صحفي ألماني: "مصر ليست وسيطاً محايداً في حرب غزة"
في حوار مع DW عربية، يرى الصحفي الألماني يورغن شترياك* أن مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي لم تعد وسيطاً جاداً ومحايداً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لاسيما وأن جهودها الحالية تهيمن عليها مصالحها الذاتية وحربها مع الإخوان.
DWعربية: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من ناحية، يتعرض لانتقادات من بعض وسائل الإعلام المصرية بسبب فتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة بشكل مؤقت وإرسال إمدادات غذائية وطبية لسكان القطاع. ومن ناحية أخرى، فإنه يتعرض لانتقادات أيضاً بسبب تردده وموقفه المستغرب من الحرب في غزة. ما هو، برأيك، المخرج من هذا الموقف بالنسبة للسيسي؟
يورغن شترياك: أعتقد أن نظام السيسي يتحرك من منطلق مصالحه الخاصة. فهو يخوض في مصر معركة مع جماعة الإخوان المسلمين يطلق عليها حرباً ضد الإرهاب. وفي هذا السياق، فإن وضع حركة حماس ليس بالجيد، خاصة وأن النظام المصري يعتبرها وجهاً آخر للإخوان المسلمين. السيسي يسعى لإعادة الهدوء إلى شمال سيناء، وبالتالي فهو معنيبأن لا يمتد الصراع في قطاع غزة عبر الحدود إلى سيناء. وأخيراً، يريد السيسي أن يحسّن صورته دولياً، ولهذا أطلق مبادرة التهدئة. إذا ما سعى السيسي لإيجاد مخرج من هذا الموقف، فإن عليه القيام بجهود وساطة حقيقية وصادقة وأن يكون وسيطاً صادقاً، وليس وسيطاً غير محايد كما هو الآن. عدا ذلك، لا أجد أي مخرجاً آخر بالنسبة له.
إذاً هل تعتقد بأن السيسي لم يعد محايداً فيما يتعلق بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين؟
وصفت وسائل الإعلام الغربية جهود الوساطة المصرية ومبادرة وقف إطلاق النار بغير الجدية. الوسيط في مثل هذا الصراع يمكن وصفه بالوسيط الحقيقي عندما يكون محايداً ومتحرراً من تفضيلاته الشخصية وحساباته السياسية وتوجهاته الأيديولوجية، وهذا لا ينطبق على السيسي ... لذلك من الممكن تصوّر أن يتقبل السيسي سعي إسرائيل للقضاء على حركة حماس عسكرياً. ومن جهة أخرى فهو لا يقدم شيئاً قد ينفع الحركة سياسياً. من وجهة نظري، فإن جهود السيسي عبارة عن وسيلة لجذب الأنظار الخاسر فيها هم المدنيون الفلسطينيون. بالطبع، فإن حماس تتحمل جزءا من المسؤولية عن المعاناة في قطاع غزة، لكن بالنظر إلى ما يقوم به نظام السيسي، أتساءل حول مصداقية مصر كوسيط في هذا الصراع. مصر ليست وسيطاً جاداً، والمدنيون الفلسطينيون في غزة يعانون بسبب ذلك.
كيف تنظر وسائل الإعلام المصرية، من خلال متابعتك لها، لموقف السيسي؟
في مصر، وعلى مدى الأشهر الاثني عشر أو الثلاثة عشر الأخيرة، كانت هناك حملة إعلامية معادية للإخوان المسلمين، وصلت إلى حد شيطنة كل ما له علاقة بالجماعة. هذه الشيطنة وصلت إلى حركة حماس في نهاية المطاف. لذلك، فإن الشعب المصري متعاطف مع الفلسطينيين، إلا أنه ليس متعاطفاً مع حماس. لقد شاهدت مؤخراً مذيعتي قناتين تلفزيونيتين مصريتين تدعوان السيسي والجيش المصري إلى غزو قطاع غزة ومحاربة حركة حماس إلى جانب القوات الإسرائيلية. هذا المطلب يعتبر استثنائياً بالنسبة للمصريين، بل وفظيعاً أيضاً ولم يكن له سابق في السنوات الماضية.
