الـ"برستيج" ضرورة أم عقدة نفسية؟!
* تحقيق: سهى هشام الصوفي
إلى أي حد نورط أنفسنا ونحن نسعى وراء المظاهر أو الـ"برستيج"، الذي يبدو وكأنه بات جزءاً أساسياً ومحورياً في حياة الكثيرين منا؟
وهل يجوز أن يغلب حب المظاهر على شخصيتنا، بدلاً من الاهتمام بالأمور الجوهرية؟
من الذي يجب أن ندينه في مسألة الـ"برستيج" والتورط فيه؟ هل ندين المجتمع الذي يصنف الناس على أساس مظهرهم، أم العقد النفسية التي نحملها، والتي تدفعنا إلى التمسك بحبال الـ"برستيج" لمجرد أن نقول: "نحن هنا"؟.
شهادات تسلط الضوء، في هذا التحقيق.
- هوس:
على الرغم مما سببه لها من مشكلات مادية قادت زوجها ذات يوم إلى رمي اليمين عليها، لا تخفي مروى هوسها بالـ"برستيج". وإذ تتحدث عن ذلك الهوس، فتقول: "أعترف بأنني ضعيفة أمام المظاهر، التي أعتبرها مفتاح خروجي من العالم الضيق الذي رماني فيه زوجي". تضيف: "كنت أحلم بحياة مترفة تعوضني الحرمان الذي عشته في بيت أبي، لكن الارتباط بموظف جعلني بشكل أو بآخر مهووسة بكل ما يعوضني عن الحياة العادية التي أعيشها". لا تخفي مرور أنها تستغل حب زوجها الكبير لها، فتدفعه إلى إعطاء دروس خصوصية من أجل أن يؤمن المال الذي تشتري به ملابسها وعطورها وأحذيتها. تتابع: "عايشت الطبقة المخملية في المجتمع حتى لا يقال عني زوجة رجل عادي، وتراني أتبارى معهم في مسألة المظاهر، فإذا قدموا لي قطعة حلوى، أمد لهم سفرة عامرة بالسمك واللحوم والحلويات التي تكلفني الكثير".
مروى، التي تعيش في بيت متوسط الحجم، حرمت ابنتها، التي تبلغ الرابعة عشرة، من أن تكون لها غرفة خاصة بها، لأنها وسعت مساحة الصالون من أجل ضيوفها، تاركة ابنتها تنام في غرفة إخوتها، على الرغم من حاجتها الماسة إلى الخصوصية. ماذا بعد؟ سؤال لم تجد له مروى جواباً، فالـ"برستيج" على حد قولها "إدمان وأسلوب حياة نتورط فيه مع مروى الأيام". لذلك، هي لا تعرف الشفاء منه حتى لو أرادت، فمن المستحيل أن تنسحب من حياة العز مع صاحباتها بحجة ضيق الحال.
- خيار شخصي:
الـ"برستيج" في حياة أمجد (محامٍ)، "يشبه ربطة العنق"، التي لا يخرج من دونها، بحسب ما يقول، فعلاقته بالماركات والمظهر العام، علاقة خاصة بدأت منذ أن وقع عقد عمله في شركة محاماة مشهورة. يتحدث أمجد عن هذه العلاقة، فيقول: "لطالما كنت أحلم بـ(برستيج) يمنحني وضعاً اجتماعياً يتناسب مع درجتي العلمية في الجامعة، لكنني كنت كمن يرقع في ملابسه، فتارة أستعير ملابس من أبناء عمي، وتارة أشتري برواتب الإجازة الصيفية بعض لوازم الجامعة، إلى أن قدر لي أن أعمل في شركة عوضتني عن كل الحرمان الذي عشته". يصف أمجد نفسه بأنه "مهووس بالـ(برستيج)". ويقول في هذا السياق: "أنفق آلاف الدراهم على ملابسي بشكل شهري، وبكل طيب خاطر، فمظهر المحامي يساوي جدارته، لهذا فأنا مفتون بالبدلات، وربطات العنق، والأحذية والعطور". مشيراً إلى أن حبه للـ"برستيج" لم يقف عند حبه لمظهره الخارجي، بل تعداه إلى خياراته الشخصية، كمسألة زواجه التي دخل الـ"برستيج" في حساباتها، فكان أن تزوج ابنة أحد موكليه الأثرياء، محققاً بذلك "أرقى شكل" من أشكال الـ"برستيج" من وجهة نظره.
- عبء نفسي:
لكن، لماذا يحتل الـ"برستيج" مساحة لا يستهان بها في حياتنا؟ وإلى أي حد قد نورط أنفسنا في سبيل الحفاظ على مظهرنا الاجتماعي؟ تصف خديجة إميم (موظفة مبيعات) الـ"برستيج" بأنه "بمثابة العبء النفسي الذي يحملنا فوق طاقتنا". مؤكدة أن الناس الذين يهتمون بمظهرهم الاجتماعي ليسوا فقط أصحاب الثروات، ما يجعل صاحب الدخل المحدود متورطاً في مشكلة الحفاظ على "برستيجه" حتى لا يشعر بالدونية. الـ"برستيج"، الذي تعتبره خديجة "مشكلة عصرية"، يدفع الكثير من الناس، حسب رأيها، "إلى الاستدانة من البنوك ليدفعوا ثمن المظهر الذي ينشدونه، فيورطون أنفسهم في مشكلات مادية، ويتحملون فوق طاقتهم للحفاظ على صورة جميلة في عيون الناس".
