جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

جـوهـرة الـونشريس

جوهرة الونشريس،،حيث يلتقي الحلم بالواقع،،
هنـا ستكـون سمـائي..سأتوسد الغيم..و أتلذذ بارتعاشاتي تحت المطــر..و أراقب العـالم بصخبه و سكونه و حزنه و سعـادته..
هنـا سأسكب مشاعري بجنون..هذيانا..و صورا..و حتى نغمــات..

جـوهـرة الـونشريس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
جـوهـرة الـونشريس

حـيث يلتـقي الـحلم بالـواقع


    الجدل و الحوار...مفاهيم قرآنية.

    In The Zone
    In The Zone
    Admin
    Admin


    الجدل  و  الحوار...مفاهيم قرآنية. 7e99cbc882b2aa88afb53997d7f58ce04g
    عدد المساهمات : 4732
    تاريخ التسجيل : 21/11/2010
    الموقع : الأردن

    هام الجدل و الحوار...مفاهيم قرآنية.

    مُساهمة من طرف In The Zone الإثنين مارس 14, 2011 6:39 pm

    د.محمد أحمد خلف الله
    الجدل و الحوار

    ........
    الإقناع،هو السبيل الذي سلكه القرآن الكريم في استقطابه الناس نحو الدين الحق الذي جاء به،و هو العقيدة الإسلامية.
    و استقطاب الناس نحو الدعوة الإسلامية،يأخذ مظهرين في الحقيقة:
    الأول منهما:
    استقطاب الناس نحو الجديد من الآراء و المعتقدات التي تشتمل عليها الدعوة الإسلامية.
    الثاني: استقطاب الناس نحو الرفض للمواريث الثقافية التي تتعارض مع الدعوة الجديدة،و التي أعلن القرآن الكريم انها غير صالحة للحياة لما فيها من باطل،و ما فيها من فساد،يعود على الناس بالضرر.
    و الاقتناع هو الهدف من كل العمليات التي كان يقوم بها القرآن الكريم في عقول الناس و قلوبهم. الاقتناع الذي يؤكد الجديد في العقول و في القلوب،و يهزم القديم في أنفس الناس.
    و إنه من هنا اعتمد القرآن الكريم في عملية الإقناع على أسلوبي الجدل و الحوار.
    و ليس على القسر و الإكراه تجيىء بهما القوة،أو الالجاء تأتي به المعجزات.
    يقول الله تعالى في سورة البقرة: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها،و الله سميع عليم)، (البقرة/ 256).
    و يقول في سورة يونس: (و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً،أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )،(يونس/99).
    و يقول في سورة الأنعام: (و لو أننا نزلنا اليهم الملائكة و كلَّمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شيء قبلاً،ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله،و لكن أكثرهم يجهلون)،(الأنعام/111).
    و يقول من سورة الإسراء: (و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون،و آتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها،و ما نرسل بالآيات إلا تخويفاً)،(59)
    و يقول من نفس السورة: (و لقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل،فأبى أكثر الناس إلا كفورا.و قالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً.أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا.أو تسقط السماء،كما زعمت،علينا كسفاً،أو تأتي بالله و الملائكة قبيلاً. أو يكون لك بيت من زخرف،أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه، قل: سبحان ربي،هل كنت إلا بشراً رسولاً.و ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا: أبعث الله بشراً رسولاً.قل: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً،قل: كفى بالله شهيداً بيني و بينكم،إنه كان بعباده خبيراً بصيراً)،(89_96).

    و الجدل و الحوار إنما يتوجهان في الحقيقة إلى العقل البشري الأمر الذي ندرك معه إلى أي حد كان القرآن الكريم يعتمد على العقل في تكوين الإيمان.
    و من هنا جعل القرآن الكريم الكفر آفة عقلية.و الكفرة كالأنعام أو أضل.إنهم شر الدواب.
    جاء في القرآن الكريم: (و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء و نداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) (البقرة/171).
    و يقول صاحب تفسير المنار،عند تفسيره للآية: "صفتهم في تقليدهم لآبائهم و رؤسائهم كصفة الراعي للبهائم السائمة،ينعق و يصيح بها في سوقها الى المرعى،و دعوتها إلى الماء،و زجرها عن الحمى، فتجيب دعوته و تنزجر بزجره بما ألفت من نعاقه بالتكرار.
    شبه حالهم بحال الغنم مع الراعي،يدعوها فتقبل،و يزجرها فتنزجر،و هي لا تعقل مما يقول شيئاً، و لا تفهم له معنى.
    و إنما تسمع أصواتاً تقبل لبعضها و تدبر للآخرين بالتعويد و لا تعقل سبباً للإقبال و لا للإدبار.
    الكافر كالحيوان،يرضى بألا يكون له فهم و لا علم،بل يقوده غيره و يصرفه كيف يشاء.
    و الآية صريحة في أن التقليد بلا عقل و لا هداية،هو شأن الكافرين.
    و ليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان بل القصد منه أن يرتقي عقله، و تتزكى نفسه،بالعلم بالله و العرفان في دينه.
    فيعمل الخير لأنه يفقه الخير النافع المرضي لله.و يترك الشر لأنه يفهم سوء عاقبته،و درجة مضرته،في دينه و دنياه...و لذا وصف الله الكافرين بعد تقرير المثل،بأنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون".

