الركض بعيداً عن الحياة.
د. سحر الموجي
..........
لا شك أننا كثقافة عربية نتعرض كل يوم لزحف موجات من الثقافة الغربية نحونا.
تنهمر المسلسلات و الموسيقي الأمريكية علينا،و تحاصرنا الوجبات السريعة و أسلوب الحياة الذي يعلي من قيمة الإنجاز المادي على حساب أنواع أخرى من الإنجازات لا تقاس بالمكسب المادي.
و بالطبع ليست كل الثقافة الغربية سلبية،لكن هناك قيماً غربية تبنيناها (مع باقي شعوب العالم الثالث) من دون وعي كامل منا.
إحدى هذه القيم السلبية هي "السرعة"،و على الرغم من أنها ليست بالقيمة السلبية بالكامل لأنها أيضاً تعتمد على احترام الوقت و الوعي الشديد بأهمية،فإنها تدريجياً تنسحب على حياتنا نفسها،فنجد أنفسنا نقوم بعدة أعمال في نفس اللحظة أو نجري في الشارع،على رغم أننا قد
انتهينا من فترة العمل.
و لكن الغرب قادر على النقد الذاتي و بالتالي تصحيح المسار.
يتجلى هذا في كتاب "إدمان السرعة: طقوس الإبطاء" للكاتب كيرك بايرون جونز الذي يقول في مقدمة الكتاب: "عندما تصبح السرعة حالة مزمنة،عندما نسرع طوال الوقت حتى في من دون سبب، عندما تتزايد سرعتنا حتى في أثناء أداء واجبات يومية عادية،نستطيع القول عندئذٍ إننا قد أصبحنا مدمني سرعة".
المشكلة أنه بنفس قدر احتياجنا إلى أداء أعمالنا بكفاءة،نحن بحاجة أيضاً إلى الصبر،و التفكير العميق،و البهجة،و الحوار الإنساني،و العدو الأول لهذه الصفات هو السرعة.
و في كتابه ينبه جونز إلى أن الدوافع وراء داء السرعة هي الهروب من الأوجاع و المخاوف و من أنفسنا.
و يهدف الكتاب إلى حث القارئ على النظر بجلاء إلى الأشياء،و الاستماع بشكل حقيقي،و التفكير بعمق.و العودة إلى الاستمتاع بالبطء تستلزم إعادة إدخال الصبر في حياتنا بجرعات صغيرة منتظمة.
و المقترحات التي يطرحها الكتاب من أجل استعادة البطء تبدو بسيطة للغاية،لكنها تستلزم قراراً حديدياً لتنفيذها؛لأن الإبطاء في زمن كزمننا يبدو مثل العوم ضد تيار قوي.
من بين هذه المقترحات التعامل مع يوم الإجازة على أنه إجازة حقيقية،فننزع الساعات من معاصمنا و نسترخي.
يذكرنا جونز بمعنى الإجازة و هي الخروج من دوائر الركض،ينصحنا أيضاً بالتوقف عن أداء عدة
أعمال في نفس الوقت،كأن نتحدث على الهاتف و نحن نطهو طعام العشاء.
أما النصيحة التي أعجبتني للغاية على رغم أنها تمثل تحدياً صعباً،فهي أن نمارس الصمت لمدة يوم كامل.
يقول جونز إن الصمت يجعلنا نشعر بالبطء و يدخل إلى أرواحنا قدراً من الهدوء.و بدلاً من مزاحمة الآخرين في الخروج من مكان أو وسيلة مواصلات،علينا بالقليل من التروي و لنحاول أن نفسح مكاناً للآخرين كي يمروا سينعكس هذا القرار بقوة علينا من الداخل.
و بدلاً من استخدام جملة "أنا مشغول للغاية" التي اعتدنا تريديها،فلنحاول أن نردد داخلنا "أنا شخص صبور".و لنر كيف تنعكس تلك الصورة الداخلية على سلوكياتنا.
أما أهم المقترحات (وأصعبها) هو أن نتروى ونبطئ من ردود أفعالنا.علينا أن ندرب أنفسنا على ألا نغضب بسرعة،و ألا نحكم على البشر أحكاماً سريعة.مجرد مشية بطيئة في الجوار نتأمل فيها بهدوء لون السماء و شكل البيوت و ابتسامات الأطفال،سيكون لها مفعول السحر في معالجة إدماننا للسرعة.
ابتسمت و أنا أقرأ "إدمان السرعة: طقوس الإبطاء" إذ مرّت أمام عيني صورة لشارع قاهري
تتزاحم فيه السيارات،و يصيح السائقون في بعضهم بعضاً،و لكي يتفادى بعض قائدي السيارات قدراً من الزحام،ينطلقون بسياراتهم في الطريق العكسي فيغلقون الطريق أمام الآتي من الناحية الأخرى،و ينتهي الأمر بتأخير كل من في الشارع عن أعمالهم.
أي قدر مَرَضي من عدم الصبر و من إدمان السرعة هذا؟!
و أي قدر من إنسانيتنا نفقد في إطار هذا الركض المحموم نحو أهداف لا نعرفها؟!
بينما الحياة ترقد هادئة وديعة في زهرة على باب بيت أو في لون غيمة عابرة في سماء مدينتنا.
...........