مشيرة إلى أن مسايرة المجتمع هي الغاية من الحفاظ على الـ"برستيج"، فالمثل الجديد يقول: "قل لي ماذا تلبس أقل لك من أنت".
وفي سياق الحديث عن الصورة الاجتماعية، تؤكد خديجة أنها من الحريصات على الظهور بـ"برستيج" معين، حتى لو كلفها ذلك اللجوء إلى بعض الحيل، معترفة بأنها تعمد إلى شراء المنتجات غير الأصلية لتنال بعضاً من مظاهر الـ"برستيج" الرفيعة، كأن تشتري حقيبة من ماركة غالية الثمن، أو ساعة "رولكس" مقلدة تضعها في يدها لتضفي على أناقتها مظهراً مميزاً، على الرغم من أن ثمنها لا يساوي أكثرمن مئة درهم.
هل تمنحك الأشياء المزيقة شعوراً بالرضا؟ تجيب: "كل ما يهمني هو الـ(برستيج) الذي تحققه لي تلك الأشياء، فالناس لا يعرفون ثمن ما أتباهى به وهذا هو المطلوب".
- شكليات:
شراء الناس البضائع المقلدة لمجرد الحصول على "برستيج"، ليس موضع إدانة بالنسبة إلى غادة محمد (موظفة)، وذلك بسبب إيمانها بأن "المظهر الاجتماعي المميز يمنح صاحبه جواز سفر بين الناس"، بحسب ما تقول، لافتة إلى أن "معايير التقييم أصبحت مرتبطة باللباس، والحذاء، والحقيبة، وساعة اليد، ولهذا يلقى صاحب المظهر البراق كل ترحيب في المجتمع الذي يدخله حتى لو كان عقله فارغاً". تضيف: "الناس يحكمون على بعضهم من خلال المظهر. ولو امتلك رجل ما عقل أينشتاين وكانت ملابسه دون المستوى، فلن يكون في نظر المجتمع أكثر من مجرد رجل عادي".
غادة، التي تنتقد المجتمع على تصنيفه الشكلي، تؤكد أن "إحساس الإنسان بالنبذ الاجتماعي، يقف وراء اضطراره إلى تغيير جلده في بعض الأحيان حتى ينال شهادة الرضا من المحيطين به". تقول: "لهذا يعتمد البعض على استعارة ملابس أصحابهم أو متعلقاتهم الشخصية ليظهروا بالشكل المطلوب".
وإلى أي حد تجدين نفسك متورطة في مسألة الـ"برستيج"؟ تجيب: "من يريد العيش تحت أضواء المجتمع عليه أن يكون صاحب (برستيج)، وإلاّ فليعش على الهامش ولا أحد يبالي به".
- ضحية المظاهر:
من ناحيتها، لا تربط رضا شحادة (موظفة) الـ"برستيج" بشريحة معينة من الناس، تقول: "الغني يتباهى بسيارته وشقته الفاخرة وممتلكاته، والفقير كما يقول المثل: (يتدين حتى يتزين) وبذلك يتحول المجتمع بأسره إلى ضحية للمظاهر، التي باتت بمثابة مرض العصر"، مشيرة إلى أن "المرء قد يكتفي بأكل الزيت والزعتر ليوفر ثمن بعض الأشياء التي تمنحه (برستيج) خاصاً".
رضا، التي تؤكد أن كلامها ليس مزاحاً أو دعابة، تستشهد بنماذج من الناس مصابة بداء المظاهر، فتقول: "بعض النساء يسعين من باب التباهي إلى جذب عيون صديقاتهن إلى مقتنياتهن، فيرتدين ساعات يد غالية الثمن على سبيل المثال، كما أننا نرى بعض الرجال يضعون هاتفهم الخلوي غالي الثمن وعلاقة المفاتيح الذهبية والنظارات الشمسية التي تحمل اسم ماركة عالمية بشكل لافت على الطاولة في المقهى أو المطعم لمجرد لفت الانتباه". لافتة إلى أن "التظاهر بالثقافة والمعرفة أصبح شكلاً من أشكال الـ(برستيج) الاجتماعي الذي يميل إليه الفارغون من الناس، فيحفظون أسماء بعض الكتاب والكتب ليرددوها علانية من أجل كسب لقب مثقف".
وتختم رضا حديثها بالإشارة إلى أن "اللهاث وراء الـ(برستيج) يدفع بعض الناس إلى الكذب، والتحايل، والتلون، والادعاء، لأن الصورة من دون رتوش أو تجميل، لن تفي بغرض التباهي الاجتماعي المنشود".
- واجهة اجتماعية:
هل المرأة أكثر حباً للمظاهر من الرجل؟ تقول ماريا أبو حجلة (جامعية) إن المظاهر "تشكل بالنسبة إلى المرأة واجهة تطل بها على الناس، في حين يعتمد الرجل على مكانته الاجتماعية أو منصبه الوظيفي في تقديم نفسه، حتى لو كان مظهره متواضعاً".
تشير إلى أن "برستيج" المرأة يتمثل في هندامها وماكياجها وشعرها وحتى أظفارها، أما "برستيج" الرجل، فأساسه السلطة التي يتمتع بها، سواء أكانت مادية أم مهنية، وهذا ما يجعل المرأة تبدو أكثر حرصاً على القشور التي تصنع ما يسمى "برستيج".
