د.نجيب الگيلاني.
أدب الأطفال بين الهدف و الوسيلة.
..........
أدب الطفل عمل إبداعي بطبيعته،و حيثما يكون الإبداع توجد صعوبات في الوصول إلى ذلك،لأن الشكل الفني المكتمل أو المقارب للإكتمال يحتاج إلى خبرة و دراية و موهبة،و إلى إلمام عميق بالمواصفات الإبداعية المختلفة،كما أن أدب الطفل _في الوقت نفسه اختزال للثقافات و المفاهيم و القيم و الطموحات المستقبلية،و يمكننا أن نضيف إلى ذلك أن طريقة الإيصال للطفل هي بحد ذاتها _كما يقال _ عمل تربوي،يتطلب تفهماً كاملاً لنفسية الطفل و ظروفه و إمكاناته المختلفة.
و أدب الطفل يجب أن يحقق أمرين:
أولهما مساعدة الطفل على وعي معنى الحياة،و ثانيهما مساعدته على وعي ذاته و علاقته بالآخرين، و المقصود بوعي معنى الحياة،الإحساس بها و بقيمتها و بأنها جديرة بأن تُعاش،وفق مقاييس العطاء و السعادة،و في إطار قيم بناءة ايجابية،و من البديهي أن هذا الوعي لا ينبثق تلقائياً،كما لا يتولد مكتملاً،بل يحتاج إلى تفاعلات و تجارب و خبرات،و يسير في عمليات متطورة مستمرة.
فالوعي عملية شاملة ليس بحالة الذهن وحده،بل مجمل شخصية الطفل بما فيها: الذكاء،و الخيال، و كل الجهاز الإنفعالي و العاطفي،و بديهي أن التعليم المجرد يتوجه للذهن فقط،و يهمل الخيال و الإنفعال.
فإذا علمنا الطفل أن 1+1=2 تكون بذلك قد أفهمناه واقعة علمية مجردة،أو رياضية بحتة،لا دور للخيال أو الإنفعال فيها.
أما إذا قلنا له: "...كانت الأم تجري،و الدموع في عينيها،و تصرخ في لوعة...ولدي..ولدي..من منكم رأى ولدي؟؟ لقد عدت من الخارج..وسط الأمطار..و الليل جاء..و لم أجد ولدي بالمنزل..".
إذا قلنا للطفل ذلك فإن الأمر يختلف تماماً،فإنه يدرك ما تعانيه الأم من خلال دموعها و لهفتها على ولدها،و خاصة أن الليل قد أتى،و المطر يتساقط،و ينفعل الطفل _و هو يسمع أو يقرأ القصة،و ينطلق خياله إلى ما وراء الكلمات،و يتصور ذلك الطفل الضائع و هو يقاسي الظلمة و البرد و المطر و الوحدة،و هل سيداهمه وحش أو ينشق الليل عن شبح،و كيف سيجد طعامه،و قد يفكر الطفل القارىء في عديد من الإحتمالات،فمن يدري قد يجد الطفل التائه إنساناً ذا قلب طيب يأخذه إلى بيته و يحميه من الأخطار..و هكذا...
و يمكننا أن نستخدم تلك الوسيلة الفنية أو الإبداعية بالإيحاء للطفل ما نراه و يراه التربويون و النفسيون و الدعاة من عقائد دينية،و مبادىء سامية،و مُثل عُليا،لأن الأسلوب "غير المباشر" يتضمن إحتراماً لحرية الطفل و بعداً عن القسر الذي يعيق النمو و التفتح...
و لكي نضرب لذلك مثلاً عن الرسول (صلى الله عليه و على آله و سلم) حينما كان يتعامل مع صحابته بكثير من الألفة و التواضع،و يشاركهم في أعمالهم،و يتحمل معهم الأعباء،دون أن يميز نفسه بشيء خاص،نقول إذا أردنا أن نؤكد ذلك للأطفال،فنستطيع أن نقدمه لهم من خلال حادثة أو واقعة جرت فعلاً،فنقول لهم إن الرسول و صحابته اجتمعوا في مكان ما،و جاء وقت الطعام،و أراد الرسول أن يوزع العمل،فقال واحد من الصحابة: "عليَّ ذبح الشاة،و قال آخر عليّ سلخها،و الثالث: عليّ طبخها...و هكذا إلى أن جاء دور الرسول فقال: و أنا سأجمع الحطب"...و ذلك أشق ما في العملية..فالطفل إذن يتعلم من سرد الواقعة،و يتأثر بها،أكثر مما يتعلم و يتأثر بقولنا المجرد: أن الرسول كان متواضعاً أليفاً يشارك أصحابه في تحمل المسؤولية،و لا يركن إلى الكسل أبداً..