موقع البلاغ.
د. سحر الموجي
..........
لا شك أننا كثقافة عربية نتعرض كل يوم لزحف موجات من الثقافة الغربية نحونا.
تنهمر المسلسلات و الموسيقي الأمريكية علينا،و تحاصرنا الوجبات السريعة و أسلوب الحياة الذي يعلي من قيمة الإنجاز المادي على حساب أنواع أخرى من الإنجازات لا تقاس بالمكسب المادي.
و بالطبع ليست كل الثقافة الغربية سلبية،لكن هناك قيماً غربية تبنيناها (مع باقي شعوب العالم الثالث) من دون وعي كامل منا.
إحدى هذه القيم السلبية هي "السرعة"،و على الرغم من أنها ليست بالقيمة السلبية بالكامل لأنها أيضاً تعتمد على احترام الوقت و الوعي الشديد بأهمية،فإنها تدريجياً تنسحب على حياتنا نفسها،فنجد أنفسنا نقوم بعدة أعمال في نفس اللحظة أو نجري في الشارع،على رغم أننا قد
انتهينا من فترة العمل.
و لكن الغرب قادر على النقد الذاتي و بالتالي تصحيح المسار.
يتجلى هذا في كتاب "إدمان السرعة: طقوس الإبطاء" للكاتب كيرك بايرون جونز الذي يقول في مقدمة الكتاب: "عندما تصبح السرعة حالة مزمنة،عندما نسرع طوال الوقت حتى في من دون سبب، عندما تتزايد سرعتنا حتى في أثناء أداء واجبات يومية عادية،نستطيع القول عندئذٍ إننا قد أصبحنا مدمني سرعة".
المشكلة أنه بنفس قدر احتياجنا إلى أداء أعمالنا بكفاءة،نحن بحاجة أيضاً إلى الصبر،و التفكير العميق،و البهجة،و الحوار الإنساني،و العدو الأول لهذه الصفات هو السرعة.
و في كتابه ينبه جونز إلى أن الدوافع وراء داء السرعة هي الهروب من الأوجاع و المخاوف و من أنفسنا.
و يهدف الكتاب إلى حث القارئ على النظر بجلاء إلى الأشياء،و الاستماع بشكل حقيقي،و التفكير بعمق.و العودة إلى الاستمتاع بالبطء تستلزم إعادة إدخال الصبر في حياتنا بجرعات صغيرة منتظمة.
و المقترحات التي يطرحها الكتاب من أجل استعادة البطء تبدو بسيطة للغاية،لكنها تستلزم قراراً حديدياً لتنفيذها؛لأن الإبطاء في زمن كزمننا يبدو مثل العوم ضد تيار قوي.
من بين هذه المقترحات التعامل مع يوم الإجازة على أنه إجازة حقيقية،فننزع الساعات من معاصمنا و نسترخي.
يذكرنا جونز بمعنى الإجازة و هي الخروج من دوائر الركض،ينصحنا أيضاً بالتوقف عن أداء عدة
أعمال في نفس الوقت،كأن نتحدث على الهاتف و نحن نطهو طعام العشاء.
أما النصيحة التي أعجبتني للغاية على رغم أنها تمثل تحدياً صعباً،فهي أن نمارس الصمت لمدة يوم كامل.
يقول جونز إن الصمت يجعلنا نشعر بالبطء و يدخل إلى أرواحنا قدراً من الهدوء.و بدلاً من مزاحمة الآخرين في الخروج من مكان أو وسيلة مواصلات،علينا بالقليل من التروي و لنحاول أن نفسح مكاناً للآخرين كي يمروا سينعكس هذا القرار بقوة علينا من الداخل.
و بدلاً من استخدام جملة "أنا مشغول للغاية" التي اعتدنا تريديها،فلنحاول أن نردد داخلنا "أنا شخص صبور".و لنر كيف تنعكس تلك الصورة الداخلية على سلوكياتنا.
أما أهم المقترحات (وأصعبها) هو أن نتروى ونبطئ من ردود أفعالنا.علينا أن ندرب أنفسنا على ألا نغضب بسرعة،و ألا نحكم على البشر أحكاماً سريعة.مجرد مشية بطيئة في الجوار نتأمل فيها بهدوء لون السماء و شكل البيوت و ابتسامات الأطفال،سيكون لها مفعول السحر في معالجة إدماننا للسرعة.
ابتسمت و أنا أقرأ "إدمان السرعة: طقوس الإبطاء" إذ مرّت أمام عيني صورة لشارع قاهري
تتزاحم فيه السيارات،و يصيح السائقون في بعضهم بعضاً،و لكي يتفادى بعض قائدي السيارات قدراً من الزحام،ينطلقون بسياراتهم في الطريق العكسي فيغلقون الطريق أمام الآتي من الناحية الأخرى،و ينتهي الأمر بتأخير كل من في الشارع عن أعمالهم.
أي قدر مَرَضي من عدم الصبر و من إدمان السرعة هذا؟!
و أي قدر من إنسانيتنا نفقد في إطار هذا الركض المحموم نحو أهداف لا نعرفها؟!
بينما الحياة ترقد هادئة وديعة في زهرة على باب بيت أو في لون غيمة عابرة في سماء مدينتنا.
...........
موقع البلاغ.