    .......
    و الفرق بين الحوار و الجدل،فيما هو الواضح من استخدامات القرآن الكريم لكل منهما: أن الحوار يكون عندما يضطرب الذهن،و يصبح العقل في حيرة من أمر نفسه و أمر قضية من القضايا أو مسألة من المسائل،و يراد من الحوار أن يخرجه من كل ذلك.
    و تكون مرادّة الكلام في الحوار هينة لينة أو غير قاسية و غير عنيفة.
    أما الجدل فيكون عندما يكون هناك صراع فكري حول قضية من القضايا أو مسألة من المسائل،و يكون الهدف عند كل واحد من المتجادلين هو هزيمة الآخر فكرياً،و الانتصار عليه.
    و العمل على تحقيق هذا الهدف قد يدفع كل واحد من المتجادلين أو على أقل تقدير الواحد منهما، الى أن يعتمد على أي سلاح يمكنه من النصر و الغلبة،حتى و لو كان اعتماداً على ما هو باطل إذ الغاية في هذا الموقف هي التي تبرر الوسيلة.
    و إنه من هنا سلك القرآن الكريم مسلكاً خاصاً في الجدل،و وضع للنبي (صلى الله عليه و سلم) القواعد التي يمارس الجدل على أساس منها،القواعد التي نعتبرها من آداب الجدل القرآني،و أخلاقياته.
    يقول الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه و سلم): (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة،و جادلهم بالتي هي أحسن،إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله،و هو أعلم بالمهتدين)، (النحل/ 125).
    و يقول: (و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم،و قولوا آمنا بالذي أنزل الينا و أنزل اليكم،و إلهنا و إلهكم واحد و نحن له مسلمون...)،(العنكبوت/46).

    و لم تقف آداب الجدل في القرآن الكريم عند طلب ان يكون الجدل بالتي هي أحسن فقط،و انما تجاوز ذلك إلى أخلاقية اخرى من أخلاقيات الجدل القرآني،و هي أن يكون الحق هو المستهدف من الجدل،و ليس الباطل.
    إنه من هنا نهى القرآن الكريم النبي عليه السلام أن يجادل من ليسوا على الحق و هو نهي يقصد به جميع المسلمين.
    يقول الله تعالى: (و لا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم،إن الله لا يحب من كان خوّاناً أثيما)،(النساء/ 107)
    و يقول: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا،فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة،أم من يكون عليهم وكيلاً)،(النساء/ 109)

    و لأن الجدل يجب أن يكون في سبيل الحق،بين الله لنا عقوبة الذين يجادلون في سبيل الباطل.
    يقول الله تعالى (و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق،فأخذتهم،فكيف كان عقاب)،(غافر/5).
    .....
    و كما وضع القرآن الكريم لنا آداب الجدل و أخلاقياته،حدثنا عن طبيعة الإنسان و كيف أنه يحب الجدل و المراء.
    يقول الله تعالى: (و لقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل و كان الإنسان أكثر شيء جدلا)،(الكهف/54)
    و يقول: (و لما ضرب ابن مريم مثلاً،إذا قومك منه يصدون.و قالوا: أألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون)،(الزخرف/ 57_58).

