شبابنا يعانون أزمة ثقافية حقيقية.
*شيماء إبراهيم.
..................
نعيش اليوم عصر انفجار معلوماتي غير عادي، فالمعلومات في مختلف المجالات أصبحت متوفرة وبسهولة، ورغم ذلك لا يستطيع أحد إنكار إننا نعيش أزمة ثقافية حقيقية، تتضح ملامحها بين أوساط الشباب والفتيات، على الرغم من أن المعادلة المتوقع حدوثها هي: "التقدم وزيادة المعلومات مع سهولة الحصول عليها= ثقافة موسوعية" لكن الحقيقة الظاهرة للعيان هي وجود سطحية واضحة في فكر وثقافة الشباب.
هنا نستطلع آراء الفتيات حول مصادر ثقافتهن وتقييمهن لمدى إيجابيتها، وتحليل وضع جيلهن الثقافي من وجهة نظرهن، ومعرفة آرائهن ومقترحاتهن حول الحلول.
بداية تخبرنا، رائدة رشاد، موظفة شابة: عادة ما أستقي ثقافتي في المجال الذي أحبه، وهو الإقتصاد من الكتب والإنترنت، وأنا راضية عن مستوى ثقافتي الحالي. فهو يتناسب مع سني، كما أنني أسعى دائما إلى تطويره.
وتضيف: لكنني لاأستطيع أن أنكر أن جيلنا يعاني من مشكلة أنحدار ثقافي، حيث أصبحت الفتيات يعتبرن الكتاب حملا ثقيلا عليهن، أما الثقافة التي يهتمن بها فهي بعيدة عن مفهوم الثقافة المطلوبة، ولا شك أن المسؤول عن ذلك الأمر هو أسلوب التعليم المتبع في مدارسنا، والذي جعل الدراسة تصبح وكأنها وجبة take away.
وعن الحلول من وجهة نظرها. تقول: يبدأ الحل من المدارس من خلال عودة النشاط اللامنهجي فيها. وإصدار المجلات الطلابية، وتشجيع الطلاب على حب البحث عن المعرفة، من خلال العمل الجماعي للإنتاج أعمال تستقي معطياتها من ينابيع الثقافة المختلفة.
هروب من روتين الدراسة
وتقول هاجر صالح. طالبة: بصراحة جيلنا الحالي لا يهتم كثيرا بالثقافة المفيدة، كالأدب والعلوم والتاريخ والرياضيات، فنحن نرى أن هذه المجالات لا تجذبنا، ولكن هذا لا يعني أننا لا نحب القراءة وتصفح الإنترنت، ولكن في الأمور التي تهمنا، كالأخبار الخفيفة والطريفة، والأغاني والفن.. وسبب ميولنا نحوها أننا نكون قد تشبعنا مما نأخذه في المدرسة، ومللنا منه، الأمر الذي يجعلنا نهرب من هذه المجالات إلى أخرى مسلية، يتم عرض مضامينها بطرق أكثر جاذبية، بما يتناسب مع أعمارنا وميولنا.
أما أروى الركابي، صحافية، فتقول: للثقافة مصادر كثيرة ووفيرة لمن يريدها ويسعى وراءها، وفي رأيي أن أهم مصدر للثقافة بلا منازع هو الكتاب. يليه بعض المجلات الثقافية، ثم الإنترنت وسيلة العصر، كما أن الإختلاط بالناس بشتى اهتماماتهم وثقافاتهم يعتبر مصدرا ثقافيا مهما.
أما بالنسبة للمجالات التي تحظى باهتمامي فهي منوعة منها الإجتماعية، والسياسية، والعلوم الدينية، وعلم النفس، والآداب العالمية، كما أنني بطبيعة عملي وشغفي بالقراءة والتثقيف، أحاول أن أطلع على كل ما يمكنني الإطلاع عليه.
وسائل الإعلام
لمعرفة رأي القائمين على الإنتاج في وسائل الإعلام. وعن تأثير هذه الوسائل المختلفة في ثقافة الشباب والفتيات، توجهنا لنبيل المساعفة، مدير الإنتاج في قناة "الرسالة" الذي قال:
لا شك أن الإعلام بوسائله المختلف له تأثير كبير وفعال في الشباب، وهو من الوسائل الرئيسية والفعالة التي تسهم في إثراء ثقافة الشباب أو تسطيحها أو انحدارها. وهذا التأثير يقاس غالبا بتهافت أصحاب الماركات التجارية على الإعلام خلال المواد واستقطابها للشرائح المختلفة من الشباب.
