قصص قصيرة/ محمود أسد.
.............
-1-التلصُّص.
كلُّ مَنْ يعرفه يقول: إنَّه فضوليٌّ، كثير غلبة. و لو سألتهم لماذا؟ أجابوك: إنَّه يريد أن يعرف الصغيرة و الكبيرة. زوجته تنفر من طباعه، أقرباؤه كذلك لا يريدون الاجتماعَ و هو بينهم. قرَّر هذه المرة أن يتلصَّص على صوت الريح و حركاته..في هذا اليوم سمعه يقول للموج الصاخب: بفضلي تُكسِّرُ الصخرَ و تُفتِّتُ الحجرَ و تعانق رمال الشاطئ. و في يوم آخر سمعه يقول بخيلاء و هو يرى الثمار اليافعة على الأغصان: لولا ريحي و حركتي ما كنت أيتها الثمار و ما كنتَ أيها الربيع الجميل.. و أدار ظهره و مضى.
رُحْتُ أفكِّرُ مليَّاً و أتساءَل: لماذا لا يدخل الريح إلى بيوتنا و نفوسنا؟
في اليوم التالي و مع رحيل آخر نجمة امتنع عني الهواء و الماء و الأولاد.
...........
-2-البحـث عن دفء.
كان غسَّان يتمنى السكنَ في حيٍّ شعبي سيجد فيه راحته قال لزوجته : بيت بسيط شعبيٌّ فيه أرضُ دارٍ يستقبل الشمسَ و ترتوي من المطر أزرعها و أهتمُّ بها أبتعد عن الضوضاء .
تغيَّر وجه زوجه ميسون … بدَتْ معالم وجهها على غير طبيعته و قالت : و أنا من يساعدني ؟ البيت العربي يحتاج لشغلٍ و عملٍ دائم .. " بطالع الروح " وراءه تعب و شقاء و أنا لم تعد لي عافية …
غيَّرَ غسَّان أمنيّته من جديد : و قال لها : أريد السكن في طابق إضافيٍّ عالٍ يبعدني عن الناسِ و يقرِّبني من وجه الله … أجلس منفرداً أُطِلُّ على المدينة … أرى القلعة أراسِلها عن بعد .. أعدُّ علب الكبريت الفارغة و الممتلئة أعانق الدخان و السحاب … مرة أخرى أبدت تذمراً و أظهرَت امتعاضها بعد تثاؤب ثم قالت بنزقٍ : قلتَها بنفسك الطابق الإضافي يحتاج لعافية و أرجل قويَّة و قلب سليم و قدرةٍ على التحمُّل فهناك الجيران الذين يستخدمون السطح و يتحكمون بالهوائيات و هناك مخلّفات المدافئ و الغبار و السيّارات " قال لها مستسلماً : لا بأس يا سيِّدتي " لنسكن في قبوٍ رطب ، يريحك و يريحني و لا يعلم بنا أحدٌ لم تتكلمْ بكلمة … أدارت وجهها و مسحَتْ دمعةً في صباح اليوم التالي ، تبلَّغَ أمراً بإخلاء البيت فالمنطقة ستجمَّل و تباعُ لمحلاَّت تجارية.
-3-التكامُل في ظلِّ المفارقة.