    .....
    أما طبيعة الجدل و الحوار فيمكن أن نمثل لهما بما يلي:
    يقول الله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها،و تشتكي الى الله،و الله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير...)(المجادلة/1).
    فنحن هنا أمام حقيقة وصفت أول الامر بأنها جدل،و وصفت في الآخر بأنها حوار.
    و ذلك هو الأمر الذي لا غرابة فيه.
    لقد جاءت المرأة تشكو زوجها،و جاءت منفعلة من الظهار الذي أقسم به عليها،و شكروها بالجدل. لكن هذا الموقف قد تغير و هدأت نفسها قليلاً بالحديث مع النبي (ص)،و اطمأنت إلى قوله،فتحول الجدل الى حوار.
    أما الجدل الخالص فنستيطع أن نضرب فيه المثل التالي:
    يقول الله تعالى: (و منهم من يستمع اليك،و جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه،و في آذانهم وقرا،و إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك،يقول الذين كفروا: إن هذا إلا أساطير الأولين..)(الأنعام/25).
    و صور الحوار التي جاء بها القرآن الكريم تختلف عن صور الجدل.
    من حيث إن الجدل في العادة يكون بين طرفين،بينما الحوار قد يكون بين الإنسان و نفسه،أو بين الانسان و عقله.
    و الحوار حين يكون بين طرفين يكون الطرفان في مستويين مختلفين من حيث المعرفة و العلم،بالموضوع الذي يدور من حوله الحوار.
    أما الجدل فيكون في الغالب بين طرفين في مستوى واحد،و يعمل كل منهما على أن يهزم القوم الذي يجادل،و ينتصر عليه.
    .......
    صور الحوار القرآني.
    و نأخذ الآن في استعراض بعض صور الحوار القرآني،و نبدأ من ذلك بحوار الإنسان مع نفسه. و الصورة البارزة في القرآن الكريم عن هذا النوع من الحوار،هي تلك التي تصور حوار ابراهيم عليه السلام مع نفسه،و التي تكشف عنها الآيات التالية:
    يقول الله تعالى: (و كذلك نري ابراهيم ملكوتَ السمواتِ و الارضِ و ليكون من الموقنين.فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال: هذا ربي،فلما أفل قال: لا أحب الآفلين.فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي،فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين.فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي،هذا أكبر،فلما أفلت قال: يا قوم إني برىء مما تشركون.إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفاً و ما أنا من المشركين..)(الأنعام/75_78).
    إن الحوار النفسي هنا إنما يتطلع إلى معرفة الحقيقة الدينية عن الإله الواحد الذي ليس له شريك.
    و الصورة الثانية من صور الحوار القرآني هي تلك التي لا يكون فيها الطرفان من مستوى ثقافي واحد،و إنما هناك من يحاور ليعرف الحقيقة ممن هو أكثر دراية بها.
    و الصورة البارزة هنا هي تلك التي وردت في سورة الكهف و التي يقول الله تعالى فيها: (فارتدا على آثارهما قصصاً،فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا،و علمناه من لدنا علماً،قال له موسى: هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً.
    قال: إنك لن تستطيع معي صبراً.و كيف تصبر على ما لم تحط به خبراً.قال: ستجدني إن شاء الله صابراً،و لا أعصي لك أمراً.قال: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً.فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها،قال أخرقتها لتغرق أهلها،لقد جئت شيئا إمرا،قال: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً.
    قال: لا تؤاخذني بما نسيت،و لا ترهقني من أمري عسراً.فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله،قال: أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً.قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً.قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً.
    فانطلقا،حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها،فأبوا أن يضيفوهما،فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال: لو شئت لاتخذت عليه أجراً.قال: هذا فراق بيني و بينك،سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً.أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر،فأردت أن أعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً.و أما الغلام فكان أبواه مؤمنين،فخشينا أن يرهقهما طغياناً و كفراً. فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منها زكاةً و أقرب رحماً.
    و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة،و كان تحته كنزٌ لهما و كان أبوهما صالحاً،فأراد ربك أن يبلغا أشدهما،و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك،و ما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً)(الكهف/ 64_82).

