كلام عن السحر في القرآن.
د.محمد هادي معرفة.
.........
هل اعترف القرآن بتأثير السحر تأثيراً وراء مجاري الطبيعة،حسبما يزعمه أهل السحر و النفاثات في العُقد؟
ليس في القرآن ما يشي بذلك سوى بيان وَ هن مَقدرتهم و فضح أساليبهم بأنها شعوذة و تخييلات مجردة لا واقعية لها.
يقول بشأن سَحَرة فرعون:
(فإذا حبالهم و عصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/ 66.
فكان الرائي يتخيل أن تلك الحبال و العصي تسعى،أي تنزو و تقفز و تلتوي على أنحاء الحركات التي كان الناظرون يحسبونها حركات حياتية و أنها حيات ثعابين متهيجة.
قال الطبرسي: لأنها لم تكن تسعى حقيقة،و إنما تحركت لأنهم جعلوا في أجوافها الزئبق،فلما حميت الشمس تمددت الزئابق فحصلت على أثره تلك التحركات،و ظُنّ أنها تسعى.
و ذلك أنهم أخذوا مصارين أو اُدُم مصنوعة على صُوَر الحيات و الأفاعي،و جعلوا في أجوافها زئابق و تركوها بصورة العصيّ و الحبال في ساحة بعيدة عن متناول الناس و مشاهدتهم القريبة.
و كانت الساحة قد حفرت تحتها أسراب و أشعلوا فيها ناراً فأثرت حرارتها من تحت و حرارة الشمس من فوق،فجعلت الزئابق تتمدد و تتقلص،و تراءى للناس أنها تسعى.
و من ثم قال تعالى: (سحروا أعين الناس و استرهبوهم و جاؤوا بسحر عظيم) الأعراف/ 116.
و ما هي إلا شعوذة لا واقع لها سوى تخييل ظاهري مجرد.
قال الطبرسي: احتالوا في تحريك العصي و الحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس و غير ذلك من الحيل و أنواع التمويه و التلبيس،فخُيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية.
و إنما سحروا أعين الناس،لأنهم أروهم شيئاً لم يعرفوا حقيقته و خفي ذلك عليهم لبعده منهم، فإنهم لم يدعوا مجالاً للناس كي يدخلوا فيما بينهم (خوف فضح أمرهم).
قال: و في هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له،لأنها لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه: (سحروا أعين الناس) بل كان يقول: فلما ألقوا صارت حيات.
و قد قال سبحانه أيضاً: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى).
و أما وصف سحرهم بالعظمة،فلأجل استعظام الناس ذلك المشهد الرهيب.
يقول الرازي في ذيل هذه الآية: و احتج به القائلون بأن السحر محض التمويه.
قال القاضي: لو كان السحر حقاً لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم،فثبت أن المراد أنهم تخيلوا أحوالاً عجيبة مع أن الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه.
قال الواحدي: بل المراد،سحروا أعين الناس أي قلبوها عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات.
و قيل: إنهم أتوا بالحبال و العصي و لطخوا تلك الحبال بالزئبق و جعلوا الزئبق في دواخل العصي،فلما أثّر تسخين الشمس فيها تحركت و التوى بعضها على بعض و كانت كثيرة جداً،فالناس تخيلوا أنها تتحرك باختيارها و قدرتها.
قال الإمام الجصاص: و متى أطلق السحر فهو اسم لكل أمر مموه باطل لا حقيقة له و لا ثبات.
قال الله تعالى: (سحروا أعين الناس) يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم و عصيهم تسعى.
و قال: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) فأخبر أن ما ظنوه سعياً منها لم يكن سعياً و إنما كان تخييلاً.
و قد قيل: إنها كانت عصياً مجوفة قد ملئت زئبقاً و كذلك الحبال كانت معمولة من أدُم محشوة زئبقاً و قد حفروا قبل ذلك تحت المواضع أسراباً و جعلوا آزاجاً و ملؤوها ناراً.
فلما طرحت عليه و حمي الزئبق حرّكها،لأن من شأن الزئبق إذا أصابته (حرارة) النار أن يطير. فأخبر الله أن ذلك كان مموهاً على غير حقيقة.