ماريا، التي توفر بعض المال من مصروفها لتستخدمه في الإنفاق على "برستيجها"، تؤكد أنها لم تصل إلى مرحلة الهوس التي وصلت إليها الكثيرات من بنات جيلها. تتابع قائلة إن "برستيج" الفتاة التي تأتي إلى الجامعتة بسيارتها، على سبيل المثال، "يمنحها مكانة مميزة بين الطلبة، بعكس الفتاة المتفوقة التي تمشي في الظل إذا كان مظهرها العام لا يتناسب مع مظهر الفتاة العصرية".
- ثقة بالنفس:
لا تكتفي ريم عمار (جامعية) بربط الـ"برستيج" بالمظهر، بل تربطه بالحالة النفسية التي تقول إنها "تحدد شدة تعلق المرء بالمظاهر وحرصه عليها". مفسرة وجهة نظرها بالإشارة إلى أنه "كلما كانت ثقة المرء بنفسه ضعيفة، شدد على مسألة مظهره الخارجي، فالداخل الفارغ يحرض صاحبه على ملء هذا الفراغ حتى لا يفتضح أمره من قبل الناس". تتابع: "أكثر الناس حباً للمظاهر، هم الأقل ثقة بأنفسهم، لهذا يبالغون في اقتناء الأشياء الغالية حتى يخفوا نواقصهم وعيوبهم".
- تميز اجتماعي:
إلى ذلك، يبدو أن الرجال ليسوا أقل تعلقاً بالـ"برستيج" من النساء، فها هو أحمد فوزي (موظف مبيعات)، يؤكد أن "الصورة اللائقة تمنح الرجل أسهماً مرتفعة، سواء في حياته العملية أم الاجتماعية أم حتى العاطفية، فهي التي تضفي على شخصه ملامح القبول وعلامات الجاذبية، لكونه يحمل في مظهره (برستيج) مميزاً". وإذ يمضي أحمد في تفسير وجهة نظره، يقول: "لقد أصبحت ربطة العنق وماركة البدلة من شروط القبول الوظيفي في المقابلة الأولى. وكذلك أحاطت أضواء الثروة صاحبها بهالة وبريق، يمنحانه شرفاً لا يملكه إلاّ الأغنياء. في النهاية، لا يشك اثنان في فوز صاحب الـ(برستيج) بقلوب النساء حتى لو كان لا يفك الخط".
أحمد، الذي يؤمن بقدرة الـ"برستيج" على امتلاك الآخر، يلفت إلى أن "تكلفة البرستيج ليست بالقليلة، فحتى يحقق الرجل عنصر التميز والإبهار الاجتماعي، عليه أن يرتدي ماركة معينة، وحتى يصدقه الناس، عليهم أن يشعروا بهيبته وتميزه، وإلاّ فلن يحظى بإعجابهم المستمر وبولائهم الكامل لشكله وطلته قبل أن يكون لجوهره".
- المرأة أكثر:
من ناحيته، يجد خليل إبراهيم أن الغاية من الـ"برستيج" "ليست اجتماعية بل شخصية"، معتبراً أن "إرضاء الذات يحتل المرتبة الأولى في مسألة الـ"برستيج".
يتابع: "إن كان لابد من تحويل الـ(برستيج) إلى هوس اجتماعي، فعلينا أن نحدد من المعني بهذا الهوس".
لافتاً إلى أن المرأة "تتفوق على الرجل في تعلقها بالمظاهر التي تحيطها بـ(برستيج) خاص". يستحضر ما تفعله النساء المهووسات بالـ"برستيج"، فيقول: "من الصعب أن يتباهى الرجل بأقساط أبنائه المدرسية غالية التكلفة، كما تفعل المرأة في جلساتها اليومية، ومن المستهجن أن يتبارى الرجال في تغيير أثاث منازلهم. ومن المستحيل أن يضطر رجل إلى إحضار ملابسه من الخزانة لعرضها على أصحابه من باب الاستعراض والمباهاة كما تفعل أغلبية النساء"، لافتاً إلى أن الـ"برستيج" هو لعبة المرأة في ملعب لا يدخله إلاّ النساء. وماذا عن الرجال؟ يجيب ساخراً: "هم الذين يدفعون تكاليف تلك اللعبة، على قاعدة مرغم أخوك لا بطل، فالنساء يتباهين بالمظاهر، والأزواج يدفعون".
- فن صعب:
في رأي خالد أبو الفضل (مدير مبيعات)، يضرب الـ"برستيج" عصفورين بحجر واحد، فمن جهة، "ينال صاحبه مكانة مميزة بين الناس، لأن العين تحب كل ما هو مميز. ومن جهة أخرى، يمنح ذلك المظهر الجميل صاحبه إحساساً بالثقة والاختلاف". بحسب ما يقول، لافتاً إلى أن الـ"برستيج" يعني النظافة والترتيب والاعتناء بالمظهر، وتجنب الخروج من البيت من دون تحقيق معايير كمالية معينة كالتعطر والترتيب". وإذا كان خالد قد استعرض مزايا الـ"برستيج"، إلاّ أنه يعود لينتقل إلى تعداد سلبياته، فيقول: "يجد المهتم بالـ(برستيج) نفسه متورطاً في لعبة أكبر منه، فالراتب لا يتناسب أحياناً مع ما تتطلبه صورته، والقدرة على التطبع فن لا يحترفه الجميع، لهذا ينقلب السحر على الساحر حين يدق المرء باب الديون والقروض، للحصول على (برستيج) من الصعب تحديد سقف له". ويؤكد خالد أن "هناك ما هو أخطر من الديون"، مشيراً إلى أن الـ"برستيج" يورط الناس في الكذب، فتبدأ الادعاءات التي يلفقها الناس حول أنفسهم. يشدد على أن الـ"برستيج" ليس حكراً على شريحة اجتماعية معينة، بل هو داء كل من يخجل من واقعه ويتمنى لو كان الصورة المغايرة لحقيقته.