إن "الرؤية الطفلية" يحكمها منطق خاص،حدوده أرحب من الواقع،و أبعد مدى،و أكثر خصوبة..
و القصص الخيالية تفتح أبعاداً شاسعة رحبة و جديدة أمام مخيلة الطفل،و الطفل يتأثر بها تأثيراً كبيراً،من غير أن يعرف النتائج أو الأسباب عقلياً،و المخيلة _و ما تشيعه من سحر _ قادرة على التأثير و على نمو الوعي بشكل لا تضاهيها فيه أية قدرة أخرى.
أما موضوع وعي الطفل نفسه و علاقته بالآخرين،و مراعاة الأدب لهذا الجانب الهام،هو قضية أساسية،لماذا؟؟
لأن ما نكتبه للطفل يجب أن يساعده على فهم نفسه بشكل أفضل.و فهم الآخرين،و إنشاء علاقات إيجابية معهم،لأن الطفل بحاجة إلى الرؤية الواضحة لمخاوفه و تطلعاته،و إلى تهدئة صخب انفعالاته، و إلى وعي مشاكله و صراعاته،و تلمس حلولها،و إلى تجاوز الحدود الضيقة لوجوده المتمركز حول ذاته،و بذلك يمكن للطفل أن ينتقل من وجود "تبعي" متأزم و مشحون برغبات طفولية،إلى وجود مستقل _لحد ما _ أكثر إرضاء و ملاءمة لنفسه..
و ما أكثر الكتابات التي تهمل "الصراع الداخلي" لدى الطفل،و هو صراع موجود و لا مفر منه،و يشكل جزءً أساسياً من نفسية الطفل،و واجبنا أن نجعل الطفل يعي هذا الصراع،و يسيطر على العوائق،و نقدم له حلولاً يستطيع أن يفهمها...
و يجب أن نلاحظ إزدواجية الخير و الشر في الحياة،الحياة ليست خيراً محضاً أو شراً محضاً،إنها مزيج من هذا و ذاك،و لا يصح أن نخدع الطفل بأن نجعله يعيش في وهم كاذب،و من الأفضل تربوياً أن يعرف اختلاط الشر و الخير في الحياة،لكننا نستطيع بوسائلنا أن نجعله يتخذ موقفاً إيجابياً،و يندمج مع الشخصيات الخيّرة و يقلدها.
لكن البعض يرى "ألا نصدم الطفل بما هو سيىء أو ظالم أو مشين في تراثه" و ذلك حتى لا تهتز ثقة الطفل بماضيه الزاهر،و تكفي الإشارة إلى السلبيات و انهزامها و قهرها.و إلى تغليب قوى الخير و الحق و العدالة.
و إذا كان الطفل يبدأ حياته بالتقليد لمن حوله،إلا أنه ينتقي ما يُغذي هذه الشخصية الناشئة،حتى لا تقف عند المثال المقلّد،فتكون المطالعة _كما قلنا _ من أهم الوسائل التي يعتمدها الطفل،حيث يخرج بها من الإطار الضيق.
و يؤكد الدارسون فيما يشبه الإجماع أن أدب الطفل ليس أدباً ترفيهياً فحسب،بل ينبغي أن يكون له دور تربوي،كما يؤكدون على ضرورة التلاؤم و التكامل بين التأثير الشعوري و التأثير اللاشعوري في أدب الأطفال،و ضرورة مراعاة كل من الجانبين الأدبي و النفسي،و في حالة الترجمة أو الإقتباس لا بد أن نراعي خصائص كل حضارة،و ألا ننقل ما يناقض قيمنا التربوية الإسلامية،أو يبعث فيها التميع و الترقيع،أو يفقدها سماتها المتميزة،و ملامحها المحددة.