    و تشبه هذه الصورة أيضاً صورة الحوار الوارد في قصة الخلق،و الذي دار بين المولى سبحانه و تعالى،و الملائكة و إبليس.
    .....
    و الصورة التي تختم بها صور الحوار القرآني هنا،هي تلك الصورة التي يكون الاهتمام فيها بالفكرة ذاتها،و ليس بأطراف الحوار.
    يكون الاهتمام بالفكرة لتجليتها و إبراز كل بعد من أبعادها،بصرف النظر عمن يقوم بينهما بالحوار.
    و إنه في مثل هذه الصورة لا يلزم أن يكون طرفا الحوار من مستويات ثقافية مختلفة،فقد يكونان من مستوى واحد.
    و الصورة التي نستعرضها في هذا المقام،هي تلك الصورة التي أراد القرآن الكريم أن يدلل بها على إمكانية البعث،و عودة الحياة إلى الميت مرة أخرى.
    يقول الله تعالى: (أو كالذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها،قال: أني يحيى هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه،قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً أو بعض يوم،قال: بل لبثت مائة عام،فانظر الى طعامك و شرابك لم يتسنه،و انظر إلى حمارك و لنجعلك آية للناس،و انظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما،فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير)(البقرة/ 259).
    و تشبه هذه القصة من حيث التركيز على الحوار القصة الواردة في سورة الكهف و التي جرت مجرى المثل،و هي التي تبدأ بقوله تعالى: (و اضرب لهم مثلاً،رجلين جعلنا لأحدهما جنتين...)(32).
    تلك هي صور الحوار التي أردنا أن نضرب بها المثل من حيث إنها كافية للتعريف بحقيقة الحوار القرآني.
    نتركها على أمل أنا نجد في الصور الجدلية التي سوف نعرض لها ما يلقي مزيداً من الضوء على مفهوم الحوار و الفرق بينه و بين الجدل.
    و أبرز صور الجدل في القرآن الكريم هي الصور التي وقع فيها الجدل بين الأنبياء المرسلين و أقوامهم.
    تلك الصور التي استهدف منها القرآن الكريم إلقاء الضوء الكاشف على ما كان بين محمد (صلى الله عليه و سلم) و قومه من جدل.
    إن الموضوعات تكاد تكون واحدة من حيث إن عقيدة الأنبياء المرسلين واحدة،و من حيث أن كل واحد منهم إنما يبلغ قومه رسالة الله إليهم.
    و أنه إنما يفعل ذلك تلبية لاحتياجاتهم الدينية،و لا يأخذ أجراً على ذلك.
    إنه البشير النذير الذي يحمل رسالة السماء إليهم.
    و كان الجدل يدور في الغالب حول محورين،و ينتهي إلى نتيجة بعينها هي التي تخدم موقف النبي العربي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه و سلم).
    كان المحور الأول الذي يدور من حوله الجدل العقيدة الدينية التي يحملها الرسول.العقيدة التي يعارضونها و التي ينكرون مع معارضتهم لها،نبوة النبي و رسالة الرسول.
    و كان المحور الثاني،المبادىء و القيم الأخلاقية و المعايير السلوكية التي كانت الحياة تمارس على أساس منها.
    و حول هذا المحور نستطيع أن نجد خصوصيات بعض الأقوام،و نعرف الفساد الذي كان فاشياً فيهم. أما من حيث المحور الأول فلم تكن هناك خصوصيات.
    و إنما هي العقيدة الدينية التي شرعها الله للناس.كل الناس،و في كل زمان و في كل مكان.
    و نستطيع أن نستعرض هاتين الصورتين للجدل بين الأنبياء المرسلين و أقوامهم.
    يقول الله تعالى من سورة هود: (و إلى عاد أخاهم هودا،قال: يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره،إن انتم إلا مفترون.يا قوم،لا أسألكم عليه أجراً،إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه،يرسل السماء عليكم مدراراً،و يزدكم قوة إلى قوتكم،و لا تتولوا مجرمين.قالوا: يا هود ما جئتنا ببينة،و ما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك،و ما نحن لك بمؤمنين.إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء،قال: إني أشهد الله،و اشهدوا أني برىء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون.إني توكلت على الله ربي و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم،و يستخلف ربي قوماً غيركم و لا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء حفيظ.و لما جاء أمرنا نجينا هوداً و الذين آمنوا معه برحمة منا،و نجيناهم من عذاب غليظ.و تلك عاد جحدوا بآيات ربهم و عصوا رسله،و اتبعوا أمر كل جبار عنيد.و أتبعوا في هذه الدنيا لعنة و يوم القيامة،ألا إن عادا كفروا ربهم،ألا بعداً لعادٍ قوم هود)(هود/ 50_60).
    و واضح من الجدل ان المحور هنا هو الدعوة لله،و لكنهم يأخذون على هود ما يدفعهم إلى رفض هذه الدعوة.
    يأخذون عليه أنه لم يأتهم ببينة،و أنهم لن يتركوا آلهتهم التي يدعوهم الى تركها،و أنهم لن يؤمنوا به،و لا بما جاء به.
    و واضح أيضاً أنهم قالوا هذا القول على سبيل التحدي،و أنه واجه هذا التحدي في النهاية بإعلان أنه قد أبلغهم رسالة ربهم،و أن الله قد يستخلف قوماً غيرهم.
    ثم ينتهي الحوار بالحكم عليهم باللعنة في الدنيا،و في يوم القيامة.
    و هذا المشهد الأخير،هو النذير لقوم محمد (صلى الله عليه و سلم).
    و يقول الله تعالى من نفس السورة: (و إلى مدين أخاهم شعيباً قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره،و لا تنقصوا المكيال و الميزان،إني أراكم بخير و إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم.و يا قوم أوفوا المكيال و الميزان بالقسط،و لا تبخسوا الناس أشياءهم،و لا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين،و ما أنا عليكم بحفيظ.قالوا: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء،إنك لأنت الحليم الرشيد.قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي،و رزقني منه رزقاً حسناً،و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه،إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت،و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب.و يا قوم،لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح،أو قوم هود،أو قوم صالح،و ما قوم لوط منكم ببعيد.و استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود.قالوا: يا شعيب،ما نفقه كثيراً مما تقول،و إنا لنراك فينا ضعيفاً،و لولا رهطك لرجمناك،و ما أنت علينا بعزيز.قال: يا قوم؛أرهطي أعز عليكم من الله و اتخذتموه وراءكم ظهرياً،إن ربي بما تعملون محيط.و يا قوم،اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه،‏و من هو كاذب،و ارتقبوا إني معكم رقيب،و لما جاء أمرنا، نجينا شعيباً و الذين آمنوا معه برحمة منا،و أخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.كأن لم يغنوا فيها،ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود)(هود/ 84_95).
    فهنا أيضا يدور الجدل حول العقيدة الدينية _و لكن تبرز في ثنايا هذا الجدل المفاسد المتعلقة بالمكيال و الميزان و ما الى ذلك.
    كما تبرز مجاملتهم له من أجل رهطه،ولي لأنه رسول الله.و كل هذا يذكرنا بموقف المعارضة في مكة من محمد (صلى الله عليه و سلم)،و كيف كان يأخذ عليهم التطفيف في المكيال و الميزان،و كيف كانوا يحسبون حساب بني هاشم.
    و هذا كله الى جانب التحدي الواضح.و النهاية هنا هي الإنذار لقوم محمد (صلى الله عليه و سلم)،الذين يكذبونه،و لا يؤمنون بما جاء به من عند الله.إن العاقبة قد تكون واحدة.
    و المادة اللغوية التي جاءت منها كلمة الجدل هي: ج د ل تقول: جدل الرجل جدلاً _ خاصم.
    و الجدل هو المنازعة في الرأي،و يطلق على شدة الخصومة واللدد فيها.
    و تقول: جادل مجادلة و جدالاً _ خاصم.(يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)(النحل/111).
    (قالوا: يا نوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا)(هود/32).

