هل يحيي توحيد المعارضة الجزائرية الأمل في مواجهة السلطة؟
........
كثفت الأحزاب السياسية المعارضة في الجزائر لقاءاتها التشاورية عقب فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالانتخابات الرئاسية الأخيرة. وتهدف المعارضة إلى بلورة موقف موحد لمواجهة مشاريع السلطة في المرحلة المقبلة.
تسعى الأحزاب السياسية الجزائرية إلى الاستثمار في تحالفات فرضتها مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، التي فاز فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والهادفة إلى تشكيل قطب سياسي معارض يجمع الأحزاب المشاركة في الانتخابات إلى جانب المرشح الحر علي بن فليس وتلك المقاطعة لها.
ودخلت "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي" في مشاورات واسعة مع كافة القوى السياسية المعارضة للسلطة القائمة، لضبط الصيغة النهائية لوثيقة ندوة الانتقال الديمقراطي، التي كان من المزمع عقدها يومي السادس عشر والسابع عشر من مايو/ أيار، قبل أن يؤجلها قادة التنسيقية إلى السابع من يونيو/ حزيران المقبل بحجة ضيق الوقت وحتى يتسنى إجراء إتصالات مع أحزاب وشخصيات وطنية ومعاودة الاتصال بأخرى لدعوتها لحضور الندوة بعد توفير كل الشروط اللازمة لنجاحها.
....
توافق و انسجام ضد السلطة
وأكد سفيان صخري، عضو لجنة الخبراء السياسيين عن حزب "جيل جديد"، أن سبب التأجيل لا يتعلق بالوثيقة أو بمشاكل داخل التنسيقية، بل الهدف منه إشراك أكبر عدد من الأحزاب المعارضة، لأن "اللجنة انتهت من تحرير وثيقة تضع أرضية للندوة، وهي الآن في مرحلة التنقيح، حتى تكون في مستوى المرحلة والتحدي السياسي القادم".
ويضيف صخري لـDW عربية بأن هناك تجانساً وتفاهماً في تشخيص الوضعية التي يمر بها الجزائر، والآليات التي ستطرح خلال الندوة للدخول في تحول ديمقراطي حقيقي، وأن الجميع مدرك للمناورات التي تقوم بها السلطة لإجهاض المبادرة، سواءً بعرض الحقائب الوزارية أو من خلال عرض مشروع الدستور التوافقي ودعوة الأحزاب المعارضة للنقاش والمساهمة.
......
لا رغبة لدى السلطة في الإصلاح
من جانبه، يرى محمد الدويبي، الأمين العام لحركة النهضة، أن خيارات القوى المعارضة للسلطة سوف تطرح بشكل رسمي خلال الندوة الوطنية للانتقال الديمقراطي وأن هناك إجماعاً داخل التنسيقية على مقاطعة مشاورات السلطة حول الدستور التوافقي المزعوم، "لأنه لا توجد إرادة حقيقية للسلطة للإصلاح السياسي، وتجربة السلطة في إطلاق مثل هذه المشاريع عقب كل استحقاق انتخابي أصبحت مستهلكة ولا يمكن أن تقنع بإصلاحاتها حتى الأحزاب الدائرة في فلكها".
ويشير دويبي، في حوار مع DW عربية، إلى أن "السلطة الجزائرية تعمل من أجل تحقيق هدف واحد وهو استمرار بقائها، وهي الآن تمر بمرحلة صعبة جداً لأن خياراتها التي تم فرضها بالقوة على الشعب الجزائري بالتزوير والتضخيم في نسبة المشاركة لم تنتج إلا أزمة مشروعية للحكم، نتج عنها حالة التخبط في طرح مشاريع الإصلاح السياسي وتناقض تصريحات رجالها حول طبيعة الدستور والمرحلة الراهنة.
ويستنكر دويبي التشويه الذي يطال التنسيقية ومحاولات زرع الفرقة بين أعضائها بإعادة الخلافات الأيديولوجية والشخصية للواجهة، مؤكداً أن المعارضة أصبحت الآن في مستوى تحديات المرحلة وأنه لا يوجد أي صراع على الزعامة، لأن كل حزب سياسي حر في قراراته ومؤسساته، واللقاء جاء من أجل تحقيق دولة الحريات والمؤسسات.
هذا ويرى الدكتور سليم قلالة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، بأن السلطة الجزائرية أصبح لديها منهجية واضحة في التعامل مع أحزاب المعارضة عن طريق تشتيتها وشراء بعضها بحقائب وزارية في وتحيّن الفرصة للتخلص منها بالتقسيم أو القتل المعنوي – وهي استراتيجية حققت نجاعتها في المراحل السابقة.
ويضيف قلالة بأن تركيبة المعارضة بعد الانتخابات الماضية تبدو مختلفة، إذ أصبحت تميل أكثر للتشكل في أقطاب بدل أن تبقى في وضعية فسيفسائية غير قابلة للتجميع. فظهر قطب أحزاب التغيير بقيادة علي بن فليس، المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، وقطب آخر جمع المعارضين لهذه الانتخابات، والتواصل بينهما جار لتوحيد الجهود وتشكيل موقف موحد يتم التعامل من خلاله مع السلطة، وهو رهان قد يخلق بديلاً فعلياً للسلطة القائمة. أما إذا لم يتحقق، فإننا سنشهد حلقة أخرى من انقسامات المعارضة التي تصب في صالح السلطة.
