بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.
يا أيهاالذين آمنو اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون.
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم.
و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما .
.........
نصيحة عامة للمسلمين من طلبة العلم و غيرهم.
الحمد لله رب العالمين ،و العاقبة للمتقين،و الصلاة و السلام على عبده و رسوله و صفوته من خلقه و أمينه على وحيه نبينا و إمامنا محمد،و على آله و صحبه و من سلك سبيله و اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد فإن النصيحة أمرها عظيم و شأنها كبير في إصلاح شؤون المسلمين،و إرشادهم إلى أقوم سبيل كما دلت على ذلك نصوص الكتاب و السنة قال الله عز و جل : وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[1] فالتواصي بالحق،و الصبر على ذلك من أعظم أبواب النصح الصادق الأمين،و ضد ذلك لا يأتي إلا بالخسران،فالذين لا يتواصون بالحق ،و لا بالصبر عليه خاسرون لا محالة،لأنهم تركوا واجب التناصح.
و قال رسول الإسلام صلى الله عليه و سلم : ((الدين النصيحة)) قيل لمن يا رسول الله؟ قال((لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم)) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.فالرسول عليه الصلاة و السلام جعل الدين كله النصيحة،و هذا حديث عظيم جامع للخير كله.
و من المعلوم أن أنبياء الله و رسله عليهم صلوات الله و سلامه هم أنصح الناس للناس،و أقومهم بواجب النصح و الدعوة و التواصي بالحق و الصبر عليه.فهذا نوح صلى الله عليه و سلم يقول لقومه : أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَ أَنْصَحُ لَكُمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.[2] و هذا هود صلى الله عليه و سلم يقول لقومه : أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَ أَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ.[3]
و هذا صالح صلى الله عليه و سلم يقول لقومه : يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ.[4]
فأمر النصح عظيم جدا و أولى الناس بالتناصح و التواصي بالحق بعد الأنبياء هم العلماء و طلبة العلم.فمن توفيق الله للعبد أن يسلك سبيل الأنبياء و المؤمنين الناصحين المتناصحين،و قد رأيت توجيه هذه النصيحة لإخواني من العلماء و طلبة العلم و سائر المؤمنين.
قياما بواجب النصح و التعاون على البر و التقوى كما قال سبحانه : وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.[5]
و أول ما أنصح به أن نتواصى بتقوى الله تعالى كما قال عز و جل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.[6]
و قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.[7]
و قال تعالى : وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ.[8] و أن نتواصى بإخلاص العبادة لله وحده عملا بقول الله عز و جل : فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَ لا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[9].
و يقول الرسول عليه الصلاة و السلام : ((إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
و أنصح إخواني العلماء و طلبة العلم و كل مسلم في كل مكان بأن يتذكروا دائما أن أهم شيء يدعى إليه و يلتزم به و يسار عليه هو توحيد الله سبحانه و إخلاص العبادة له سبحانه،و الإيمان به و برسله،و دعوة الناس إلى عبادته و طاعته و ترك نواهيه و الاستقامة على ذلك و تحبيبه إليهم عز و جل،و دعوتهم إلى التوبة و بيان أن ذلك هو عين سعادتهم في الدنيا و الآخرة.
و أنصح لهم بأن يتذكروا ما نحن فيه من نعم عظيمة و منن كثيرة توجب الشكر لله آناء الليل و آناء النهار،و أعظمها نعمة الإسلام و الأمن فإن الله ندب المؤمنين جميعا إلى أن يتذكروا هذه النعم و المنن فقال سبحانه : أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ.[10]
أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا.[11] و قال عز وجل : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.[12] و قال جل و علا : وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ.[13] و قال تعالى : وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.[14]
و قال تعالى : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ.[15]
و قال سبحانه : وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.[16] و قال تعالى : اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.[17]
و أنصح أيضا إخواني العلماء و طلبة العلم و جميع المسلمين بتعظيم وحدة الجماعة و المحافظة عليها أشد المحافظة و الحذر من أسباب الفرقة و الاختلاف و أذكرهم في هذا المقام بقول الله عز و جل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَ كُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.[18].
