارير و التحليلات،و منصّة لتبادل الخبرات الإنسانية و الثقافية،فضلاً عن الأدوار الاجتماعية المختلفة التي تقوم بها".
......
- ملامح شخصية:
في مُوازاة ذلك،كيف ينظر المدونون إلى تجاربهم؟ و هل نجحوا في الوصول إلى مبتغاهم؟
تقول الكاتبة سحر حمزة: "إنّ المدوِّن يحمل هويته الوطنية في عالمه الافتراضي أينما حل و أينما وجد".
مُعربة عن اعتقادها بأن "القاسم المشترك بين الكاتب الافتراضي و الورقي،سيظل باقياً في ذَواتنا".
.......
- الأدب الرقمي:
و يؤكد المدِّون الأردني محمد سناجلة،الذي بدأ تجربته عام 2001،من خلال مدونته "ظلال الواحد"،و هو عنوان أول رواية رقميّة كتبها "أنّ العالم شهد ثورة رقمية،بات لها تأثيرات هائلة في شتى مناحي الحياة"،لافتاً إلى أن "هذه الثورة أنتجت الإنسان الافتراضي بمجتمعه الرقمي،الذي يختلف عن
المجتمع الأرضي الذي يعيش فيه".
و يشير سناجلة إلى أن "للإنسان في كل عصر وسيلة جديدة للتعبير عن مشاعره و آماله و طموحاته. و في هذا العصر أوجد الإنسان وسيلة اصطلح على تسميتها بالأدب الرقمي،أو أدب المدونات البسيط
الذي كنّا نفتقده من قبل".
..........
- صناعة المدونة:
و يكشف المدون المغربي محمد الساحلي،أنه بدأ تجربته عام 2005،"بهدف مشاركة آراء الناس و تعليقاتهم حول الأحداث الجارية"،لافتاً إلى أنه عاد و حولها إلى مدونة تُعنَى بتقنية التدوين، لتحفيز الشباب على دخول هذا العالم،و يشير إلى أن "المدونات بدأت كهواية من أجل اكتساب أصدقاء جُدد،و مشاركة الخبرات الذاتية و الانطباعات الشخصية في الأمور الحياتية،ثم تحولت إلى
وسيلة للتعبير،و أداة لتشكيل الرأي العام و التأثير في صنّاع القرار.
لتصبح مهنة عدد كبير من الناس،خصوصاً بعد أن أفصح الروّاد الأوائل عن عائداتهم المادية.
و ها هي الآن قد أضْحت بمثابة صناعة قائمة بذاتها لها مواردها و روادها،و تشكل سوقاً تسعى إليه كثير من الشركات".
.......
- الشبكات الاجتماعية:
"لقد تحولت المدونات إلى منبر إعلامي بديل لدى الكثيرين"،تقول مريم الزعابي (صحافية)،لافتة إلى أن مدونتها أصبحت منبرها الإعلامي.
مُضيفة: "إنّ المدونات الاجتماعية هي الأكثر انتشاراً و تفاعلاً بين الناس،فالمرأة تستطيع أن تكتب عن معاناتها بكل سهولة،تثير قضاياها الاجتماعية".
و تؤكد الزعابي أنها أثارت في مدونتها "قضايا العنف الأسرى،و الطلاق،و العنوسة،و كانت ردود الفعل واسعة من خلال التعليقات التي وردت إلى المدونة".
تتابع: "بعد أن تربَّعت المدونات على عرض المواقع الإلكترونية سنوات عديدة،جاءت الشبكات الاجتماعية لتنافسها و تسحب البساط من تحت أقدامها.
لكن أهمية التدوين و حجم جمهوره الكبير،فرض وجوده كجزء مهم لخدمات الشبكات الاجتماعية
المشهورة،كـ"فيس بوك"،و "تويتر" و غيرهما".
..........
- تجاوزات شخصية:
بدأت المدونة الإماراتية،آلاء الصديق،تجربتها الشخصية منذ ست سنوات،من خلال موقع "آلاء"،و هي تشير إلى أن "الأمر بدأ كمنتدى يضم مجموعة من الشباب،و بعدها تحوّل إلى مدونة شخصية للتعبير عن آرائي الاجتماعية و السياسية".
