ثقافة الموت..من الذي يدعمها و يشكلها؟
د. سعود هلال الحربي.
.......
البيئة الثقافية هي الحاضنة لكل الأفكار التي تسود المجتمع،بل تشكل رحماً خاصاً تغذيها و تمدها بالنماء،و كلما ارتقت هذه البيئة و أصبحت غنية بمعطياتها شكل ذلك زخماً من القيم الإيجابية التي بدورها تحدد سلوك الأفراد،و تشكل أيضاً مرجعية يحكمون من خلالها على ما يصدر عنهم من سلوك ظاهرياً أم باطنياً كان،ففي الحرب مثلا سواء أكانت حاصلة فعلاً أم استنزافية أم حتى باردة،نجد أن هناك ثقافة تقود كل التوجهات القيمية و السلوكية،و هذه مسألة طبيعية لأنّها تشكل استجابة لواقع فرضته الحرب على الإنسان،و في حالات السلم يجب أن تسود القيم التي تقدر الحياة و الإنسان،و كل ما من شأنه أن يرفع من قيمة الإنسانية.
و لكن ماذا عن ثقافة الموت؟
و من الذي يدعمها و يشكلها؟
فإذا كانت حالات الحروب تجعل الموت حالة حتمية،فماذا عن حالات السلم أو الحالات التي نفترض أنها حالات صراع حتى و إن كانت غير ذلك،هذه الثقافة التي تروج للموت حتى إن كان عبثياً ثقافة أثرت سلباً في حياتنا،و ساعد الإعلام العربي في بعض صوره و محطاته على تثبيت هذه الثقافة و نشر مثل هذه الأفكار،فعندما يموت أناس عزل من السلاح لا ناقة لهم و لا جمل في أي صراع نجد أن هناك من يقفز و يطرب فرحاً.
و عندما تنسف المباني المدنية هناك من يصرح و يرفع عقيرته ليمجد من قام بهذا الأعمال،و عندما يقتل إنسان نفسه بحجة الانتحار و التضحية هناك من يجعله شهيداً و يدخله الجنة،متناسياً أن كلمة شهيد كبيرة،و دخول في علم الله،و كأنّه يشهد مع الله والملائكة أن فلاناً في الجنة.
هنا خلطوا بين الجهاد و الانتحار و قتل الأبرياء و ترويع الآمنين،شيء مؤسف و مؤلم ما نسمعه و نراه،من التثبيت المتعمد لثقافة الموت،فبه هدم للإنسان و قيمه السامية،و به تشجيع على الغلو و التطرف،الذي يؤدي إلى الإرهاب،و الضحية هم دائماً الأبرياء،فمتى تتوقف سموم ثقافة الموت،حتى لا تجرنا إلى نتائج لا يحمد عقباها.
....
المصدر: كتاب العيش في الحقيقة (مقالات في الفكر و الثقافة).
موقع البلاغ.
د. سعود هلال الحربي.
.......
البيئة الثقافية هي الحاضنة لكل الأفكار التي تسود المجتمع،بل تشكل رحماً خاصاً تغذيها و تمدها بالنماء،و كلما ارتقت هذه البيئة و أصبحت غنية بمعطياتها شكل ذلك زخماً من القيم الإيجابية التي بدورها تحدد سلوك الأفراد،و تشكل أيضاً مرجعية يحكمون من خلالها على ما يصدر عنهم من سلوك ظاهرياً أم باطنياً كان،ففي الحرب مثلا سواء أكانت حاصلة فعلاً أم استنزافية أم حتى باردة،نجد أن هناك ثقافة تقود كل التوجهات القيمية و السلوكية،و هذه مسألة طبيعية لأنّها تشكل استجابة لواقع فرضته الحرب على الإنسان،و في حالات السلم يجب أن تسود القيم التي تقدر الحياة و الإنسان،و كل ما من شأنه أن يرفع من قيمة الإنسانية.
و لكن ماذا عن ثقافة الموت؟
و من الذي يدعمها و يشكلها؟
فإذا كانت حالات الحروب تجعل الموت حالة حتمية،فماذا عن حالات السلم أو الحالات التي نفترض أنها حالات صراع حتى و إن كانت غير ذلك،هذه الثقافة التي تروج للموت حتى إن كان عبثياً ثقافة أثرت سلباً في حياتنا،و ساعد الإعلام العربي في بعض صوره و محطاته على تثبيت هذه الثقافة و نشر مثل هذه الأفكار،فعندما يموت أناس عزل من السلاح لا ناقة لهم و لا جمل في أي صراع نجد أن هناك من يقفز و يطرب فرحاً.
و عندما تنسف المباني المدنية هناك من يصرح و يرفع عقيرته ليمجد من قام بهذا الأعمال،و عندما يقتل إنسان نفسه بحجة الانتحار و التضحية هناك من يجعله شهيداً و يدخله الجنة،متناسياً أن كلمة شهيد كبيرة،و دخول في علم الله،و كأنّه يشهد مع الله والملائكة أن فلاناً في الجنة.
هنا خلطوا بين الجهاد و الانتحار و قتل الأبرياء و ترويع الآمنين،شيء مؤسف و مؤلم ما نسمعه و نراه،من التثبيت المتعمد لثقافة الموت،فبه هدم للإنسان و قيمه السامية،و به تشجيع على الغلو و التطرف،الذي يؤدي إلى الإرهاب،و الضحية هم دائماً الأبرياء،فمتى تتوقف سموم ثقافة الموت،حتى لا تجرنا إلى نتائج لا يحمد عقباها.
....
المصدر: كتاب العيش في الحقيقة (مقالات في الفكر و الثقافة).
موقع البلاغ.