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية الجزائري توحيد كافة أطياف المعارضة، معتبراً أنها مسألة بعيدة المنال، نظراً للتعدد الكبير في الساحة السياسية، ويرى أن "الاتجاه سيكون نحو تشكيل قطب وطني جديد يضم عدداً من قوى المعارضة، تشكل قوة ضاربة في أي انتخابات قادمة، خاصة إذا ما انضمت إليها قيادات من الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة".
........
المعارضة تغرد خارج السرب
أما الدكتور محمد بوضياف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مسيلة، فيعتقد بأن المعارضة الجزائرية ما زالت بعيدة عن إدراك الواقع، وأنها تسبح في عالم الأفكار والمثل، إذ لا تستند في مشاريعها لمعارضة النظام على تشخيص منطقي للمرحلة، وتقفز بذلك على الواقع، حسب تحليله.
ويقرأ بوضياف في مشروع تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي حرصاً على الأشكال والمظاهر، مستخدمين في ذلك القانون والمعيارية دون الأخذ في عين الاعتبار المرحلة وخصوصياتها. ويضيف الدكتور محمد بوضياف، في حديثه مع DW عربية، بأن على المعارضة الحقيقية المساهمة في بناء الحرية والتأسيس لحق المواطنة والمشاركة في الحفاظ على الاستقرار، إذ لا يمكن لأحد أن يكون محور التغيير الانتقال إلى دولة الحرية والقانون دون إشراك الطرف الآخر أو الدخول في مساره وتصحيح أخطائه.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة مسيلة بأن أفكار المعارضة حول مستقبل الدولة والنظام السياسي والحريات أمر إيجابي، إلا أنه يستبعد أن تكون تلك الأفكار أساساً لصياغة دستور جديد للبلاد، ذلك أنها – حسب رأيه – بحاجة للتبلور أكثر.
إلا أن الدكتور سليم من جامعة الجزائر يعتبر أن شكل الدستور وطبيعة العلاقة بين مؤسساته ليست الحل السحري للمشكلة السياسية في البلاد، بل ينبغي أن تكون هناك رؤية توافقية للمستقبل تضم الغايات والوسائل، ليتبعها الدستور كاستجابة لهذه الرؤية وليس العكس.
.......
20.05.2014
توفيق بوقاعدة - الجزائر
........
كثفت الأحزاب السياسية المعارضة في الجزائر لقاءاتها التشاورية عقب فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالانتخابات الرئاسية الأخيرة. وتهدف المعارضة إلى بلورة موقف موحد لمواجهة مشاريع السلطة في المرحلة المقبلة.
تسعى الأحزاب السياسية الجزائرية إلى الاستثمار في تحالفات فرضتها مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، التي فاز فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والهادفة إلى تشكيل قطب سياسي معارض يجمع الأحزاب المشاركة في الانتخابات إلى جانب المرشح الحر علي بن فليس وتلك المقاطعة لها.
ودخلت "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي" في مشاورات واسعة مع كافة القوى السياسية المعارضة للسلطة القائمة، لضبط الصيغة النهائية لوثيقة ندوة الانتقال الديمقراطي، التي كان من المزمع عقدها يومي السادس عشر والسابع عشر من مايو/ أيار، قبل أن يؤجلها قادة التنسيقية إلى السابع من يونيو/ حزيران المقبل بحجة ضيق الوقت وحتى يتسنى إجراء إتصالات مع أحزاب وشخصيات وطنية ومعاودة الاتصال بأخرى لدعوتها لحضور الندوة بعد توفير كل الشروط اللازمة لنجاحها.
....
توافق و انسجام ضد السلطة
وأكد سفيان صخري، عضو لجنة الخبراء السياسيين عن حزب "جيل جديد"، أن سبب التأجيل لا يتعلق بالوثيقة أو بمشاكل داخل التنسيقية، بل الهدف منه إشراك أكبر عدد من الأحزاب المعارضة، لأن "اللجنة انتهت من تحرير وثيقة تضع أرضية للندوة، وهي الآن في مرحلة التنقيح، حتى تكون في مستوى المرحلة والتحدي السياسي القادم".
ويضيف صخري لـDW عربية بأن هناك تجانساً وتفاهماً في تشخيص الوضعية التي يمر بها الجزائر، والآليات التي ستطرح خلال الندوة للدخول في تحول ديمقراطي حقيقي، وأن الجميع مدرك للمناورات التي تقوم بها السلطة لإجهاض المبادرة، سواءً بعرض الحقائب الوزارية أو من خلال عرض مشروع الدستور التوافقي ودعوة الأحزاب المعارضة للنقاش والمساهمة.
......
