ليبيا...تكريس للفوضى قد تقطع جسر السلم الأهلي
....
ليبيا التي انهكتها الصراعات المسلحة بين الميليشيات التي تحالفت لإسقاط نظام القذافي، وتحولت بعدها الى سبب لعدم استقرارها، بعد الخلافات التي دبت فيما بين هذه الميليشيات التي تختلف في مذاهبها الدينية والقومية والقبلية، تقف اليوم، امام اختبار صعب، قد يحول طبيعة الصراع الى حرب أهلية، او صراع من اجل السلطة، كما يرى المحللون.
حفتر اللواء المتقاعد، وصاحب التاريخ العسكري الحافل بالألغاز، جمع بقايا الضبط في وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة الى بعض الميليشيات المتحالفة معه، ليطلق حملة "كرامة ليبيا"، والهدف المعلن فيها، استعادة ليبيا من المتطرفين والاخوان المسلمين، الذين شبههم بالورم الخبيث، على حد وصفه.
وشن لأجل ذلك حملة عسكرية قوية استخدم فيها الطيران والمدفعية الثقيلة واسفرت عن سقوط المئات بين قتيل وجريح.
وعلى المستوى السياسي، انقسمت ردود الأفعال الداخلية، بين مؤيد ومعارض، بعد ان طالب بتجميد السلطة الانتقالية، فيما هاجمت قواته بعض المقار الحكومية، واتهمت الحكومة حفتر بمحاولة الانقلاب على العملية السياسية بهدف الوصول الى السلطة، لكن هناك الكثير من المؤيدين الذين لا يرغبون باستمرار سيطرة الميليشيات المتطرفة على الحياة العامة في ليبيا، إضافة الى فشل الحكومة والبرلمان في إيجاد أي مخرج سياسي لتجاوز العقبة التي تمر بها ليبيا حالياً.
ويبدو ان الأيام القادمة، كما يرى خبراء، ستشهد تحولاً مهماً في طبيعة الصراع داخل ليبيا، إضافة الى ضهور المزيد من البصمات الإقليمية والدولية بوضوح أكثر، في الصراع الجديد، سيما وان الحرب ضد الإسلام السياسي باتت أكثر قوة وقسوة، في سوريا ومصر وليبيا.
.....
حرب اهلية
فقد تغرق ليبيا أكثر فأكثر في الفوضى على اثر الهجوم الذي شنته مجموعة مسلحة على مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في طرابلس والهجوم الذي شنه قائد قوة شبه عسكرية ضد المجموعات المتشددة في بنغازي في شرق البلاد، وقد تؤدي اعمال العنف هذه الى اغراق البلاد في الحرب الاهلية وتعيد احياء الخصومات بين عشرات الميليشيات التي تنشط وفقا لما يخدم مصالحها سواء كانت ايديولوجية ام اقليمية ام قبلية.
وهذه الميليشيات التي يهيمن عليها الاسلاميون تتولى تطبيق القانون في البلد منذ سقوط نظام معمر القذافي في تشرين الاول/اكتوبر 2011 لان السلطات الانتقالية لم تتوصل بعد الى تشكيل جيش وشرطة محترفين، وقد عمدت السلطات الجديدة الى تهميش او استبعاد الجنود القدامى، من ضباط او جنود الجيش الليبي ابان نظام معمر القذافي، على الرغم من ان بعضهم شارك في الثورة التي اطاحت بهذا الاخير.
وشن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهو ضابط سابق في الجيش الليبي في عهد القذافي، في بنغازي (شرق) عملية ضد مجموعات اسلامية مدججة بالسلاح جعلت من هذه المدينة معقلا لها، ما أسفر عن 79 قتيلا و141 جريحا، وانضم عدد كبير من ضباط وجنود المنطقة الشرقية والذين ينتمي بعضهم الى سلاح الجو، الى قوات حفتر التي سميت "الجيش الوطني الليبي"، وشنوا غارات جوية على قواعد هذه المجموعات المتشددة.
وعلى خط مواز، شنت ميليشيات نافذة في منطقة الزنتان (غرب) التي تسيطر على جنوب العاصمة الليبية طرابلس هجوما على مقر المؤتمر الوطني العام الليبي (البرلمان)، اعلى هيئة سياسية وتشريعية في البلاد، والتي تواجه معارضة منذ القرار الذي اتخذته بتمديد ولايتها.