ويضيف: لا نستطيع الجزم ماإذا كانت المواد المقدمة عبر وسائل الإعلام تؤثر في ثقافة الشباب سلبا أو إيجابا، حيث إن ذلك يتوقف على توجه القناة ونوعية البرامج والمواد المقدمة فيها، وما إذا كانت هادفة أم غير هادفة، لكن الحقيقة برأيي أن نسبة الممواد غير الهادفة. إن لم تكن الهدامة، أكبر من مثيلاتها الهادفة، التي تسهم في بناء ثقافة جيل الشباب، والسبب في ذلك أن القائمين على وسائل الإعلام ينظرون للموضوع بنظرة ربحية بحتة.
ويستطرد: لكل هناك بوادر إيجابية في هذا المجال، حيث بدأت تظهر الخبرة في مجال الإعلام الأسري والإعلام الإسلامي الهادف.
وعن الحلول يخبرنا: يجب الوعي من قبل القائمين على الإنتاج في هذه الوسائل بمدى تأثير ما يقدمونه في الشباب، وبدورهم في النهوض بفكر هؤلاء الشباب وإثراء ثقافتهم، الأمر الذي سيدفعهم إلى التفكير في إنتاج برامج ثقافية فكرية هادفة على مستوى عال من الجودة وبأساليب مميزة جذابة تتناسب مع ميول هذه الشريحة حتى يتحقق الهدف المنشود منها.
التعليم المنفرة، وعزوف الشباب أنفسهم عن القراءة، في حين نجد قضاء الوقت في التنزه والشات ومتابعة التلفاز أسهل وأمتع، فأنا أرى أن أساس الثقافة نهم وفضول وحب للمعرفة، وهو أمر يتوقف على الشخص ذاته.
وعن الحل تخبرنا الركابي: أولا يجب إعادة النظر في فلسفة التعليم، وتنمية حب الثقافة لدى الأطفال منذ الصغر، أما بالنسبة للشباب فعليهم أن يدركوا أولا أنهم يعانون من أزمة قد تؤثر عليهم بالسلب، وأنهم المسؤولون عن حلها، من خلال تخصيص وقت للمشاهدة والإطلاع على بعض ما هو مفيد.
أما نائلة عبد الكريم، فتقول: أنا غير راضية عن مستوى ثقافتي الحالي، فأنا دائما أتطلع إلى الأفضل. وأرى أن المشكلة الحقيقية في أن الشباب يملأون أوقات فراغهم بأشياء سطحية، فهم عندما يقرأون أو يتصفحون الإنترنت، فإنهم يبحثون عن المعلومات ذات الطابع الترفيهي، وللأسف انتشار الفضائيات والثورة الإلكترونية أدى إلى إلهاء الشباب عن الثقافة. كما ترى أن الإعلام هو من قاد الشباب نحو السطحية، من خلال كثرة المواد والبرامج التي تعرض حول الفن والأغاني والجمال والموضة، الأمر الذي صرف الأنظار عن مفهوم الثقافة المفيدة وأهميتها في تشكيل الوعي والسلوك السليم.
بعد التعرف على آراء الفتيات. سألنا الكاتبة والشاعرة، نعمة النواب، التي تعمل كقيادية عالمية شابة في مؤتمر الإقتصاد العالمي، عن تحليلها لوضع الشباب الثقافي، فقالت: من خلال احتكاكي المباشر بأوساط الشباب المختلفة، أرى أنهم ضحايا لعدة عوامل ساهمت في سطحية ثقافتهم وتشتيت انتباههم عما يفيديهم، فأنا لا أظن أنهم يرفضون الثقافة في حد ذاتها، فهذا الجيل لديه إمكانيات عقلية مذهلة لا يمكن الإستهانة بها، كما أنه يتميز بسرعة البديهة والإستيعاب، لكن الفيصل في طريقة تقديم المعارف المنوعة والمناسبة له. فمثلا الكتاب التقليدي لم يعد الوسيلة المفضلة للشباب الآن مع ظهور الإنترنت، التي تقدم إبهارا بصريا أكبر من الكتاب، الذي غالبا ما يعاني من سوء الإخراج وعدم التطوير في أساليبه.
