لماذا تدخل أوباما في العراق وامتنع عن ذلك في سوريا؟
حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحد من التدخلات العسكرية لبلاده في الشرق الأوسط، لكن خطر انهيار العراق أمام الانتشار المخيف لتنظيم "الدولة الإسلامية" اضطره للتدخل في هذا البلد رغم رفضه من قبل التدخل في سوريا.
منذ توليه المسؤولية في البيت الأبيض، عمد الرئيس الأمريكي براك أوباما في سياسته الخارجية إلى العمل على الانسحاب من جبهات القتال التي فتحها سلفه جورج بوش و حاول الخروج "سريعا" منها، كما وعد بذلك في حملته الانتخابية الأولى.
لكن مع تطورات الأحداث في العراق والهجوم المتوحش الذي يقوده تنظيم "الدولة الإسلامية" بحق أهل هذا البلد و أقلياته، سمح الرئيس أوباما للطيران الحربي الأمريكي بالقيام بغارات جوية ضد مقاتلي هذا التنظيم المتطرف، كما سمح بتسليم قوات البيشمركة الكردية شحنات أسلحة لمواجهة المقاتلين المتطرفين الذين هجروا الآلاف من المسيحيين و الإزيديين.
و لأن هذا التنظيم المتطرف قوي أيضا في سوريا و له هناك سجل طويل من الجرائم بحق المدنيين، فإن السؤال الذي بات ملحا، هو لماذا قرر أوباما التدخل في العراق ورفض ذلك في سوريا؟!
المسؤولية الأخلاقية
من زاوية القانون الدولي، فإن هذا التحرك العسكري جاء بناء على طلب حكومة بغداد، ما يعني أن الأخيرة أمدت واشنطن بغطاء قانوني يرفع الحاجة لتفويض أممي. لكن الدوافع السياسية وراء هذا التدخل، يلخصها جيمس جيفري السفير الأمريكي السابق في العراق ومستشار سابق للرئيس أوباما، في حوار مع DW، بقوله إنه "فجأة بدأ الأمر يتعلق بالأكراد... و عندما استطاع مقاتلو "الدولة الإسلامية" تهديد قوات البيشمركة والتحرك باتجاه أربيل (عاصمة كردستان العراق)، فإن ناقوس الخطر بدأ يقرع بخصوص المصالح الأمريكية".
و هناك العديد من المواطنين الأمريكيين العاملين في إقليم كردستان سواء في قطاع النفط أو غيرها من القطاعات الأخرى، ولا نجد ذلك في سوريا على سبيل المثال.
بيد أن لا دور للنفط هذه المرة في القرار الأمريكي، يقول السفير السابق في العراق، و إنما "شبه الانهيار" الذي كاد يصيب القوات الكردية، جعل واشنطن تخشى من فقدان أحد أهم حلفاءها في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
اللحظة الحاسمة، كانت عندما هاجم هذا التنظيم أبناء الطائفة الأزيدية و قتل المئات من الأزيديين و هجر الآلاف منهم وحاصرهم في ما بعد حول جبل سنجار، حيث عانوا الجوع و العطش.
و يوضح مستشار أوباما السابق أنه لا يمكن للولايات المتحدة و إدارة أوباما أخلاقيا تحمل مسؤولية إبادة أقلية بكاملها، "فلو لا تدخل الأمريكيين لأصبح العالم شاهدا على إبادة طائفة دينية برمتها وإزاحتها من خارطة الشرق الأوسط".
الحرص على نجاح التجربة الكردية
و قد يقول المعارضون لسياسية أوباما أن سوريا بدورها تشهد بشكل يومي جرائم بشعة يذهب ضحيتها المدنيون، و مع ذلك لا تريد الولايات المتحدة التدخل، و هو ما دفع المحلل السياسي الكردي كفاح محمود إلى الاعتقاد أن القرار الأمريكي يعود بالأساس إلى حرص واشنطن على حماية التجربة الكردية التي أثبتت أنها نظام سياسي و ديمقراطي "ناجح"، حيث هناك "تنوع ثقافي و احترام متبادل لمكونات المجتمع بالإقليم".
و يضيف الأخير أن هذه الأرضية "الديمقراطية تغيب في باقي أجزاء العراق التي تشهد تطاحنا و عنفا من الموصل إلى البصرة و غيرها. و الشيء نفسه بالنسبة لسوريا و أطياف المعارضة فيها".
تزامنا مع ذلك، يرى الصحفي العراقي في حديثة لـ DW عربية بأن القرار الأمريكي جاء أيضا موازيا مع "نضوج قناعة" بداخل الحكومة العراقية بضرورة التعاون مع رئاسة الإقليم لدحر التنظيم الإرهابي، خاصة بعد تعيين حيدر العبادي رئيسا للوزراء نتيجة توافق دولي حول شخصه. و في هذا الإطار وعد مسعود البرازاني رئيس الإقليم دعمه للعبادي لتشكيل حكومة عراقية قوية و موحدة "للعمل معا على مقارعة" تنظيم "الدولة".
