الرسم وسيلة أطفال سوريا للهروب من الحرب.
روبرت آشر/ عباس الخشالي
......
يهرب الأطفال من عالم الواقع إلى عالم الخيال و الرسوم،و في أيام الحرب يعكس الرسم ما شاهد الطفل من مآسي.
صفا فاقي فتاة عشرينية سورية تعلم أطفال الحرب في مخيمات اللاجئين كيف يعبرون عن دواخلهم من خلال رسومهم.
......
صفا تتحدى بشاعة الحرب و أعداء الحياة.
تعيش صفا فاقي البالغة من العمر 23 عاماً منذ سبعة أشهر في قرية عتمه شمال سوريا و التي تقع قرب الحدود التركية.
كان عدد سكان القرية أربعة آلاف شخص قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا،أما اليوم فقد تجاوز العشرين ألفا.
الكهرباء تصل القرية كل ساعتين فقط،هذا الأمر يؤثر على طبيعة حياة عائلة صفاء فدرجات الحرارة تنخفض بشدة خلال فصل الشتاء،و الحياة دون التدفئة و الكهرباء صعبة.
و لا شيء غير الحطب كوسيلة للتدفئة.
"مثل كل أسرة في سوريا نمتلك في حديقتنا أشجار الزيتون،لكننا بدأنا بقطعها و استخدام خشبها للتدفئة"،تقول صفا.
ثم تضيف: "قبل الثورة كان نظام الأسد سيئاً، ذأما اليوم فقد اخترنا بين الحرية أو الموت".
ولدت صفا و ترعرت في حلب و عندما شاهدت التغييرات التي حدثت خلال ما أطلق عليه ثورات "الربيع العربي"،بداية من تونس و وصولاً إلى مصر و اليمن ثم ليبيا،كانت صفا تأمل بوصول شرارة هذه الثورات إلى سوريا.
لكن احتمال اندلاع ثورة في سوريا كان يقارب المستحيل في تفكيرها لكن هذا حدث،و عندها شاركت صفا في التظاهرات المطالبة بالتغيير.
كان من الصعب على والد صفا البالغ من العمر أربعين عاماً أن يغطي نفقات أسرته براتب شهري يصل إلى مائتي يورو فقط.
و كان يحزنه مشاهدة شباب يتسلقون مناصب حكومية بشكل سريع و يتلقون رواتب شهرية جيدة بسبب العلاقات.
"في البداية خرجنا للشارع رافعين شعار"الشعب يريد إسقاط النظام"،و كنت آمل أن تبقى ثورتنا سلمية،حالها حال ثورتي تونس و مصر".
مثلما تقول صفا،لكنها تضيف "شاهدت بأم عيني منذ البداية،شاهدت القناصة على سطوح المنازل يطلقون النار على المتظاهرين،و عندها لم يعد هناك تظاهر سلمي".
بدأ القتال في حلب خلال شهر يوليو/ تموز فقد تحركت قوات الجيش الحر في المنطقة المجاورة لمنطقة مشد التي تسكنها أسرة صفاء.
الجيش السوري من جهته بدأ بالرد و احتدم القتال بينهما.
صفاء كانت تصعد على سطح منزل أسرتها لتشاهد نيران القتال التي أضاءت السماء.
و في صباح أحد الأيام أيقظت الأسرة انفجارات قوية حدثت على بعد أمتار قلائل من منزلها.
هذا الصباح غير من حياة الأسرة،التي جمعت أغراضها و غادرت إلى منزل الأسرة في القرية.
تعيش في هذا المنزل الصغير،أسرة صفا المكونة من والديها و شقيقتها و أشقائها الاثنين و زوجتيهما،و أطفالهم الأربعة.
بالإضافة إلى أشقاء أربعة آخرين يعيشون في مكان آخر في القرية.
الحياة هنا صعبة بالنسبة لهم،خاصة بالنسبة للأطفال و النساء،إذ لا شيء يملأ عليهم حياتهم في القرية،و هم الذين قد تعودوا على حياة المدينة.
في الأيام الأولى كانت أخبار مدينتها تشغل يومها،القتال الدائر هناك و أخبار الناس،لكن الأمر أصبح مملاً بالنسبة لها.
و الأدهى أنها بدأت تزداد يقيناً أن عودة الأسرة إلى منزلها في حلب لن يكون قريبا أبداً.
........
أطفال مصدومون.
في آب/ أغسطس بدأت القرية تصبح معسكراً كبيراً،فقد بدأ سكان مدينة حمص يعبرون البلاد للوصول إلى هذا المعسكر الذي يؤويهم من القتال الدائر في مدينتهم أيضاً.
