قرويات المغرب "العميق"،أنوثة تتحدى قسوة الزمن و الذكورية.
موقع صوت ألمانيا.
.........
في إحدى قرى المغرب العميق،مازالت النساء يعشن في وضعية صعبة بعيدة عن ما يروج له من مكتسبات و حقوق تتمتع بها المغربيات، DW عربية كانت هناك لتنقل جزءا من واقع هؤلاء النسوة.
...
على بعد حوالي 300 كلم جنوب مدينة مراكش عاصمة السياحة في المغرب،و بعيدا عن صخبها و طابعها العصري،تنتصب قرية "تامساهلت" النائية في أعماق جبال الأطلس.
في الطريق إليها قادتنا رائحة الحناء و التمور أشهر منتوجات المنطقة.
النسوة هنا يتخذن مظهرا غير الذي تتخذه نساء مراكش العصريات و سائحاتها،يتبادر للمتنقل بين المكانين،أنه انتقل من بلد إلى آخر مختلف تماما.
....
تقع "تامساهلت" في ضمن ما يطلق عليه هنا بـ"المغرب غير النافع"،و هي من القرى التي يقطنها الأمازيغ فقط،و تختلف العادات التقاليد هنا عن أي منطقة في المغرب،غير أن وضعية نساء "تامساهلت" و مشاكلهن لا تختلف كثيرا عن نظيراتهن في باقي قرى المملكة.
.........
نساء بقوة الرجال.
"تودة" شابة تبلغ من العمر 34 عاما،عادت لتعيش هنا في بيت أهلها بعد طلاقها منذ سبع سنوات،تقول إن وضع المرأة المطلقة هنا أكثر سوءًا من الفتاة،"الطلب يقل عليها لأن كل الرجال يفضلون البكر".
لكن الجحيم الذي عاشت فيه مع زوجها و حماتها يبقى "أرحم بكثير من نظرات الناس"،و تضيف بنبرة حسرة "مهما حدث الناس يتهمون المطلقة بأنها لم تنجح في تأسيس أسرة و في إرضاء زوجها و أهله و إلا لما أصبحت مطلقة".
تستيقظ تودة (إسم أمازيغي) كل يوم على الساعة الخامسة صباحا لتحضير الفطور و الطعام ثم حلب البقر،و تعدُ خبز الغذاء بالطريقة التقليدية،ثم تقوم بإطعام البهائم و سقيها ثم تحضير وجبة الغذاء،و بعدها تذهب إلى الحقول في الصباح و المساء لجلب العلف قبل العودة مرة أخرى لإطعام البهائم و حلبها،و أخيرا تحضير العشاء،هذا بالإضافة إلى مهام أخرى "غير منتظمة" مثل حمل الحطب من مسافات بعيدة جدا في الخلاء،و رعي الأغنام و تحضير الطعام للعاملين في حقول أهلها،إضافة إلى غسل ملابس أفراد العائلة،و تنظيف البيت و حياكة الزرابي.
"الرجل لا يفعل شيئا"،تقول تودة،و هو "عُرف" يبدو بديهيا هنا.
في البداية قالت إنها لا تعلم لماذا لا يفعل الرجال شيئا،قبل أن تعلق قائلة" أعتقد أنهم لا يجدون ما يفعلونه لأننا نفعل كل شيء".
رغم كون تودة الأكبر بين إخوتها إلا أن بإمكان أخيها الأصغر،كما تقول،أن يقرِعها بشدة إن هي مثلا ارتدت لباسا لا يجده هو مناسبا أو رآها تتحدث مع أحد رجال القرية من الغرباء.
"الغيرة هنا لها مفهوم آخر"،في هذه البقعة من المغرب مازالت تقع بين الفينة و الأخرى جرائم السبب فيها "الدفاع عن شرف العائلة".
زوج تودة السابق تزوج الآن من "شابة صغيرة" يكبرها بحوالي ثلاثين سنة،أنجبت له طفلة و يعيش حياة عادية،بينما هي مازالت تعاني مرارة الطلاق التي تغذيها قسوة الناس.
..........
لا أعراس للمطلقات.
و رغم جمالها المميز و إتقانها لمختلف أعمال البيت،(أهم معيارين في اختيار الزوجة هنا)،إلا أنه لم يتقدم لخطبتها حتى الآن سوى أحد شيوخ القرية،و قد جرت العادة هنا على أن يتزوج الشيوخ من المطلقات أو اللواتي تجاوزن سن الزواج المتعارف عليه في القرية.
..