    و الجدل قد يكون بالباطل ليصرف عن الحق،و قد يكون بالحق ليدحض الباطل.
    و المقام هو الذي يعينّ المراد.(و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) (غافر/5).
    و يقول الراغب في كتابه المفردات في غريب القرآن:
    الجدل: المفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة.
    و أصله من جدلت الحبل +أي أحكمت فتله،و منه الجديل.
    و جدلت البناء: أحكمته.و المجدل: القصر المحكم البناء.و الأجدل: الصقر المحكم البنية.
    و منه الجدال _فكأن كل واحد من المتجادلين يفتل الآخر عن رأيه.
    و قيل الأصل في الجدال: الصراع و محاولة كل واحد إسقاط صاحبه على الجدالة _ و هي الأرض الصلبة.
    و أصل المادة اللغوية التي جاءت منها كلمة الحوار: ح و ر تقول حار يحور حورا: رجع (إنه ظن أن لن يحور) _ أي يبعث ويرجع للحياة مرة ثانية. وحاوره محاورة: راجعه في الكلام.و تحاورا تحاورا: تراجعا و تجاوبا.
    (قال له صاحبه و هو يحاوره)(الكهف/ 37).
    (و الله يسمع تحاوركما)(المجادلة/1)

    و يقول الراغب في كتابه المفردات:
    الحَوْر: التردد _إما بالذات و إما بالكفر.
    و حار الماء في الغدير: تردد فيه.و حار في أمره: تحير.
    و منه المحور الذي تجري عليه البكرة لتردده.
    و المحاورة و الحوار: المرادّة في الكلام.
    ----------------------
    * المصدر:مفاهيم قرانية.
    موقع البلاغ.
    تنويه..كل المواضيع الدينية من موقع البلاغ تعبر عن رأي أصحابها،،و إن كانت هناك ملاحظات يرجى عرضها للنقاش الموضوعي.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 12:47 am