الأمر والنهي
* السيد محمد باقر الصدر
- الأمر:
الأمر تارة يستعمل بمادّته فيقال: (آمرك بالصلاة)، وأخرى بصيغته فيقال: (صلِّ).
أما مادة الأمر فلا شك في دلالتها بالوضع على الطلب، ولكن لا بنحو تكون مرادفة للفظ الطلب، لأن لفظ الطلب ينطبق بمفهومه على الطلب التكويني كطلب العطشان للماء والطلب التشريعي سواء صدر من العالي أو من غيره، بينما الأمر لا يصدق إلا على الطلب التشريعي من العالي، سواء كان مستعلياً أي متظاهراً بعلوه أو لا.
كما إن مادة الأمر لا ينحصر معناها لغة بالطلب، بل ذكرت لها معان أخرى كالشيء والحادثة والغرض، وعلى هذا الأساس تكون مشتركاً لفظياً وتعيين الطلب بحاجة إلى قرينة، ومتى دلت القرينة على ذلك يقع الكلام في أن المادة تدل على الطلب بنحو الوجوب أو تلائم مع الاستحباب؟ فقد يستدل على أنها تدل على الوجوب بوجوه:
منها: قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) النور/ 63، وتقريبه إن الأمر لو كان يشمل الطلب الاستحبابي لما وقع على اطلاقه موضوعاً للحذر من العقاب.
ومنها قوله (صلى الله عليه و سلم): (لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك).
وتقريبه أن الأمر لو كان يشمل الاستحباب لما كان الأمر مستلزماً للمشقة كما هو ظاهر الحديث. ومنها: التبادر فإن المفهوم عرفاً من كلام المولى حين يستعمل كلمة الأمر انه في مقام الإيجاب والإلزام والتبادر علامة الحقيقة.
وأما صيغة الأمر، فقد ذكرت لها عدة معان كالطلب والتمني والترجي والتهديد والتعجيز وغير ذلك، وهذا في الواقع خلط بين المدلول التصوري للصيغة، والمدلول التصديقي الجدِّي لها باعتبارها جملة تامة وتوضيحه ان الصيغة ـ أي هيئة فعل الأمر ـ لها مدلول تصوري ولابد أن تكون من سنخ المعنى الحرفي كما هو الشأن في سائر الهيئات والحروف، فلا يصح أن يكون مدلولها نفس الطلب بما هو مفهوم إسمي، ولا مفهوم الإرسال نحو المادة، بل نسبة طلبية أو إرسالية توازي مفهوم الطلب أو مفهوم الإرسال، كما توازي النسبة التي تدل عليها (إلى) مفهوم (الانتهاء)، والعلاقة بين مدلول الصيغة بوصفه معنى حرفياً ومفهوم الإرسال أو الطلب تشابه العلاقة بين مدلول (من) و(إلى) و(في) ومدلول (الابتداء) و(الانتهاء) و(الظرفية). فهي علاقة موازاة لا ترادف. ونقصد بالنسبة الطلبية أو الإرسالية الربط المخصوص الذي يحصل بالطلب أو بالإرسال بين المطلوب والمطلوب منه، أو بين المرسل والمرسل إليه، وهذا هو المدلول التصوري للصيغة الثابت بالوضع. وللصيغة باعتبارها جملة تامة مكونة من فعل وفاعل، إذ تكشف سياقاً عن أمر ثابت في نفس المتكلم هو الذي دعاه إلى استعمال الصيغة، وفي هذه المرحلة تتعدد الدواعي التي يمكن أن تدل عليها الصيغة بهذه الدلالة، فتارة يكون الداعي هو الطلب، وأخرى الترجي وثالثة التعجيز، وهكذا مع انحفاظ المدلول التصوري للصيغة في الجميع.
هذا كله على المسلك المختار المشهور القائل بأن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية. وأما بناء على مسلك التعهد القائل بأن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصديقية، وان المدلول الجدي للجملة التامة هو المعنى الموضوع له ابتداءً فلابد من الالتزام بتعدد المعنى في تلك الموارد لاختلاف المدلول الجدي.