و ما يزعمه دعاة "الفن للفن" و من دار في فلكهم من أن الفن _و منه الأدب _ غاية في حد ذاته،إنما هو ضرب من الجمود لا يصمد للواقع،و نظرة سريعة إلى تاريخ الآداب و الفنون مُنذ القدم،و حتى عصورنا هذه تؤكد ما نذهب إليه من أن للأدب وظيفة يؤديها لإثراء النفس و الحياة بالتجارب و المعارف و الجمال،و ما مثل دعاة "الفن للفن" إلا كمثل الذين يقولون "إن هي إلا حياتنا الدنيا،نموت و نحيا و ما نحن بمبعوثين"،فهي وثنية من نوع آخر،إتخذت لنفسها مجالاً وثنياً خاصاً هو الفن،فليس بعدة شيء..و هي عبثية في شكل آخر غير الأشكال المستحدثة..
و لا يصح أن ننسى أن نُبل الغاية يستلزم أيضاً طهارة الوسيلة.
إن الذين يبالغون في تصوير الشر و الفاحش و السيء من الأوضاع بحجة التغير منهما،و البعد عنهما،إنما يزينون لضعاف النفوس طرافة التجربة،و قد يوحون محاولة تقليدها،و هو أمر بالغ الخطورة،و خاصة بالنسبة للأطفال،فالإشارة إلى الشر لا تعني الإيغال فيه،و الغوص المغري في تفاصيله،فقوة الإرادة عند الطفل _الذي لم تكتمل تجربته،و لم تتحدد مواقفه _ضعيفة ناقصة،و قد يجره ذلك إلى متاهات و إضطرابات تلوث صفحته البيضاء،و توقعه في كثير من الحيرة و البلبلة،لكن هذه كلها أمور يمكن ضبطها بمقاييس التجربة الإسلامية،و نتائج الدراسات النفسية و التربوية التي توصل إليها المخلصون من العلماء.
إن الذين يندفعون إلى الكتابة للطفل،دون إدراك لعظم المسؤولية،مثلهم كمثل الذي يقتحم حقل ألغام،و لا يعرف الممرات الآمنة التي يستطيع إجتيازها بسلام،و لا أظن أن العقلاء يرتكبون هذه الحماقة القاتلة.
-------------
عن أدب الاطفال في ضوء الاسلام.
موقع البلاغ.
أدب الأطفال بين الهدف و الوسيلة.
..........
أدب الطفل عمل إبداعي بطبيعته،و حيثما يكون الإبداع توجد صعوبات في الوصول إلى ذلك،لأن الشكل الفني المكتمل أو المقارب للإكتمال يحتاج إلى خبرة و دراية و موهبة،و إلى إلمام عميق بالمواصفات الإبداعية المختلفة،كما أن أدب الطفل _في الوقت نفسه اختزال للثقافات و المفاهيم و القيم و الطموحات المستقبلية،و يمكننا أن نضيف إلى ذلك أن طريقة الإيصال للطفل هي بحد ذاتها _كما يقال _ عمل تربوي،يتطلب تفهماً كاملاً لنفسية الطفل و ظروفه و إمكاناته المختلفة.
و أدب الطفل يجب أن يحقق أمرين:
أولهما مساعدة الطفل على وعي معنى الحياة،و ثانيهما مساعدته على وعي ذاته و علاقته بالآخرين، و المقصود بوعي معنى الحياة،الإحساس بها و بقيمتها و بأنها جديرة بأن تُعاش،وفق مقاييس العطاء و السعادة،و في إطار قيم بناءة ايجابية،و من البديهي أن هذا الوعي لا ينبثق تلقائياً،كما لا يتولد مكتملاً،بل يحتاج إلى تفاعلات و تجارب و خبرات،و يسير في عمليات متطورة مستمرة.
فالوعي عملية شاملة ليس بحالة الذهن وحده،بل مجمل شخصية الطفل بما فيها: الذكاء،و الخيال، و كل الجهاز الإنفعالي و العاطفي،و بديهي أن التعليم المجرد يتوجه للذهن فقط،و يهمل الخيال و الإنفعال.
فإذا علمنا الطفل أن 1+1=2 تكون بذلك قد أفهمناه واقعة علمية مجردة،أو رياضية بحتة،لا دور للخيال أو الإنفعال فيها.
أما إذا قلنا له: "...كانت الأم تجري،و الدموع في عينيها،و تصرخ في لوعة...ولدي..ولدي..من منكم رأى ولدي؟؟ لقد عدت من الخارج..وسط الأمطار..و الليل جاء..و لم أجد ولدي بالمنزل..".