لذا فإن علينا تقديم المعلومة لهذا الجيل بوسائل حديثة تواكب العصر، فمثلا فيلم علمي أو تسجيلي قصير سيوصل المعلومة بشكل أفضل وأسرع من الكتاب، المعتمد على سرد المعلومات بشكل متسلسل. كما أن فكرة ورش العمل المعتمدة على التفاعل والمشاركة والتوصل للمعلومة عن طريق الإستنتاج، تناسب الشباب أكثر من أسلوب التلقين المباشر، الذي تعود عليه هذا الجيل، مما جعله يعتاد على الدراسة فقط من أجل الإختيار، وهذا أكبر خطأ جناه التعليم على شباب هذا الجيل.
وتضيف: يجب ألانغفل أيضا دور وسائل الإعلام، التي طالما استخدمت وسائل الجذب والإبهار في تقديم المضامين غير المفيدة، بينما أبقت المضامين الثقافية والعلمية على صورتها التقليدية البحتة، وهذا سوء تخطيط من قبل القائمين عليها. وعلى الرغم من ذلك تنظر "النواب" نظرة تفاؤلية لهؤلاء الشباب، تقول: لدى الشباب هوايات رهيبة، وطموحات كبيرة، لكنها متخصصة في مجالات بعينها، كما أن بينهم مجموعة كبيرة تحب القراءة وتحرص على المعرفة.
وعن الحلول من وجهة نظرها: أهمها وجوب زيادة الوعي لدى الأهل والمدارس بأهمية خلق البيئة الشجعة على الثقافة والإبداع، وذلك بغرس حب الثقافة لديهم، وتعويدهم على القراءة في مختلف المجالات. أما بالنسبة للشباب أنفسهم، فبداية يجب على المجتمع والمثقفين عدم نبذهم وإشعارهم بأنهم جيل ها ولا رجاء منه، بل يجب بث الأمل في صدورهم، ومساعدتهم على تعديل وجهتهم من الإهتمام بالمضامين غير المفيدة، إلى الإهتمام بكل ما هو جدي ومفيد، وفق ما يتناسب مع ميولهم وهوياتهم.
بين الماضي والحاضر
وتخبرنا التربوية ماجدة الجارودي، الأستاذة المساعدة بكلية التربية قسم الإداري التربوية بجامعة الملك سعود. تحليلها للظاهرة قائلة: لا شك أن الشباب والفتيات يعانون من أزمة ثقافية حقيقية أفرزتها العولمة الثقافية، حتى أصبحت هامشية الثقافة ظاهرة عالمية لا تقتصر على شبابنا فقط، وهذا يبعد الظن من وجهة نظري عن كون الأمر يتبع نظرية المؤامرة. فالغالبية العظمى أصبحت ثقافتهم محصورة ما بين الأغاني والفن والألعاب والرياضة، حتى ثقافة السلوك تغيرت، فذهب احترام العلماء والإلتفاف حولهم وتقدير مجهودهم. ولنضرب مثلا بسيطا على ذلك، فقديما في عصر الأدباء والعلماء الذهبي كان المقهى مكانا لتجميع المفكرين وقلاءة الصحف والتشاور في مختلف القضايا الفكرية، أما الآن فالمقهى مكان للتدخين والمعاكسات ومشاهدة المباريات الرياضية والمواد الترفهية، فنحن الآن ما زال لدينا العلماء والأدباء، لكن أين الإلتفاف حولهم والإستفادة منهم؟
وسألنا الجارودي، هل المشكلة في المناهج التعليمية؟ فأجابت: إطلاقا، فمناهجنا التعليمية لا غبار عليها، لكن الكارثة في إدارتها وطريقة تدريسها.
وترى الجارودي، أن الحل لا يكمن إلا في العمل يدا واحدة، وتكاتف الجهود ما بين الحكومات والمؤسسات التعليمية والإعلامية والرقابية. في وضع خطة محكمة لتوجيه الشباب في الإتجاه السليم.