تضيف: "من خلال مدونتي،أستطيع أن أنشر رسالتي عبر العالم بكبسة زر،و أنا لا أحتاج إلى جريدة أو مجلة،لأن الإعلام القديم يحتاج إلى موافقات و تخصُّص".
تتابع: "المدونات هي بمثابة إعلام جديد،و هو أكثر سهولة في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، من دون أن يتأثر بمقَص الرَّقيب".
تضيف: "إنّ المدونة هي عبارة عن وسيلة لإيصال الصوت الحر،و هذا ما جعل بعض المدونين يتعرضون لمضايقات،و إلى حجب مدوناتهم في بعض البلدان العربية".
مُشيرة إلى أن التجاوزات التي يقوم بها البعض،خصوصاً أولئك الذين يَتعدّون على حريات الآخرين،و يقومون بنشر الشائعات المغرضة،قد يؤثر فيهم.
..........
- متنفس:
و في سياق تصاعُد الكلام عن تحول الإعلاميين التقليديين إلى الإعلام الجديد،يقول عاطف الفراي: "لقد تحول التدوين إلى ظاهرة بسبب الحرمان الطويل،و السيطرة التي كانت مفروضة على الملاحق و المجلات الورقية"،لافتاً إلى أن "المدونات تشكل متنفَّساً و فضاء رحباً لكل الشعراء و الروائيين و النقاد،و لكل مَن لم يجد الفرصة على أرض الواقع،ليتواصل مع العالم و يترافق مع التجمعات الإلكترونية من الكتاب،و ليقوم بإرسال الرسائل بشكل مكثف،لتصل إلى آلاف الناس خلال ثوان". يضيف: "إن المدونات الأدبية كانت الأكثر شيوعاً،ثم جاء دور المدونات الإعلامية التي تقوم بمتابعة الحدث،إلا أن هذه الظاهرة بدأت تنحسر بسبب شيوع المواقع الاجتماعية و "فيس بوك"،لأنها
تسمح بالتواصل بشكل أسرع"،مشيراً إلى "أنّ بعض المدونين قد يسبّبون إزعاجاً للحكومات أحياناً، لأنهم يتعاملون مع الواقع الإلكتروني خارج حدود الرقابة،و لا يمكن ضبطهم".
و يؤكد أنه "مع أن يكون الفضاء حُرَّاً لكل العصافير من كل الألوان و الأجناس،و أن يملك الإنسان الوسيلة للتعبير".
يتابع: "في اعتقادي،أن الصحافة الورقية هي إلى زَوَال يوماً ما،و سيصبح التعامل مع المادة الإعلامية إلكترونياً.
و ما دامت المعلومة تصل إليك و أنت في منزلك،فأنت غير مضطر إلى شراء صحيفة و لا مجلة،و مادمت قادراً على نشر معلوماتك،فلماذا تذهب إلى الكتاب،في حين أن الناشر الإلكتروني يضع كل ما
يصدر من كتب بين يديك؟".
.........
- الحياة بنظرة مختلفة:
بدوره،و إذ يتحدث المدون المصري،السيد نجم عن مدونته التي أسسها عام 2004،بهدف التعريف بمفهوم أدب الحرب و المقاومة،بعد أن كان قد شارك في حرب
1973،يقول: "لقد أردت تعريف المعنى الحقيقي لأدب المقاومة،و أنه ليس إرهاباً،و لا مُوجَّهاً ضد فئة أو سُلطة،لكنه لحماية الإنسان و مواجهة الآخر المعتدي".
مشيراً إلى أن "فكرة المدونات تنحصر في الفضفضة و هي أنواع".
يضيف: هناك مدونات لعبت دوراً في التأثير في الرأي العام،و ركزت على محاربة الفتنة الطائفية،و تناولت العديد من القضايا و المشاكل الاجتماعية.
........
- قواعد و معايير:
من ناحيتها،تشير المدونة عبير كارم،إلى أنها تخوض تجربتها بشكل مختلف،و تَعتبر أن "ما يكتب هو بمثابة تنفيس عن رغبات،لأن المدونات هي عبارة عن تأريخ للواقع المَعيش للأمة العربية و العالم".
تقول: "إنّ المدونات قليلة المحتوى،كثيرة الهَمّ.فهناك مَن يعرضون سخافات و تفاهات"،لافتة إلى أن
"هناك دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية،أكدت أن 67 في المئة من المدونات،تُستخدم لأغراض الفضفضة و التسلية،و كذلك الحال في الوطن العربي،حيث يستخدم 31 في المئة منها في هذا الإطار". و تشير كارم إلى أن "القضية ليست في محتوى الأفكار،إنما في طريقة التعبير التي يجب ألاّ تتنافَى مع
العُرف العام و القانون".