وكدليل على عجزها عن التحرك، اكتفت الحكومة بادانة "محاولة انقلابية" اتهمت حفترة بالقيام بها، ونددت بلجوء ميليشيات ابناء الزنتان "الى السلاح للتعبير عن آرائهم السياسية"، وفي بيان تلاه وزير العدل صلاح المرغني، دعت الحكومة الى الحوار الوطني، وكتائب الزنتان التي تعتبر بمثابة الذراع المسلحة للتيار الليبرالي في ليبيا، تطالب بحل المؤتمر الوطني العام الذي يهيمن عليه الاسلاميون والاخوان المسلمون والمتشددون.
وبعد الهجوم الخاطف على مقر المؤتمر الوطني العام، انسحبت كتائب الزنتان الى معقلها على طريق المطار حيث دارت معارك بينها وبين ميليشيات إسلامية، واسفرت المواجهات عن قتيلين و55 جريحا، بحسب حصيلة رسمية، وامام الفوضى الامنية السائدة، اغلقت المملكة العربية السعودية سفارتها وقنصليتها في طرابلس واجلت كافة اعضاء بعثتها الدبلوماسية لدى ليبيا بسبب "الاوضاع الامنية" الحالية في البلاد، حسبما افادت وكالة الانباء السعودية الرسمية.
وقد اعلنت كتائب الزنتان وضباط في القوة التابعة للواء خليفة حفتر مسؤوليتهم عن الهجوم على مقر المؤتمر الوطني العام، ومنذ نهاية الثورة في تشرين الاول/اكتوبر 2011، تقوم خصومات بين كتائب الزنتان وحفتر، لكن ضابطا في الجيش النظامي اعتبر ان قيام تحالف ضد الاسلاميين امر مرجح. بحسب فرانس برس.
وما زاد من حالة الفوضى في البلاد اعلان العقيد مختار فرنانة الذي اكد انه يتحدث باسم "افراد الجيش والثوار (السابقين)" لقناتين تلفزيونيتين "تعليق عمل المؤتمر الوطني العام"، ولم ترد السلطات على هذا الإعلان، وراى المراقبون ان هذه العمليات في بنغازي وطرابلس تشكل "اختبارا" لتقييم رد فعل المجتمع الدولي وكذلك مدى دعم السكان وميليشيات اخرى وعسكريين على المستوى الوطني.
واللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي سحب قواته من بنغازي "لاعادة تنظيم وحداته"، قال انه لا يرغب في الوصول الى السلطة لكن ما يقوم به ليس سوى تجاوب مع مطالب السكان ولمكافحة الارهاب.
وردا على الاتهامات التي ساقتها السلطات الانتقالية الليبية التي وصفت الحملة التي شنها حفتر بانها "خروج عن شرعية الدولة وانقلابا عليها يقوده المدعو خليفة حفتر"، بحسب بيان تلاه رئيس المؤتمر الوطني العام نوري ابو سهمين، رفض حفتر هذه الاتهامات، واكد في بيان تلاه امام الصحافيين ان "عمليتنا ليست انقلابا ولا سعيا الى السلطة ولا تعطيلا للمسار الديموقراطي"، مضيفا ان "هذه العملية هدفها محدد وهو اجتثاث الارهاب" من ليبيا وانه "استجاب لنداء الشعب".
وخليفة حفتر المتحدر من الشرق الليبي، انشق عن جيش القذافي في نهاية الثمانينات، وعاد الى ليبيا للمشاركة في ثورة 2011 بعدما أمضى نحو عشرين عاما في الولايات المتحدة، وما زاد ايضا من تفاقم الوضع في ليبيا البلد الذي يعتمد حصريا على عائداته النفطية، فقد شهد انتاجه النفطي تدهورا كبيرا بسبب سيطرة الثوار المطالبين بالفدرالية على موانئ النفط في الشرق.
.........
اشتباكات عنيفة
في سياق متصل قال شهود وسكان إن مسلحين اقتحموا مبنى البرلمان الليبي مستخدمين مدافع مضادة للطائرات في هجوم أعلنت قوات موالية للواء المتقاعد بالجيش خليفة حفتر المسؤولية عنه، وفي هجوم عشوائي تصاعد الدخان الكثيف من مبنى البرلمان في طرابلس حين اشتبك المسلحون مع الحراس.