إذا قلنا للطفل ذلك فإن الأمر يختلف تماماً،فإنه يدرك ما تعانيه الأم من خلال دموعها و لهفتها على ولدها،و خاصة أن الليل قد أتى،و المطر يتساقط،و ينفعل الطفل _و هو يسمع أو يقرأ القصة،و ينطلق خياله إلى ما وراء الكلمات،و يتصور ذلك الطفل الضائع و هو يقاسي الظلمة و البرد و المطر و الوحدة،و هل سيداهمه وحش أو ينشق الليل عن شبح،و كيف سيجد طعامه،و قد يفكر الطفل القارىء في عديد من الإحتمالات،فمن يدري قد يجد الطفل التائه إنساناً ذا قلب طيب يأخذه إلى بيته و يحميه من الأخطار..و هكذا...
و يمكننا أن نستخدم تلك الوسيلة الفنية أو الإبداعية بالإيحاء للطفل ما نراه و يراه التربويون و النفسيون و الدعاة من عقائد دينية،و مبادىء سامية،و مُثل عُليا،لأن الأسلوب "غير المباشر" يتضمن إحتراماً لحرية الطفل و بعداً عن القسر الذي يعيق النمو و التفتح...
و لكي نضرب لذلك مثلاً عن الرسول (صلى الله عليه و على آله و سلم) حينما كان يتعامل مع صحابته بكثير من الألفة و التواضع،و يشاركهم في أعمالهم،و يتحمل معهم الأعباء،دون أن يميز نفسه بشيء خاص،نقول إذا أردنا أن نؤكد ذلك للأطفال،فنستطيع أن نقدمه لهم من خلال حادثة أو واقعة جرت فعلاً،فنقول لهم إن الرسول و صحابته اجتمعوا في مكان ما،و جاء وقت الطعام،و أراد الرسول أن يوزع العمل،فقال واحد من الصحابة: "عليَّ ذبح الشاة،و قال آخر عليّ سلخها،و الثالث: عليّ طبخها...و هكذا إلى أن جاء دور الرسول فقال: و أنا سأجمع الحطب"...و ذلك أشق ما في العملية..فالطفل إذن يتعلم من سرد الواقعة،و يتأثر بها،أكثر مما يتعلم و يتأثر بقولنا المجرد: أن الرسول كان متواضعاً أليفاً يشارك أصحابه في تحمل المسؤولية،و لا يركن إلى الكسل أبداً..
إن "الرؤية الطفلية" يحكمها منطق خاص،حدوده أرحب من الواقع،و أبعد مدى،و أكثر خصوبة..
و القصص الخيالية تفتح أبعاداً شاسعة رحبة و جديدة أمام مخيلة الطفل،و الطفل يتأثر بها تأثيراً كبيراً،من غير أن يعرف النتائج أو الأسباب عقلياً،و المخيلة _و ما تشيعه من سحر _ قادرة على التأثير و على نمو الوعي بشكل لا تضاهيها فيه أية قدرة أخرى.
أما موضوع وعي الطفل نفسه و علاقته بالآخرين،و مراعاة الأدب لهذا الجانب الهام،هو قضية أساسية،لماذا؟؟
لأن ما نكتبه للطفل يجب أن يساعده على فهم نفسه بشكل أفضل.و فهم الآخرين،و إنشاء علاقات إيجابية معهم،لأن الطفل بحاجة إلى الرؤية الواضحة لمخاوفه و تطلعاته،و إلى تهدئة صخب انفعالاته، و إلى وعي مشاكله و صراعاته،و تلمس حلولها،و إلى تجاوز الحدود الضيقة لوجوده المتمركز حول ذاته،و بذلك يمكن للطفل أن ينتقل من وجود "تبعي" متأزم و مشحون برغبات طفولية،إلى وجود مستقل _لحد ما _ أكثر إرضاء و ملاءمة لنفسه..
و ما أكثر الكتابات التي تهمل "الصراع الداخلي" لدى الطفل،و هو صراع موجود و لا مفر منه،و يشكل جزءً أساسياً من نفسية الطفل،و واجبنا أن نجعل الطفل يعي هذا الصراع،و يسيطر على العوائق،و نقدم له حلولاً يستطيع أن يفهمها...