ثم إن الظاهر من الصيغة أنا لمدلول التصديقي الجدي هو الطلب دون سائر الدواعي الأخرى، وذلك لأه إن قيل بأن المدلول التصوري هو النسبة الطلبية، فواضح أنا لطلب مصداق حقيقي للمدلول التصوري دون سائر الدواعي، فيكون أقرب إلى المدلول التصوري وظواهر كل كلام أن مدلوله التصديقي أقرب ما يكون للتطابق والمصداقية للمدلول التصوري، وأما إذا قيل بأن المدلول التصوري هو النسبة الإرسالية، فلأن المصداق الحقيقي لهذه النسبة إنما ينشأُ من الطلب لا من سائر الدواعي فيتعين داعي الطلب بظهور الكلام.
ولكن قد يتفق أحياناً أن يكون المدلول الجدي هو قصد الاخبار عن حكم شرعي آخر غير طلب المادة أو نشاء ذلك الحكم وجعله، كما في قوله: (اغسل ثوبك من البول) فإن المراد الجدي من إغسل ليس طلب الغسل، إذ قد يتنجس ثوب الشخص فيهمله ولا يغسله ولا إثم عليه، وإنما المراد بيان ان الثوب يتنجس بالبول. وهذا حكم وضعي وانه يطهر بالغسل، وهذا حكم وضعي آخر، وفي هذه الحالة تسمى الصيغة بالأمر الإرشادي لأنها إرشاد وإخبار عن ذلك الحكم.
وكما ان المعروف في دلالة مادة الأمر على الطلب أنها تدل على الطلب الوجوبي، كذلك الحال في صيغة الأمر بمعنى أنها تدل على النسبة الإرسالية الحاصلة من إرادة لزومية، وهذا هو الصحيح للتبادر بحسب الفهم العرفي العام.
وكثيراً ما يستعمل غير فعل الأمر من الأفعال في إفادة الطلب، إما بادخال لام الأمر عليه فيكون الاستعمال بلا عناية، وإما بدون إدخاله، كما إذا قيل يعيد ويغتسل، ويشتمل الاستعمال حينئذ على عناية، لأنا لجملة حينئذ خبرية بطبيعتها، وقد استعملت في مقام الطلب. وفي الأول يدل على الوجوب بنحو دلالة الصيغة عليه، وفي الثاني يوجد خلاف في الدلالة على الوجوب.
- دلالات أخرى للأمر:
عرفنا ان الأمر يدل على الطلب ويدل على ان الطلب على نحو الوجوب. وهناك دلالات أخرى محتملة وقع البحث عن ثبوتها له وعدمه.
منها: دلالته على نفي الحرمة بدلاً عن دلالته على الطلب والوجوب في حالة معينة، وهي ما إذا ورد عقيب التحريم أو في حالة يحتمل فيها ذلك.
والصحيح ان صيغة الأمر على مستوى المدلول التصوري لا تتغير دلالتها في هذه الحالة، بل تظل دالة على النسبة الطلبية، غير ان مدلولها التصديقي هنا يصبح مجملاً ومردداً بين الطلب الجدي وبين نفي التحريم، لأن ورود الأمر في إحدى الحالتين المذكورتين يوجب الإجمال من هذه الناحية.
ومنها: دلالة الأمر بالفعل الموقت بوقت محدد على وجوب القضاء خارج الوقت، على مَن لم يأت بالواجب في وقته. وتوضيح الحال في ذلك ان الأمر بالفعل الموقت تارة يكون أمراً واحداً بهذا الفعل المقيد فلا يقتضي إلا الإتيان به، فإن لم يأت به حتى انتهى الوقت فلا موجب من قبله للقضاء، بل يحتاج ايجاب القضاء إلى أمر جديد، وتارة أخرى يكون الأمر بالفعل الموقت أمرين مجتمعين في بيان واحد، أحدهما: أمر بذات الفعل على الاطلاق، والآخر أمر بإيقاعه في الوقت الخاص، فإن فات المكلف امتثال الأمر الثاني بقي عليه الأمر الأول، ويجب عليه أن يأتي بالفعل حينئذ ولو خرج الوقت فلا يحتاج ايجاب القضاء إلى أمر جديد. وظاهر دليل الأمر بالموقت هو وحدة الأمر، فيحتاج إثبات تعدده على الوجه الثاني إلى قرينة خاصة.