- عقلانية:
بدوره، يعترف يحيى خليل راشد بولعه بالـ"برستيج"، لكنه يحيطه بشرط العقلانية حتى لا يدخل نفسه في دوامة ديون لا تنتهي. يضيف: "من السهل الحصول على "برستيج" بأقل الأسعار، فالإصرار على ارتداء الماركات العالمية هو بمثابة عقدة نفسية لا يعانيها من يقصد المحال الرخيصة، التي توفر إطلالة جميلة". مشيراً إلى أن الـ"برستيج" لا يرتبط بالمظهر العام فحسب، بل تعكسه أيضاً طريقة الكلام وأسلوب الحوار وفن انتقاء الألفاظ، ما يجعل الفرق واضحاً بين إنسان وآخر. يؤكد يحيى أن الـ"برستيج" الذي يسرق النظر إلى الأشياء المادية كالملابس والسيارات والساعات، يزول كما تزول فقاعات الماء، على العكس من الـ"برستيج" السلوكي، الذي لا يمتلكه إلاّ القلة من الناس ممن يجيدون فن التعامل مع الآخر بكل أبعاد ذلك التعامل. لافتاً إلى أن "الحياة في المجتمع الاستهلاكي، تفرض على الناس التعلق بالمظاهر، لهذا لا مكان للـ(برستيج) في المجتمعات الفقيرة، التي يكتفي شعبها بالأساسيات غير آبهين بالمواد الكمالية التي لا تعنيهم بشيء".
- بسعر بخس:
لا يخفي محمد حمدان (مهندس) تعلقه بالـ"برستيج"، لكنه يعترف بشجاعة بأنه "وجد البديل الذي يؤمن له الصورة المرضية بثمن قليل". يضيف: "لقد حلت متاجر البضاعة المقلدة أزمة الـ(برستيج) عند أصحاب الدخل المتوسط أو العادي، فصار من السهل أن نشتري المنتجات من ماركات عالمية بثمن كيلو سمك".
موضحاً أنه لا ينكر حقيقة مقتنياته المقلدة كما يفعل الكثيرون من الناس، فحين يسأل عن ساعته الـ(كارتييه) يقول سعرها بلا تردد بسبب ثقته بنفسه التي تجعله يقول الحقيقة بكل سهولة.
ويسخر محمد من محاولات البعض دخول المتاجر التي تبيع المنتجات المقلدة بالسر والخفاء، فيقول: "يلتفت أولئك الناس يمنة ويسرة حتى لا يراهم أحد وهم يدخلون تلك المحال، وإذا حدث أن صادفهم أحد معارفهم، يسارعون إلى الدفاع عن أنفسهم بالقول: "دخلنا هذا المحل بالصدفة"، أو يبررون وجودهم فيه بحب الفضول والمعرفة، فالمهم ألا يعترفوا بأن "برستيجهم" يشبه المثل القائل "ليس كل ما يلمع ذهباً".
- نوعية المجتمع:
يؤكد أستاذ الاقتصاد الدكتور هيثم أكرم الزعبي أن "الاهتمام بالـ(برستيج) موجود في كل المجتمعات، د. هيثم أكرم الزعبي سواء أكانت غنية أم فقيرة. إلاّ أن طريقة صياغة العلاقة هي التي تختلف". يضيف: "في الوقت الذي يتخذ الـ(برستيج) في المجتمعات الفقيرة شكل إظهار القدرة المالية للميسورين، من خلال الإنفاق على السلع الضرورية مثل الطعام، والملبس، والمظهر الحسن، يركز الناس في المجتمعات الغنية على الإنفاق على السلع الكمالية كالسيارات، والمساكن، والمطاعم المترفة، الأمر الذي يوضح أن طريقة تعاطي الفرد مع مظهره إنما تكون وفقاً لنوعية المجتمع الذي يعيش فيه، بحيث تحدد المظاهر التي يتمسك بها الناس، الأنماط الاستهلاكية لديهم".
ويحدد د. الزعبي الفارق بين خصائص الاستهلاك المترف وخصائص الاستهلاك الأساسي، فيقول: "يتمثل الاستهلاك المترف في زيادة الطلب على السلع الكمالية في فترات الرواج الاقتصادي بشكل عام، فيزداد إنفاق المجتمعات على الملابس والسيارت والأثاث والمواد الكمالية الأخرى ذات العلامات التجارية من العطور والساعات وغيرهما". مشيراً إلى أن "الإنفاق على هذه السلع يختلف بين المجتمعات الثرية نفسها".
ويقول: "في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، لا يهتم الأفراد بإظهار المكانة الاجتماعية عن طريق شراء الملابس كما يحدث في إيطاليا".
يتابع: "يتسم المجتمع الاستهلاكي بارتفاع ما يسمى بالميل الحدي إلى الاستهلاك عند أفراده، لهذا يذهب الجزء الأكبر من الدخل القومي إلى الاستهلاك، ما يؤدّي بالضرورة إلى الانخفاض في حجم المدخرات الوطنية، الذي يؤدي بدوره إلى انخفاض في الاستثمار والنمو المستقبلي".