و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و أن تعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا و أن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) و من المعلوم لدى أهل العلم أن تأليف القلوب على الحق من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز و جل فالواجب السعي في ذلك و الحرص عليه بكل إخلاص و صدق،و أنصح إخواني جميعا بالتثبت فيما يشيعه الناس عن العلماء أو غيرهم،لأن كثيرا من الناس يشيعون عن العلماء و طلبة العلم أشياء كثيرة لا أصل لها،فإذا لم يتثبت المؤمن في الأمور التي يتحدث فيها أوقع الناس في الغلط و هذا ليس من النصح في الدين،و قد أنكر الله سبحانه على من لم يتثبت في الأخبار و لم يردها إلى أهلها بقوله سبحانه :وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلًا.[19] و قوله سبحانه:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.[20]
و قال صلى الله عليه و سلم : ((من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) متفق عليه،و قال صلى الله عليه و سلم : ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
و الإنسان مسؤول عن كل قول و عمل كما قال عز و جل : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.[21] و قال سبحانه : فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[22] فاحذر أيها المؤمن أن يستزلك الشيطان و يغريك بعدم التثبت في الأمور و الأخبار فتقع فيما لا تحمد عقباه،و تندم حين لا ينفع الندم،و اعلم يا أخي أن الشيطان يحرص على إيقاع الفتن و الشحناء بين المؤمنين، و على إشغال المؤمن بكل ما ينقص من حسناته إن لم يستطع إيقاعه في البدعة و المعصية كما قال الله سبحانه : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ.[23] و هناك أمر عظيم يستوجب النصح و التنبيه و هو الأسلوب الطيب الحسن في الدعوة إلى الله سبحانه و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و النصيحة،فعلى العلماء و طلبة العلم و كل مؤمن و مؤمنة أن يستعملوا الأسلوب الحسن في جميع ذلك،فإن شأن الأمر و النهي و النصيحة عظيم جدا و لا يجوز الإساءة إليه بأسلوب غير حسن،و لذلك أرشد الله عباده إلى الأسلوب الحسن في الدعوة فقال عز و جل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.[24]
و قال سبحانه : وَ لا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.[25] الآية.
و قال سبحانه : وَ قُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا.[26] و قال تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.[27] الآية،و الآيات في هذا المعنى كثيرة.
و الخلاصة أن الأسلوب الحسن في الدعوة و النصح و الأمر و النهي من أسباب القبول و عدم النفرة ،و ضد ذلك الأسلوب السيئ الذي يسبب النفرة.
و لذا نبه الله تعالى المؤمنين على ذلك في الآيات السابقة و غيرها،فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه أن يتثبتوا في الأمر،و أن يتبصروا أولا حتى يتيقنوا أن هذا الأمر معروف أو منكر،و على القائمين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن يتحروا في ذلك الدليل الشرعي حتى يكون إنكارهم على بصيرة لقول الله عز و جل : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.[28] مع نصيحتي لهم أيضا بأن يكون الإنكار بالرفق و الكلام الطيب و الأسلوب الحسن حتى يقبل منهم لقول الله عز و جل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.[29] و قوله عز و جل : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.[30] و قول النبي صلى الله عليه و سلم : ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) و الأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة.
و كذلك أوصي طلبة العلم و جميع المؤمنين بالحذر الشديد من كيد الأعداء و شبهاتهم و افتراءاتهم، و قد أرشدنا كتاب الله عز و جل إلى الحذر من افتراءاتهم و تآمرهم بقوله جل و علا : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.[31] و بقوله سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ.[32] الآية ،و كتاب الله تعالى يبين لنا أن العدو الكاشح يحزن إذا رآنا في نعمة و خير و دين و يفرح إذا أصابتنا مصيبة.
و قال تعالى : إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.[33] فأوصى إخواني العلماء و طلبة العلم و سائر المؤمنين بأن يتذكروا هذا الكيد،و أن يعملوا بموجب هذه الذكرى حتى يسدوا كل الذرائع التي يتذرع بها العدو لأجل الكيد لنا و تمزيق شملنا.
كذلك أنصح لطلبة العلم بالنظرة السليمة إلى الأمور و الأحوال العامة،فإن الخير و الصلاح في بلادنا كثير و نحمد الله تعالى على ذلك و ندعوه جل و علا أن يزيدنا من فضله و كرمه و أن يوفقنا و ولاة أمرنا لكل ما يرضيه و ينفع عباده،و يجب أن نعرف هذا الخير و الصلاح؛لأن ذلك من أسباب شكر الله على نعمه و طلب المزيد من فضله،ثم بعد ذلك ننظر في الأخطاء لنعالجها بالقرآن الكريم و حكمته و هديه و إرشاده كما قال تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.[34] و هكذا سيرة النبي صلى الله عليه و سلم في دعوته و إبلاغه الناس فيها الخير العظيم و الدلالة على الطريق القويم و الأسلوب المفيد في الدعوة و التوجيه،كما سبق بيان ذلك.