و العرب تقول لضرب من الحلي مسحور،أي مموّه على مَن رآه مسحور به عينه.
و هكذا ذهب الإمام محمد عبده في تفسيره قال ـ بعد نقل كلام الجصاص ـ : فعلى هذا يكون سحرهم لأعين الناس عبارة عن هذه الحيلة الصناعية،إذا صح الخبر.
و يحتمل أن يكون بحيلة أخرى كاطلاق أبخرة أثرت في الأعين فجعلتها تبصر ذلك.
أو بجعل العصي و الحبال على صورة الحيات و تحريكها بمحركات خفية سريعة لا تدركها أبصار الناظرين.
و كانت هذه الأعمال من الصناعات و تسمى السيمياء و هي لغة يونانية تعني الشعوذة و النيرنج. هي عبارة عن مزاولة أعمال خفية سريعة تتراءى للنظارين أشكالاً على غير واقعها،و ربما باستعمال مواد كيمياوية تخفى على الناظرين.
و هو متعارف حتى اليوم لغاية إلهاء الناس في مجالس اللهو و السرور و مناسبات الأعياد و الأفراح.
قال الزمخشري: (سحروا أعين الناس) أروها بالحيل و الشعوذة و خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه.
......
إذن،فلم يثبت من هذه الآية اعتراف للقرآن بحقيقة السحر سوى الشعوذة و التوسل بالحيل للتمويه على أعين الناس،هذا فحسب.
و هناك آيات أخر استندوا إليها لهذا الاعتراف المزعوم،كالآيات الواردة بشأن سَحَرة بابل في سورة
البقرة.
و كذا سورة الفلق (النفاثات في العقد).
و سنتكلم عن ذلك أيضاً بعد الكلام عن أقسام السحر و رأي علماء المسلمين فيه.
و سيبدو بعون الله تعالى أن تلكم الآيات أيضاً بعيدة كل البعد عما رامه الزاعمون و أن ليس في القرآن ما يشي باعترافه بحقيقة السحر بتاتاً.
.....
*المصدر : شبهات و ردود حول القران الكريم.
موقع البلاغ.
د.محمد هادي معرفة.
.........
هل اعترف القرآن بتأثير السحر تأثيراً وراء مجاري الطبيعة،حسبما يزعمه أهل السحر و النفاثات في العُقد؟
ليس في القرآن ما يشي بذلك سوى بيان وَ هن مَقدرتهم و فضح أساليبهم بأنها شعوذة و تخييلات مجردة لا واقعية لها.
يقول بشأن سَحَرة فرعون:
(فإذا حبالهم و عصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/ 66.
فكان الرائي يتخيل أن تلك الحبال و العصي تسعى،أي تنزو و تقفز و تلتوي على أنحاء الحركات التي كان الناظرون يحسبونها حركات حياتية و أنها حيات ثعابين متهيجة.
قال الطبرسي: لأنها لم تكن تسعى حقيقة،و إنما تحركت لأنهم جعلوا في أجوافها الزئبق،فلما حميت الشمس تمددت الزئابق فحصلت على أثره تلك التحركات،و ظُنّ أنها تسعى.
و ذلك أنهم أخذوا مصارين أو اُدُم مصنوعة على صُوَر الحيات و الأفاعي،و جعلوا في أجوافها زئابق و تركوها بصورة العصيّ و الحبال في ساحة بعيدة عن متناول الناس و مشاهدتهم القريبة.
و كانت الساحة قد حفرت تحتها أسراب و أشعلوا فيها ناراً فأثرت حرارتها من تحت و حرارة الشمس من فوق،فجعلت الزئابق تتمدد و تتقلص،و تراءى للناس أنها تسعى.
و من ثم قال تعالى: (سحروا أعين الناس و استرهبوهم و جاؤوا بسحر عظيم) الأعراف/ 116.
و ما هي إلا شعوذة لا واقع لها سوى تخييل ظاهري مجرد.
قال الطبرسي: احتالوا في تحريك العصي و الحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس و غير ذلك من الحيل و أنواع التمويه و التلبيس،فخُيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية.