و تكشف أن "البعض يكتبون الألفاظ التي تسيء إلى أنفسهم و إلى الآخرين،و هذه السلبيات ليست موجودة على المواقع العربية وحدها،بل تم رصدها في العديد من المدونات على مستوى العالم.
لذا،اتَّّجه البعض إلى وضع بعض القواعد و المعايير و النصائح،لترشيد المتعاملين مع المدونات".
...........
- رؤية شخصية:
أما المدون السوداني إبراهيم البدوني،فيقول: "بدأت مدونتي عام 2010،و هي متخصصة في تقنيات الجيل الثاني من الإنترنت،و الاستفادة منه في مختلف جوانب الحياة،و رصد المستجدات حول العالم، بصفتي باحثاً أكاديمياً في هذا المجال"،لافتاً إلى أن "ما دفعني إلى ذلك،هو أني لاحظت تغييرات كثيرة
و متسارعة في مجال التقنيات.و وجدت أن من الأفضل أن أضع هذه المستجدات بشكل واضح و دقيق".
يضيف: "لقد منحتني المدونة فرصة للتواصل مع أكبر عدد من الناس،إضافة إلى أنه يمكن تحقيق مَكسَب مادي من خلالها،و لكن الأمر يستلزم دراسة متخصصة و الحصول على ترخيص".
..........
- الملكية الفكرية:
و ردّاً على سؤال حول كيفية حماية الملكية الفكرية في المدونات،يعترف المدون خالد نور بأن "أصحاب المواد و المؤلفات المنشورة على الشبكة الإلكترونية،يواجهون مشكلات بسبب سهولة استنساخ المواد".
يقول: "يختلف قانون حق التأليف من دولة إلى أخرى،إلا أن معظم الدول تحكمها معاهدات و اتفاقيات دولية،و تعتمد طرق الحماية على التحذير من قبل المستخدم،و المعاقبة بعد إساءة الاستخدام".
........
- انفلات:
في المقابل،و في ما يتعلق بالقوانين التي تنظِّم عملية التدوين،يكشف الدكتور باسم شاهين،الذي يعمل في "الهيئة العامة للمعلومات"،أنه "لا توجد قوانين تنظم العلاقة بين المدونين و الحكومات،و أن القوانين تركت الحرية المطلقة القريبة من الانفلات للمدونات،ما أدى إلى حدوث اضطرابات في
العلاقة بين المدونين و المؤسسات،اتَّسمت بشعور الخوف و الحذر من الآخر".
يضيف: "عام 2006،تفجّرت في ولاية لوس أنجلوس،قضية شاب أميركي،كتب في مدونته بعض الملاحظات السيئة للمؤسسة التي يعمل فيها،ما أدى إلى فصله من العمل بشكل مؤقت،نتيجة سلوكه في مدونته الخاصة".
و يشير إلى أن "هذه الواقعة،فتحت النقاش حول العلاقة بين المدون و المؤسسة،و بدأ البحث عن
سياسات و قيَم من أجل اتباعها في الجهات الحكومية"،لافتاً إلى أن "الحكومة اَلأميركية فرضت رقابة على تعليقات الناس،و هي بلد الديمقراطية و الحرية،و بدأت مؤسسات و حكومات على مستوى العالم بمراقبة عملية التدوين".
يقول: "إن الحكومات في حاجة إلى معرفة ما يدور في أوساط الناس،و الاطِّلاع على آرائهم في خدماتها و سياستها بصورة عامة،من خلال المدونات و المواقع".
مشيراً إلى أن "إثراء النقاش،يساعد الحكومات على اتِّخاذ القرار".
يختم: "لا يجب أن تنسحب مساوئ التدوين على مَن يسيؤون الاستخدام،ففي مصر وحدها،يوجد ربع
مليون مدونة أفادت الرأي العام،بينما تمت مقاضاة خمسة من المدونين الذين أزعجوا الحكومة".
.....
البلاغ
عدل سابقا من قبل In The Zone في الجمعة نوفمبر 09, 2012 4:22 pm عدل 1 مرات