إن ذلك مرتبط بعدة عوامل، منها أن وسائل الإعلام المصرية التقليدية، كالتلفزيون، باتت في قبضة قوى موالية للنظام، سواءً التلفزيون الحكومي المصري أو القنوات التلفزيونية الخاصة المملوكة لأباطرة اقتصاد من عهد (الرئيس المصري المعزول حسني) مبارك وهم موالون الآن للسيسي. ولهذا، نما هذا الموقف المناوئ لحماس في أوساط المصريين على مدى الشهور الماضية. لكن منذ الأسبوع الماضي، لاحظت تغيراً في التوجهات سببه الصور المأساوية للضحايا المدنيين في غزة، وأغلبهم من الأطفال. لقد بات المصريون يتساءلون عما يقوم به نظام السيسي لإنهاء العنف، بغض النظر عما إذا كانوا مع أو ضد حماس. سياسة السيسي في الوساطة غير المجدية وعدم السعي بصدق لإنهاء العنف ينظر لها المصريون بسخرية، بل إن بعض المصريين قالوا لي إنهم يعتقدون أن نظام السيسي يجعل نفسه من خلال ذلك شريكاً لإسرائيل فيما يحصل بقطاع غزة، وهذا يعني ضرراً في صورة السيسي لدى المصريين.
ماذا عن مواقف المواطنين المصريين؟ ما هي مشاهداتك هناك؟
كمراقب للأوضاع، فإن المقابلات التي أجريها تكون مقصورة على أفراد بعينهم ... لكنني أظن بأن مواقف عامة الشعب من سياسة السيسي فيما يتعلق بالصراع في قطاع غزة مرتبط بمواقفها من جماعة الإخوان المسلمين بين متعاطف ومعارض. المتعاطفون مع الإخوان يرون أن ما يحصل عبارة عن حسابات سياسية تهدد وجودهم في مصر، لأن السيسي يحارب الإخوان والمتعاطفين معهم وعدداً من التيارات العلمانية المعارضة له. وهناك أيضاً البسطاء الذين يثقون بنظام السيسي لأنهم يريدون رجلاً قوياً قادراً على الإمساك بزمام الأمور في البلاد. هؤلاء سيستمرون في دعمهم للسيسي ولسياسته في قطاع غزة.
وماذا بالنسبة لواشنطن؟ هناك تقارير تفيد بأن جهود الوساطة المصرية قد تعرقل المساعي الأمريكية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة. ما هو تقييمك لذلك؟
يجب على المرء أن يدرك أولاً ما هي مهمة واشنطن. هل تكمن مهمتها في إنهاء العنف ووضع حد للمكوّن العسكري من هذا الصراع بهدف حماية السكان المدنيين الذين يعانون، أم هل تسعى واشنطن للتخفيف من وقع العملية العسكرية الإسرائيلية أو إيصال الصورة بشكل يفيد إسرائيل أو حتى دعم هذه العملية؟ بناءً على ذلك لا يمكنني تقدير الوضع.
هل تعتقد، إذاً، بأن مصر قد تخسر قطاع غزة سياسياً لصالح قوى إقليمية في المنطقة، إذا ما استمرت في سياستها هذه؟
ما يمكن أن يحدث هو أن تفقد مصر سكان القطاع سياسياً لصالح قوى أخرى، إذ لاحظنا في الأيام الأخيرة أن سكان القطاع لا يلومون حركة حماس على ما يحصل هناك ولا يعتقدون بأن حماس هي المسؤولة عن تعريض حياتهم للخطر. أتصور بأن سكان غزة يمرّون بحالة جديدة من التطرف، لأنهم يشعرون بأن كل الأطراف تتجاهلهم، وأن المجتمع الدولي لا يقوم بأي شيء لمساعدتهم ووقف إراقة الدماء، وهم يرون بأن جهود الوساطة المصرية غير صادقة. هذا اليأس سيتسبب في زيادة التطرف لدى سكان غزة، ما قد يسمح لقوى في المنطقة تستفيد من هذا التطرف بزيادة نفوذها هناك.
*يورغن شترياك مراسل صحفي ألماني في القاهرة يعمل لعدد من وسائل الإعلام
.......