و من أعظم وسائل النصح و القضاء على أسباب الشر التعاون مع ولاة الأمر في الحق و إصلاح الأوضاع،زادهم الله من التوفيق و الهداية إلى أحسن طريق،و أصلح بهم العباد و البلاد،و جعل التوفيق للحق حليفهم في الأقوال و الأعمال إنه جواد كريم،و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه و أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
...........
[1] - سورة العصر كاملة .
[2] - سورة الأعراف الآية 62.
[3] - سورة الأعراف الآية 68.
[4] - سورة الأعراف الآية 79.
[5] - سورة المائدة الآية 2.
[6] - سورة التوبة الآية 119.
[7] - سورة الأحزاب الآيتان 70 – 71.
[8] - سورة النساء الآية 131.
[9] - سورة الكهف الآية 110.
[10] - سورة العنكبوت الآية 67.
[11] - سورة القصص الآية 57.
[12] - سورة قريش الآيتان 3 – 4.
[13] - سورة الأعراف الآية 86.
[14] - سورة الأنفال الآية 26.
[15] - سورة البقرة الآية 152.
[16] - سورة إبراهيم الآية 7.
[17] - سورة سبأ الآية 13.
[18] - سورة آل عمران الآيتان 102 – 103.
[19] - سورة النساء الآية 83.
[20] - سورة الحجرات الآية 6.
[21] - سورة ق الآية 18.
[22] - سورة الحجر الآيتان 92 – 93.
[23] - سورة فاطر الآية 6.
[24] - سورة النحل الآية 125.
[25] - سورة العنكبوت الآية 46.
[26] - سورة الإسراء الآية 53.
[27] - سورة آل عمران الآية 159.
[28] - سورة يوسف الآية 108.
[29] - سورة النحل الآية 125.
[30] - سورة آل عمران الآية 159.
[31] - سورة آل عمران الآية 186.
[32] - سورة النساء الآية 71.
[33] - سورة آل عمران الآية 120.
[34] - سورة الإسراء الآية 9.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى.
الموقع الرئيسي للشيخ
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.
يا أيهاالذين آمنو اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون.
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم.
و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما .
.........
نصيحة عامة للمسلمين من طلبة العلم و غيرهم.
الحمد لله رب العالمين ،و العاقبة للمتقين،و الصلاة و السلام على عبده و رسوله و صفوته من خلقه و أمينه على وحيه نبينا و إمامنا محمد،و على آله و صحبه و من سلك سبيله و اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد فإن النصيحة أمرها عظيم و شأنها كبير في إصلاح شؤون المسلمين،و إرشادهم إلى أقوم سبيل كما دلت على ذلك نصوص الكتاب و السنة قال الله عز و جل : وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[1] فالتواصي بالحق،و الصبر على ذلك من أعظم أبواب النصح الصادق الأمين،و ضد ذلك لا يأتي إلا بالخسران،فالذين لا يتواصون بالحق ،و لا بالصبر عليه خاسرون لا محالة،لأنهم تركوا واجب التناصح.
و قال رسول الإسلام صلى الله عليه و سلم : ((الدين النصيحة)) قيل لمن يا رسول الله؟ قال((لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم)) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.فالرسول عليه الصلاة و السلام جعل الدين كله النصيحة،و هذا حديث عظيم جامع للخير كله.
و من المعلوم أن أنبياء الله و رسله عليهم صلوات الله و سلامه هم أنصح الناس للناس،و أقومهم بواجب النصح و الدعوة و التواصي بالحق و الصبر عليه.فهذا نوح صلى الله عليه و سلم يقول لقومه : أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَ أَنْصَحُ لَكُمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.[2] و هذا هود صلى الله عليه و سلم يقول لقومه : أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَ أَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ.[3]
و هذا صالح صلى الله عليه و سلم يقول لقومه : يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ.[4]
فأمر النصح عظيم جدا و أولى الناس بالتناصح و التواصي بالحق بعد الأنبياء هم العلماء و طلبة العلم.فمن توفيق الله للعبد أن يسلك سبيل الأنبياء و المؤمنين الناصحين المتناصحين،و قد رأيت توجيه هذه النصيحة لإخواني من العلماء و طلبة العلم و سائر المؤمنين.