و تشكل المرأة هنا العمود الفقري للعائلة أولا لكونها مطالبة بالقيام بكل شيء،ثم بالنظر للمكانة التي تحظى بها المرأة في الثقافة الأمازيغية،و هنا حيث أيادي الرجال أنعم بكثير من أياديهن،تحاول ملامح الجمال الأمازيغي المميز المتجسدة في وجوه بنات "تامساهلت"،مقاومة الزمن و قساوة العيش و المناخ،و لا تجد المرأة هنا فرصة للزينة و الدلال سوى في يوم زفافها،حفل لا تحظى به سوى المحظوظات من العذروات.
مع كل هذا لا تطالب تودة بنقص أعبائها اليومية أو تغيير واقعها كمطلقة،و لا بأن يشاطرها إخوانها بعض الأعمال الشاقة،بل فقط بأنشطة تؤنسها في وقت فراغها الضيق أصلا،كتعلم حرفة ما تحصل من خلالها على مردود مالي لتغطية حاجياتها الشخصية،"أختي تهوى الطبخ و تحضير الحلويات المغربية و تتمنى لو تجد فرصة لتعلم ذلك،لكن لا مكان لدينا لتعلم مثل هذه الأمور".
.........
مسؤولية من؟
قبل سنوات كانت الفتيات هنا ينقطعن عن الدراسة بمجرد وصولهن للمرحلة الإعدادية،و ذلك بسبب الظروف المادية لأسرهن و بعد المؤسسات التعليمية،لكن إحدى منظمات المجتمع المدني الأمريكية كانت أنشئت دارا للطالبات مجهزة بكل مستلزمات الدراسة،خطوة شجعت الفتيات على مواصلة الدراسة لكن القليل منهن فقط يواصلنها بعد الباكلوريا.
مطالب النساء و أمنياتهن هنا تبدو أبعد ما يكون عن تلك المعارك التي تخوضها النساء في المدن للمطالبة بتحقيق المساواة مع الرجل،أو تعزيز المشاركة السياسية النسائية،بيد أن صباح الشرايبي،المتخصصة في علم الاجتماع تقول خلال حديثها ل DW إن النساء القرويات حققن نتائج إيجابية في الانتخابات المحلية،أفضل من تلك التي حققتها النساء في المراكز الحضرية،لذا فـ"رغم التهميش الذي يطال النساء في القرى على مستوى التعليم و الصحة و التكوين و النقل...إلا أنه لا يمكن الجزم تلقائيا بأنهن يعشن وضعا أفضل من النساء في المدن".
و هو ما تشير إليه أيضا الناشطة الحقوقية سعاد التوفي بالقول "بالنسبة لي فوضع المرأة المغربية بشكل عام يشهد تراجعا و إن كان الأمر لا يبدو كذلك ظاهريا،و السبب في هذا التراجع هو استمرار طغيان العقلية الذكورية و عدم تطبيق بعض بنود القانون".
و مما يجعل أوضاع هؤلاء النساء أكثر سوءا،ضعف حضور منظمات المجتمع المدني و خصوصا المغربية، تقول تودة " حتى الآن حظينا لمرة واحدة فقط بمساعدات من جمعية أمريكية،لكنها رحلت بعد وقت، و عادت أوضاعنا إلى ما كانت عليه سابقا".
...
و تعيش نساء القرية على هاجس الخوف من الموت أولا بسبب ضعف المرافق الصحية،إذ يتطلب تلقي العلاج هنا التنقل إلى مدن أخرى،كما أن الطريق الوحيدة التي تربط القرية بالعالم الخارجي قد تنقطع في أي وقت بسبب تهاطل الأمطار،و هو ما أدى في مرات عديدة إلى وفاة نساء من القرية خلال المخاض بسبب تعذر نقلهن للمستشفى.
و تقول الشرايبي إن أي تدخل من طرف المجتمع المدني يلزمه تمويل من الدولة أو المؤسسات الخاصة، "قبل عشر سنوات كانت هناك مؤسسات تقدم دعما ماديا للجمعيات لكنها لم تعد اليوم للأسف،و لا يمكن الاعتماد كليا على تبرعات الناس لأنها لا تكفي خاصة أنه كلما ابتعدنا عن المدينة كلما زادت التكاليف و المصاريف"،و بدورها تقول التوفي أن العمل الجمعوي بشكل عام مسألة تطوعية لا يجب الاعتماد عليها كليا مضيفة أن توفير وسائل التنمية واجب على الدولة بينما ينحصر دور المجتمع المدني في دق ناقوس الخطر و كشف الواقع.
...........
30.09.2012
سهام أشطو- تامساهلت،جنوب المغرب.
موقع صوت ألمانيا.
تودة..و قصة معاناة قروية في أعماق جبال الأطلس...مسؤولية من؟
..........