و يجب أن نلاحظ إزدواجية الخير و الشر في الحياة،الحياة ليست خيراً محضاً أو شراً محضاً،إنها مزيج من هذا و ذاك،و لا يصح أن نخدع الطفل بأن نجعله يعيش في وهم كاذب،و من الأفضل تربوياً أن يعرف اختلاط الشر و الخير في الحياة،لكننا نستطيع بوسائلنا أن نجعله يتخذ موقفاً إيجابياً،و يندمج مع الشخصيات الخيّرة و يقلدها.
لكن البعض يرى "ألا نصدم الطفل بما هو سيىء أو ظالم أو مشين في تراثه" و ذلك حتى لا تهتز ثقة الطفل بماضيه الزاهر،و تكفي الإشارة إلى السلبيات و انهزامها و قهرها.و إلى تغليب قوى الخير و الحق و العدالة.
و إذا كان الطفل يبدأ حياته بالتقليد لمن حوله،إلا أنه ينتقي ما يُغذي هذه الشخصية الناشئة،حتى لا تقف عند المثال المقلّد،فتكون المطالعة _كما قلنا _ من أهم الوسائل التي يعتمدها الطفل،حيث يخرج بها من الإطار الضيق.
و يؤكد الدارسون فيما يشبه الإجماع أن أدب الطفل ليس أدباً ترفيهياً فحسب،بل ينبغي أن يكون له دور تربوي،كما يؤكدون على ضرورة التلاؤم و التكامل بين التأثير الشعوري و التأثير اللاشعوري في أدب الأطفال،و ضرورة مراعاة كل من الجانبين الأدبي و النفسي،و في حالة الترجمة أو الإقتباس لا بد أن نراعي خصائص كل حضارة،و ألا ننقل ما يناقض قيمنا التربوية الإسلامية،أو يبعث فيها التميع و الترقيع،أو يفقدها سماتها المتميزة،و ملامحها المحددة.
و ما يزعمه دعاة "الفن للفن" و من دار في فلكهم من أن الفن _و منه الأدب _ غاية في حد ذاته،إنما هو ضرب من الجمود لا يصمد للواقع،و نظرة سريعة إلى تاريخ الآداب و الفنون مُنذ القدم،و حتى عصورنا هذه تؤكد ما نذهب إليه من أن للأدب وظيفة يؤديها لإثراء النفس و الحياة بالتجارب و المعارف و الجمال،و ما مثل دعاة "الفن للفن" إلا كمثل الذين يقولون "إن هي إلا حياتنا الدنيا،نموت و نحيا و ما نحن بمبعوثين"،فهي وثنية من نوع آخر،إتخذت لنفسها مجالاً وثنياً خاصاً هو الفن،فليس بعدة شيء..و هي عبثية في شكل آخر غير الأشكال المستحدثة..
و لا يصح أن ننسى أن نُبل الغاية يستلزم أيضاً طهارة الوسيلة.
إن الذين يبالغون في تصوير الشر و الفاحش و السيء من الأوضاع بحجة التغير منهما،و البعد عنهما،إنما يزينون لضعاف النفوس طرافة التجربة،و قد يوحون محاولة تقليدها،و هو أمر بالغ الخطورة،و خاصة بالنسبة للأطفال،فالإشارة إلى الشر لا تعني الإيغال فيه،و الغوص المغري في تفاصيله،فقوة الإرادة عند الطفل _الذي لم تكتمل تجربته،و لم تتحدد مواقفه _ضعيفة ناقصة،و قد يجره ذلك إلى متاهات و إضطرابات تلوث صفحته البيضاء،و توقعه في كثير من الحيرة و البلبلة،لكن هذه كلها أمور يمكن ضبطها بمقاييس التجربة الإسلامية،و نتائج الدراسات النفسية و التربوية التي توصل إليها المخلصون من العلماء.
إن الذين يندفعون إلى الكتابة للطفل،دون إدراك لعظم المسؤولية،مثلهم كمثل الذي يقتحم حقل ألغام،و لا يعرف الممرات الآمنة التي يستطيع إجتيازها بسلام،و لا أظن أن العقلاء يرتكبون هذه الحماقة القاتلة.
-------------
عن أدب الاطفال في ضوء الاسلام.
موقع البلاغ.