.........
موقع البلاغ.
*شيماء إبراهيم.
..................
نعيش اليوم عصر انفجار معلوماتي غير عادي، فالمعلومات في مختلف المجالات أصبحت متوفرة وبسهولة، ورغم ذلك لا يستطيع أحد إنكار إننا نعيش أزمة ثقافية حقيقية، تتضح ملامحها بين أوساط الشباب والفتيات، على الرغم من أن المعادلة المتوقع حدوثها هي: "التقدم وزيادة المعلومات مع سهولة الحصول عليها= ثقافة موسوعية" لكن الحقيقة الظاهرة للعيان هي وجود سطحية واضحة في فكر وثقافة الشباب.
هنا نستطلع آراء الفتيات حول مصادر ثقافتهن وتقييمهن لمدى إيجابيتها، وتحليل وضع جيلهن الثقافي من وجهة نظرهن، ومعرفة آرائهن ومقترحاتهن حول الحلول.
بداية تخبرنا، رائدة رشاد، موظفة شابة: عادة ما أستقي ثقافتي في المجال الذي أحبه، وهو الإقتصاد من الكتب والإنترنت، وأنا راضية عن مستوى ثقافتي الحالي. فهو يتناسب مع سني، كما أنني أسعى دائما إلى تطويره.
وتضيف: لكنني لاأستطيع أن أنكر أن جيلنا يعاني من مشكلة أنحدار ثقافي، حيث أصبحت الفتيات يعتبرن الكتاب حملا ثقيلا عليهن، أما الثقافة التي يهتمن بها فهي بعيدة عن مفهوم الثقافة المطلوبة، ولا شك أن المسؤول عن ذلك الأمر هو أسلوب التعليم المتبع في مدارسنا، والذي جعل الدراسة تصبح وكأنها وجبة take away.
وعن الحلول من وجهة نظرها. تقول: يبدأ الحل من المدارس من خلال عودة النشاط اللامنهجي فيها. وإصدار المجلات الطلابية، وتشجيع الطلاب على حب البحث عن المعرفة، من خلال العمل الجماعي للإنتاج أعمال تستقي معطياتها من ينابيع الثقافة المختلفة.
هروب من روتين الدراسة
وتقول هاجر صالح. طالبة: بصراحة جيلنا الحالي لا يهتم كثيرا بالثقافة المفيدة، كالأدب والعلوم والتاريخ والرياضيات، فنحن نرى أن هذه المجالات لا تجذبنا، ولكن هذا لا يعني أننا لا نحب القراءة وتصفح الإنترنت، ولكن في الأمور التي تهمنا، كالأخبار الخفيفة والطريفة، والأغاني والفن.. وسبب ميولنا نحوها أننا نكون قد تشبعنا مما نأخذه في المدرسة، ومللنا منه، الأمر الذي يجعلنا نهرب من هذه المجالات إلى أخرى مسلية، يتم عرض مضامينها بطرق أكثر جاذبية، بما يتناسب مع أعمارنا وميولنا.
أما أروى الركابي، صحافية، فتقول: للثقافة مصادر كثيرة ووفيرة لمن يريدها ويسعى وراءها، وفي رأيي أن أهم مصدر للثقافة بلا منازع هو الكتاب. يليه بعض المجلات الثقافية، ثم الإنترنت وسيلة العصر، كما أن الإختلاط بالناس بشتى اهتماماتهم وثقافاتهم يعتبر مصدرا ثقافيا مهما.
أما بالنسبة للمجالات التي تحظى باهتمامي فهي منوعة منها الإجتماعية، والسياسية، والعلوم الدينية، وعلم النفس، والآداب العالمية، كما أنني بطبيعة عملي وشغفي بالقراءة والتثقيف، أحاول أن أطلع على كل ما يمكنني الإطلاع عليه.
وسائل الإعلام
لمعرفة رأي القائمين على الإنتاج في وسائل الإعلام. وعن تأثير هذه الوسائل المختلفة في ثقافة الشباب والفتيات، توجهنا لنبيل المساعفة، مدير الإنتاج في قناة "الرسالة" الذي قال:
لا شك أن الإعلام بوسائله المختلف له تأثير كبير وفعال في الشباب، وهو من الوسائل الرئيسية والفعالة التي تسهم في إثراء ثقافة الشباب أو تسطيحها أو انحدارها. وهذا التأثير يقاس غالبا بتهافت أصحاب الماركات التجارية على الإعلام خلال المواد واستقطابها للشرائح المختلفة من الشباب.