وقال مراسلون إن المهاجمين نفذوا الهجوم وانسحبوا ثم أغلق مسلحون مجهولون فيما بعد الشوارع القريبة، وقال شاهد آخر إن المهاجمين خطفوا شخصين وأمكن سماع دوي إطلاق نار كثيف في أجزاء أخرى من طرابلس حيث تتكرر الاشتباكات بين كتائب المعارضين السابقين منذ انتهاء انتفاضة عام 2011 التي أدت للإطاحة بالعقيد معمر القذافي.
ولم تتضح تفاصيل بشأن الجماعة المسلحة التي هاجمت البرلمان لكن متحدثا باسم حفتر قال إن القوات غير النظامية التابعة له نفذت الهجوم ضمن حملتها على الإسلاميين المتشددين، وقال محمد الحجازي المتحدث باسم المجموعة إن هذه العناصر من الجيش الوطني الليبي وهو الاسم الذي يطلق على القوات غير النظامية الموالية لحفتر.
وأرسل حفتر والذي انشق على القذافي خلال الحرب مقاتليه الى بنغازي ليواجهوا إسلاميين متشددين يتخذون من المدينة قاعدة لهم بعد أن قال إن الحكومة الليبية فشلت في وقف العنف هناك، وقتل 40 شخصا على الأقل في تلك الاشتباكات التي اشتركت فيها بعض طائرات الهليكوبتر التابعة لسلاح الجو.
واتهم نوري ابو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام والقائد الأعلى للجيش حفتر بمحاولة الانقلاب، وأفادت عدة تقارير بأن ابو سهمين اختطف بعد هجوم، لكنه نفى ذلك، وأصيب البرلمان الليبي بالشلل بسبب الخلافات بين الأحزاب الإسلامية وأحزاب قومية منافسة، وينتقد الكثير من الليبيين البرلمان لفشله في أحراز تقدم نحو التحول الديمقراطي منذ سقوط القذافي.
وتكافح ليبيا حالة من الفوضى في حين لا تستطيع الحكومة والبرلمان والقوات المسلحة الوليدة بسط سلطة الدولة على كتائب مقاتلين معارضين سابقين وميليشيات ساعدت في الإطاحة بالقذافي، وقال النائب عمر بوشاح إن المسلحين اقتحموا مبنى المؤتمر الوطني العام وداهموا مكاتب النواب وأشعلوا النار في المبنى، ولم ترد تقارير عن وقوع خسائر بشرية من مسؤولي المستشفيات.
وأثار حفتر شائعات عن حدوث انقلاب في فبراير شباط حين ظهر بزي الجيش الليبي ليدعو الى تشكيل لجنة رئاسية للحكم لحين إجراء انتخابات من اجل إنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وليس واضحا حجم الدعم الذي يتمتع به حفتر في القوات المسلحة النظامية او بين الميليشيات المتنافسة. بحسب رويترز.
لكن في بنغازي مهد الانتفاضة على حكم القذافي تواجه السلطات صعوبات لوقف العنف والهجمات التي يلقى باللائمة فيها على جماعة أنصار الشريعة التي تصنفها واشنطن تنظيما إرهابيا، وقبل الهجوم بساعات أعلن رئيس الوزراء الجديد احمد معيتيق أنه شكل حكومة وبانتظار موافقة البرلمان عليها وذلك بعد أن عاشت البلاد لشهرين بلا حكومة فاعلة.
فيما أعلن مسؤول في وزارة الصحة الليبية سقوط 79 قتيلا على الأقل و141 جريحا في المواجهات المسلحة التي شهدتها مدينة بنغازي في شرق البلاد بين مجموعة مسلحة موالية لجنرال متقاعد ومسلحين إسلاميين، وقال عبد الله الفيتوري المسؤول عن المنطقة الشرقية في وزارة الصحة أن الحصيلة ارتفعت إلى 79 قتيلا و141 جريحا توزعوا على خمسة مستشفيات.
وكانت حصيلة سابقة أوردها متحدث باسم وزارة الصحة أفادت عن سقوط 37 قتيلا و139 جريحا في هذه المواجهات التي دارت بين قوة مسلحة مؤيدة للواء المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر وميليشيات إسلامية.
وشوهدت عشرات العائلات وقد حزمت أمتعتها وهي تخرج من المناطق الغربية من المدينة حيث دارت اشتباكات استمرت لساعات بين مقاتلين إسلاميين وبين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد المنشق خليفة حفتر، قال اللواء المتقاعد المنشق خليفة حفتر الذي كان يرتدي زيا عسكريا إن قواته انسحبت وبشكل مؤقت من بنغازي لأسباب تكتيكية.