واشنطن تدعم الإرهاب؟
في المقابل، اعترض المحلل السياسي المعارض غسان المفلح عن مضمون السؤال حول لماذا العراق و ليس سوريا، بالتعقيب أن الضربات الجوية في شمال العراق لا ترقى إلى مستوى التدخل العسكري و إنما هي عملية "لدر الرماد في العيون"، حتى يتم القول بأن واشنطن "تدخلت من أجل حلفاءها"، علما أن هناك قناعة داخل الولايات المتحدة بعدم وجود حلفاء و إنما "خصوم نسبيين" في سوريا، يقول المعارض السوري.
و يعلل المفلح موقفه بالقول، إن الولايات المتحدة مدركة أكثر من غيرها أن هذه الضربات الجوية لا يمكنها النيل من تنظيم يعمل في الخفاء،
و هو لا يتوفر على جيش نظامي يملك قواعد عسكرية و ترسانة من الأسلحة و مخازن".
و يتهم المفلح إدارة أوباما بنشر العنف و إشعال مزيد من الفتنة في الشرق الأوسط، محذرا بأننا "مقبلون على عراق متفجر، و سوريا متفجرة، و أن الأمور ستطال لبنان و إيران و غيرها من دول المنطقة.
و حسب الصحفي السوري فإن الإدارة الأمريكية الحالية تحاول استغلال "الألغام المزروعة في المنطقة" كالإرهاب و الطائفية و غيرها، قصد "تدمير" دول المنطقة كما حدث مع العراق و سوريا، و ذلك لضمان هيمنتها على هذه المنطقة الجغرافية الحساسة من العالم.
في المقابل، استبعد غسان المفلح من أن يواصل تنظيم "الدولة الإسلامية" زحفه نحو أربيل، معتبرا أن هجومه على سنجار كان خطوة تكتيكية للنيل من مسعود البرازاني الذي يساند الثورة السورية من جهة، و خدمة لبشار الأسد في سوريا و نوري المالكي في العراق و المشروع الإيراني الطائفي".
و في نهاية حديثة إلى DW عربية حمل المفلح أوباما "مسؤولية الجرائم التي ترتكب في المنطقة"، لكون أن بلاده هو الفاعل الرئيسي في هذا المشهد المتداخل، مستشهدا بكلام بوب كروكر السيناتور الجمهوري عن ولاية تينسي في مقال نشر مؤخرا في واشنطن بوست، و التي قال فيها "هذا الرئيس...رغم تصريحاته الجريئة و مواقفه الأخلاقية، لا يمكن الاعتماد عليه".
.......
15.08.2014
صوت ألمانيا
حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحد من التدخلات العسكرية لبلاده في الشرق الأوسط، لكن خطر انهيار العراق أمام الانتشار المخيف لتنظيم "الدولة الإسلامية" اضطره للتدخل في هذا البلد رغم رفضه من قبل التدخل في سوريا.
منذ توليه المسؤولية في البيت الأبيض، عمد الرئيس الأمريكي براك أوباما في سياسته الخارجية إلى العمل على الانسحاب من جبهات القتال التي فتحها سلفه جورج بوش و حاول الخروج "سريعا" منها، كما وعد بذلك في حملته الانتخابية الأولى.
لكن مع تطورات الأحداث في العراق والهجوم المتوحش الذي يقوده تنظيم "الدولة الإسلامية" بحق أهل هذا البلد و أقلياته، سمح الرئيس أوباما للطيران الحربي الأمريكي بالقيام بغارات جوية ضد مقاتلي هذا التنظيم المتطرف، كما سمح بتسليم قوات البيشمركة الكردية شحنات أسلحة لمواجهة المقاتلين المتطرفين الذين هجروا الآلاف من المسيحيين و الإزيديين.
و لأن هذا التنظيم المتطرف قوي أيضا في سوريا و له هناك سجل طويل من الجرائم بحق المدنيين، فإن السؤال الذي بات ملحا، هو لماذا قرر أوباما التدخل في العراق ورفض ذلك في سوريا؟!
المسؤولية الأخلاقية
من زاوية القانون الدولي، فإن هذا التحرك العسكري جاء بناء على طلب حكومة بغداد، ما يعني أن الأخيرة أمدت واشنطن بغطاء قانوني يرفع الحاجة لتفويض أممي. لكن الدوافع السياسية وراء هذا التدخل، يلخصها جيمس جيفري السفير الأمريكي السابق في العراق ومستشار سابق للرئيس أوباما، في حوار مع DW، بقوله إنه "فجأة بدأ الأمر يتعلق بالأكراد... و عندما استطاع مقاتلو "الدولة الإسلامية" تهديد قوات البيشمركة والتحرك باتجاه أربيل (عاصمة كردستان العراق)، فإن ناقوس الخطر بدأ يقرع بخصوص المصالح الأمريكية".
و هناك العديد من المواطنين الأمريكيين العاملين في إقليم كردستان سواء في قطاع النفط أو غيرها من القطاعات الأخرى، ولا نجد ذلك في سوريا على سبيل المثال.
