[right]كيف نزرع الأمل في نفوس شبابنا؟
كيف نزرع الأمل؟
وكيف نصنعه؟
ذلك فنّ لا يجيده كلّ أحد.
وهو إيمان راسخ لا يمتلكه إلاّ المؤمنون بدينهم أو قضاياهم.
فالإيمان والأمل توأمان، ذلك أنّ المؤمن لا يقع في اليأس حتى ولو تضاءلت أو
انعدمت عوامل الأمل لديه، لأنّ اليأس (كفر): (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87).
فاليأس إماّ
شاكّ بقدرة الله أو بعلمه، وكلاهما _ كما يقول بعض المفسِّرين _ كفر.
وإذا أردنا أن نعقد مقارنة سريعة بين ملامح (الأمل) وملامح (اليأس) فيمكن
أن نلتقي بالمعاني التالية:
الأمل: إيمان، أمان، نور، ثقة، قوّة، حركة، حياة، مقاومة.
اليأس: كفر، خوف، ظلمة، فقدان، للثقة، ضعف، جمود، موت، استسلام.
فما هي العوامل والدواعي التي تعزّز الأمل في نفوسنا كشباب وفتيات؟
وما هي
العوامل التي تدعو إلى اليأس؟
1-المرحلة العمرية:
فمرحلة الشباب هي ربيع العمر، وهي مرحلة الأمل والتفاؤل لأنّها مرحلة
الانفتاح على الحياة والمستقبل، وتحدِّي المخاطر والصعوبات، وبالتالي فهي
مرحلة الخصب والنماء والعطاء.
ولذلك يُفترض أن تغيب أو تسقط من قاموس الشباب المؤمن مفردات من قبيل:
الاحباط، الفشل، الطريق المسدود، اليأس، القنوط، التشأوم، التقوقع،
الانكماش، انطفاء الجذوة، خمود الهمة، الانتكاسة.. وما شاكل، لتحلّ محلّها
كلمات: التفاؤل، تكرار المحاولة، ربح المحاولة، إعادة الكرّة، صفحة جديدة،
النهوض من جديد، العزم، الاصرار، المواصلة.. وما إلى هناك.
2-رؤية الإيجابي إلى جانب السلبي:
فالتركيز على السلبيات وحدها يعمّق معنى اليأس في النفس، فاليائس لا يرى
سوى الظلمة والخيبة والخسران. إنّه كما هو الوصف التقريبي للحالة: يرى
النصف الفارغ من الكأس، أماّ المتفائل فهو الذي يرى النصف المملوء منه.
فليس هناك سلبي مطلق لا يخلو من إيجابيات، وليس هناك إيجابي مطلق لا يخلو
من سلبيات..وتلك هي نسبية الحياة الدنيا في كلّ شؤونها وشجونها.
إنّ الذي يرى (الألطاف الخفيّة) وهي الايجابيات غير المرئية لأيّ حدث أو
مشكلة أو مصيبة.. إنسان يعيش الأمل.
والذي يرى في المتاعب والمآسي والابتلاءات وجوهاً أخرى غير وجوهها البائسة
ويقول: "الخير فيما وقع" إنسان آمل يحمل استعداداً لتجاوز صدمة اللحظة
المباشرة.
والذي يلحّ في طلب شيء ولم يحصل عليه، أو تأخّر حصوله عليه، وهو يقول:
"لعلّ الذي أبطأ عنِّي هو خيرٌ لي لعلمه الله بعاقبة الأمور" هو الآخر
إنسان يرفض الوقوع في قبضة اليأس.
3-مداولة الأيام:
فدوام الحال _ عسراً كان أو يسراً خيراً كان أو شرّاً _ من المحال. فلقد
شاءت سنّة الله أن يقلّب الأيام والأحوال (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140).
ولذلك قيل: "الدهر يومان، يوم لك ويوم
عليك، فإن كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فاصبر".
وطالما أنّ السرّاء لا تبقى والضرّاء لا تدوم، فلنا أن نأمل أياماً هانئة
طيبة.
فلقد جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال له: لقد كانت الليلة البارحة من
أشدّ الليالي نكداً علىَّ يا رسول الله (ص).