ويضيف: لا نستطيع الجزم ماإذا كانت المواد المقدمة عبر وسائل الإعلام تؤثر في ثقافة الشباب سلبا أو إيجابا، حيث إن ذلك يتوقف على توجه القناة ونوعية البرامج والمواد المقدمة فيها، وما إذا كانت هادفة أم غير هادفة، لكن الحقيقة برأيي أن نسبة الممواد غير الهادفة. إن لم تكن الهدامة، أكبر من مثيلاتها الهادفة، التي تسهم في بناء ثقافة جيل الشباب، والسبب في ذلك أن القائمين على وسائل الإعلام ينظرون للموضوع بنظرة ربحية بحتة.
ويستطرد: لكل هناك بوادر إيجابية في هذا المجال، حيث بدأت تظهر الخبرة في مجال الإعلام الأسري والإعلام الإسلامي الهادف.
وعن الحلول يخبرنا: يجب الوعي من قبل القائمين على الإنتاج في هذه الوسائل بمدى تأثير ما يقدمونه في الشباب، وبدورهم في النهوض بفكر هؤلاء الشباب وإثراء ثقافتهم، الأمر الذي سيدفعهم إلى التفكير في إنتاج برامج ثقافية فكرية هادفة على مستوى عال من الجودة وبأساليب مميزة جذابة تتناسب مع ميول هذه الشريحة حتى يتحقق الهدف المنشود منها.
التعليم المنفرة، وعزوف الشباب أنفسهم عن القراءة، في حين نجد قضاء الوقت في التنزه والشات ومتابعة التلفاز أسهل وأمتع، فأنا أرى أن أساس الثقافة نهم وفضول وحب للمعرفة، وهو أمر يتوقف على الشخص ذاته.
وعن الحل تخبرنا الركابي: أولا يجب إعادة النظر في فلسفة التعليم، وتنمية حب الثقافة لدى الأطفال منذ الصغر، أما بالنسبة للشباب فعليهم أن يدركوا أولا أنهم يعانون من أزمة قد تؤثر عليهم بالسلب، وأنهم المسؤولون عن حلها، من خلال تخصيص وقت للمشاهدة والإطلاع على بعض ما هو مفيد.
أما نائلة عبد الكريم، فتقول: أنا غير راضية عن مستوى ثقافتي الحالي، فأنا دائما أتطلع إلى الأفضل. وأرى أن المشكلة الحقيقية في أن الشباب يملأون أوقات فراغهم بأشياء سطحية، فهم عندما يقرأون أو يتصفحون الإنترنت، فإنهم يبحثون عن المعلومات ذات الطابع الترفيهي، وللأسف انتشار الفضائيات والثورة الإلكترونية أدى إلى إلهاء الشباب عن الثقافة. كما ترى أن الإعلام هو من قاد الشباب نحو السطحية، من خلال كثرة المواد والبرامج التي تعرض حول الفن والأغاني والجمال والموضة، الأمر الذي صرف الأنظار عن مفهوم الثقافة المفيدة وأهميتها في تشكيل الوعي والسلوك السليم.
بعد التعرف على آراء الفتيات. سألنا الكاتبة والشاعرة، نعمة النواب، التي تعمل كقيادية عالمية شابة في مؤتمر الإقتصاد العالمي، عن تحليلها لوضع الشباب الثقافي، فقالت: من خلال احتكاكي المباشر بأوساط الشباب المختلفة، أرى أنهم ضحايا لعدة عوامل ساهمت في سطحية ثقافتهم وتشتيت انتباههم عما يفيديهم، فأنا لا أظن أنهم يرفضون الثقافة في حد ذاتها، فهذا الجيل لديه إمكانيات عقلية مذهلة لا يمكن الإستهانة بها، كما أنه يتميز بسرعة البديهة والإستيعاب، لكن الفيصل في طريقة تقديم المعارف المنوعة والمناسبة له. فمثلا الكتاب التقليدي لم يعد الوسيلة المفضلة للشباب الآن مع ظهور الإنترنت، التي تقدم إبهارا بصريا أكبر من الكتاب، الذي غالبا ما يعاني من سوء الإخراج وعدم التطوير في أساليبه.