و في المخيم اصطدمت صفاء بوضع الأطفال السيئ،فلا شيء يمكنهم اللعب فيه سوى الحجارة.
"فكرت ذات مرة بما يمكنني عمله لهؤلاء الأطفال.قررت أن اشتري ألواناً و أوراقاً للرسم و اجلبها إلى المخيم"،تقول صفا.
و لأن صفا تخرجت من أكاديمية حلب للفنون و تمتلك خبرة في تعليم الأطفال،و هي تعرف طريقة تفكيرهم إلى حد ما،بدأت تذهب للمخيم أربع إلى خمس مرات في الأسبوع.
و كان هدفها إخراج الأطفال من مأساة الحرب و صدماتها.
كان إقبال الأطفال منذ البداية كبيراً على الرسم،لكن رسوماتهم كانت من أجواء الحرب،فقد بدأوا يرسمون الدبابات و الصواريخ و طائرات الهليكوبتر و الجثث الملقاة على الطريق،إلا أن درس الرسم ترك الأطفال يعبرون فيه من خلال رسوماتهم عن أفكارهم حول الحرب،و منحهم شيئاً من المرح،خاصة بعد أن عبروا عما في داخلهم من مخاوف عن طريق الرسم.
.......
مستقبل غامض.
"لن تنتهي الحرب في سوريا قريبا،و أخاف على مصير هؤلاء الأطفال الأبرياء"،هذا ما تقوله صفا.
و تضيف: "لا افهم لما لا يساعدنا العالم،لماذا تقف أميركا و أوروبا مكتوفتا الأيدي و تدعان الأسد يحطم سوريا".
تحول المخيم من مخيم صغير إلى ما يشبه المدينة الصغيرة،فقد وصل عدد سكانه إلى عشرين ألف شخص.
و "صفا" ما زالت تزور الأطفال كل يوم لتعلمهم الرسم.
رسوم الأطفال هذه بدأت تصل كرسالة منهم للعالم.
صفا تريد أن يعلم العالم ما يجري في سوريا من انتهاكات لحقوق الإنسان،فالناس يُقتلون و تُدمر المنازل و المدن و الأطفال شاهدوا و عاشوا أشياء فضيعة لا يجب على الأطفال أن يمروا بها.
........
01.02.2013
موقع صوت ألمانيا.
صفا بين المخيم و القرية.
درس في الهواء الطلق.
الفرحة على وجوه بعض الأطفال.
روبرت آشر/ عباس الخشالي
......
يهرب الأطفال من عالم الواقع إلى عالم الخيال و الرسوم،و في أيام الحرب يعكس الرسم ما شاهد الطفل من مآسي.
صفا فاقي فتاة عشرينية سورية تعلم أطفال الحرب في مخيمات اللاجئين كيف يعبرون عن دواخلهم من خلال رسومهم.
......
صفا تتحدى بشاعة الحرب و أعداء الحياة.
تعيش صفا فاقي البالغة من العمر 23 عاماً منذ سبعة أشهر في قرية عتمه شمال سوريا و التي تقع قرب الحدود التركية.
كان عدد سكان القرية أربعة آلاف شخص قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا،أما اليوم فقد تجاوز العشرين ألفا.
الكهرباء تصل القرية كل ساعتين فقط،هذا الأمر يؤثر على طبيعة حياة عائلة صفاء فدرجات الحرارة تنخفض بشدة خلال فصل الشتاء،و الحياة دون التدفئة و الكهرباء صعبة.
و لا شيء غير الحطب كوسيلة للتدفئة.
"مثل كل أسرة في سوريا نمتلك في حديقتنا أشجار الزيتون،لكننا بدأنا بقطعها و استخدام خشبها للتدفئة"،تقول صفا.
ثم تضيف: "قبل الثورة كان نظام الأسد سيئاً، ذأما اليوم فقد اخترنا بين الحرية أو الموت".
ولدت صفا و ترعرت في حلب و عندما شاهدت التغييرات التي حدثت خلال ما أطلق عليه ثورات "الربيع العربي"،بداية من تونس و وصولاً إلى مصر و اليمن ثم ليبيا،كانت صفا تأمل بوصول شرارة هذه الثورات إلى سوريا.
لكن احتمال اندلاع ثورة في سوريا كان يقارب المستحيل في تفكيرها لكن هذا حدث،و عندها شاركت صفا في التظاهرات المطالبة بالتغيير.
كان من الصعب على والد صفا البالغ من العمر أربعين عاماً أن يغطي نفقات أسرته براتب شهري يصل إلى مائتي يورو فقط.
و كان يحزنه مشاهدة شباب يتسلقون مناصب حكومية بشكل سريع و يتلقون رواتب شهرية جيدة بسبب العلاقات.