فقال له الرسول (ص) ما معناه:
قل الحمد لله. فقال الرجل: أقول أشدّ الليالي، وتقول الحمد لله. فقال له
(ص): قل الحمد لله لأنّها مضت وانقضت، أي لم تستمر لتحوّل نهارك التالي إلى
ليل آخر من المعاناة.
فهذا التحوّل الجاري والمتصرّف بشؤون الناس وأحوالهم بين سعد وشقاء وعسر
ورخاء، نعمة مجهولة، فلو أدار الذي يكابد الألم عينه إلى الوراء لرأى
أياماً بيضاء وليالي سعيدة، وستأتي عليه ساعات وأيام وليالي يخفّ فيها
الألم أو يزول، كما لمس ذلك بالتجربة، فليس الحزن بدائم وليس الفرح بدائم.
وما يدريك فلعلّ هذا الذي تشتكي منه قد يكون قياساً بأوقات لاحقة أشدّ
عسرة، هيّناً ليّناً، أو يبدو بالمقارنة مع حياة آخرين سعيداً كريماً. ولقد
عبرّ أحد الشعراء عن هذه الحالة أجمل تعبير حينما قال:
ربّ يوم بكيت منه فلّما ***** صرتُ في غيره بكيتُ عليه!
فالأيام السوداء قياساً بالأيام الحالكة السواد، تعدّ في نظر المتفائلين
أياماً محتملة، بل إنّهم يبصرون شعاع الأمل في كبد الحلكة وأحشاء الظلام،
فهناك شمس جنينية تمرّ بمرحلة مخاض ستولد عمّا قريب.
أي أنّهم وحسب التعبير النفسي "يمرّنون أعينهم الداخلية على مشاهدة الأمل
والاستمتاع به".
4-المصائب إذا عمّت هانت:
الفرق بين الآملين واليائسين، أنّ الانسان الذي يحيا الأمل تهون مصيبته
ويخفت ألمه ويهدأ قلقه، خاصّة إذا تأمّل فيما حوله فرأى أنّ هناك من يشتكي
مما يشتكي منه وربّما أكثر من شكواه.
أمّا اليائس فلا يرى مصيبة في الكون
سوى مصيبته.
لقد عبّرت الشاعرة (الخنساء) التي بكت أخاها (صخراً) زمناً طويلاً عن هذه
الحالة بقولها:
ولو لا كثرة الباكين حولي ***** على إخوانهم لقتلتُ نفسي
فحينما تصاب بألم وتنكب بنكبة، وتعاني من أزمة، أدر بصرك من حولك لترى أنّ
المتألمين كُثر، وأنّ المنكوبين عدد لا يستهان به، وأنّ الدامعة عيونهم
والمجروحة قلوبهم في ازدياد، بما ينسيك ما أنت فيه من همّ أو غمّ أو ألم.
5-لله في الكون والحياة سنن فتأمّلها:
لقد سبق القول إنّ لله تعالى يداول الأيام، أي لا يتركها على حال أبداً،
فكلّ يوم هو في شأن، وقد ينقل أحدنا من درجة الأشقياء إلى درجة السعداء،
نتيجة عمل صالح يقوم به، أو كلمة طيِّبة يرتجي بها رضاه.
ثمّ أنّ رحمته التي وسعت كلّ شيء، أنّه قريب من المحسنين، يقابل إحسانهم
بإحسان أعظم منه، فهو سبحانه وتعالى حينما يحدِّثنا عن نجاة يونس (ع) يقول:
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88).
فقد نكون في قلب الحوت وتدركنا الرحمة،
وفي قلب النار كإبراهيم (ع) وتدركنا الرحمة، ذلك أنّ (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)
(الطلاق/ 2-3).
وقد ربط سبحانه بين تغييره لما بنا نحو الأفضل بتغييرنا لأنفسنا باتجاه
الأفضل (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).