خاص بموقع البلاغ
* تحقيق: سهى هشام الصوفي
إلى أي حد نورط أنفسنا ونحن نسعى وراء المظاهر أو الـ"برستيج"، الذي يبدو وكأنه بات جزءاً أساسياً ومحورياً في حياة الكثيرين منا؟
وهل يجوز أن يغلب حب المظاهر على شخصيتنا، بدلاً من الاهتمام بالأمور الجوهرية؟
من الذي يجب أن ندينه في مسألة الـ"برستيج" والتورط فيه؟ هل ندين المجتمع الذي يصنف الناس على أساس مظهرهم، أم العقد النفسية التي نحملها، والتي تدفعنا إلى التمسك بحبال الـ"برستيج" لمجرد أن نقول: "نحن هنا"؟.
شهادات تسلط الضوء، في هذا التحقيق.
- هوس:
على الرغم مما سببه لها من مشكلات مادية قادت زوجها ذات يوم إلى رمي اليمين عليها، لا تخفي مروى هوسها بالـ"برستيج". وإذ تتحدث عن ذلك الهوس، فتقول: "أعترف بأنني ضعيفة أمام المظاهر، التي أعتبرها مفتاح خروجي من العالم الضيق الذي رماني فيه زوجي". تضيف: "كنت أحلم بحياة مترفة تعوضني الحرمان الذي عشته في بيت أبي، لكن الارتباط بموظف جعلني بشكل أو بآخر مهووسة بكل ما يعوضني عن الحياة العادية التي أعيشها". لا تخفي مرور أنها تستغل حب زوجها الكبير لها، فتدفعه إلى إعطاء دروس خصوصية من أجل أن يؤمن المال الذي تشتري به ملابسها وعطورها وأحذيتها. تتابع: "عايشت الطبقة المخملية في المجتمع حتى لا يقال عني زوجة رجل عادي، وتراني أتبارى معهم في مسألة المظاهر، فإذا قدموا لي قطعة حلوى، أمد لهم سفرة عامرة بالسمك واللحوم والحلويات التي تكلفني الكثير".
مروى، التي تعيش في بيت متوسط الحجم، حرمت ابنتها، التي تبلغ الرابعة عشرة، من أن تكون لها غرفة خاصة بها، لأنها وسعت مساحة الصالون من أجل ضيوفها، تاركة ابنتها تنام في غرفة إخوتها، على الرغم من حاجتها الماسة إلى الخصوصية. ماذا بعد؟ سؤال لم تجد له مروى جواباً، فالـ"برستيج" على حد قولها "إدمان وأسلوب حياة نتورط فيه مع مروى الأيام". لذلك، هي لا تعرف الشفاء منه حتى لو أرادت، فمن المستحيل أن تنسحب من حياة العز مع صاحباتها بحجة ضيق الحال.
- خيار شخصي:
الـ"برستيج" في حياة أمجد (محامٍ)، "يشبه ربطة العنق"، التي لا يخرج من دونها، بحسب ما يقول، فعلاقته بالماركات والمظهر العام، علاقة خاصة بدأت منذ أن وقع عقد عمله في شركة محاماة مشهورة. يتحدث أمجد عن هذه العلاقة، فيقول: "لطالما كنت أحلم بـ(برستيج) يمنحني وضعاً اجتماعياً يتناسب مع درجتي العلمية في الجامعة، لكنني كنت كمن يرقع في ملابسه، فتارة أستعير ملابس من أبناء عمي، وتارة أشتري برواتب الإجازة الصيفية بعض لوازم الجامعة، إلى أن قدر لي أن أعمل في شركة عوضتني عن كل الحرمان الذي عشته". يصف أمجد نفسه بأنه "مهووس بالـ(برستيج)". ويقول في هذا السياق: "أنفق آلاف الدراهم على ملابسي بشكل شهري، وبكل طيب خاطر، فمظهر المحامي يساوي جدارته، لهذا فأنا مفتون بالبدلات، وربطات العنق، والأحذية والعطور". مشيراً إلى أن حبه للـ"برستيج" لم يقف عند حبه لمظهره الخارجي، بل تعداه إلى خياراته الشخصية، كمسألة زواجه التي دخل الـ"برستيج" في حساباتها، فكان أن تزوج ابنة أحد موكليه الأثرياء، محققاً بذلك "أرقى شكل" من أشكال الـ"برستيج" من وجهة نظره.
- عبء نفسي:
لكن، لماذا يحتل الـ"برستيج" مساحة لا يستهان بها في حياتنا؟ وإلى أي حد قد نورط أنفسنا في سبيل الحفاظ على مظهرنا الاجتماعي؟ تصف خديجة إميم (موظفة مبيعات) الـ"برستيج" بأنه "بمثابة العبء النفسي الذي يحملنا فوق طاقتنا". مؤكدة أن الناس الذين يهتمون بمظهرهم الاجتماعي ليسوا فقط أصحاب الثروات، ما يجعل صاحب الدخل المحدود متورطاً في مشكلة الحفاظ على "برستيجه" حتى لا يشعر بالدونية. الـ"برستيج"، الذي تعتبره خديجة "مشكلة عصرية"، يدفع الكثير من الناس، حسب رأيها، "إلى الاستدانة من البنوك ليدفعوا ثمن المظهر الذي ينشدونه، فيورطون أنفسهم في مشكلات مادية، ويتحملون فوق طاقتهم للحفاظ على صورة جميلة في عيون الناس".