بيد أن لا دور للنفط هذه المرة في القرار الأمريكي، يقول السفير السابق في العراق، و إنما "شبه الانهيار" الذي كاد يصيب القوات الكردية، جعل واشنطن تخشى من فقدان أحد أهم حلفاءها في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
اللحظة الحاسمة، كانت عندما هاجم هذا التنظيم أبناء الطائفة الأزيدية و قتل المئات من الأزيديين و هجر الآلاف منهم وحاصرهم في ما بعد حول جبل سنجار، حيث عانوا الجوع و العطش.
و يوضح مستشار أوباما السابق أنه لا يمكن للولايات المتحدة و إدارة أوباما أخلاقيا تحمل مسؤولية إبادة أقلية بكاملها، "فلو لا تدخل الأمريكيين لأصبح العالم شاهدا على إبادة طائفة دينية برمتها وإزاحتها من خارطة الشرق الأوسط".
الحرص على نجاح التجربة الكردية
و قد يقول المعارضون لسياسية أوباما أن سوريا بدورها تشهد بشكل يومي جرائم بشعة يذهب ضحيتها المدنيون، و مع ذلك لا تريد الولايات المتحدة التدخل، و هو ما دفع المحلل السياسي الكردي كفاح محمود إلى الاعتقاد أن القرار الأمريكي يعود بالأساس إلى حرص واشنطن على حماية التجربة الكردية التي أثبتت أنها نظام سياسي و ديمقراطي "ناجح"، حيث هناك "تنوع ثقافي و احترام متبادل لمكونات المجتمع بالإقليم".
و يضيف الأخير أن هذه الأرضية "الديمقراطية تغيب في باقي أجزاء العراق التي تشهد تطاحنا و عنفا من الموصل إلى البصرة و غيرها. و الشيء نفسه بالنسبة لسوريا و أطياف المعارضة فيها".
تزامنا مع ذلك، يرى الصحفي العراقي في حديثة لـ DW عربية بأن القرار الأمريكي جاء أيضا موازيا مع "نضوج قناعة" بداخل الحكومة العراقية بضرورة التعاون مع رئاسة الإقليم لدحر التنظيم الإرهابي، خاصة بعد تعيين حيدر العبادي رئيسا للوزراء نتيجة توافق دولي حول شخصه. و في هذا الإطار وعد مسعود البرازاني رئيس الإقليم دعمه للعبادي لتشكيل حكومة عراقية قوية و موحدة "للعمل معا على مقارعة" تنظيم "الدولة".
واشنطن تدعم الإرهاب؟
في المقابل، اعترض المحلل السياسي المعارض غسان المفلح عن مضمون السؤال حول لماذا العراق و ليس سوريا، بالتعقيب أن الضربات الجوية في شمال العراق لا ترقى إلى مستوى التدخل العسكري و إنما هي عملية "لدر الرماد في العيون"، حتى يتم القول بأن واشنطن "تدخلت من أجل حلفاءها"، علما أن هناك قناعة داخل الولايات المتحدة بعدم وجود حلفاء و إنما "خصوم نسبيين" في سوريا، يقول المعارض السوري.
و يعلل المفلح موقفه بالقول، إن الولايات المتحدة مدركة أكثر من غيرها أن هذه الضربات الجوية لا يمكنها النيل من تنظيم يعمل في الخفاء،
و هو لا يتوفر على جيش نظامي يملك قواعد عسكرية و ترسانة من الأسلحة و مخازن".
و يتهم المفلح إدارة أوباما بنشر العنف و إشعال مزيد من الفتنة في الشرق الأوسط، محذرا بأننا "مقبلون على عراق متفجر، و سوريا متفجرة، و أن الأمور ستطال لبنان و إيران و غيرها من دول المنطقة.
و حسب الصحفي السوري فإن الإدارة الأمريكية الحالية تحاول استغلال "الألغام المزروعة في المنطقة" كالإرهاب و الطائفية و غيرها، قصد "تدمير" دول المنطقة كما حدث مع العراق و سوريا، و ذلك لضمان هيمنتها على هذه المنطقة الجغرافية الحساسة من العالم.
في المقابل، استبعد غسان المفلح من أن يواصل تنظيم "الدولة الإسلامية" زحفه نحو أربيل، معتبرا أن هجومه على سنجار كان خطوة تكتيكية للنيل من مسعود البرازاني الذي يساند الثورة السورية من جهة، و خدمة لبشار الأسد في سوريا و نوري المالكي في العراق و المشروع الإيراني الطائفي".
و في نهاية حديثة إلى DW عربية حمل المفلح أوباما "مسؤولية الجرائم التي ترتكب في المنطقة"، لكون أن بلاده هو الفاعل الرئيسي في هذا المشهد المتداخل، مستشهدا بكلام بوب كروكر السيناتور الجمهوري عن ولاية تينسي في مقال نشر مؤخرا في واشنطن بوست، و التي قال فيها "هذا الرئيس...رغم تصريحاته الجريئة و مواقفه الأخلاقية، لا يمكن الاعتماد عليه".
.......
15.08.2014
صوت ألمانيا