فليست حياة البؤس قدراً مقدوراً.. وليست حياة الذلّ في قبضة الظالمين
مصيراً محتوماً لا يمكن تغييره.. وليس الفقر عامة مستديمة لا يمكن علاجها،
وصادق هو الشاعر الذي يقول:
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة ***** فلابدّ أن يستجيب القدر
ولابدّ لليل أن ينجلي ***** ولابدّ للقيد أن ينكسر
ولقد شاءت حكمته وإرادته سبحانه وتعالى أن يجعل اليسر رفيقاً للعسر
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/
5-6).
فراحة مع تعب، وعافية مع مرض، ورزق مع ضيق، ونجاح مع فشل، ونصر مع
هزيمة.
وقد لا نرى هذا اليسر بأمّ أعيننا، فقد يكون لطفاً خفيّاً، ونعمة غير
مرئية، وقد تكشف الأيام بعض أو كلّ ذلك اللطف الذي عبّر عنه القرآن بالنعم
الظاهرة والباطنة.
وبناءً على ذلك كلّه، كان من بين وسائل التسلّح بالأمل (الصبر) الذي يأتي
بالنتائج الطيِّبة "مَن صبر ظفر ومَن لجّ كفر". فالدعوة إلى الصبر على
المصيبة (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الأمُورِ) (لقمان/ 17).
والاعتقاد بأنّ الله يملكنا وهو قادر في أيّة لحظة
أن يهلكنا (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156).
كلّ ذلك يهون وقع المصائب ويخفف كثيراً من وطأتها علينا.
6-الاطمئنان بالوعد الإلهي:
وعد الله المؤمنين والصالحين والمتّقين والعاملين وعوداً كثيرة، وهو في كلّ
ما وعد صادق الوعد (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) (النساء/
122).والتأمّل في هذه الوعود يزرع في النفوس أشجار الأمل الظليلة.
فحينما نقرأ قوله (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج/
38)، وقوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ) (محمّد/ 7)،وقوله:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا) (النور/ 55)،
وقوله:(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(الأعراف/ 128)
وغيرها كثير من آيات شرح الصدر، فإننّا لا نملك إلاّ أن
نعيش في بحبوحة أمل دائم لا يزول ومشرق لا يأفل.
البلاغ
كيف نزرع الأمل؟
وكيف نصنعه؟
ذلك فنّ لا يجيده كلّ أحد.
وهو إيمان راسخ لا يمتلكه إلاّ المؤمنون بدينهم أو قضاياهم.
فالإيمان والأمل توأمان، ذلك أنّ المؤمن لا يقع في اليأس حتى ولو تضاءلت أو
انعدمت عوامل الأمل لديه، لأنّ اليأس (كفر): (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87).
فاليأس إماّ
شاكّ بقدرة الله أو بعلمه، وكلاهما _ كما يقول بعض المفسِّرين _ كفر.
وإذا أردنا أن نعقد مقارنة سريعة بين ملامح (الأمل) وملامح (اليأس) فيمكن
أن نلتقي بالمعاني التالية:
الأمل: إيمان، أمان، نور، ثقة، قوّة، حركة، حياة، مقاومة.
اليأس: كفر، خوف، ظلمة، فقدان، للثقة، ضعف، جمود، موت، استسلام.
فما هي العوامل والدواعي التي تعزّز الأمل في نفوسنا كشباب وفتيات؟
وما هي
العوامل التي تدعو إلى اليأس؟
1-المرحلة العمرية:
فمرحلة الشباب هي ربيع العمر، وهي مرحلة الأمل والتفاؤل لأنّها مرحلة
الانفتاح على الحياة والمستقبل، وتحدِّي المخاطر والصعوبات، وبالتالي فهي
مرحلة الخصب والنماء والعطاء.
ولذلك يُفترض أن تغيب أو تسقط من قاموس الشباب المؤمن مفردات من قبيل:
الاحباط، الفشل، الطريق المسدود، اليأس، القنوط، التشأوم، التقوقع،
الانكماش، انطفاء الجذوة، خمود الهمة، الانتكاسة.. وما شاكل، لتحلّ محلّها
كلمات: التفاؤل، تكرار المحاولة، ربح المحاولة، إعادة الكرّة، صفحة جديدة،
النهوض من جديد، العزم، الاصرار، المواصلة.. وما إلى هناك.