و إنما سحروا أعين الناس،لأنهم أروهم شيئاً لم يعرفوا حقيقته و خفي ذلك عليهم لبعده منهم، فإنهم لم يدعوا مجالاً للناس كي يدخلوا فيما بينهم (خوف فضح أمرهم).
قال: و في هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له،لأنها لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه: (سحروا أعين الناس) بل كان يقول: فلما ألقوا صارت حيات.
و قد قال سبحانه أيضاً: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى).
و أما وصف سحرهم بالعظمة،فلأجل استعظام الناس ذلك المشهد الرهيب.
يقول الرازي في ذيل هذه الآية: و احتج به القائلون بأن السحر محض التمويه.
قال القاضي: لو كان السحر حقاً لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم،فثبت أن المراد أنهم تخيلوا أحوالاً عجيبة مع أن الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه.
قال الواحدي: بل المراد،سحروا أعين الناس أي قلبوها عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات.
و قيل: إنهم أتوا بالحبال و العصي و لطخوا تلك الحبال بالزئبق و جعلوا الزئبق في دواخل العصي،فلما أثّر تسخين الشمس فيها تحركت و التوى بعضها على بعض و كانت كثيرة جداً،فالناس تخيلوا أنها تتحرك باختيارها و قدرتها.
قال الإمام الجصاص: و متى أطلق السحر فهو اسم لكل أمر مموه باطل لا حقيقة له و لا ثبات.
قال الله تعالى: (سحروا أعين الناس) يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم و عصيهم تسعى.
و قال: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) فأخبر أن ما ظنوه سعياً منها لم يكن سعياً و إنما كان تخييلاً.
و قد قيل: إنها كانت عصياً مجوفة قد ملئت زئبقاً و كذلك الحبال كانت معمولة من أدُم محشوة زئبقاً و قد حفروا قبل ذلك تحت المواضع أسراباً و جعلوا آزاجاً و ملؤوها ناراً.
فلما طرحت عليه و حمي الزئبق حرّكها،لأن من شأن الزئبق إذا أصابته (حرارة) النار أن يطير. فأخبر الله أن ذلك كان مموهاً على غير حقيقة.
و العرب تقول لضرب من الحلي مسحور،أي مموّه على مَن رآه مسحور به عينه.
و هكذا ذهب الإمام محمد عبده في تفسيره قال ـ بعد نقل كلام الجصاص ـ : فعلى هذا يكون سحرهم لأعين الناس عبارة عن هذه الحيلة الصناعية،إذا صح الخبر.
و يحتمل أن يكون بحيلة أخرى كاطلاق أبخرة أثرت في الأعين فجعلتها تبصر ذلك.
أو بجعل العصي و الحبال على صورة الحيات و تحريكها بمحركات خفية سريعة لا تدركها أبصار الناظرين.
و كانت هذه الأعمال من الصناعات و تسمى السيمياء و هي لغة يونانية تعني الشعوذة و النيرنج. هي عبارة عن مزاولة أعمال خفية سريعة تتراءى للنظارين أشكالاً على غير واقعها،و ربما باستعمال مواد كيمياوية تخفى على الناظرين.
و هو متعارف حتى اليوم لغاية إلهاء الناس في مجالس اللهو و السرور و مناسبات الأعياد و الأفراح.
قال الزمخشري: (سحروا أعين الناس) أروها بالحيل و الشعوذة و خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه.
......
إذن،فلم يثبت من هذه الآية اعتراف للقرآن بحقيقة السحر سوى الشعوذة و التوسل بالحيل للتمويه على أعين الناس،هذا فحسب.
و هناك آيات أخر استندوا إليها لهذا الاعتراف المزعوم،كالآيات الواردة بشأن سَحَرة بابل في سورة
البقرة.
و كذا سورة الفلق (النفاثات في العقد).
و سنتكلم عن ذلك أيضاً بعد الكلام عن أقسام السحر و رأي علماء المسلمين فيه.
و سيبدو بعون الله تعالى أن تلكم الآيات أيضاً بعيدة كل البعد عما رامه الزاعمون و أن ليس في القرآن ما يشي باعترافه بحقيقة السحر بتاتاً.
.....
*المصدر : شبهات و ردود حول القران الكريم.
موقع البلاغ.