ومنها: دلالة الأمر بالأمر بشيء، على الأمر بذلك الشيء مباشرة بمعنى ان الآمر إذا أمر زيداً بأن يأمر خالداً بشيء فهل يستفاد الأمر المباشر لخالد من ذلك أو لا؟ فعلى الأول لو ان خالداً اطّلع على ذلك قبل أن يأمره زيد لوجب عليه الإتيان بذلك الشيء، وعلى الثاني لا يكون ملزماً بشيء. ومثاله في الفقه أمر الشارع لولي الصبي بأن يأمر الصبي بالصلاة، فإن قيل بأن الأمر بالأمر بشيء أمر به كان أمر الشارع هذا أمراً للصبي ـ ولو على نحو الاستحباب ـ بالصلاة.
- النهي:
كما ان للأمر مادة وصيغة، كذلك الحال في النهي، فمادته نفس كلمة النهي وصغته من قبيل لا تكذب، والمادة تدل على الزجر بمفهومه الإسمي، والصيغة تدل على الزجر والإمساك بنحو المعنى الحرفي، وإن شئت عبِّر بالنسبة الزجرية والإمساكية.
وقد وقع الخلاف بين جملة من الأصوليين في أن مفاد النهي هل هو طلب الترك الذي هو مجرد أمر عدمي، أو طلب الكف عن الفعل الذي هو أمر وجودي. وقد يستدل للوجه الثاني، بأن الترك استمرار للعدم الأزلي الخارج عن القدرة فلا يمكن تعلق الطلب به. ويندفع هذا الدليل بأن بقاءه مقدور فيعقل التكليف به، ويندفع الوجه الثاني، بأن من حصل منه الترك بدون كف لا يعتبر عاصياً للنهي عرفاً. والصحيح أن كلا الوجهين باطل، لأن النهي ليس طلباً لا للترك ولا للكف، وإنما هو زجر بنحو المعنى الإسمي ـ كما في مادة النهي ـ أو بنحو المعنى الحرفي ـ كما في صيغة النهي ـ وهذا يعني ان متعلقه الفعل لا الترك.
ولا إشكال في دلالة النهي مادة وصيغة على كون الحكم بدرجة التحريم، ويثبت ذلك بالتبادر والفهم العرفي العام.
موقع البلاغ
* السيد محمد باقر الصدر
- الأمر:
الأمر تارة يستعمل بمادّته فيقال: (آمرك بالصلاة)، وأخرى بصيغته فيقال: (صلِّ).
أما مادة الأمر فلا شك في دلالتها بالوضع على الطلب، ولكن لا بنحو تكون مرادفة للفظ الطلب، لأن لفظ الطلب ينطبق بمفهومه على الطلب التكويني كطلب العطشان للماء والطلب التشريعي سواء صدر من العالي أو من غيره، بينما الأمر لا يصدق إلا على الطلب التشريعي من العالي، سواء كان مستعلياً أي متظاهراً بعلوه أو لا.
كما إن مادة الأمر لا ينحصر معناها لغة بالطلب، بل ذكرت لها معان أخرى كالشيء والحادثة والغرض، وعلى هذا الأساس تكون مشتركاً لفظياً وتعيين الطلب بحاجة إلى قرينة، ومتى دلت القرينة على ذلك يقع الكلام في أن المادة تدل على الطلب بنحو الوجوب أو تلائم مع الاستحباب؟ فقد يستدل على أنها تدل على الوجوب بوجوه:
منها: قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) النور/ 63، وتقريبه إن الأمر لو كان يشمل الطلب الاستحبابي لما وقع على اطلاقه موضوعاً للحذر من العقاب.
ومنها قوله (صلى الله عليه و سلم): (لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك).
وتقريبه أن الأمر لو كان يشمل الاستحباب لما كان الأمر مستلزماً للمشقة كما هو ظاهر الحديث. ومنها: التبادر فإن المفهوم عرفاً من كلام المولى حين يستعمل كلمة الأمر انه في مقام الإيجاب والإلزام والتبادر علامة الحقيقة.