وقال للصحفيين في ناد رياضي في بلدة الأبيار الصغيرة الواقعة شرقي بنغازي "سنعود بقوة"، وأضاف إن قواته بدأت هذه المعركة وستواصل حتى تحقق أهدافها، وقال إن الحكومة والبرلمان غير شرعيين لأنهما أخفقا في تحقيق الأمن، وأردف قائلا إن الشارع والشعب في ليبيا معه، وقال إن قواته انتشرت في عدة مناطق بشرق ليبيا.
..........
بطل أم ساع للسلطة؟
من جانب اخر يقدم اللواء المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر نفسه باعتباره "منقذ" ليبيا من الجماعات الإسلامية التي تزرع الفوضى، في حين تتهمه السلطات الانتقالية بتدبير محاولة انقلاب للاستيلاء على السلطة.
ويعتمد خليفة حفتر (71 عاما) الذي شارك في الثورة على نظام معمر القذافي في 2011، على ضباط سابقين في الجيش الليبي، ويرد على اتهام السلطات له بالرغبة في اغتنام حالة الفوضى التي تشهدها البلاد منذ أشهر لتنفيذ انقلاب، بأنه لا يسعى لتولي السلطة وهو فقط يستجيب "لنداء الشعب".
وكان حفتر خريج الأكاديمية العسكرية ببنغازي والذي تدرب في الاتحاد السوفياتي السابق، شارك في انقلاب 1969 الذي اطاح بالملكية في ليبيا وحمل معمر القذافي إلى السلطة، وتابع إثر ذلك مسيرته في الجيش، وكان خلال الحرب الليبية التشادية (1978-1987) على راس وحدة حين تم أسره من قبل القوات التشادية، وتخلت عنه حينها القيادة الليبية وقالت انه لا يتبع جيشها، وتمكن الأمريكيون من تحريره في عملية لا تزال لغزا إلى اليوم، ومنحوه اللجوء السياسي في الولايات المتحدة حيث انضم الى حركة المعارضة الليبية في الخارج.
واتهمه نظام القذافي ثم الثوار السابقون بأنه عميل للمخابرات المركزية الأمريكية، وبعد عشرين عاما في المنفى عاد حفتر إلى بنغازي في آذار/مارس 2011 بعيد اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بنظام القذافي، وعين قائدا لسلاح البر من قبل المجلس الوطني الانتقالي الذراع السياسي للثوار السابقين، وأصبح تحت أمرته الكثير من الضباط السابقين الذين انشقوا عن جيش نظام القذافي.
لكن السلطات الليبية الانتقالية لا تثق فيه ثقة تامة حيث ترى فيه عسكريا طموحا وطامعا في السلطة ويخشون أن يقيم في النهاية نظاما عسكريا مستبدا جديدا، بحسب ما أفاد عضو سابق في المجلس الانتقالي طلب عدم كشف هويته.
وكانت بين حفتر واللواء السابق عبد الفتاح يونس منافسة محمومة، واغتيل يونس الذي انشق عن نظام القذافي في تموز/يوليو 2011 في ظروف لم تتوضح ملابساتها حتى الآن، لكن حفتر يحظى بدعم تام من الجنود السابقين في الجيش الليبي، وبعيد الإطاحة بنظام القذافي عينه نحو 150 ضابطا وضابط صف قائدا جديدا للجيش محاولين بذلك وضع المؤتمر الوطني العام أمام الأمر الواقع، لكن لم يتم أبدا تأكيد هذا التعيين بشكل رسمي، ومنذ تلك الحادثة أصبح ظهوره العلني نادرا.
وحين يدلي بتصريحات لا يتردد في توجيه النقد للسلطات الانتقالية التي يتهمها بتقديم مليشيات الثوار السابقين وتهميش ضباط الجيش الليبي السابق في عهد معمر القذافي رغم انضمامهم المبكر لصفوف الثورة، وصعد حفتر لهجته في شباط/فبراير حيث نشر فيديو مثيرا للجدل على الانترنت، وأعلن في الفيديو "مبادرة" تنص على تعليق عمل السلطات الانتقالية وهو ما اعتبره بعض المسؤولين الليبيين إعلانا عن محاولة انقلاب.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آيار/2014
....