مشيرة إلى أن مسايرة المجتمع هي الغاية من الحفاظ على الـ"برستيج"، فالمثل الجديد يقول: "قل لي ماذا تلبس أقل لك من أنت".
وفي سياق الحديث عن الصورة الاجتماعية، تؤكد خديجة أنها من الحريصات على الظهور بـ"برستيج" معين، حتى لو كلفها ذلك اللجوء إلى بعض الحيل، معترفة بأنها تعمد إلى شراء المنتجات غير الأصلية لتنال بعضاً من مظاهر الـ"برستيج" الرفيعة، كأن تشتري حقيبة من ماركة غالية الثمن، أو ساعة "رولكس" مقلدة تضعها في يدها لتضفي على أناقتها مظهراً مميزاً، على الرغم من أن ثمنها لا يساوي أكثرمن مئة درهم.
هل تمنحك الأشياء المزيقة شعوراً بالرضا؟ تجيب: "كل ما يهمني هو الـ(برستيج) الذي تحققه لي تلك الأشياء، فالناس لا يعرفون ثمن ما أتباهى به وهذا هو المطلوب".
- شكليات:
شراء الناس البضائع المقلدة لمجرد الحصول على "برستيج"، ليس موضع إدانة بالنسبة إلى غادة محمد (موظفة)، وذلك بسبب إيمانها بأن "المظهر الاجتماعي المميز يمنح صاحبه جواز سفر بين الناس"، بحسب ما تقول، لافتة إلى أن "معايير التقييم أصبحت مرتبطة باللباس، والحذاء، والحقيبة، وساعة اليد، ولهذا يلقى صاحب المظهر البراق كل ترحيب في المجتمع الذي يدخله حتى لو كان عقله فارغاً". تضيف: "الناس يحكمون على بعضهم من خلال المظهر. ولو امتلك رجل ما عقل أينشتاين وكانت ملابسه دون المستوى، فلن يكون في نظر المجتمع أكثر من مجرد رجل عادي".
غادة، التي تنتقد المجتمع على تصنيفه الشكلي، تؤكد أن "إحساس الإنسان بالنبذ الاجتماعي، يقف وراء اضطراره إلى تغيير جلده في بعض الأحيان حتى ينال شهادة الرضا من المحيطين به". تقول: "لهذا يعتمد البعض على استعارة ملابس أصحابهم أو متعلقاتهم الشخصية ليظهروا بالشكل المطلوب".
وإلى أي حد تجدين نفسك متورطة في مسألة الـ"برستيج"؟ تجيب: "من يريد العيش تحت أضواء المجتمع عليه أن يكون صاحب (برستيج)، وإلاّ فليعش على الهامش ولا أحد يبالي به".
- ضحية المظاهر:
من ناحيتها، لا تربط رضا شحادة (موظفة) الـ"برستيج" بشريحة معينة من الناس، تقول: "الغني يتباهى بسيارته وشقته الفاخرة وممتلكاته، والفقير كما يقول المثل: (يتدين حتى يتزين) وبذلك يتحول المجتمع بأسره إلى ضحية للمظاهر، التي باتت بمثابة مرض العصر"، مشيرة إلى أن "المرء قد يكتفي بأكل الزيت والزعتر ليوفر ثمن بعض الأشياء التي تمنحه (برستيج) خاصاً".
رضا، التي تؤكد أن كلامها ليس مزاحاً أو دعابة، تستشهد بنماذج من الناس مصابة بداء المظاهر، فتقول: "بعض النساء يسعين من باب التباهي إلى جذب عيون صديقاتهن إلى مقتنياتهن، فيرتدين ساعات يد غالية الثمن على سبيل المثال، كما أننا نرى بعض الرجال يضعون هاتفهم الخلوي غالي الثمن وعلاقة المفاتيح الذهبية والنظارات الشمسية التي تحمل اسم ماركة عالمية بشكل لافت على الطاولة في المقهى أو المطعم لمجرد لفت الانتباه". لافتة إلى أن "التظاهر بالثقافة والمعرفة أصبح شكلاً من أشكال الـ(برستيج) الاجتماعي الذي يميل إليه الفارغون من الناس، فيحفظون أسماء بعض الكتاب والكتب ليرددوها علانية من أجل كسب لقب مثقف".
وتختم رضا حديثها بالإشارة إلى أن "اللهاث وراء الـ(برستيج) يدفع بعض الناس إلى الكذب، والتحايل، والتلون، والادعاء، لأن الصورة من دون رتوش أو تجميل، لن تفي بغرض التباهي الاجتماعي المنشود".
- واجهة اجتماعية:
هل المرأة أكثر حباً للمظاهر من الرجل؟ تقول ماريا أبو حجلة (جامعية) إن المظاهر "تشكل بالنسبة إلى المرأة واجهة تطل بها على الناس، في حين يعتمد الرجل على مكانته الاجتماعية أو منصبه الوظيفي في تقديم نفسه، حتى لو كان مظهره متواضعاً".
تشير إلى أن "برستيج" المرأة يتمثل في هندامها وماكياجها وشعرها وحتى أظفارها، أما "برستيج" الرجل، فأساسه السلطة التي يتمتع بها، سواء أكانت مادية أم مهنية، وهذا ما يجعل المرأة تبدو أكثر حرصاً على القشور التي تصنع ما يسمى "برستيج".