2-رؤية الإيجابي إلى جانب السلبي:
فالتركيز على السلبيات وحدها يعمّق معنى اليأس في النفس، فاليائس لا يرى
سوى الظلمة والخيبة والخسران. إنّه كما هو الوصف التقريبي للحالة: يرى
النصف الفارغ من الكأس، أماّ المتفائل فهو الذي يرى النصف المملوء منه.
فليس هناك سلبي مطلق لا يخلو من إيجابيات، وليس هناك إيجابي مطلق لا يخلو
من سلبيات..وتلك هي نسبية الحياة الدنيا في كلّ شؤونها وشجونها.
إنّ الذي يرى (الألطاف الخفيّة) وهي الايجابيات غير المرئية لأيّ حدث أو
مشكلة أو مصيبة.. إنسان يعيش الأمل.
والذي يرى في المتاعب والمآسي والابتلاءات وجوهاً أخرى غير وجوهها البائسة
ويقول: "الخير فيما وقع" إنسان آمل يحمل استعداداً لتجاوز صدمة اللحظة
المباشرة.
والذي يلحّ في طلب شيء ولم يحصل عليه، أو تأخّر حصوله عليه، وهو يقول:
"لعلّ الذي أبطأ عنِّي هو خيرٌ لي لعلمه الله بعاقبة الأمور" هو الآخر
إنسان يرفض الوقوع في قبضة اليأس.
3-مداولة الأيام:
فدوام الحال _ عسراً كان أو يسراً خيراً كان أو شرّاً _ من المحال. فلقد
شاءت سنّة الله أن يقلّب الأيام والأحوال (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140).
ولذلك قيل: "الدهر يومان، يوم لك ويوم
عليك، فإن كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فاصبر".
وطالما أنّ السرّاء لا تبقى والضرّاء لا تدوم، فلنا أن نأمل أياماً هانئة
طيبة.
فلقد جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال له: لقد كانت الليلة البارحة من
أشدّ الليالي نكداً علىَّ يا رسول الله (ص).
فقال له الرسول (ص) ما معناه:
قل الحمد لله. فقال الرجل: أقول أشدّ الليالي، وتقول الحمد لله. فقال له
(ص): قل الحمد لله لأنّها مضت وانقضت، أي لم تستمر لتحوّل نهارك التالي إلى
ليل آخر من المعاناة.
فهذا التحوّل الجاري والمتصرّف بشؤون الناس وأحوالهم بين سعد وشقاء وعسر
ورخاء، نعمة مجهولة، فلو أدار الذي يكابد الألم عينه إلى الوراء لرأى
أياماً بيضاء وليالي سعيدة، وستأتي عليه ساعات وأيام وليالي يخفّ فيها
الألم أو يزول، كما لمس ذلك بالتجربة، فليس الحزن بدائم وليس الفرح بدائم.
وما يدريك فلعلّ هذا الذي تشتكي منه قد يكون قياساً بأوقات لاحقة أشدّ
عسرة، هيّناً ليّناً، أو يبدو بالمقارنة مع حياة آخرين سعيداً كريماً. ولقد
عبرّ أحد الشعراء عن هذه الحالة أجمل تعبير حينما قال:
ربّ يوم بكيت منه فلّما ***** صرتُ في غيره بكيتُ عليه!
فالأيام السوداء قياساً بالأيام الحالكة السواد، تعدّ في نظر المتفائلين
أياماً محتملة، بل إنّهم يبصرون شعاع الأمل في كبد الحلكة وأحشاء الظلام،
فهناك شمس جنينية تمرّ بمرحلة مخاض ستولد عمّا قريب.
أي أنّهم وحسب التعبير النفسي "يمرّنون أعينهم الداخلية على مشاهدة الأمل
والاستمتاع به".
4-المصائب إذا عمّت هانت:
الفرق بين الآملين واليائسين، أنّ الانسان الذي يحيا الأمل تهون مصيبته
ويخفت ألمه ويهدأ قلقه، خاصّة إذا تأمّل فيما حوله فرأى أنّ هناك من يشتكي
مما يشتكي منه وربّما أكثر من شكواه.