ليبيا التي انهكتها الصراعات المسلحة بين الميليشيات التي تحالفت لإسقاط نظام القذافي، وتحولت بعدها الى سبب لعدم استقرارها، بعد الخلافات التي دبت فيما بين هذه الميليشيات التي تختلف في مذاهبها الدينية والقومية والقبلية، تقف اليوم، امام اختبار صعب، قد يحول طبيعة الصراع الى حرب أهلية، او صراع من اجل السلطة، كما يرى المحللون.
حفتر اللواء المتقاعد، وصاحب التاريخ العسكري الحافل بالألغاز، جمع بقايا الضبط في وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة الى بعض الميليشيات المتحالفة معه، ليطلق حملة "كرامة ليبيا"، والهدف المعلن فيها، استعادة ليبيا من المتطرفين والاخوان المسلمين، الذين شبههم بالورم الخبيث، على حد وصفه.
وشن لأجل ذلك حملة عسكرية قوية استخدم فيها الطيران والمدفعية الثقيلة واسفرت عن سقوط المئات بين قتيل وجريح.
وعلى المستوى السياسي، انقسمت ردود الأفعال الداخلية، بين مؤيد ومعارض، بعد ان طالب بتجميد السلطة الانتقالية، فيما هاجمت قواته بعض المقار الحكومية، واتهمت الحكومة حفتر بمحاولة الانقلاب على العملية السياسية بهدف الوصول الى السلطة، لكن هناك الكثير من المؤيدين الذين لا يرغبون باستمرار سيطرة الميليشيات المتطرفة على الحياة العامة في ليبيا، إضافة الى فشل الحكومة والبرلمان في إيجاد أي مخرج سياسي لتجاوز العقبة التي تمر بها ليبيا حالياً.
ويبدو ان الأيام القادمة، كما يرى خبراء، ستشهد تحولاً مهماً في طبيعة الصراع داخل ليبيا، إضافة الى ضهور المزيد من البصمات الإقليمية والدولية بوضوح أكثر، في الصراع الجديد، سيما وان الحرب ضد الإسلام السياسي باتت أكثر قوة وقسوة، في سوريا ومصر وليبيا.
.....
حرب اهلية
فقد تغرق ليبيا أكثر فأكثر في الفوضى على اثر الهجوم الذي شنته مجموعة مسلحة على مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في طرابلس والهجوم الذي شنه قائد قوة شبه عسكرية ضد المجموعات المتشددة في بنغازي في شرق البلاد، وقد تؤدي اعمال العنف هذه الى اغراق البلاد في الحرب الاهلية وتعيد احياء الخصومات بين عشرات الميليشيات التي تنشط وفقا لما يخدم مصالحها سواء كانت ايديولوجية ام اقليمية ام قبلية.
وهذه الميليشيات التي يهيمن عليها الاسلاميون تتولى تطبيق القانون في البلد منذ سقوط نظام معمر القذافي في تشرين الاول/اكتوبر 2011 لان السلطات الانتقالية لم تتوصل بعد الى تشكيل جيش وشرطة محترفين، وقد عمدت السلطات الجديدة الى تهميش او استبعاد الجنود القدامى، من ضباط او جنود الجيش الليبي ابان نظام معمر القذافي، على الرغم من ان بعضهم شارك في الثورة التي اطاحت بهذا الاخير.
وشن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهو ضابط سابق في الجيش الليبي في عهد القذافي، في بنغازي (شرق) عملية ضد مجموعات اسلامية مدججة بالسلاح جعلت من هذه المدينة معقلا لها، ما أسفر عن 79 قتيلا و141 جريحا، وانضم عدد كبير من ضباط وجنود المنطقة الشرقية والذين ينتمي بعضهم الى سلاح الجو، الى قوات حفتر التي سميت "الجيش الوطني الليبي"، وشنوا غارات جوية على قواعد هذه المجموعات المتشددة.
وعلى خط مواز، شنت ميليشيات نافذة في منطقة الزنتان (غرب) التي تسيطر على جنوب العاصمة الليبية طرابلس هجوما على مقر المؤتمر الوطني العام الليبي (البرلمان)، اعلى هيئة سياسية وتشريعية في البلاد، والتي تواجه معارضة منذ القرار الذي اتخذته بتمديد ولايتها.