كنْتُ أرفع صوتي وأنا أتكلَّم، شَعَرْتُ بأني أخذْتُ مجدي بالكلام … انتبهوا … من حقِّ شرطة البلدية أن تلاحق المخالفين ، وأن تُؤَمِّنَ حركة المرور على الأرصفةِ المشغولةِ والمزدحمة . ومن حقِّها أن تبعدَ البائعين الجوالين ، وأن تكون العين الساهرة .. هي تلاحق طفلاً يبيع الكعك والحلوى ، وتصادِرُ بعض البضائعِ من شيخ عجوز ، تأخذها ، وترميها أرضاً وتدوسُها على مرأى من أعين القلعةِ ودار الحكومة كي يكونوا عبرةً لغيرهم . ومن حقِّ شرطة البلدية أن تقمع المخالفات العمرانية التي شوَّهَتْ أجمل شوارع المدينة وأحيائها .. فمن حقِّنا أن نشكرها ونقدِّر متابعتها وجدِّيَتَها . هذا ما تحدَّثْتُ به لطلاّبي . ولم ألتفِتْ إليهم وأنا ألقي كلماتي . ولم أنتبه إلى حركاتِ أيديهم وأرجلهم وأعينِهم . بعضُهم أبدى ارتياحاً وبعضهم أبدى تململاً فلم يعجبه كلامي وآخر قال وهو جالسٌ في آخر القسم : يا أستاذ . وهذه البسطات والبرّاكات والعربات في منتصف الشارع . ألم يروها . وهذه الانتهاكات للأرصفة والحدائق وهذه الحفر؟
شَعَرْتُ بالحرج والضيق قلتُ له : نعم كلامُك صحيحٌ ولكنني تركْتُ الحديثَ عنه لغيري وبذلك نكمل بعضنا
.....................
-4-الدّمعتان.
مروان قرأ الإعلان.لم يُعلِّقْ عليه . مدَّ يده إلى جيبه , وتحسَّس بقيّة الجيوب مُمْتعِضاَ أخذ نَفَسا عميقاً.قبض على عيْنيهِ بالجرم المشهود .إلى جانبه صاحبه في الوجد والهمِّ خالدٌ قرأ الإعلان ,دخلا معاً إلى المعرِض ,الحركة لابركة وراءها . الإقبال قليل ,لا جديد في المعروضات والأسعار مرْتفعة .العين بصيرة واليدُ قصيرة . خالد اقتنى بعد اختيار , ودفع ,خرجا معاً تحاورا واتّفقا ,ثم تفرّقا , حاول خالد الدخول خفْيَةً لكنّ زوجه حاصرتْه ورمتْ بصرها إلى داخل الكيس ,فانهمرتْ دمعةٌ ثانية ,ولم تجد الدمعتان مَنْ يفكُّ لغزهما .لا تسألْني عن الدّمعة الأولى .
*****
البلاغ.
.............
-1-التلصُّص.
كلُّ مَنْ يعرفه يقول: إنَّه فضوليٌّ، كثير غلبة. و لو سألتهم لماذا؟ أجابوك: إنَّه يريد أن يعرف الصغيرة و الكبيرة. زوجته تنفر من طباعه، أقرباؤه كذلك لا يريدون الاجتماعَ و هو بينهم. قرَّر هذه المرة أن يتلصَّص على صوت الريح و حركاته..في هذا اليوم سمعه يقول للموج الصاخب: بفضلي تُكسِّرُ الصخرَ و تُفتِّتُ الحجرَ و تعانق رمال الشاطئ. و في يوم آخر سمعه يقول بخيلاء و هو يرى الثمار اليافعة على الأغصان: لولا ريحي و حركتي ما كنت أيتها الثمار و ما كنتَ أيها الربيع الجميل.. و أدار ظهره و مضى.
رُحْتُ أفكِّرُ مليَّاً و أتساءَل: لماذا لا يدخل الريح إلى بيوتنا و نفوسنا؟
في اليوم التالي و مع رحيل آخر نجمة امتنع عني الهواء و الماء و الأولاد.
...........
-2-البحـث عن دفء.
كان غسَّان يتمنى السكنَ في حيٍّ شعبي سيجد فيه راحته قال لزوجته : بيت بسيط شعبيٌّ فيه أرضُ دارٍ يستقبل الشمسَ و ترتوي من المطر أزرعها و أهتمُّ بها أبتعد عن الضوضاء .