"في البداية خرجنا للشارع رافعين شعار"الشعب يريد إسقاط النظام"،و كنت آمل أن تبقى ثورتنا سلمية،حالها حال ثورتي تونس و مصر".
مثلما تقول صفا،لكنها تضيف "شاهدت بأم عيني منذ البداية،شاهدت القناصة على سطوح المنازل يطلقون النار على المتظاهرين،و عندها لم يعد هناك تظاهر سلمي".
بدأ القتال في حلب خلال شهر يوليو/ تموز فقد تحركت قوات الجيش الحر في المنطقة المجاورة لمنطقة مشد التي تسكنها أسرة صفاء.
الجيش السوري من جهته بدأ بالرد و احتدم القتال بينهما.
صفاء كانت تصعد على سطح منزل أسرتها لتشاهد نيران القتال التي أضاءت السماء.
و في صباح أحد الأيام أيقظت الأسرة انفجارات قوية حدثت على بعد أمتار قلائل من منزلها.
هذا الصباح غير من حياة الأسرة،التي جمعت أغراضها و غادرت إلى منزل الأسرة في القرية.
تعيش في هذا المنزل الصغير،أسرة صفا المكونة من والديها و شقيقتها و أشقائها الاثنين و زوجتيهما،و أطفالهم الأربعة.
بالإضافة إلى أشقاء أربعة آخرين يعيشون في مكان آخر في القرية.
الحياة هنا صعبة بالنسبة لهم،خاصة بالنسبة للأطفال و النساء،إذ لا شيء يملأ عليهم حياتهم في القرية،و هم الذين قد تعودوا على حياة المدينة.
في الأيام الأولى كانت أخبار مدينتها تشغل يومها،القتال الدائر هناك و أخبار الناس،لكن الأمر أصبح مملاً بالنسبة لها.
و الأدهى أنها بدأت تزداد يقيناً أن عودة الأسرة إلى منزلها في حلب لن يكون قريبا أبداً.
........
أطفال مصدومون.
في آب/ أغسطس بدأت القرية تصبح معسكراً كبيراً،فقد بدأ سكان مدينة حمص يعبرون البلاد للوصول إلى هذا المعسكر الذي يؤويهم من القتال الدائر في مدينتهم أيضاً.
و في المخيم اصطدمت صفاء بوضع الأطفال السيئ،فلا شيء يمكنهم اللعب فيه سوى الحجارة.
"فكرت ذات مرة بما يمكنني عمله لهؤلاء الأطفال.قررت أن اشتري ألواناً و أوراقاً للرسم و اجلبها إلى المخيم"،تقول صفا.
و لأن صفا تخرجت من أكاديمية حلب للفنون و تمتلك خبرة في تعليم الأطفال،و هي تعرف طريقة تفكيرهم إلى حد ما،بدأت تذهب للمخيم أربع إلى خمس مرات في الأسبوع.
و كان هدفها إخراج الأطفال من مأساة الحرب و صدماتها.
كان إقبال الأطفال منذ البداية كبيراً على الرسم،لكن رسوماتهم كانت من أجواء الحرب،فقد بدأوا يرسمون الدبابات و الصواريخ و طائرات الهليكوبتر و الجثث الملقاة على الطريق،إلا أن درس الرسم ترك الأطفال يعبرون فيه من خلال رسوماتهم عن أفكارهم حول الحرب،و منحهم شيئاً من المرح،خاصة بعد أن عبروا عما في داخلهم من مخاوف عن طريق الرسم.
.......
مستقبل غامض.
"لن تنتهي الحرب في سوريا قريبا،و أخاف على مصير هؤلاء الأطفال الأبرياء"،هذا ما تقوله صفا.
و تضيف: "لا افهم لما لا يساعدنا العالم،لماذا تقف أميركا و أوروبا مكتوفتا الأيدي و تدعان الأسد يحطم سوريا".
تحول المخيم من مخيم صغير إلى ما يشبه المدينة الصغيرة،فقد وصل عدد سكانه إلى عشرين ألف شخص.
و "صفا" ما زالت تزور الأطفال كل يوم لتعلمهم الرسم.
رسوم الأطفال هذه بدأت تصل كرسالة منهم للعالم.
صفا تريد أن يعلم العالم ما يجري في سوريا من انتهاكات لحقوق الإنسان،فالناس يُقتلون و تُدمر المنازل و المدن و الأطفال شاهدوا و عاشوا أشياء فضيعة لا يجب على الأطفال أن يمروا بها.
........
01.02.2013
موقع صوت ألمانيا.
صفا بين المخيم و القرية.
درس في الهواء الطلق.
الفرحة على وجوه بعض الأطفال.