لذا فإن علينا تقديم المعلومة لهذا الجيل بوسائل حديثة تواكب العصر، فمثلا فيلم علمي أو تسجيلي قصير سيوصل المعلومة بشكل أفضل وأسرع من الكتاب، المعتمد على سرد المعلومات بشكل متسلسل. كما أن فكرة ورش العمل المعتمدة على التفاعل والمشاركة والتوصل للمعلومة عن طريق الإستنتاج، تناسب الشباب أكثر من أسلوب التلقين المباشر، الذي تعود عليه هذا الجيل، مما جعله يعتاد على الدراسة فقط من أجل الإختيار، وهذا أكبر خطأ جناه التعليم على شباب هذا الجيل.
وتضيف: يجب ألانغفل أيضا دور وسائل الإعلام، التي طالما استخدمت وسائل الجذب والإبهار في تقديم المضامين غير المفيدة، بينما أبقت المضامين الثقافية والعلمية على صورتها التقليدية البحتة، وهذا سوء تخطيط من قبل القائمين عليها. وعلى الرغم من ذلك تنظر "النواب" نظرة تفاؤلية لهؤلاء الشباب، تقول: لدى الشباب هوايات رهيبة، وطموحات كبيرة، لكنها متخصصة في مجالات بعينها، كما أن بينهم مجموعة كبيرة تحب القراءة وتحرص على المعرفة.
وعن الحلول من وجهة نظرها: أهمها وجوب زيادة الوعي لدى الأهل والمدارس بأهمية خلق البيئة الشجعة على الثقافة والإبداع، وذلك بغرس حب الثقافة لديهم، وتعويدهم على القراءة في مختلف المجالات. أما بالنسبة للشباب أنفسهم، فبداية يجب على المجتمع والمثقفين عدم نبذهم وإشعارهم بأنهم جيل ها ولا رجاء منه، بل يجب بث الأمل في صدورهم، ومساعدتهم على تعديل وجهتهم من الإهتمام بالمضامين غير المفيدة، إلى الإهتمام بكل ما هو جدي ومفيد، وفق ما يتناسب مع ميولهم وهوياتهم.
بين الماضي والحاضر
وتخبرنا التربوية ماجدة الجارودي، الأستاذة المساعدة بكلية التربية قسم الإداري التربوية بجامعة الملك سعود. تحليلها للظاهرة قائلة: لا شك أن الشباب والفتيات يعانون من أزمة ثقافية حقيقية أفرزتها العولمة الثقافية، حتى أصبحت هامشية الثقافة ظاهرة عالمية لا تقتصر على شبابنا فقط، وهذا يبعد الظن من وجهة نظري عن كون الأمر يتبع نظرية المؤامرة. فالغالبية العظمى أصبحت ثقافتهم محصورة ما بين الأغاني والفن والألعاب والرياضة، حتى ثقافة السلوك تغيرت، فذهب احترام العلماء والإلتفاف حولهم وتقدير مجهودهم. ولنضرب مثلا بسيطا على ذلك، فقديما في عصر الأدباء والعلماء الذهبي كان المقهى مكانا لتجميع المفكرين وقلاءة الصحف والتشاور في مختلف القضايا الفكرية، أما الآن فالمقهى مكان للتدخين والمعاكسات ومشاهدة المباريات الرياضية والمواد الترفهية، فنحن الآن ما زال لدينا العلماء والأدباء، لكن أين الإلتفاف حولهم والإستفادة منهم؟
وسألنا الجارودي، هل المشكلة في المناهج التعليمية؟ فأجابت: إطلاقا، فمناهجنا التعليمية لا غبار عليها، لكن الكارثة في إدارتها وطريقة تدريسها.
وترى الجارودي، أن الحل لا يكمن إلا في العمل يدا واحدة، وتكاتف الجهود ما بين الحكومات والمؤسسات التعليمية والإعلامية والرقابية. في وضع خطة محكمة لتوجيه الشباب في الإتجاه السليم.
.........
موقع البلاغ.