قياما بواجب النصح و التعاون على البر و التقوى كما قال سبحانه : وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.[5]
و أول ما أنصح به أن نتواصى بتقوى الله تعالى كما قال عز و جل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.[6]
و قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.[7]
و قال تعالى : وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ.[8] و أن نتواصى بإخلاص العبادة لله وحده عملا بقول الله عز و جل : فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَ لا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[9].
و يقول الرسول عليه الصلاة و السلام : ((إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
و أنصح إخواني العلماء و طلبة العلم و كل مسلم في كل مكان بأن يتذكروا دائما أن أهم شيء يدعى إليه و يلتزم به و يسار عليه هو توحيد الله سبحانه و إخلاص العبادة له سبحانه،و الإيمان به و برسله،و دعوة الناس إلى عبادته و طاعته و ترك نواهيه و الاستقامة على ذلك و تحبيبه إليهم عز و جل،و دعوتهم إلى التوبة و بيان أن ذلك هو عين سعادتهم في الدنيا و الآخرة.
و أنصح لهم بأن يتذكروا ما نحن فيه من نعم عظيمة و منن كثيرة توجب الشكر لله آناء الليل و آناء النهار،و أعظمها نعمة الإسلام و الأمن فإن الله ندب المؤمنين جميعا إلى أن يتذكروا هذه النعم و المنن فقال سبحانه : أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ.[10]
أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا.[11] و قال عز وجل : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.[12] و قال جل و علا : وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ.[13] و قال تعالى : وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.[14]
و قال تعالى : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ.[15]
و قال سبحانه : وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.[16] و قال تعالى : اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.[17]
و أنصح أيضا إخواني العلماء و طلبة العلم و جميع المسلمين بتعظيم وحدة الجماعة و المحافظة عليها أشد المحافظة و الحذر من أسباب الفرقة و الاختلاف و أذكرهم في هذا المقام بقول الله عز و جل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَ كُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.[18].
و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و أن تعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا و أن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) و من المعلوم لدى أهل العلم أن تأليف القلوب على الحق من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز و جل فالواجب السعي في ذلك و الحرص عليه بكل إخلاص و صدق،و أنصح إخواني جميعا بالتثبت فيما يشيعه الناس عن العلماء أو غيرهم،لأن كثيرا من الناس يشيعون عن العلماء و طلبة العلم أشياء كثيرة لا أصل لها،فإذا لم يتثبت المؤمن في الأمور التي يتحدث فيها أوقع الناس في الغلط و هذا ليس من النصح في الدين،و قد أنكر الله سبحانه على من لم يتثبت في الأخبار و لم يردها إلى أهلها بقوله سبحانه :وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلًا.[19] و قوله سبحانه:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.[20]
و قال صلى الله عليه و سلم : ((من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) متفق عليه،و قال صلى الله عليه و سلم : ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
و الإنسان مسؤول عن كل قول و عمل كما قال عز و جل : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.[21] و قال سبحانه : فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[22] فاحذر أيها المؤمن أن يستزلك الشيطان و يغريك بعدم التثبت في الأمور و الأخبار فتقع فيما لا تحمد عقباه،و تندم حين لا ينفع الندم،و اعلم يا أخي أن الشيطان يحرص على إيقاع الفتن و الشحناء بين المؤمنين، و على إشغال المؤمن بكل ما ينقص من حسناته إن لم يستطع إيقاعه في البدعة و المعصية كما قال الله سبحانه : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ.[23] و هناك أمر عظيم يستوجب النصح و التنبيه و هو الأسلوب الطيب الحسن في الدعوة إلى الله سبحانه و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و النصيحة،فعلى العلماء و طلبة العلم و كل مؤمن و مؤمنة أن يستعملوا الأسلوب الحسن في جميع ذلك،فإن شأن الأمر و النهي و النصيحة عظيم جدا و لا يجوز الإساءة إليه بأسلوب غير حسن،و لذلك أرشد الله عباده إلى الأسلوب الحسن في الدعوة فقال عز و جل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.[24]
و قال سبحانه : وَ لا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.[25] الآية.
و قال سبحانه : وَ قُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا.[26] و قال تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.[27] الآية،و الآيات في هذا المعنى كثيرة.
و الخلاصة أن الأسلوب الحسن في الدعوة و النصح و الأمر و النهي من أسباب القبول و عدم النفرة ،و ضد ذلك الأسلوب السيئ الذي يسبب النفرة.