ماريا، التي توفر بعض المال من مصروفها لتستخدمه في الإنفاق على "برستيجها"، تؤكد أنها لم تصل إلى مرحلة الهوس التي وصلت إليها الكثيرات من بنات جيلها. تتابع قائلة إن "برستيج" الفتاة التي تأتي إلى الجامعتة بسيارتها، على سبيل المثال، "يمنحها مكانة مميزة بين الطلبة، بعكس الفتاة المتفوقة التي تمشي في الظل إذا كان مظهرها العام لا يتناسب مع مظهر الفتاة العصرية".
- ثقة بالنفس:
لا تكتفي ريم عمار (جامعية) بربط الـ"برستيج" بالمظهر، بل تربطه بالحالة النفسية التي تقول إنها "تحدد شدة تعلق المرء بالمظاهر وحرصه عليها". مفسرة وجهة نظرها بالإشارة إلى أنه "كلما كانت ثقة المرء بنفسه ضعيفة، شدد على مسألة مظهره الخارجي، فالداخل الفارغ يحرض صاحبه على ملء هذا الفراغ حتى لا يفتضح أمره من قبل الناس". تتابع: "أكثر الناس حباً للمظاهر، هم الأقل ثقة بأنفسهم، لهذا يبالغون في اقتناء الأشياء الغالية حتى يخفوا نواقصهم وعيوبهم".
- تميز اجتماعي:
إلى ذلك، يبدو أن الرجال ليسوا أقل تعلقاً بالـ"برستيج" من النساء، فها هو أحمد فوزي (موظف مبيعات)، يؤكد أن "الصورة اللائقة تمنح الرجل أسهماً مرتفعة، سواء في حياته العملية أم الاجتماعية أم حتى العاطفية، فهي التي تضفي على شخصه ملامح القبول وعلامات الجاذبية، لكونه يحمل في مظهره (برستيج) مميزاً". وإذ يمضي أحمد في تفسير وجهة نظره، يقول: "لقد أصبحت ربطة العنق وماركة البدلة من شروط القبول الوظيفي في المقابلة الأولى. وكذلك أحاطت أضواء الثروة صاحبها بهالة وبريق، يمنحانه شرفاً لا يملكه إلاّ الأغنياء. في النهاية، لا يشك اثنان في فوز صاحب الـ(برستيج) بقلوب النساء حتى لو كان لا يفك الخط".
أحمد، الذي يؤمن بقدرة الـ"برستيج" على امتلاك الآخر، يلفت إلى أن "تكلفة البرستيج ليست بالقليلة، فحتى يحقق الرجل عنصر التميز والإبهار الاجتماعي، عليه أن يرتدي ماركة معينة، وحتى يصدقه الناس، عليهم أن يشعروا بهيبته وتميزه، وإلاّ فلن يحظى بإعجابهم المستمر وبولائهم الكامل لشكله وطلته قبل أن يكون لجوهره".
- المرأة أكثر:
من ناحيته، يجد خليل إبراهيم أن الغاية من الـ"برستيج" "ليست اجتماعية بل شخصية"، معتبراً أن "إرضاء الذات يحتل المرتبة الأولى في مسألة الـ"برستيج".
يتابع: "إن كان لابد من تحويل الـ(برستيج) إلى هوس اجتماعي، فعلينا أن نحدد من المعني بهذا الهوس".
لافتاً إلى أن المرأة "تتفوق على الرجل في تعلقها بالمظاهر التي تحيطها بـ(برستيج) خاص". يستحضر ما تفعله النساء المهووسات بالـ"برستيج"، فيقول: "من الصعب أن يتباهى الرجل بأقساط أبنائه المدرسية غالية التكلفة، كما تفعل المرأة في جلساتها اليومية، ومن المستهجن أن يتبارى الرجال في تغيير أثاث منازلهم. ومن المستحيل أن يضطر رجل إلى إحضار ملابسه من الخزانة لعرضها على أصحابه من باب الاستعراض والمباهاة كما تفعل أغلبية النساء"، لافتاً إلى أن الـ"برستيج" هو لعبة المرأة في ملعب لا يدخله إلاّ النساء. وماذا عن الرجال؟ يجيب ساخراً: "هم الذين يدفعون تكاليف تلك اللعبة، على قاعدة مرغم أخوك لا بطل، فالنساء يتباهين بالمظاهر، والأزواج يدفعون".
- فن صعب:
في رأي خالد أبو الفضل (مدير مبيعات)، يضرب الـ"برستيج" عصفورين بحجر واحد، فمن جهة، "ينال صاحبه مكانة مميزة بين الناس، لأن العين تحب كل ما هو مميز. ومن جهة أخرى، يمنح ذلك المظهر الجميل صاحبه إحساساً بالثقة والاختلاف". بحسب ما يقول، لافتاً إلى أن الـ"برستيج" يعني النظافة والترتيب والاعتناء بالمظهر، وتجنب الخروج من البيت من دون تحقيق معايير كمالية معينة كالتعطر والترتيب". وإذا كان خالد قد استعرض مزايا الـ"برستيج"، إلاّ أنه يعود لينتقل إلى تعداد سلبياته، فيقول: "يجد المهتم بالـ(برستيج) نفسه متورطاً في لعبة أكبر منه، فالراتب لا يتناسب أحياناً مع ما تتطلبه صورته، والقدرة على التطبع فن لا يحترفه الجميع، لهذا ينقلب السحر على الساحر حين يدق المرء باب الديون والقروض، للحصول على (برستيج) من الصعب تحديد سقف له". ويؤكد خالد أن "هناك ما هو أخطر من الديون"، مشيراً إلى أن الـ"برستيج" يورط الناس في الكذب، فتبدأ الادعاءات التي يلفقها الناس حول أنفسهم. يشدد على أن الـ"برستيج" ليس حكراً على شريحة اجتماعية معينة، بل هو داء كل من يخجل من واقعه ويتمنى لو كان الصورة المغايرة لحقيقته.
