أبو القاسم الشابي.. بقلم بسام الهلسه
عصـفُ حيـاة خـاطفـة!
- كتبت في الذكرى المئوية لمولده.عصـفُ حيـاة خـاطفـة!
– أبو القاسم الشابي.
نجم تونس الشعري "أبو القاسم الشابي" الذي علا و أضاء خلال سنوات قليلة،لم يخبُ و ينطفئ –شأن الكثيرين و الكثيرات غيره من نجوم الشعر و الأدب..مع عمره القصير (1909م-1934م) الذي كان برغم قصره كافياً لتقديمه و تخليده كواحد من ألمع شعراء الرومانسية العربية الذين حفظتهم ذاكرة الأمة و رددت الأجيال أشعارهم,أمثال: جبران خليل جبران و علي محمود طه و إبراهيم ناجي..
......
و تتبدى لنا أهمية و جدارة الشابي اليوم،بعد مئة سنة على مولده و خمسة و سبعين عاماً على وفاته،ليس من كونه لم يزل نابضاً حاضراً متداولاً فقط،بل بالنظر إلى إصراره المثابر على الصمود و مواصلة العطاء المغاير للموروث و السائد الشعري،متحدياً بيئة ثقافية و اجتماعية تقليدية محافظة واجهته بالإنكار و المقاطعة،فيما وفرت بيئات مصر و الشام و العراق و المهجر ظروفاً أفضل و أكثر مواتاة لشعرائها حملة لواء التجديد الرومانسي المتمردين على تقاليد الشعر القديم و ممثليه شعراء الإحياء: البارودي و شوقي و حافظ..
و كانت مصر –الدولة العربية الأولى في النهضة و التحديث- هي المولدة و الحاضنة الأهم لقوى و تيارات التجديد الأدبي و الفني.
و على صفحات مجلة "أبوللو" التي كان يرأس تحريرها الشاعر "أحمد زكي أبو شادي" نشر الشابي قصائده و من بينها "لحن الحياة" التي عرفت في المشرق العربي باسم "إرادة الحياة":
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر.
و لا بد لليل أن ينجلي
و لا بد للقيد أن ينكسر.
التي كرَّسها لتمجيد الحياة و التنديد بالذل و الخنوع و تحريض الشعب على النهوض لمقاومة الإستعمار الذي كان يبسط سلطانه على تونس و عموم البلاد فلا بد أن يستجيب القدر.
و لا بد لليل أن ينجلي
و لا بد للقيد أن ينكسر.
العربية.
و قد ذاعت القصيدة و اشتهرت،خاصة بعد الاستقلال،حين رددها الطلبةُ العرب في المدارس و غناها المغنون و ضُمِّنت أبياتٌ منها (البيتان السابقان) في النشيد الوطني التونسي.
.........
على أن مقاومة الاستعمار لم تكن وحدها شاغل الشاعر الذي تلقى دروسه الأولى على أبيه القاضي الشيخ الأزهري "محمد الشابي" ثم تابعها ليتخرج من "الزيتونة" و "مدرسة الحقوق".
فمثل الشعراء الرومانسيين -الذين سبقوه و جايلوه و لحقوه- صُدِم الشابي بمدى و عمق الجهل و الرجعية المهيمنة على الحياة العربية.
و هي عوامل رأى فيها أسباب التخلف و البؤس و الهوان،فكتب بمرارة حارقة,يعرفها كل من واجه الواقع العربي باقتراحات و دعاوى القيام و التغيير:
إنـي أرى فأرى جُموعاً جَمَّة
لكنهـا تحيـا بـلا ألبابِ.
يدوي حواليها الزمانُ كأنما
يدوي حوالي جَنْدلٍ و ترابِ.
.......
و مع غياب الحركة الشعبية العامة الواعية الحاملة لمشروع المقاومة و النهضة،و سيطرة الجمود على العقول و المشاعر،كانت الذات الفردية المتمردة بعواطفها المتدفقة و خيالها الجامح و غنائيتها التلقائية الحزينة و تأملاتها في الوجود و الحياة و تعلقها بالطبيعة،هي الروح التي نبع منها شعر الشابي و أطلقته.لكنهـا تحيـا بـلا ألبابِ.
يدوي حواليها الزمانُ كأنما
يدوي حوالي جَنْدلٍ و ترابِ.
.......
و بقدر ما تاق الشابي للحرية و دعا إلى انبعاث الشخصية الوطنية،بقدر ما سخط و ثار على خمول الشعب المستكين لأوضاعه و كأنها قدر بدل أن يصنع هو قدره و مصيره,فتساءل مستنكراً:
خلقت طليقاً كطيف النسيم
و حراً،كنور الضحى في سماه.
فمـالك ترضى بذل القيود
و تحنـي لمن كبَّلوك الجباه.
....و حراً،كنور الضحى في سماه.
فمـالك ترضى بذل القيود
و تحنـي لمن كبَّلوك الجباه.
لكن الشاعر الذي امتزج في شعره الغضب و الحزن و الحب و السخط و الأمل و اليأس،و امتلأت نفسه بالثورة،بما لها من قوة تجديد عاصفة:
ليت لي قوة العواصف يا شعبي
فألقي إليك،ثورة نفسي
........
لم يقوَ جسدُه الشابُ على احتمال ضعف قلبه؛و لم يقو قلبُه الواهن على احتمال ضرام و أجيج مشاعره المتقدة،فرقد إلى الأبد و هو في الخامسة و العشرينفألقي إليك،ثورة نفسي
........
من عمره،مذكراً بالشاعر العربي القديم "طرفة بن العبد" الذي توهج ثم توارى شاباً تاركاً لنا تأملاته الضارية في الوجود و الموت،فيما غاب الشابي بعدما أورثنا أغانيه للحياة:
و بمجد الحياة و الشوق غنيتُ
فلم تفهم الأعاصير قصدي!
فلم تفهم الأعاصير قصدي!
بسام الهلسه
...........
موقع مداد القلم.
...........
موقع مداد القلم.
عدل سابقا من قبل In The Zone في الجمعة يونيو 22, 2012 7:44 pm عدل 1 مرات