أمّا اليائس فلا يرى مصيبة في الكون
سوى مصيبته.
لقد عبّرت الشاعرة (الخنساء) التي بكت أخاها (صخراً) زمناً طويلاً عن هذه
الحالة بقولها:
ولو لا كثرة الباكين حولي ***** على إخوانهم لقتلتُ نفسي
فحينما تصاب بألم وتنكب بنكبة، وتعاني من أزمة، أدر بصرك من حولك لترى أنّ
المتألمين كُثر، وأنّ المنكوبين عدد لا يستهان به، وأنّ الدامعة عيونهم
والمجروحة قلوبهم في ازدياد، بما ينسيك ما أنت فيه من همّ أو غمّ أو ألم.
5-لله في الكون والحياة سنن فتأمّلها:
لقد سبق القول إنّ لله تعالى يداول الأيام، أي لا يتركها على حال أبداً،
فكلّ يوم هو في شأن، وقد ينقل أحدنا من درجة الأشقياء إلى درجة السعداء،
نتيجة عمل صالح يقوم به، أو كلمة طيِّبة يرتجي بها رضاه.
ثمّ أنّ رحمته التي وسعت كلّ شيء، أنّه قريب من المحسنين، يقابل إحسانهم
بإحسان أعظم منه، فهو سبحانه وتعالى حينما يحدِّثنا عن نجاة يونس (ع) يقول:
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88).
فقد نكون في قلب الحوت وتدركنا الرحمة،
وفي قلب النار كإبراهيم (ع) وتدركنا الرحمة، ذلك أنّ (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)
(الطلاق/ 2-3).
وقد ربط سبحانه بين تغييره لما بنا نحو الأفضل بتغييرنا لأنفسنا باتجاه
الأفضل (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).
فليست حياة البؤس قدراً مقدوراً.. وليست حياة الذلّ في قبضة الظالمين
مصيراً محتوماً لا يمكن تغييره.. وليس الفقر عامة مستديمة لا يمكن علاجها،
وصادق هو الشاعر الذي يقول:
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة ***** فلابدّ أن يستجيب القدر
ولابدّ لليل أن ينجلي ***** ولابدّ للقيد أن ينكسر
ولقد شاءت حكمته وإرادته سبحانه وتعالى أن يجعل اليسر رفيقاً للعسر
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/
5-6).
فراحة مع تعب، وعافية مع مرض، ورزق مع ضيق، ونجاح مع فشل، ونصر مع
هزيمة.
وقد لا نرى هذا اليسر بأمّ أعيننا، فقد يكون لطفاً خفيّاً، ونعمة غير
مرئية، وقد تكشف الأيام بعض أو كلّ ذلك اللطف الذي عبّر عنه القرآن بالنعم
الظاهرة والباطنة.
وبناءً على ذلك كلّه، كان من بين وسائل التسلّح بالأمل (الصبر) الذي يأتي
بالنتائج الطيِّبة "مَن صبر ظفر ومَن لجّ كفر". فالدعوة إلى الصبر على
المصيبة (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الأمُورِ) (لقمان/ 17).
والاعتقاد بأنّ الله يملكنا وهو قادر في أيّة لحظة
أن يهلكنا (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156).
كلّ ذلك يهون وقع المصائب ويخفف كثيراً من وطأتها علينا.
6-الاطمئنان بالوعد الإلهي:
وعد الله المؤمنين والصالحين والمتّقين والعاملين وعوداً كثيرة، وهو في كلّ
ما وعد صادق الوعد (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) (النساء/
122).والتأمّل في هذه الوعود يزرع في النفوس أشجار الأمل الظليلة.
فحينما نقرأ قوله (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج/
38)، وقوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ) (محمّد/ 7)،وقوله:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا) (النور/ 55)،
وقوله:(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(الأعراف/ 128)
وغيرها كثير من آيات شرح الصدر، فإننّا لا نملك إلاّ أن
نعيش في بحبوحة أمل دائم لا يزول ومشرق لا يأفل.
البلاغ
عدل سابقا من قبل أن تعرف أكثر في الثلاثاء يناير 25, 2011 11:47 pm عدل 1 مرات