23.07.2014
صوت ألمانيا
في حوار مع DW عربية، يرى الصحفي الألماني يورغن شترياك* أن مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي لم تعد وسيطاً جاداً ومحايداً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لاسيما وأن جهودها الحالية تهيمن عليها مصالحها الذاتية وحربها مع الإخوان.
DWعربية: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من ناحية، يتعرض لانتقادات من بعض وسائل الإعلام المصرية بسبب فتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة بشكل مؤقت وإرسال إمدادات غذائية وطبية لسكان القطاع. ومن ناحية أخرى، فإنه يتعرض لانتقادات أيضاً بسبب تردده وموقفه المستغرب من الحرب في غزة. ما هو، برأيك، المخرج من هذا الموقف بالنسبة للسيسي؟
يورغن شترياك: أعتقد أن نظام السيسي يتحرك من منطلق مصالحه الخاصة. فهو يخوض في مصر معركة مع جماعة الإخوان المسلمين يطلق عليها حرباً ضد الإرهاب. وفي هذا السياق، فإن وضع حركة حماس ليس بالجيد، خاصة وأن النظام المصري يعتبرها وجهاً آخر للإخوان المسلمين. السيسي يسعى لإعادة الهدوء إلى شمال سيناء، وبالتالي فهو معنيبأن لا يمتد الصراع في قطاع غزة عبر الحدود إلى سيناء. وأخيراً، يريد السيسي أن يحسّن صورته دولياً، ولهذا أطلق مبادرة التهدئة. إذا ما سعى السيسي لإيجاد مخرج من هذا الموقف، فإن عليه القيام بجهود وساطة حقيقية وصادقة وأن يكون وسيطاً صادقاً، وليس وسيطاً غير محايد كما هو الآن. عدا ذلك، لا أجد أي مخرجاً آخر بالنسبة له.
إذاً هل تعتقد بأن السيسي لم يعد محايداً فيما يتعلق بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين؟
وصفت وسائل الإعلام الغربية جهود الوساطة المصرية ومبادرة وقف إطلاق النار بغير الجدية. الوسيط في مثل هذا الصراع يمكن وصفه بالوسيط الحقيقي عندما يكون محايداً ومتحرراً من تفضيلاته الشخصية وحساباته السياسية وتوجهاته الأيديولوجية، وهذا لا ينطبق على السيسي ... لذلك من الممكن تصوّر أن يتقبل السيسي سعي إسرائيل للقضاء على حركة حماس عسكرياً. ومن جهة أخرى فهو لا يقدم شيئاً قد ينفع الحركة سياسياً. من وجهة نظري، فإن جهود السيسي عبارة عن وسيلة لجذب الأنظار الخاسر فيها هم المدنيون الفلسطينيون. بالطبع، فإن حماس تتحمل جزءا من المسؤولية عن المعاناة في قطاع غزة، لكن بالنظر إلى ما يقوم به نظام السيسي، أتساءل حول مصداقية مصر كوسيط في هذا الصراع. مصر ليست وسيطاً جاداً، والمدنيون الفلسطينيون في غزة يعانون بسبب ذلك.
كيف تنظر وسائل الإعلام المصرية، من خلال متابعتك لها، لموقف السيسي؟
في مصر، وعلى مدى الأشهر الاثني عشر أو الثلاثة عشر الأخيرة، كانت هناك حملة إعلامية معادية للإخوان المسلمين، وصلت إلى حد شيطنة كل ما له علاقة بالجماعة. هذه الشيطنة وصلت إلى حركة حماس في نهاية المطاف. لذلك، فإن الشعب المصري متعاطف مع الفلسطينيين، إلا أنه ليس متعاطفاً مع حماس. لقد شاهدت مؤخراً مذيعتي قناتين تلفزيونيتين مصريتين تدعوان السيسي والجيش المصري إلى غزو قطاع غزة ومحاربة حركة حماس إلى جانب القوات الإسرائيلية. هذا المطلب يعتبر استثنائياً بالنسبة للمصريين، بل وفظيعاً أيضاً ولم يكن له سابق في السنوات الماضية.