و لذا نبه الله تعالى المؤمنين على ذلك في الآيات السابقة و غيرها،فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه أن يتثبتوا في الأمر،و أن يتبصروا أولا حتى يتيقنوا أن هذا الأمر معروف أو منكر،و على القائمين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن يتحروا في ذلك الدليل الشرعي حتى يكون إنكارهم على بصيرة لقول الله عز و جل : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.[28] مع نصيحتي لهم أيضا بأن يكون الإنكار بالرفق و الكلام الطيب و الأسلوب الحسن حتى يقبل منهم لقول الله عز و جل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.[29] و قوله عز و جل : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.[30] و قول النبي صلى الله عليه و سلم : ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) و الأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة.
و كذلك أوصي طلبة العلم و جميع المؤمنين بالحذر الشديد من كيد الأعداء و شبهاتهم و افتراءاتهم، و قد أرشدنا كتاب الله عز و جل إلى الحذر من افتراءاتهم و تآمرهم بقوله جل و علا : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.[31] و بقوله سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ.[32] الآية ،و كتاب الله تعالى يبين لنا أن العدو الكاشح يحزن إذا رآنا في نعمة و خير و دين و يفرح إذا أصابتنا مصيبة.
و قال تعالى : إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.[33] فأوصى إخواني العلماء و طلبة العلم و سائر المؤمنين بأن يتذكروا هذا الكيد،و أن يعملوا بموجب هذه الذكرى حتى يسدوا كل الذرائع التي يتذرع بها العدو لأجل الكيد لنا و تمزيق شملنا.
كذلك أنصح لطلبة العلم بالنظرة السليمة إلى الأمور و الأحوال العامة،فإن الخير و الصلاح في بلادنا كثير و نحمد الله تعالى على ذلك و ندعوه جل و علا أن يزيدنا من فضله و كرمه و أن يوفقنا و ولاة أمرنا لكل ما يرضيه و ينفع عباده،و يجب أن نعرف هذا الخير و الصلاح؛لأن ذلك من أسباب شكر الله على نعمه و طلب المزيد من فضله،ثم بعد ذلك ننظر في الأخطاء لنعالجها بالقرآن الكريم و حكمته و هديه و إرشاده كما قال تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.[34] و هكذا سيرة النبي صلى الله عليه و سلم في دعوته و إبلاغه الناس فيها الخير العظيم و الدلالة على الطريق القويم و الأسلوب المفيد في الدعوة و التوجيه،كما سبق بيان ذلك.
و من أعظم وسائل النصح و القضاء على أسباب الشر التعاون مع ولاة الأمر في الحق و إصلاح الأوضاع،زادهم الله من التوفيق و الهداية إلى أحسن طريق،و أصلح بهم العباد و البلاد،و جعل التوفيق للحق حليفهم في الأقوال و الأعمال إنه جواد كريم،و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه و أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
...........
[1] - سورة العصر كاملة .
[2] - سورة الأعراف الآية 62.
[3] - سورة الأعراف الآية 68.
[4] - سورة الأعراف الآية 79.
[5] - سورة المائدة الآية 2.
[6] - سورة التوبة الآية 119.
[7] - سورة الأحزاب الآيتان 70 – 71.
[8] - سورة النساء الآية 131.
[9] - سورة الكهف الآية 110.
[10] - سورة العنكبوت الآية 67.
[11] - سورة القصص الآية 57.
[12] - سورة قريش الآيتان 3 – 4.
[13] - سورة الأعراف الآية 86.
[14] - سورة الأنفال الآية 26.
[15] - سورة البقرة الآية 152.
[16] - سورة إبراهيم الآية 7.
[17] - سورة سبأ الآية 13.
[18] - سورة آل عمران الآيتان 102 – 103.
[19] - سورة النساء الآية 83.
[20] - سورة الحجرات الآية 6.
[21] - سورة ق الآية 18.
[22] - سورة الحجر الآيتان 92 – 93.
[23] - سورة فاطر الآية 6.
[24] - سورة النحل الآية 125.
[25] - سورة العنكبوت الآية 46.
[26] - سورة الإسراء الآية 53.
[27] - سورة آل عمران الآية 159.
[28] - سورة يوسف الآية 108.
[29] - سورة النحل الآية 125.
[30] - سورة آل عمران الآية 159.
[31] - سورة آل عمران الآية 186.
[32] - سورة النساء الآية 71.
[33] - سورة آل عمران الآية 120.
[34] - سورة الإسراء الآية 9.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى.
الموقع الرئيسي للشيخ
عدل سابقا من قبل In The Zone في الجمعة يونيو 01, 2012 12:16 am عدل 1 مرات