الطريق الوعرة إلى الجبل مسلك يومي لنساء القرية.
موقع صوت ألمانيا.
.........
في إحدى قرى المغرب العميق،مازالت النساء يعشن في وضعية صعبة بعيدة عن ما يروج له من مكتسبات و حقوق تتمتع بها المغربيات، DW عربية كانت هناك لتنقل جزءا من واقع هؤلاء النسوة.
...
على بعد حوالي 300 كلم جنوب مدينة مراكش عاصمة السياحة في المغرب،و بعيدا عن صخبها و طابعها العصري،تنتصب قرية "تامساهلت" النائية في أعماق جبال الأطلس.
في الطريق إليها قادتنا رائحة الحناء و التمور أشهر منتوجات المنطقة.
النسوة هنا يتخذن مظهرا غير الذي تتخذه نساء مراكش العصريات و سائحاتها،يتبادر للمتنقل بين المكانين،أنه انتقل من بلد إلى آخر مختلف تماما.
....
تقع "تامساهلت" في ضمن ما يطلق عليه هنا بـ"المغرب غير النافع"،و هي من القرى التي يقطنها الأمازيغ فقط،و تختلف العادات التقاليد هنا عن أي منطقة في المغرب،غير أن وضعية نساء "تامساهلت" و مشاكلهن لا تختلف كثيرا عن نظيراتهن في باقي قرى المملكة.
.........
نساء بقوة الرجال.
"تودة" شابة تبلغ من العمر 34 عاما،عادت لتعيش هنا في بيت أهلها بعد طلاقها منذ سبع سنوات،تقول إن وضع المرأة المطلقة هنا أكثر سوءًا من الفتاة،"الطلب يقل عليها لأن كل الرجال يفضلون البكر".
لكن الجحيم الذي عاشت فيه مع زوجها و حماتها يبقى "أرحم بكثير من نظرات الناس"،و تضيف بنبرة حسرة "مهما حدث الناس يتهمون المطلقة بأنها لم تنجح في تأسيس أسرة و في إرضاء زوجها و أهله و إلا لما أصبحت مطلقة".
تستيقظ تودة (إسم أمازيغي) كل يوم على الساعة الخامسة صباحا لتحضير الفطور و الطعام ثم حلب البقر،و تعدُ خبز الغذاء بالطريقة التقليدية،ثم تقوم بإطعام البهائم و سقيها ثم تحضير وجبة الغذاء،و بعدها تذهب إلى الحقول في الصباح و المساء لجلب العلف قبل العودة مرة أخرى لإطعام البهائم و حلبها،و أخيرا تحضير العشاء،هذا بالإضافة إلى مهام أخرى "غير منتظمة" مثل حمل الحطب من مسافات بعيدة جدا في الخلاء،و رعي الأغنام و تحضير الطعام للعاملين في حقول أهلها،إضافة إلى غسل ملابس أفراد العائلة،و تنظيف البيت و حياكة الزرابي.
"الرجل لا يفعل شيئا"،تقول تودة،و هو "عُرف" يبدو بديهيا هنا.
في البداية قالت إنها لا تعلم لماذا لا يفعل الرجال شيئا،قبل أن تعلق قائلة" أعتقد أنهم لا يجدون ما يفعلونه لأننا نفعل كل شيء".
رغم كون تودة الأكبر بين إخوتها إلا أن بإمكان أخيها الأصغر،كما تقول،أن يقرِعها بشدة إن هي مثلا ارتدت لباسا لا يجده هو مناسبا أو رآها تتحدث مع أحد رجال القرية من الغرباء.
"الغيرة هنا لها مفهوم آخر"،في هذه البقعة من المغرب مازالت تقع بين الفينة و الأخرى جرائم السبب فيها "الدفاع عن شرف العائلة".
زوج تودة السابق تزوج الآن من "شابة صغيرة" يكبرها بحوالي ثلاثين سنة،أنجبت له طفلة و يعيش حياة عادية،بينما هي مازالت تعاني مرارة الطلاق التي تغذيها قسوة الناس.
..........
لا أعراس للمطلقات.
و رغم جمالها المميز و إتقانها لمختلف أعمال البيت،(أهم معيارين في اختيار الزوجة هنا)،إلا أنه لم يتقدم لخطبتها حتى الآن سوى أحد شيوخ القرية،و قد جرت العادة هنا على أن يتزوج الشيوخ من المطلقات أو اللواتي تجاوزن سن الزواج المتعارف عليه في القرية.
..