إن ذلك مرتبط بعدة عوامل، منها أن وسائل الإعلام المصرية التقليدية، كالتلفزيون، باتت في قبضة قوى موالية للنظام، سواءً التلفزيون الحكومي المصري أو القنوات التلفزيونية الخاصة المملوكة لأباطرة اقتصاد من عهد (الرئيس المصري المعزول حسني) مبارك وهم موالون الآن للسيسي. ولهذا، نما هذا الموقف المناوئ لحماس في أوساط المصريين على مدى الشهور الماضية. لكن منذ الأسبوع الماضي، لاحظت تغيراً في التوجهات سببه الصور المأساوية للضحايا المدنيين في غزة، وأغلبهم من الأطفال. لقد بات المصريون يتساءلون عما يقوم به نظام السيسي لإنهاء العنف، بغض النظر عما إذا كانوا مع أو ضد حماس. سياسة السيسي في الوساطة غير المجدية وعدم السعي بصدق لإنهاء العنف ينظر لها المصريون بسخرية، بل إن بعض المصريين قالوا لي إنهم يعتقدون أن نظام السيسي يجعل نفسه من خلال ذلك شريكاً لإسرائيل فيما يحصل بقطاع غزة، وهذا يعني ضرراً في صورة السيسي لدى المصريين.
ماذا عن مواقف المواطنين المصريين؟ ما هي مشاهداتك هناك؟
كمراقب للأوضاع، فإن المقابلات التي أجريها تكون مقصورة على أفراد بعينهم ... لكنني أظن بأن مواقف عامة الشعب من سياسة السيسي فيما يتعلق بالصراع في قطاع غزة مرتبط بمواقفها من جماعة الإخوان المسلمين بين متعاطف ومعارض. المتعاطفون مع الإخوان يرون أن ما يحصل عبارة عن حسابات سياسية تهدد وجودهم في مصر، لأن السيسي يحارب الإخوان والمتعاطفين معهم وعدداً من التيارات العلمانية المعارضة له. وهناك أيضاً البسطاء الذين يثقون بنظام السيسي لأنهم يريدون رجلاً قوياً قادراً على الإمساك بزمام الأمور في البلاد. هؤلاء سيستمرون في دعمهم للسيسي ولسياسته في قطاع غزة.
وماذا بالنسبة لواشنطن؟ هناك تقارير تفيد بأن جهود الوساطة المصرية قد تعرقل المساعي الأمريكية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة. ما هو تقييمك لذلك؟
يجب على المرء أن يدرك أولاً ما هي مهمة واشنطن. هل تكمن مهمتها في إنهاء العنف ووضع حد للمكوّن العسكري من هذا الصراع بهدف حماية السكان المدنيين الذين يعانون، أم هل تسعى واشنطن للتخفيف من وقع العملية العسكرية الإسرائيلية أو إيصال الصورة بشكل يفيد إسرائيل أو حتى دعم هذه العملية؟ بناءً على ذلك لا يمكنني تقدير الوضع.
هل تعتقد، إذاً، بأن مصر قد تخسر قطاع غزة سياسياً لصالح قوى إقليمية في المنطقة، إذا ما استمرت في سياستها هذه؟
ما يمكن أن يحدث هو أن تفقد مصر سكان القطاع سياسياً لصالح قوى أخرى، إذ لاحظنا في الأيام الأخيرة أن سكان القطاع لا يلومون حركة حماس على ما يحصل هناك ولا يعتقدون بأن حماس هي المسؤولة عن تعريض حياتهم للخطر. أتصور بأن سكان غزة يمرّون بحالة جديدة من التطرف، لأنهم يشعرون بأن كل الأطراف تتجاهلهم، وأن المجتمع الدولي لا يقوم بأي شيء لمساعدتهم ووقف إراقة الدماء، وهم يرون بأن جهود الوساطة المصرية غير صادقة. هذا اليأس سيتسبب في زيادة التطرف لدى سكان غزة، ما قد يسمح لقوى في المنطقة تستفيد من هذا التطرف بزيادة نفوذها هناك.
*يورغن شترياك مراسل صحفي ألماني في القاهرة يعمل لعدد من وسائل الإعلام
.......
23.07.2014
صوت ألمانيا