وكدليل على عجزها عن التحرك، اكتفت الحكومة بادانة "محاولة انقلابية" اتهمت حفترة بالقيام بها، ونددت بلجوء ميليشيات ابناء الزنتان "الى السلاح للتعبير عن آرائهم السياسية"، وفي بيان تلاه وزير العدل صلاح المرغني، دعت الحكومة الى الحوار الوطني، وكتائب الزنتان التي تعتبر بمثابة الذراع المسلحة للتيار الليبرالي في ليبيا، تطالب بحل المؤتمر الوطني العام الذي يهيمن عليه الاسلاميون والاخوان المسلمون والمتشددون.
وبعد الهجوم الخاطف على مقر المؤتمر الوطني العام، انسحبت كتائب الزنتان الى معقلها على طريق المطار حيث دارت معارك بينها وبين ميليشيات إسلامية، واسفرت المواجهات عن قتيلين و55 جريحا، بحسب حصيلة رسمية، وامام الفوضى الامنية السائدة، اغلقت المملكة العربية السعودية سفارتها وقنصليتها في طرابلس واجلت كافة اعضاء بعثتها الدبلوماسية لدى ليبيا بسبب "الاوضاع الامنية" الحالية في البلاد، حسبما افادت وكالة الانباء السعودية الرسمية.
وقد اعلنت كتائب الزنتان وضباط في القوة التابعة للواء خليفة حفتر مسؤوليتهم عن الهجوم على مقر المؤتمر الوطني العام، ومنذ نهاية الثورة في تشرين الاول/اكتوبر 2011، تقوم خصومات بين كتائب الزنتان وحفتر، لكن ضابطا في الجيش النظامي اعتبر ان قيام تحالف ضد الاسلاميين امر مرجح. بحسب فرانس برس.
وما زاد من حالة الفوضى في البلاد اعلان العقيد مختار فرنانة الذي اكد انه يتحدث باسم "افراد الجيش والثوار (السابقين)" لقناتين تلفزيونيتين "تعليق عمل المؤتمر الوطني العام"، ولم ترد السلطات على هذا الإعلان، وراى المراقبون ان هذه العمليات في بنغازي وطرابلس تشكل "اختبارا" لتقييم رد فعل المجتمع الدولي وكذلك مدى دعم السكان وميليشيات اخرى وعسكريين على المستوى الوطني.
واللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي سحب قواته من بنغازي "لاعادة تنظيم وحداته"، قال انه لا يرغب في الوصول الى السلطة لكن ما يقوم به ليس سوى تجاوب مع مطالب السكان ولمكافحة الارهاب.
وردا على الاتهامات التي ساقتها السلطات الانتقالية الليبية التي وصفت الحملة التي شنها حفتر بانها "خروج عن شرعية الدولة وانقلابا عليها يقوده المدعو خليفة حفتر"، بحسب بيان تلاه رئيس المؤتمر الوطني العام نوري ابو سهمين، رفض حفتر هذه الاتهامات، واكد في بيان تلاه امام الصحافيين ان "عمليتنا ليست انقلابا ولا سعيا الى السلطة ولا تعطيلا للمسار الديموقراطي"، مضيفا ان "هذه العملية هدفها محدد وهو اجتثاث الارهاب" من ليبيا وانه "استجاب لنداء الشعب".
وخليفة حفتر المتحدر من الشرق الليبي، انشق عن جيش القذافي في نهاية الثمانينات، وعاد الى ليبيا للمشاركة في ثورة 2011 بعدما أمضى نحو عشرين عاما في الولايات المتحدة، وما زاد ايضا من تفاقم الوضع في ليبيا البلد الذي يعتمد حصريا على عائداته النفطية، فقد شهد انتاجه النفطي تدهورا كبيرا بسبب سيطرة الثوار المطالبين بالفدرالية على موانئ النفط في الشرق.
.........
اشتباكات عنيفة
في سياق متصل قال شهود وسكان إن مسلحين اقتحموا مبنى البرلمان الليبي مستخدمين مدافع مضادة للطائرات في هجوم أعلنت قوات موالية للواء المتقاعد بالجيش خليفة حفتر المسؤولية عنه، وفي هجوم عشوائي تصاعد الدخان الكثيف من مبنى البرلمان في طرابلس حين اشتبك المسلحون مع الحراس.