لا رغبة لدى السلطة في الإصلاح
من جانبه، يرى محمد الدويبي، الأمين العام لحركة النهضة، أن خيارات القوى المعارضة للسلطة سوف تطرح بشكل رسمي خلال الندوة الوطنية للانتقال الديمقراطي وأن هناك إجماعاً داخل التنسيقية على مقاطعة مشاورات السلطة حول الدستور التوافقي المزعوم، "لأنه لا توجد إرادة حقيقية للسلطة للإصلاح السياسي، وتجربة السلطة في إطلاق مثل هذه المشاريع عقب كل استحقاق انتخابي أصبحت مستهلكة ولا يمكن أن تقنع بإصلاحاتها حتى الأحزاب الدائرة في فلكها".
ويشير دويبي، في حوار مع DW عربية، إلى أن "السلطة الجزائرية تعمل من أجل تحقيق هدف واحد وهو استمرار بقائها، وهي الآن تمر بمرحلة صعبة جداً لأن خياراتها التي تم فرضها بالقوة على الشعب الجزائري بالتزوير والتضخيم في نسبة المشاركة لم تنتج إلا أزمة مشروعية للحكم، نتج عنها حالة التخبط في طرح مشاريع الإصلاح السياسي وتناقض تصريحات رجالها حول طبيعة الدستور والمرحلة الراهنة.
ويستنكر دويبي التشويه الذي يطال التنسيقية ومحاولات زرع الفرقة بين أعضائها بإعادة الخلافات الأيديولوجية والشخصية للواجهة، مؤكداً أن المعارضة أصبحت الآن في مستوى تحديات المرحلة وأنه لا يوجد أي صراع على الزعامة، لأن كل حزب سياسي حر في قراراته ومؤسساته، واللقاء جاء من أجل تحقيق دولة الحريات والمؤسسات.
هذا ويرى الدكتور سليم قلالة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، بأن السلطة الجزائرية أصبح لديها منهجية واضحة في التعامل مع أحزاب المعارضة عن طريق تشتيتها وشراء بعضها بحقائب وزارية في وتحيّن الفرصة للتخلص منها بالتقسيم أو القتل المعنوي – وهي استراتيجية حققت نجاعتها في المراحل السابقة.
ويضيف قلالة بأن تركيبة المعارضة بعد الانتخابات الماضية تبدو مختلفة، إذ أصبحت تميل أكثر للتشكل في أقطاب بدل أن تبقى في وضعية فسيفسائية غير قابلة للتجميع. فظهر قطب أحزاب التغيير بقيادة علي بن فليس، المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، وقطب آخر جمع المعارضين لهذه الانتخابات، والتواصل بينهما جار لتوحيد الجهود وتشكيل موقف موحد يتم التعامل من خلاله مع السلطة، وهو رهان قد يخلق بديلاً فعلياً للسلطة القائمة. أما إذا لم يتحقق، فإننا سنشهد حلقة أخرى من انقسامات المعارضة التي تصب في صالح السلطة.
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية الجزائري توحيد كافة أطياف المعارضة، معتبراً أنها مسألة بعيدة المنال، نظراً للتعدد الكبير في الساحة السياسية، ويرى أن "الاتجاه سيكون نحو تشكيل قطب وطني جديد يضم عدداً من قوى المعارضة، تشكل قوة ضاربة في أي انتخابات قادمة، خاصة إذا ما انضمت إليها قيادات من الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة".
........
المعارضة تغرد خارج السرب
أما الدكتور محمد بوضياف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مسيلة، فيعتقد بأن المعارضة الجزائرية ما زالت بعيدة عن إدراك الواقع، وأنها تسبح في عالم الأفكار والمثل، إذ لا تستند في مشاريعها لمعارضة النظام على تشخيص منطقي للمرحلة، وتقفز بذلك على الواقع، حسب تحليله.
ويقرأ بوضياف في مشروع تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي حرصاً على الأشكال والمظاهر، مستخدمين في ذلك القانون والمعيارية دون الأخذ في عين الاعتبار المرحلة وخصوصياتها. ويضيف الدكتور محمد بوضياف، في حديثه مع DW عربية، بأن على المعارضة الحقيقية المساهمة في بناء الحرية والتأسيس لحق المواطنة والمشاركة في الحفاظ على الاستقرار، إذ لا يمكن لأحد أن يكون محور التغيير الانتقال إلى دولة الحرية والقانون دون إشراك الطرف الآخر أو الدخول في مساره وتصحيح أخطائه.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة مسيلة بأن أفكار المعارضة حول مستقبل الدولة والنظام السياسي والحريات أمر إيجابي، إلا أنه يستبعد أن تكون تلك الأفكار أساساً لصياغة دستور جديد للبلاد، ذلك أنها – حسب رأيه – بحاجة للتبلور أكثر.
إلا أن الدكتور سليم من جامعة الجزائر يعتبر أن شكل الدستور وطبيعة العلاقة بين مؤسساته ليست الحل السحري للمشكلة السياسية في البلاد، بل ينبغي أن تكون هناك رؤية توافقية للمستقبل تضم الغايات والوسائل، ليتبعها الدستور كاستجابة لهذه الرؤية وليس العكس.
.......
20.05.2014
توفيق بوقاعدة - الجزائر