تغيَّر وجه زوجه ميسون … بدَتْ معالم وجهها على غير طبيعته و قالت : و أنا من يساعدني ؟ البيت العربي يحتاج لشغلٍ و عملٍ دائم .. " بطالع الروح " وراءه تعب و شقاء و أنا لم تعد لي عافية …
غيَّرَ غسَّان أمنيّته من جديد : و قال لها : أريد السكن في طابق إضافيٍّ عالٍ يبعدني عن الناسِ و يقرِّبني من وجه الله … أجلس منفرداً أُطِلُّ على المدينة … أرى القلعة أراسِلها عن بعد .. أعدُّ علب الكبريت الفارغة و الممتلئة أعانق الدخان و السحاب … مرة أخرى أبدت تذمراً و أظهرَت امتعاضها بعد تثاؤب ثم قالت بنزقٍ : قلتَها بنفسك الطابق الإضافي يحتاج لعافية و أرجل قويَّة و قلب سليم و قدرةٍ على التحمُّل فهناك الجيران الذين يستخدمون السطح و يتحكمون بالهوائيات و هناك مخلّفات المدافئ و الغبار و السيّارات " قال لها مستسلماً : لا بأس يا سيِّدتي " لنسكن في قبوٍ رطب ، يريحك و يريحني و لا يعلم بنا أحدٌ لم تتكلمْ بكلمة … أدارت وجهها و مسحَتْ دمعةً في صباح اليوم التالي ، تبلَّغَ أمراً بإخلاء البيت فالمنطقة ستجمَّل و تباعُ لمحلاَّت تجارية.
-3-التكامُل في ظلِّ المفارقة.
كنْتُ أرفع صوتي وأنا أتكلَّم، شَعَرْتُ بأني أخذْتُ مجدي بالكلام … انتبهوا … من حقِّ شرطة البلدية أن تلاحق المخالفين ، وأن تُؤَمِّنَ حركة المرور على الأرصفةِ المشغولةِ والمزدحمة . ومن حقِّها أن تبعدَ البائعين الجوالين ، وأن تكون العين الساهرة .. هي تلاحق طفلاً يبيع الكعك والحلوى ، وتصادِرُ بعض البضائعِ من شيخ عجوز ، تأخذها ، وترميها أرضاً وتدوسُها على مرأى من أعين القلعةِ ودار الحكومة كي يكونوا عبرةً لغيرهم . ومن حقِّ شرطة البلدية أن تقمع المخالفات العمرانية التي شوَّهَتْ أجمل شوارع المدينة وأحيائها .. فمن حقِّنا أن نشكرها ونقدِّر متابعتها وجدِّيَتَها . هذا ما تحدَّثْتُ به لطلاّبي . ولم ألتفِتْ إليهم وأنا ألقي كلماتي . ولم أنتبه إلى حركاتِ أيديهم وأرجلهم وأعينِهم . بعضُهم أبدى ارتياحاً وبعضهم أبدى تململاً فلم يعجبه كلامي وآخر قال وهو جالسٌ في آخر القسم : يا أستاذ . وهذه البسطات والبرّاكات والعربات في منتصف الشارع . ألم يروها . وهذه الانتهاكات للأرصفة والحدائق وهذه الحفر؟
شَعَرْتُ بالحرج والضيق قلتُ له : نعم كلامُك صحيحٌ ولكنني تركْتُ الحديثَ عنه لغيري وبذلك نكمل بعضنا
.....................
-4-الدّمعتان.
مروان قرأ الإعلان.لم يُعلِّقْ عليه . مدَّ يده إلى جيبه , وتحسَّس بقيّة الجيوب مُمْتعِضاَ أخذ نَفَسا عميقاً.قبض على عيْنيهِ بالجرم المشهود .إلى جانبه صاحبه في الوجد والهمِّ خالدٌ قرأ الإعلان ,دخلا معاً إلى المعرِض ,الحركة لابركة وراءها . الإقبال قليل ,لا جديد في المعروضات والأسعار مرْتفعة .العين بصيرة واليدُ قصيرة . خالد اقتنى بعد اختيار , ودفع ,خرجا معاً تحاورا واتّفقا ,ثم تفرّقا , حاول خالد الدخول خفْيَةً لكنّ زوجه حاصرتْه ورمتْ بصرها إلى داخل الكيس ,فانهمرتْ دمعةٌ ثانية ,ولم تجد الدمعتان مَنْ يفكُّ لغزهما .لا تسألْني عن الدّمعة الأولى .
*****
البلاغ.