وأما صيغة الأمر، فقد ذكرت لها عدة معان كالطلب والتمني والترجي والتهديد والتعجيز وغير ذلك، وهذا في الواقع خلط بين المدلول التصوري للصيغة، والمدلول التصديقي الجدِّي لها باعتبارها جملة تامة وتوضيحه ان الصيغة ـ أي هيئة فعل الأمر ـ لها مدلول تصوري ولابد أن تكون من سنخ المعنى الحرفي كما هو الشأن في سائر الهيئات والحروف، فلا يصح أن يكون مدلولها نفس الطلب بما هو مفهوم إسمي، ولا مفهوم الإرسال نحو المادة، بل نسبة طلبية أو إرسالية توازي مفهوم الطلب أو مفهوم الإرسال، كما توازي النسبة التي تدل عليها (إلى) مفهوم (الانتهاء)، والعلاقة بين مدلول الصيغة بوصفه معنى حرفياً ومفهوم الإرسال أو الطلب تشابه العلاقة بين مدلول (من) و(إلى) و(في) ومدلول (الابتداء) و(الانتهاء) و(الظرفية). فهي علاقة موازاة لا ترادف. ونقصد بالنسبة الطلبية أو الإرسالية الربط المخصوص الذي يحصل بالطلب أو بالإرسال بين المطلوب والمطلوب منه، أو بين المرسل والمرسل إليه، وهذا هو المدلول التصوري للصيغة الثابت بالوضع. وللصيغة باعتبارها جملة تامة مكونة من فعل وفاعل، إذ تكشف سياقاً عن أمر ثابت في نفس المتكلم هو الذي دعاه إلى استعمال الصيغة، وفي هذه المرحلة تتعدد الدواعي التي يمكن أن تدل عليها الصيغة بهذه الدلالة، فتارة يكون الداعي هو الطلب، وأخرى الترجي وثالثة التعجيز، وهكذا مع انحفاظ المدلول التصوري للصيغة في الجميع.
هذا كله على المسلك المختار المشهور القائل بأن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية. وأما بناء على مسلك التعهد القائل بأن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصديقية، وان المدلول الجدي للجملة التامة هو المعنى الموضوع له ابتداءً فلابد من الالتزام بتعدد المعنى في تلك الموارد لاختلاف المدلول الجدي.
ثم إن الظاهر من الصيغة أنا لمدلول التصديقي الجدي هو الطلب دون سائر الدواعي الأخرى، وذلك لأه إن قيل بأن المدلول التصوري هو النسبة الطلبية، فواضح أنا لطلب مصداق حقيقي للمدلول التصوري دون سائر الدواعي، فيكون أقرب إلى المدلول التصوري وظواهر كل كلام أن مدلوله التصديقي أقرب ما يكون للتطابق والمصداقية للمدلول التصوري، وأما إذا قيل بأن المدلول التصوري هو النسبة الإرسالية، فلأن المصداق الحقيقي لهذه النسبة إنما ينشأُ من الطلب لا من سائر الدواعي فيتعين داعي الطلب بظهور الكلام.
ولكن قد يتفق أحياناً أن يكون المدلول الجدي هو قصد الاخبار عن حكم شرعي آخر غير طلب المادة أو نشاء ذلك الحكم وجعله، كما في قوله: (اغسل ثوبك من البول) فإن المراد الجدي من إغسل ليس طلب الغسل، إذ قد يتنجس ثوب الشخص فيهمله ولا يغسله ولا إثم عليه، وإنما المراد بيان ان الثوب يتنجس بالبول. وهذا حكم وضعي وانه يطهر بالغسل، وهذا حكم وضعي آخر، وفي هذه الحالة تسمى الصيغة بالأمر الإرشادي لأنها إرشاد وإخبار عن ذلك الحكم.
وكما ان المعروف في دلالة مادة الأمر على الطلب أنها تدل على الطلب الوجوبي، كذلك الحال في صيغة الأمر بمعنى أنها تدل على النسبة الإرسالية الحاصلة من إرادة لزومية، وهذا هو الصحيح للتبادر بحسب الفهم العرفي العام.
وكثيراً ما يستعمل غير فعل الأمر من الأفعال في إفادة الطلب، إما بادخال لام الأمر عليه فيكون الاستعمال بلا عناية، وإما بدون إدخاله، كما إذا قيل يعيد ويغتسل، ويشتمل الاستعمال حينئذ على عناية، لأنا لجملة حينئذ خبرية بطبيعتها، وقد استعملت في مقام الطلب. وفي الأول يدل على الوجوب بنحو دلالة الصيغة عليه، وفي الثاني يوجد خلاف في الدلالة على الوجوب.