- عقلانية:
بدوره، يعترف يحيى خليل راشد بولعه بالـ"برستيج"، لكنه يحيطه بشرط العقلانية حتى لا يدخل نفسه في دوامة ديون لا تنتهي. يضيف: "من السهل الحصول على "برستيج" بأقل الأسعار، فالإصرار على ارتداء الماركات العالمية هو بمثابة عقدة نفسية لا يعانيها من يقصد المحال الرخيصة، التي توفر إطلالة جميلة". مشيراً إلى أن الـ"برستيج" لا يرتبط بالمظهر العام فحسب، بل تعكسه أيضاً طريقة الكلام وأسلوب الحوار وفن انتقاء الألفاظ، ما يجعل الفرق واضحاً بين إنسان وآخر. يؤكد يحيى أن الـ"برستيج" الذي يسرق النظر إلى الأشياء المادية كالملابس والسيارات والساعات، يزول كما تزول فقاعات الماء، على العكس من الـ"برستيج" السلوكي، الذي لا يمتلكه إلاّ القلة من الناس ممن يجيدون فن التعامل مع الآخر بكل أبعاد ذلك التعامل. لافتاً إلى أن "الحياة في المجتمع الاستهلاكي، تفرض على الناس التعلق بالمظاهر، لهذا لا مكان للـ(برستيج) في المجتمعات الفقيرة، التي يكتفي شعبها بالأساسيات غير آبهين بالمواد الكمالية التي لا تعنيهم بشيء".
- بسعر بخس:
لا يخفي محمد حمدان (مهندس) تعلقه بالـ"برستيج"، لكنه يعترف بشجاعة بأنه "وجد البديل الذي يؤمن له الصورة المرضية بثمن قليل". يضيف: "لقد حلت متاجر البضاعة المقلدة أزمة الـ(برستيج) عند أصحاب الدخل المتوسط أو العادي، فصار من السهل أن نشتري المنتجات من ماركات عالمية بثمن كيلو سمك".
موضحاً أنه لا ينكر حقيقة مقتنياته المقلدة كما يفعل الكثيرون من الناس، فحين يسأل عن ساعته الـ(كارتييه) يقول سعرها بلا تردد بسبب ثقته بنفسه التي تجعله يقول الحقيقة بكل سهولة.
ويسخر محمد من محاولات البعض دخول المتاجر التي تبيع المنتجات المقلدة بالسر والخفاء، فيقول: "يلتفت أولئك الناس يمنة ويسرة حتى لا يراهم أحد وهم يدخلون تلك المحال، وإذا حدث أن صادفهم أحد معارفهم، يسارعون إلى الدفاع عن أنفسهم بالقول: "دخلنا هذا المحل بالصدفة"، أو يبررون وجودهم فيه بحب الفضول والمعرفة، فالمهم ألا يعترفوا بأن "برستيجهم" يشبه المثل القائل "ليس كل ما يلمع ذهباً".
- نوعية المجتمع:
يؤكد أستاذ الاقتصاد الدكتور هيثم أكرم الزعبي أن "الاهتمام بالـ(برستيج) موجود في كل المجتمعات، د. هيثم أكرم الزعبي سواء أكانت غنية أم فقيرة. إلاّ أن طريقة صياغة العلاقة هي التي تختلف". يضيف: "في الوقت الذي يتخذ الـ(برستيج) في المجتمعات الفقيرة شكل إظهار القدرة المالية للميسورين، من خلال الإنفاق على السلع الضرورية مثل الطعام، والملبس، والمظهر الحسن، يركز الناس في المجتمعات الغنية على الإنفاق على السلع الكمالية كالسيارات، والمساكن، والمطاعم المترفة، الأمر الذي يوضح أن طريقة تعاطي الفرد مع مظهره إنما تكون وفقاً لنوعية المجتمع الذي يعيش فيه، بحيث تحدد المظاهر التي يتمسك بها الناس، الأنماط الاستهلاكية لديهم".
ويحدد د. الزعبي الفارق بين خصائص الاستهلاك المترف وخصائص الاستهلاك الأساسي، فيقول: "يتمثل الاستهلاك المترف في زيادة الطلب على السلع الكمالية في فترات الرواج الاقتصادي بشكل عام، فيزداد إنفاق المجتمعات على الملابس والسيارت والأثاث والمواد الكمالية الأخرى ذات العلامات التجارية من العطور والساعات وغيرهما". مشيراً إلى أن "الإنفاق على هذه السلع يختلف بين المجتمعات الثرية نفسها".
ويقول: "في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، لا يهتم الأفراد بإظهار المكانة الاجتماعية عن طريق شراء الملابس كما يحدث في إيطاليا".
يتابع: "يتسم المجتمع الاستهلاكي بارتفاع ما يسمى بالميل الحدي إلى الاستهلاك عند أفراده، لهذا يذهب الجزء الأكبر من الدخل القومي إلى الاستهلاك، ما يؤدّي بالضرورة إلى الانخفاض في حجم المدخرات الوطنية، الذي يؤدي بدوره إلى انخفاض في الاستثمار والنمو المستقبلي".
خاص بموقع البلاغ