وقال مراسلون إن المهاجمين نفذوا الهجوم وانسحبوا ثم أغلق مسلحون مجهولون فيما بعد الشوارع القريبة، وقال شاهد آخر إن المهاجمين خطفوا شخصين وأمكن سماع دوي إطلاق نار كثيف في أجزاء أخرى من طرابلس حيث تتكرر الاشتباكات بين كتائب المعارضين السابقين منذ انتهاء انتفاضة عام 2011 التي أدت للإطاحة بالعقيد معمر القذافي.
ولم تتضح تفاصيل بشأن الجماعة المسلحة التي هاجمت البرلمان لكن متحدثا باسم حفتر قال إن القوات غير النظامية التابعة له نفذت الهجوم ضمن حملتها على الإسلاميين المتشددين، وقال محمد الحجازي المتحدث باسم المجموعة إن هذه العناصر من الجيش الوطني الليبي وهو الاسم الذي يطلق على القوات غير النظامية الموالية لحفتر.
وأرسل حفتر والذي انشق على القذافي خلال الحرب مقاتليه الى بنغازي ليواجهوا إسلاميين متشددين يتخذون من المدينة قاعدة لهم بعد أن قال إن الحكومة الليبية فشلت في وقف العنف هناك، وقتل 40 شخصا على الأقل في تلك الاشتباكات التي اشتركت فيها بعض طائرات الهليكوبتر التابعة لسلاح الجو.
واتهم نوري ابو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام والقائد الأعلى للجيش حفتر بمحاولة الانقلاب، وأفادت عدة تقارير بأن ابو سهمين اختطف بعد هجوم، لكنه نفى ذلك، وأصيب البرلمان الليبي بالشلل بسبب الخلافات بين الأحزاب الإسلامية وأحزاب قومية منافسة، وينتقد الكثير من الليبيين البرلمان لفشله في أحراز تقدم نحو التحول الديمقراطي منذ سقوط القذافي.
وتكافح ليبيا حالة من الفوضى في حين لا تستطيع الحكومة والبرلمان والقوات المسلحة الوليدة بسط سلطة الدولة على كتائب مقاتلين معارضين سابقين وميليشيات ساعدت في الإطاحة بالقذافي، وقال النائب عمر بوشاح إن المسلحين اقتحموا مبنى المؤتمر الوطني العام وداهموا مكاتب النواب وأشعلوا النار في المبنى، ولم ترد تقارير عن وقوع خسائر بشرية من مسؤولي المستشفيات.
وأثار حفتر شائعات عن حدوث انقلاب في فبراير شباط حين ظهر بزي الجيش الليبي ليدعو الى تشكيل لجنة رئاسية للحكم لحين إجراء انتخابات من اجل إنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وليس واضحا حجم الدعم الذي يتمتع به حفتر في القوات المسلحة النظامية او بين الميليشيات المتنافسة. بحسب رويترز.
لكن في بنغازي مهد الانتفاضة على حكم القذافي تواجه السلطات صعوبات لوقف العنف والهجمات التي يلقى باللائمة فيها على جماعة أنصار الشريعة التي تصنفها واشنطن تنظيما إرهابيا، وقبل الهجوم بساعات أعلن رئيس الوزراء الجديد احمد معيتيق أنه شكل حكومة وبانتظار موافقة البرلمان عليها وذلك بعد أن عاشت البلاد لشهرين بلا حكومة فاعلة.
فيما أعلن مسؤول في وزارة الصحة الليبية سقوط 79 قتيلا على الأقل و141 جريحا في المواجهات المسلحة التي شهدتها مدينة بنغازي في شرق البلاد بين مجموعة مسلحة موالية لجنرال متقاعد ومسلحين إسلاميين، وقال عبد الله الفيتوري المسؤول عن المنطقة الشرقية في وزارة الصحة أن الحصيلة ارتفعت إلى 79 قتيلا و141 جريحا توزعوا على خمسة مستشفيات.
وكانت حصيلة سابقة أوردها متحدث باسم وزارة الصحة أفادت عن سقوط 37 قتيلا و139 جريحا في هذه المواجهات التي دارت بين قوة مسلحة مؤيدة للواء المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر وميليشيات إسلامية.
وشوهدت عشرات العائلات وقد حزمت أمتعتها وهي تخرج من المناطق الغربية من المدينة حيث دارت اشتباكات استمرت لساعات بين مقاتلين إسلاميين وبين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد المنشق خليفة حفتر، قال اللواء المتقاعد المنشق خليفة حفتر الذي كان يرتدي زيا عسكريا إن قواته انسحبت وبشكل مؤقت من بنغازي لأسباب تكتيكية.