و تشكل المرأة هنا العمود الفقري للعائلة أولا لكونها مطالبة بالقيام بكل شيء،ثم بالنظر للمكانة التي تحظى بها المرأة في الثقافة الأمازيغية،و هنا حيث أيادي الرجال أنعم بكثير من أياديهن،تحاول ملامح الجمال الأمازيغي المميز المتجسدة في وجوه بنات "تامساهلت"،مقاومة الزمن و قساوة العيش و المناخ،و لا تجد المرأة هنا فرصة للزينة و الدلال سوى في يوم زفافها،حفل لا تحظى به سوى المحظوظات من العذروات.
مع كل هذا لا تطالب تودة بنقص أعبائها اليومية أو تغيير واقعها كمطلقة،و لا بأن يشاطرها إخوانها بعض الأعمال الشاقة،بل فقط بأنشطة تؤنسها في وقت فراغها الضيق أصلا،كتعلم حرفة ما تحصل من خلالها على مردود مالي لتغطية حاجياتها الشخصية،"أختي تهوى الطبخ و تحضير الحلويات المغربية و تتمنى لو تجد فرصة لتعلم ذلك،لكن لا مكان لدينا لتعلم مثل هذه الأمور".
.........
مسؤولية من؟
قبل سنوات كانت الفتيات هنا ينقطعن عن الدراسة بمجرد وصولهن للمرحلة الإعدادية،و ذلك بسبب الظروف المادية لأسرهن و بعد المؤسسات التعليمية،لكن إحدى منظمات المجتمع المدني الأمريكية كانت أنشئت دارا للطالبات مجهزة بكل مستلزمات الدراسة،خطوة شجعت الفتيات على مواصلة الدراسة لكن القليل منهن فقط يواصلنها بعد الباكلوريا.
مطالب النساء و أمنياتهن هنا تبدو أبعد ما يكون عن تلك المعارك التي تخوضها النساء في المدن للمطالبة بتحقيق المساواة مع الرجل،أو تعزيز المشاركة السياسية النسائية،بيد أن صباح الشرايبي،المتخصصة في علم الاجتماع تقول خلال حديثها ل DW إن النساء القرويات حققن نتائج إيجابية في الانتخابات المحلية،أفضل من تلك التي حققتها النساء في المراكز الحضرية،لذا فـ"رغم التهميش الذي يطال النساء في القرى على مستوى التعليم و الصحة و التكوين و النقل...إلا أنه لا يمكن الجزم تلقائيا بأنهن يعشن وضعا أفضل من النساء في المدن".
و هو ما تشير إليه أيضا الناشطة الحقوقية سعاد التوفي بالقول "بالنسبة لي فوضع المرأة المغربية بشكل عام يشهد تراجعا و إن كان الأمر لا يبدو كذلك ظاهريا،و السبب في هذا التراجع هو استمرار طغيان العقلية الذكورية و عدم تطبيق بعض بنود القانون".
و مما يجعل أوضاع هؤلاء النساء أكثر سوءا،ضعف حضور منظمات المجتمع المدني و خصوصا المغربية، تقول تودة " حتى الآن حظينا لمرة واحدة فقط بمساعدات من جمعية أمريكية،لكنها رحلت بعد وقت، و عادت أوضاعنا إلى ما كانت عليه سابقا".
...
و تعيش نساء القرية على هاجس الخوف من الموت أولا بسبب ضعف المرافق الصحية،إذ يتطلب تلقي العلاج هنا التنقل إلى مدن أخرى،كما أن الطريق الوحيدة التي تربط القرية بالعالم الخارجي قد تنقطع في أي وقت بسبب تهاطل الأمطار،و هو ما أدى في مرات عديدة إلى وفاة نساء من القرية خلال المخاض بسبب تعذر نقلهن للمستشفى.
و تقول الشرايبي إن أي تدخل من طرف المجتمع المدني يلزمه تمويل من الدولة أو المؤسسات الخاصة، "قبل عشر سنوات كانت هناك مؤسسات تقدم دعما ماديا للجمعيات لكنها لم تعد اليوم للأسف،و لا يمكن الاعتماد كليا على تبرعات الناس لأنها لا تكفي خاصة أنه كلما ابتعدنا عن المدينة كلما زادت التكاليف و المصاريف"،و بدورها تقول التوفي أن العمل الجمعوي بشكل عام مسألة تطوعية لا يجب الاعتماد عليها كليا مضيفة أن توفير وسائل التنمية واجب على الدولة بينما ينحصر دور المجتمع المدني في دق ناقوس الخطر و كشف الواقع.
...........
30.09.2012
سهام أشطو- تامساهلت،جنوب المغرب.
موقع صوت ألمانيا.
تودة..و قصة معاناة قروية في أعماق جبال الأطلس...مسؤولية من؟
..........
الطريق الوعرة إلى الجبل مسلك يومي لنساء القرية.