- دلالات أخرى للأمر:
عرفنا ان الأمر يدل على الطلب ويدل على ان الطلب على نحو الوجوب. وهناك دلالات أخرى محتملة وقع البحث عن ثبوتها له وعدمه.
منها: دلالته على نفي الحرمة بدلاً عن دلالته على الطلب والوجوب في حالة معينة، وهي ما إذا ورد عقيب التحريم أو في حالة يحتمل فيها ذلك.
والصحيح ان صيغة الأمر على مستوى المدلول التصوري لا تتغير دلالتها في هذه الحالة، بل تظل دالة على النسبة الطلبية، غير ان مدلولها التصديقي هنا يصبح مجملاً ومردداً بين الطلب الجدي وبين نفي التحريم، لأن ورود الأمر في إحدى الحالتين المذكورتين يوجب الإجمال من هذه الناحية.
ومنها: دلالة الأمر بالفعل الموقت بوقت محدد على وجوب القضاء خارج الوقت، على مَن لم يأت بالواجب في وقته. وتوضيح الحال في ذلك ان الأمر بالفعل الموقت تارة يكون أمراً واحداً بهذا الفعل المقيد فلا يقتضي إلا الإتيان به، فإن لم يأت به حتى انتهى الوقت فلا موجب من قبله للقضاء، بل يحتاج ايجاب القضاء إلى أمر جديد، وتارة أخرى يكون الأمر بالفعل الموقت أمرين مجتمعين في بيان واحد، أحدهما: أمر بذات الفعل على الاطلاق، والآخر أمر بإيقاعه في الوقت الخاص، فإن فات المكلف امتثال الأمر الثاني بقي عليه الأمر الأول، ويجب عليه أن يأتي بالفعل حينئذ ولو خرج الوقت فلا يحتاج ايجاب القضاء إلى أمر جديد. وظاهر دليل الأمر بالموقت هو وحدة الأمر، فيحتاج إثبات تعدده على الوجه الثاني إلى قرينة خاصة.
ومنها: دلالة الأمر بالأمر بشيء، على الأمر بذلك الشيء مباشرة بمعنى ان الآمر إذا أمر زيداً بأن يأمر خالداً بشيء فهل يستفاد الأمر المباشر لخالد من ذلك أو لا؟ فعلى الأول لو ان خالداً اطّلع على ذلك قبل أن يأمره زيد لوجب عليه الإتيان بذلك الشيء، وعلى الثاني لا يكون ملزماً بشيء. ومثاله في الفقه أمر الشارع لولي الصبي بأن يأمر الصبي بالصلاة، فإن قيل بأن الأمر بالأمر بشيء أمر به كان أمر الشارع هذا أمراً للصبي ـ ولو على نحو الاستحباب ـ بالصلاة.
- النهي:
كما ان للأمر مادة وصيغة، كذلك الحال في النهي، فمادته نفس كلمة النهي وصغته من قبيل لا تكذب، والمادة تدل على الزجر بمفهومه الإسمي، والصيغة تدل على الزجر والإمساك بنحو المعنى الحرفي، وإن شئت عبِّر بالنسبة الزجرية والإمساكية.
وقد وقع الخلاف بين جملة من الأصوليين في أن مفاد النهي هل هو طلب الترك الذي هو مجرد أمر عدمي، أو طلب الكف عن الفعل الذي هو أمر وجودي. وقد يستدل للوجه الثاني، بأن الترك استمرار للعدم الأزلي الخارج عن القدرة فلا يمكن تعلق الطلب به. ويندفع هذا الدليل بأن بقاءه مقدور فيعقل التكليف به، ويندفع الوجه الثاني، بأن من حصل منه الترك بدون كف لا يعتبر عاصياً للنهي عرفاً. والصحيح أن كلا الوجهين باطل، لأن النهي ليس طلباً لا للترك ولا للكف، وإنما هو زجر بنحو المعنى الإسمي ـ كما في مادة النهي ـ أو بنحو المعنى الحرفي ـ كما في صيغة النهي ـ وهذا يعني ان متعلقه الفعل لا الترك.
ولا إشكال في دلالة النهي مادة وصيغة على كون الحكم بدرجة التحريم، ويثبت ذلك بالتبادر والفهم العرفي العام.
موقع البلاغ