وقال للصحفيين في ناد رياضي في بلدة الأبيار الصغيرة الواقعة شرقي بنغازي "سنعود بقوة"، وأضاف إن قواته بدأت هذه المعركة وستواصل حتى تحقق أهدافها، وقال إن الحكومة والبرلمان غير شرعيين لأنهما أخفقا في تحقيق الأمن، وأردف قائلا إن الشارع والشعب في ليبيا معه، وقال إن قواته انتشرت في عدة مناطق بشرق ليبيا.
..........
بطل أم ساع للسلطة؟
من جانب اخر يقدم اللواء المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر نفسه باعتباره "منقذ" ليبيا من الجماعات الإسلامية التي تزرع الفوضى، في حين تتهمه السلطات الانتقالية بتدبير محاولة انقلاب للاستيلاء على السلطة.
ويعتمد خليفة حفتر (71 عاما) الذي شارك في الثورة على نظام معمر القذافي في 2011، على ضباط سابقين في الجيش الليبي، ويرد على اتهام السلطات له بالرغبة في اغتنام حالة الفوضى التي تشهدها البلاد منذ أشهر لتنفيذ انقلاب، بأنه لا يسعى لتولي السلطة وهو فقط يستجيب "لنداء الشعب".
وكان حفتر خريج الأكاديمية العسكرية ببنغازي والذي تدرب في الاتحاد السوفياتي السابق، شارك في انقلاب 1969 الذي اطاح بالملكية في ليبيا وحمل معمر القذافي إلى السلطة، وتابع إثر ذلك مسيرته في الجيش، وكان خلال الحرب الليبية التشادية (1978-1987) على راس وحدة حين تم أسره من قبل القوات التشادية، وتخلت عنه حينها القيادة الليبية وقالت انه لا يتبع جيشها، وتمكن الأمريكيون من تحريره في عملية لا تزال لغزا إلى اليوم، ومنحوه اللجوء السياسي في الولايات المتحدة حيث انضم الى حركة المعارضة الليبية في الخارج.
واتهمه نظام القذافي ثم الثوار السابقون بأنه عميل للمخابرات المركزية الأمريكية، وبعد عشرين عاما في المنفى عاد حفتر إلى بنغازي في آذار/مارس 2011 بعيد اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بنظام القذافي، وعين قائدا لسلاح البر من قبل المجلس الوطني الانتقالي الذراع السياسي للثوار السابقين، وأصبح تحت أمرته الكثير من الضباط السابقين الذين انشقوا عن جيش نظام القذافي.
لكن السلطات الليبية الانتقالية لا تثق فيه ثقة تامة حيث ترى فيه عسكريا طموحا وطامعا في السلطة ويخشون أن يقيم في النهاية نظاما عسكريا مستبدا جديدا، بحسب ما أفاد عضو سابق في المجلس الانتقالي طلب عدم كشف هويته.
وكانت بين حفتر واللواء السابق عبد الفتاح يونس منافسة محمومة، واغتيل يونس الذي انشق عن نظام القذافي في تموز/يوليو 2011 في ظروف لم تتوضح ملابساتها حتى الآن، لكن حفتر يحظى بدعم تام من الجنود السابقين في الجيش الليبي، وبعيد الإطاحة بنظام القذافي عينه نحو 150 ضابطا وضابط صف قائدا جديدا للجيش محاولين بذلك وضع المؤتمر الوطني العام أمام الأمر الواقع، لكن لم يتم أبدا تأكيد هذا التعيين بشكل رسمي، ومنذ تلك الحادثة أصبح ظهوره العلني نادرا.
وحين يدلي بتصريحات لا يتردد في توجيه النقد للسلطات الانتقالية التي يتهمها بتقديم مليشيات الثوار السابقين وتهميش ضباط الجيش الليبي السابق في عهد معمر القذافي رغم انضمامهم المبكر لصفوف الثورة، وصعد حفتر لهجته في شباط/فبراير حيث نشر فيديو مثيرا للجدل على الانترنت، وأعلن في الفيديو "مبادرة" تنص على تعليق عمل السلطات الانتقالية وهو ما اعتبره بعض المسؤولين الليبيين إعلانا عن محاولة انقلاب.
.......
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آيار/2014